يدعمون ميلينشون.. كيف يؤثر المسلمون على نتيجة الانتخابات الفرنسية؟

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تشهد فرنسا تصاعدا في التباينات والاستقطابات، في ضوء الانقسامات المجتمعية والسياسية العميقة في المجتمع الأوروبي حول العديد من الملفات والقضايا، بما في ذلك الأحداث الأخيرة في قطاع غزة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وهذا التباين يؤثر بلا شك في نهاية المطاف على نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية والبلدية، وفق ما تقول صحيفة "أتلانتيكو" الفرنسية.

وتطرقت الصحيفة إلى أثر الجاليات المسلمة الكبيرة في فرنسا على نتائج الانتخابات، وذلك من خلال تحليل توجهاتهم التصويتية خلال السنوات الأخيرة.

يأتي ذلك في ضوء بروز نجم السياسي الفرنسي جان لوك ميلينشون، المرشح الرئاسي السابق والرئيس السابق لحزب "فرنسا المتمردة" اليساري المتطرف، بين المسلمين على وجه التحديد، وتصويت أغلبيتهم لصالحه في انتخابات 2017 و2022.

ويتزعم هذا السياسي اليساري معارضة السياسات الاقتصادية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كما أنه من أنصار احتجاجات "السترات الصفراء" المناهضة للحكومة.

الحجم التصويتي

ووفقا للصحيفة الفرنسية، صدم جان لوك ميلينشون المجتمع الفرنسي بمواقفه وتصريحاته منذ أحداث 7 أكتوبر، في قطاع غزة.

وتدعي أن ميلينشون يحاول جذب كل أصوات المسلمين في فرنسا. وتتساءل عن مدى قدرة هؤلاء الناخبين على تغيير النتائج في الانتخابات الفرنسية.

وفي إجابته على هذا السؤال، تحدث الأكاديمي الفرنسي جان بول جوريفيتش عن توجهات الناخبين المسلمين في الانتخابات الفرنسية.

وذكر أن جان لوك ميلينشون حصل على نحو 69 بالمئة من أصوات المسلمين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية عام 2022، بينما حصل الرئيس إيمانويل ماكرون على 14 بالمئة فقط من أصواتهم.

وفي انتخابات عام 2017، حصل ميلينشون على 37 بالمئة فقط من إجمالي أصوات المسلمين.

وبإضافة الأصوات التي حصل عليها مرشح الحزب الاشتراكي آنذاك بونوا أمون، كان إجمالي أصوات المسلمين لهما 54 بالمئة من إجمالي الجالية المسلمة. 

وهو ما يعني زيادة كبيرة في تأييد ميلينشون بين الجالية المسلمة خلال الفترة ما بين الدورتين الانتخابيتين.

ويلفت جوريفيتش إلى أن "أصوات المسلمين -كأي أصوات لجالية أو مجموعة أخرى- تحدد وفقا للمواقف والمقترحات التي يقدمها مختلف المرشحين".

أقل الضررين

ونوه إلى أنه "لا ينبغي الاعتقاد بأن تصويت المسلمين يكون دوما رغبة في فوز أحد بعينه، لكنه يمكن أن يكون تصويتا يهدف إلى خصم أصوات من مرشح آخر لا يريدونه".

وهو ما يعني أن "جان لوك ميلينشون كان في الواقع قادرا على جمع جزء من المجتمع المسلم عبر بعض مواقفه، مثل مشاركته في المسيرة ضد الإسلاموفوبيا إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2019".

وأشار إلى أن "جزءا آخر من المسلمين قرروا التصويت لصالحه ليس قناعة ببرنامجه وشخصه، بقدر ما أنهم فعلوا ذلك خشية من اعتداء مرشحين آخرين على حريتهم الدينية".

ورأى أن الإستراتيجية الانتخابية التي ينتهجها جان لوك ميلينشون اليوم تتلخص في محاولته الاستحواذ على كل أو غالب الناخبين المسلمين.

ولفت إلى أن "هذا ليس نهجا مفاجئا"، نظرا لأن المسلمين يمثلون "قوة كبيرة في البلاد".

فبالنظر إلى التاريخ الحديث لاتجاهات تصويت المسلمين، يلاحظ أنهم صوتوا بنسبة 95 بالمئة لصالح سيجولين رويال في انتخابات عام 2007، في حين اختار ما بين 86 إلى 93 بالمئة منهم مرشح الحزب الاشتراكي فرانسوا هولاند عام 2012. 

وبدون أصواتهم، لم يكن من الممكن أن ينجح الاشتراكيون ويفوز هولاند بالانتخابات أمام نيكولا ساركوزي.

وأخيرا، صوت المسلمون بنسبة 92 بالمئة لصالح إيمانويل ماكرون في الجولة الثانية لانتخابات عام 2022، حيث كانت المرشحة المنافسة هي اليمينية المتطرفة مارين لوبان.

شريحة مهمة

وأوضح جوريفيتش أن المجتمع المسلم بأكمله، بما في ذلك الأطفال والمتدينون وغير المتدينين، يمثل ما يقارب من 9 ملايين فرد في فرنسا.

وإذا أزيل الأشخاص المقيمون بشكل غير قانوني، وأولئك المقيمون قانونيا لكن لم يحصلوا على الجنسية الفرنسية، وأولئك المسلمون الفرنسيون دون 18 عاما، فإن العدد الإجمالي للناخبين المسلمين يقترب من 4 إلى 4.5 ملايين ناخب محتمل، منهم حوالي 2.5 مليون صوت شارك فعليا بالانتخابات السابقة. 

ويمثل هذا العدد نحو 8 بالمئة من إجمالي عدد المصوتين في الانتخابات الفرنسية.

ويلفت الخبير السياسي إلى أن هذا العدد قابل للزيادة إلى حد كبير، نظرا للتركيبة السكانية الفرنسية الحالية، والتي تشهد زيادة في عدد السكان المسلمين بفرنسا.

وبين أن السعي لاجتذاب هذه الشريحة أمر منطقي على المستوى السياسي، وهو ما أكدته نتائج الانتخابات البلدية والتشريعية الأخيرة.

وضرب مثلا بمدينة سين سان دوني، حيث غالبية السكان من المسلمين، وقد حقق حزب الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد "NUPES" نجاحا كبيرا، بفوز مرشحيه الـ 12 في 12 دائرة انتخابية.

وسألت "أتلانتيكو": "إلى أي مدى نجح جان لوك ميلينشون في إقناع مسلمي فرنسا؟".

وهنا أوضح جوريفيتش أن إقناع المسلمين بالتصويت لك يعني أن تسير على اتجاهين؛ إقناعهم بأن المشروع السياسي الذي تقدمه وتقترحه هو الذي يتوافق بشكل أفضل مع تطلعاتهم، وكذلك من خلال قناعتهم بأنك تحرسهم من المرشحين الآخرين الذين يعدونهم تهديدا لحرياتهم الدينية.

ولهذا السبب، انقسم المحللون حول تفسير توجيه بعض القيادات الإسلامية مجتمعاتهم نحو جان لوك ميلينشون. وقد يكون ذلك تأييدا فعليا له.

لكنه يوضح، في المقام الأول -وفقا لهم- أن الناخبين المسلمين لا يثقون إلى حد كبير في المرشحين الآخرين، ويشككون في النظام السياسي الحالي، ويخشون من تهديد حريتهم الدينية.