سجن النساء الأكبر.. هل تنقذ ضغوط الكونغرس الأميركي المعتقلات السياسيات بمصر؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عندما تحركت الآلة العسكرية 3 يوليو/ تموز 2013، لطحن الديمقراطية الوليدة في مصر، والقضاء على مكتسبات ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، جرفت في طريقها بعض شرائح المجتمع المناهض لانقلاب وزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسي.

النساء كن إحدى ضحايا الانقلاب في مصر؛ إذ جرى تصفية كثير منهن في مجازر فض الاعتصامات والمظاهرات، واعتقال أعداد كبيرة منهن، ووضعهن على قوائم قضايا "مفبركة"، وسط انتهاكات مروعة بحقهن، وفق منظمات حقوقية.

هذا الواقع جعل مصر ضمن دول العالم المخلة بحقوق المرأة، ما دفع منظمات حقوقية ودولية لإدانة وضع المرأة المصرية، والمطالبة بإخراج المعتقلات السياسيات من أقبية السجون القاسية. 

تلك الحالة وضعت نظام السيسي، بشكل مستمر تحت طائلة الضغط الدولي.

أخيرا، حدثت تحركات لأعضاء بمجلس الشيوخ الأميركي، لإنقاذ النساء اللواتي اعتقلن على خلفيات سياسية داخل بلاد تتميز أنظمتها بالقمع.

نواب أميركيون صنفوا 10 دول حول العالم، بأنها "الأكثر احتجازا وتنكيلا بالناشطات"، وبينها مصر التي يمارس نظامها السياسي قهرا ممنهجا ضد المرأة.

تشريع أميركي

في محاولة لإنقاذ النساء المحتجزات حول العالم، والضغط على أنظمة مستبدة سعت إلى سجن المرأة على خلفية قضايا سياسية، تقدم السيناتور الأميركي روبرت مينينديز، بمشروع قرار 12 أغسطس/ آب 2021، في هذا الإطار.

رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، دعا عبر مشروعه الكونغرس الأميركي لإدانة الاعتقال السياسي للنساء والمطالبة بالإفراج الفوري عن السجينات السياسيات، في 10 دول بينها مصر.

وطالب مشروع القانون أيضا بمنح النساء حرية التعبير عن آرائهن، فيما انضم 8 من أعضاء مجلس الشيوخ إلى مشروع مينينديز. 

السيناتور الأميركي قال أمام مجلس الشيوخ: "كل يوم، تواجه الناشطات في العالم مخاطر جسيمة أثناء سعيهن للنهوض بحقوق الإنسان الأساسية، وحماية الديمقراطية، ودعم سيادة القانون".

وأضاف: "تقوم الحكومات والسلطات القمعية في العالم بسجن النساء بشكل غير عادل بسبب ممارستهن للحقوق المعترف بها عالميا كحرية التجمع وتكوين الجمعيات والتعبير".

وأشار إلى "خضوع العديد من النساء للعنف الجنسي المروع والتعذيب، من بين أشكال أخرى غير إنسانية ومهينة وغير مقبولة على الإطلاق". 

صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، قالت في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: إن "الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس يرسلون إشارات إلى السيسي بأن المرشح جو بايدن لن يتساهل مع انتهاكات حقوق الإنسان إذا فاز بانتخابات الرئاسة".

ولفتت الصحيفة إلى أن "النظام الاستبدادي في مصر سجن آلاف المعارضين السياسيين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمحامين المؤيدين للديمقراطية، بتهم ملفقة في كثير من الأحيان".

في 8 مارس/ آذار 2021، أصدرت منظمة "نحن نسجل" الحقوقية، تقريرها الذي رصدت فيه أعداد النساء في سجون مصر، وأكدت وجود 285 معتقلة سياسية من بينهن 30 بالمئة أمهات.

وذكر التقرير، الذي صدر بمناسبة يوم المرأة العالمي، أن هناك 48 سيدة وفتاة يقضين فترات محكومية داخل السجون المصرية، بالإضافة إلى 193 سيدة وفتاة قيد الحبس الاحتياطي.

قائمة التنكيل

ليس فقط الاعتقال هو السمة الخاصة بالنظام المصري، إذ تتصاعد الاتهامات ضد السلطة الحاكمة، بارتكاب مخالفات جسيمة في حق النساء، وليس فقط مجرد اعتقالهن وإيداعهن السجون في ظروف بائسة.

وصل الأمر وفق تقارير تشير إلى تعرض المعتقلات لصنوف مختلفة من الإيذاء النفسي واللفظي، بل والاعتداء الجسدي.

من أبرز المعتقلات "علا"، ابنة الشيخ يوسف القرضاوي، التي لم تعتقل لنشاط سياسي أو معارضة للنظام، وهو أمر مشروع، بل لأنها ابنة القرضاوي، وفق مراقبين.

في 30 يونيو/ حزيران 2017، ألقت قوات الأمن القبض على السيدة علا (59 عاما)، وزوجها حسام خلف من مسكنهما بالساحل الشمالي، أثناء إجازة عيد الفطر.

وجهت السلطات لعلا وحسام تهم الانضمام إلى "جماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها".

كذلك "والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي"، في حزمة تهم انتقامية صاغتها النيابة العامة بشكل دارج ومألوف ومتكرر.

وفي يونيو/ حزيران 2018، دخلت علا بشكل مؤقت في حالة إضراب عن الطعام، نتيجة للإجراءات التعسفية ضدها واحتجازها في أوضاع غير إنسانية.

منظمة "هيومن رايتس ووتش"، قالت: إن "السلطات المصرية تستمر في انتهاك حقوق ابنة الشيخ القرضاوي، وزوجها حسام خلف، بعد اعتقالهما دون مذكرة قضائية، وحجزهما في الحبس الانفرادي".

16 يوليو/ تموز 2021، دخلت علا القرضاوي، في إضراب مفتوح عن الطعام، وقالت وسائل إعلام: إنها أعلنت "الإضراب أمام هيئة المحكمة، بسبب قرار تجديد اعتقالها 45 يوما إضافية".

ليست علا وحدها، فهناك المهندسة المصرية ريمان الحساني، التي تدخل ضمن أكثر المعتقلات تعرضا للإهانة والتعذيب، منذ اعتقالها 10 مايو/ أيار 2018، واحتجازها ثلاثة أسابيع، قبل عرضها على "نيابة أمن الدولة".

جرى حينها التحقيق معها في القضية رقم 817 لسنة 2018 حصر أمن دولة، بتهم "الانضمام إلى جماعة إرهابية أسست على خلاف أحكام القانون، وتلقي التمويل لدعم الجماعة الإرهابية". 

وأكدت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان" ببريطانيا، في فبراير/ شباط 2021، تعرض المهندسة المحبوسة احتياطيا بسجن (القناطر للنساء)، لاعتداءات وحشية بالضرب، ونقلها إلى عنبر المحكوم عليهن بالإعدام.

وتلقى برنامج العدالة الجنائية في المنظمة الحقوقية شكوى من أسرة الحساني بمنع زيارتها، بعدما أخبرتهم بما تعرضت له من وقائع اعتداء بالضرب المبرح وتجريدها من متعلقاتها الضرورية.

وقائع مروعة

في 21 أبريل/ نيسان 2021، وثقت أيضا "الشبكة"، ما حدث بحق المعتقلة المصرية مروة عرفة، المدونة والمترجمة التي جرى احتجازها بسبب موقفها المعارض والمعلن ضد السيسي.

تقبع عرفة، في سجن "القناطر للنساء"، وهنا أكدت الشبكة قيام إدارة السجن، بسلبها أغراضها ومتعلقاتها أدوات النظافة الشخصية، ومثلها جميع السجينات في العنبر ذاته.

وأضافت أنه جرى نقلها من عنبر 7 إلى عنبر 4 بملابس السجن مع بطاطين للغطاء فقط، وتركها تنام على البلاط في طقس شديد البرودة، ما أصابها بآلام العظام.

لكن الأبرز في قصة "عرفة" ما يتعلق بالظروف الصحية والنفسية المؤلمة لطفلتها الرضيعة، والتي تعاني مشاكل جسيمة منذ اعتقال والدتها، ومن بينها إصابتها بصدمة عصبية أثرت بالسلب على حركتها وفهمها.

ذلك الوضع تطلب خضوعها لجلسات علاج أسبوعية، فيما تقدمت أسرتها بشكاوى إلى الأمن الوطني للمطالبة بالإفراج عنها لرعاية ابنتها؛ دون صدى أو استجابة. 

مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، قامت أجهزة الأمن المصرية، بشن حملة اعتقالات موسعة بحق عدد من الناشطين العاملين في مجال حقوق الإنسان، من بينهم عدد من السيدات العاملات في ذلك المجال.

هن: هدى عبدالمنعم، وعائشة الشاطر، وسمية ناصف، وسحر حتحوت، وراوية الشافعي، وعلياء إسماعيل، وإيمان القاضي، ومروة أحمد مدبولي، وسلوى عبد الكريم.

الناشطات التسعة تعرضن للإخفاء القسري، وسط مطالبات حقوقية ودولية بضرورة الإفراج عنهن ومعرفة مصيرهن، وذلك قبل أن يظهرن بعد 3 أسابيع من تلك الحادثة 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018.

إذ ظهرن في "نيابة أمن الدولة" التي قررت حبسهن 15 يوما على ذمة التحقيق، بتهمة الانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، والإضرار بالاقتصاد القومي.

هدى عبدالمنعم، حقوقية مصرية تبلغ من العمر 63 عاما، وتعاني أمراضا مزمنة، وزاد عليها الإهمال المتعمد في السجون، ما عرض حياتها للخطر الشديد.

هذا ما أعلنه المحامي الحقوقي، نبيه الجنادي، 18 يناير/ كانون الثاني 2021، عندما قال: "الأستاذة هدى بعد الانتهاء من جلستها وقفت في قاعة المحكمة ووجهت رسالة للمحامين جميعا، بأنه لا يجري علاجها، ولا عرضها على طبيب، أو صرف علاج لها".

ونقل عنها قولها للمحكمة أيضا: إن "حبسها الاحتياطي تخطى العامين، وهو أقصى مدة للحبس الاحتياطي، ولم تطلب إخلاء سبيلها، وطلبت فقط علاجها".

وفق وصف الجنادي، "تعاني عبدالمنعم من إهمال طبي جسيم في حقها، منذ توقف كليتها اليسرى عن العمل تماما مع ارتجاع في الكلية اليمنى، ما يزيد من آلامها يوميا".

لا رحمة 

كانت عائشة خيرت الشاطر، إحدى أولئك المعتقلات ضمن سجون السيسي، وكان لها خصوصية كونها ابنة أحد أشد خصوم النظام، وهو خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.

عندما أرادت قوات الأمن أخذ عائشة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، حطموا أثاث المنزل وفتشوه، ثم اقتادوها معصوبة العينين ومكبلة اليدين إلى مكان غير معلوم، قبل أن تظهر في "نيابة أمن الدولة".

وفي 7 أبريل/ نيسان 2021، أعلن المحامي عبدالمنعم عبدالمقصود، الموكل بالدفاع عن عائشة، أنها "تحتاج لعملية زرع نخاع إذ تعاني من فقر الدم، ما أدى إلى تدهور وضعها الصحي بسرعة".

وقال: إنها "تعرضت لنزيف حاد؛ نقلت على إثره إلى مستشفى القصر العيني لمعالجتها بالصفائح الدموية".

عائشة، نفسها قالت عبر رسالة مسربة: "أنا كأم أصاب بالجنون عندما أرى أولادي من بعيد ولا أستطيع ضمهم ولا الاطمئنان عليهم، أنا مريضة ووضعي سيء بالسجن، وصفائح الدم لدي تقل ومحتاجة عملية زرع نخاع". 

الناشط الحقوقي المصري، مصطفى عزالدين، يقول: إن "النظام المصري يتعامل في القضايا الحقوقية بمنطق: لا رحمة ولا شفقة".

ويضيف عزالدين لـ"الاستقلال": "كل الشكاوى المتعلقة بوضع المعتقل الصحي أو النفسي لا تعني النظام، بل كثيرا ما يقوم بالإمعان في التنكيل، لتتدهور صحة المعتقل أكثر، بغرض تصفيته أو سحقه تماما". 

الحقوقي المصري يوضح أن "إستراتيجية نظام السيسي، قائمة على القتل البطيء في المعتقلات والسجون، وهو ما حدث بحق الرئيس محمد مرسي، والدكتور عصام العريان، والنائب فريد إسماعيل، وأحمد خاطر" وغيرهم.

ويؤكد أن "جميعهم كانوا يعانون من الأمراض المزمنة، وجرى قتلهم ببطء وعن عمد". 

بالنسبة للمعتقلات، يرى أن "الأمور لا تختلف كثيرا، وكثير من النساء المحتجزات تعرضن للعنف والإهمال، بالإضافة إلى رصد منظمات حقوقية لتعرضهن للتحرش، خاصة الفتيات".

ويتابع عزالدين: "وكأن السلطة تقول: إنه لا فرق بين رجل وامرأة أمام آلة التعذيب والبطش". 

ويعتقد، أن "السبيل الوحيد لوقف نزيف الدم، وأعداد الموتى، من الرجال والنساء على حد سواء داخل المعتقلات، هو الضغط الخارجي أمام نظام لا يستجيب إلا لضغوطات خارجية، خاصة من قبل المشرعين الأميركيين".

ويشير إلى أن هذا "ما حدث في العديد من القضايا، مثل الإفراج عن الصحفية سولافة مجدي وزوجها حسام الصياد، وكذلك أعضاء (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية)".

ويختم بالقول: إن "كل ذلك حدث بدافع الضغط الخارجي على السيسي ومنظومته، ولولا هذا الأمر لبقي المفرج عنهم داخل السجون، ولما تحركت السلطة قيد أنملة".