اغتيالات وتغييرات أمنية وتحالفات جديدة.. "ديبي" الابن يفرض سطوته على تشاد

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

على قدم وساق، يسعى رئيس المجلس العسكري الانتقالي في تشاد محمد إدريس ديبي، لإضفاء الشرعية على زعامته للبلاد بعد وفاة والده عام 2021 في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مايو/ أيار 2024.

وفي الشهور الأخيرة نجح ديبي مستعينا بفرنسا وإسرائيل في تأسيس وحدة عسكرية خاصة خطفت الأضواء في العملية التي أدت لمقتل زعيم المعارضة في البلاد يحيى ديلو دجيرو.

واستحدث ديبي هذه القوة العسكرية الخاصة التي فاقت على صعيد القوة وحدة "النخبة" التي كانت مسؤولة عن مثل تلك العمليات، بهدف سحق خصومه، وتهيئة مسار حكمه المستقبلي، وفق مراقبين.

وكانت أولى مهام الوحدة الجديدة المشاركة في الهجوم المباغت على زعيم المعارضة يحيى دجيرو داخل مقر حزبه "الحزب الاشتراكي بلا حدود" في العاصمة نجامينا، ما أدى إلى مقتله في 28 فبراير/ شباط 2024.

مصرع دجيرو بهذه الطريقة كشف عن تسريع عملية الإصلاح للنظام الأمني التشادي، والتي بدأها ديبي (المعروف باسم كاكا) قبل بضعة أشهر.

ونتج عنها تدشين القوة الخاصة التي أصبحت الذراع العسكرية الأمنية الأولى لديبي، حيث جهزها بأسلحة ثقيلة ومتوسطة وعربات مدرعة سريعة الانتشار. 

وفي منتصف يناير/ كانون الثاني 2024، اختار الحزب الحاكم محمد ديبي مرشحا له للانتخابات الرئاسية، خاصة أن الدستور الجديد خفّض سن الترشح للرئاسة من 40 عاما إلى 35، وهو ما عده معارضون تأسيسا لاستمرار حكم ديبي الابن، حيث يبلغ الآن 39 عاما.

فوق النخبة 

عهد ديبي لابن عمه الجنرال عثمان آدم ديكي، بقيادة الوحدة الجديدة، وقام الأخير بنفسه بقيادة العملية التي قتل فيها دجيرو.

وديكي من أقرب المقربين للزعيم التشادي. وكان قد بدأ طريقه نحو السلطة في عهد عمه الراحل إدريس ديبي، الذي عينه مسؤولا عن الجمارك بين عامي 2018 و2019.

وأثبت ديكي نفسه منذ أن تولى كاكا السلطة بعد وفاة والده في عام 2021، حيث عمل في البداية مساعدا له قبل أن يرقى إلى رتبة جنرال في عام 2022 عن عمر 28 عاما.

ومع خطة "كاكا" بإعادة تشكيل الجهاز الأمني والعسكري، طلب من ديكي إنشاء القوة الخاصة لمواجهة نفوذ قوات النخبة، التي كانت مسؤولة عن الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال طاهر أردا.

قرر "كاكا" أن تحظى القوة الجديدة بهياكل قيادية وميزانية مماثلة تماما لقوات النخبة التي هيمنت لسنوات طويلة على قيادة المنظومة العسكرية في البلاد. 

وفي الأشهر الأخيرة، أبعد كاكا نخبة الحرس الرئاسي التي قادها بين عامي 2014 و2021 والتي أنشأها والده عام 2005 عن صدارة الأحداث، لتتحول إلى حارسة لمصالح قبيلة الزغاوة (أقوى قبائل تشاد، وأكثرها سطوة) التي ينحدر منها جميع عناصرها. 

وعلى النقيض من نخبة الحرس الرئاسي القديمة، تضم القوة الخاصة الجديدة بعض الجنود الزغاوة، لكن معظم جنودها من الجورانيين والعرب. 

وذكرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المختصة بشؤون الاستخبارات، أن هذا التنوع يمكن أن يغذي شكوك الزغاوة المتعصبين والقلقين من ازدواجية كاكا (الذي ينتمي إلى الزغاوة أيضا)، نظرا لأن والدته تنتمي إلى الجورانيين.

وأضافت في تقريرها الصادر يوم 5 مارس 2024: "كان من الممكن أن تكون الغارة على مقر قوات الحزب الاشتراكي بلا حدود، أكثر صعوبة بالنسبة لنخبة الحرس الرئاسي (القديم)، لأن دجيرو كان يعرف العديد من كبار ضباطها كما أنه له نفوذ بين الزغاوة".

وأكملت: "لعدة أشهر، أثار دجيرو استياء كاكا الذي أعلن في 2 مارس ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة".

وأوضحت: "هذا ما يفسر إعطاء ديبي القوة الجديدة مهمة القضاء على دجيرو، بعد استفحال خطره، خاصة أنه حصل في الآونة الأخيرة، على دعم شقيق الرئيس الراحل صالح ديبي، الذي اعتقل أيضا خلال المداهمة".

وانضم صالح ديبي، للحزب الاشتراكي بلا حدود، وهو حزب معارض، أخيرا، بعدما ترك حزب جبهة الإنقاذ الحاكم في البلاد، في إطار الصراع داخل قبيلة الزغاوة الحاكمة في البلاد.

ومما دلل على نفوذ تلك القوة الجديدة، سطوتها على الأجهزة الأخرى، حيث اعتمدت القوة الخاصة في هجومها على عملاء من جهاز أمن الدولة الذي يديره منذ بداية العام حليف ديبي الجنرال إسماعيل سليمان لوني.

وتولى الأخير مهامه خلفا للجنرال أحمد كوجري الذي ترأس أمن الدولة منذ عام 2017، فيما عين الآن سكرتيرا خاصا لكاكا.

لكن الأكثر أهمية الدور الذي لعبته قوات نخبة الحرس الوطني، وهي إحدى أقدم الوحدات العسكرية في البلاد، خلال الهجوم، حتى إنها انصاعت لتوجيهات القوات الجديدة.

وكل هذا كان نتاج تغييرات كاكا التي طبقت في نهاية عام 2022، فبعدها ازداد ولاء الأمن الوطني للرئيس، وباتت قواته تنفذ مهام أمنية في العاصمة بعد أن اقتصر عملها سابقا في المحافظات.

 

دور فرنسا 

ومع ذلك لا يمكن فصل فرنسا عن تلك التطورات، وهي التي دعمت وعضدت حكم حليفها ديبي. 

فتشاد حاليا تمثل نقطة ارتكاز بالغة الأهمية لباريس، التي تعاني من زعزعة نفوذها في إفريقيا، بعد طرد قواتها من بوركينا فاسو ومالي والنيجر.

وتبقى تشاد بموقعها الإستراتيجي وسط القارة، همزة الوصل بين الدول الواقعة في شمال إفريقيا ودول الجنوب والغرب الإفريقي، وتعد كنزا ثمينا متبقيا لفرنسا. 

وفي 8 مارس 2024، أعلن جان ماري بوكل مبعوث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإفريقيا، أن بلاده ستحتفظ بقواتها في تشاد. علما أن قرابة ألف جندي فرنسي يتمركزون في نيجامينا.

وشدد بوكل، وهو المكلف أيضا ببحث الانتشار العسكري الفرنسي الجديد في القارة، "بالطبع سنبقى" في تشاد.

وقال بعد اجتماعه مع ديبي في نجامينا، إن ماكرون طلب إجراء محادثات مع السلطات التشادية بشأن "تطور" الانتشار العسكري الفرنسي "لتكييفه بشكل أفضل" مع التحديات الأمنية والعسكرية الإقليمية.

المثير أن بوكل في تصريحاته لـ "وكالة الأنباء الفرنسية" ذكر أنه أعرب لديبي عن "إعجاب" فرنسا بانتقال تشاد إلى الحكم المدني. 

وسيخوض ديبي الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 5 مايو/أيار 2024، التي يبدو أنه سيفوز فيها بشكل شبه مؤكد.

وكان الزعيم التشادي قد تعهد عقب مقتل والده في 2021 بإعادة السلطة إلى المدنيين في غضون 18 شهرا، لكنه أرجأ الموعد عامين آخرين. 

كما كان قد صرح في وقت سابق بأنه لن يخوض الانتخابات، لكنه حاليا سيخوضها بعدما ثبت قدمه بالدعم الفرنسي، وبإنشاء وحدات عسكرية خاصة جديدة، قادرة على فرض سيطرتها، وقتل أي معارض أو منافس له.

دور إسرائيلي 

ألاعيب "كاكا" للوصول إلى هذه المرحلة من قرب السيطرة المطلقة على الحكم، والوصول إلى رئاسة البلاد، عبر انتخابات شبه محسومة لم تعتمد على فرنسا فقط، بل مرت بالكيان الإسرائيلي أيضا. 

ففي الثاني من فبراير/شباط 2023 افتتح كاكا، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، سفارة للدولة التشادية في مدينة رمات غان وسط تل أبيب.

حينها أكد موقع "N12" العبري، تطور العلاقات الإسرائيلية مع النظام العسكري في تشاد، والتقارب مع الزعيم الشاب محمد إدريس ديبي.

وأوضح أنه بجانب هدف "بيع أسلحة إسرائيلية لتشاد"، كمبرر أول ومهم للتطبيع معها، هناك هدف مركزي آخر هو تشجيع دول إفريقية أُخرى كي تحذو حذوها. 

وأضاف أن جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" هو من نظم زيارة ديبي إلى إسرائيل وحافظ على سرية الزيارة إلى حين وصوله.

لذا كان رئيس الموساد، ديفيد برنيع هو من استقبل رئيس تشاد محمد ديبي في المطار بتل أبيب.

أما موقع "واللا" العبري، فنقل مطلع فبراير 2023 عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن "الموساد تولى مسؤولية إدارة العلاقات الحساسة مع تشاد ومع الرئيس الجديد".

وهو ما يعطي تصورا عن طبيعة العلاقة بين الطرفين، ودور محمد ديبي وأهميته بالنسبة لإسرائيل وسر تركيزها على تشاد وإحضار رئيسها إليها.

وقال ديبي لدى لقائه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ: "أود أن أثني على الموساد وأجهزة المخابرات التشادية لمساهمتهم الحاسمة، كمهندسين بنوا بأيديهم العلاقات بيننا".

وقال الموساد في تصريح مكتوب: "منذ قرار إعادة العلاقات عام 2019، لعبنا دورا مركزيا في صياغة الاتفاقية وتعزيز العلاقات بين البلدين".

وأضاف: "كان الموساد، بالشراكة الكاملة مع المستويات الدبلوماسية والأمنية، مسؤولا عن الارتباط السري مع كبار المسؤولين في الجمهورية التشادية بما في ذلك الزيارات المتبادلة من قبل الوفود إلى إسرائيل وتشاد".

وبالتالي فإن ديبي اعتمد في علاقاته الخارجية على فرنسا وإسرائيل، إضافة إلى تواصلاته الإقليمية مع السعودية والإمارات وقطر، وهو ما مهد له داخليا أن يؤسس وحدة نخبة خاصة تكون مناسبة للسنوات القادمة، التي سيحكم فيها البلاد بشكل فعلي بعيدا عن أطر المراحل الانتقالية.