اتفاقية الدفاع بين تركيا والصومال.. كيف تدعم الاستقرار في إفريقيا؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

سلط مركز دراسات تركي الضوء على الاتفاقية الأخيرة بين الصومال وتركيا وتداعياتها على إرساء الأمن والاستقرار في مقديشو والمصالح المشتركة.

وفي 21 فبراير/ شباط 2024، أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود  أن "تركيا هي الدولة الوحيدة التي أبدت استعدادها لمساعدة الصومال في حماية مياهه الإقليمية، واستغلال موارده وإعادة تأهيل قواته البحرية".

إعلان الرئيس الصومالي خلال المؤتمر الصحفي جاء بعد ساعات قليلة من توقيع بلاده اتفاقية للتعاون الدفاعي مع تركيا، وصفت بـ "التاريخية". 

وجاءت الاتفاقية في توقيت شديد الحرج لمقديشو، التي تعمل على حشد تأييد دولي لموقفها الرافض للاتفاق الموقع (مطلع يناير/كانون الثاني 2024) بين إثيوبيا وصومالي لاند (أرض الصومال).

والاتفاق المذكور يمنح أديس أبابا حق استخدام ميناء بربرة المطل على خليج عدن بالبحر الأحمر وإنشاء قاعدة عسكرية لها هناك، مقابل الاعتراف بها دولة مستقلة، تهدد أمن واستقرار الصومال. 

وهو أمر عجل تعاون مقديشو وأنقرة بتوقيع اتفاقية التعاون الدفاعية بين الجانبين، بتقدير أن الصومال قنطرة للعبور نحو إفريقيا بالنسبة لتركيا. 

والعلاقات التي أعيد تأسيسها بين تركيا والصومال منذ عام 2011، تعد نموذجا يحتذى به في الدول الأخرى في القارة الإفريقية، وفق ما يقول مركز سيتا التركي للأبحاث والدراسات.

ومع ذلك، فإن علاقات تركيا مع الصومال لم تتشكل في عام 2011 بل تعود إلى وجود البحرية العثمانية، التي حمت المنطقة من البرتغاليين قبل خمسة قرون. 

تعزيز الأمن

ويقول الكاتب "تونتش ديمير تاش": تشكل "اتفاقية إطار التعاون الدفاعي والاقتصادي" نقطة تحول مهمة فيما يتعلق بسياسة القرن الإفريقي. 

ومع ذلك، فإن العملية التي أشير إليها هنا لا تشمل الحالة الرامية إلى ضمان أمن الصومال فحسب. 

إذ يتضمن الاتفاق مساهمات حاسمة في الأمن الإقليمي ورسائل مهمة لجميع الجهات الفاعلة في المنطقة.

وتابع: يبدو أن المذكرة المبرمة بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال تهدد سيادة مقديشو وسلامتها الإقليمية. لذلك، من المحتم أن يؤدي هذا التهديد إلى زيادة التوترات الإقليمية. 

وعلاوة على ذلك، هناك 34 حركة انفصالية في جميع أنحاء إفريقيا. ولا يمكن توقع أن تقتصر هذه المبادرة على القرن الإفريقي، وفق الكاتب. 

ولذلك، فإن هذه العملية التي شرعت فيها إثيوبيا مع أرض الصومال لديها القدرة على تنشيط الحركات الانفصالية النشطة الأخرى في القارة. 

بمعنى آخر، يبدو أن هناك خطراً متزايداً لاندلاع نزاع جديد يُضاف إلى الاضطراب السائد في النظام العالمي الراهن. 

ومن الواضح أن هذا الوضع سيؤثر بشكل سلبي على الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية، وفق الكاتب التركي.

ومع ذلك، يمكن لتوقيع الاتفاق بين تركيا والصومال أن يمنع بيئة السلام الإقليمية من التدهور أكثر. 

وأوضح الكاتب أنّ تركيا لم تؤثر أبدا بشكلٍ سلبيّ على الصراعات في الصومال، بل دأبت على دعم السلام والهدوء والاستقرار وإنهاء الحروب، وهو ما يتضح في مسارها بمقديشو

ففي عام 2011، عندما تركت الصومال لمصيرها في النظام الدولي كانت زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إليها كرئيس للوزراء، هي اللحظة الأولى التي تغير فيها مصير البلاد. 

وبعد هذه الزيارة استمرت تركيا والصومال بتعزيز روابط الأخوة والصداقة بينهما على أساس إستراتيجي، وجرى وضع آخر أسس هذه العلاقات أخيرا. 

وبموجب الاتفاق التاريخي ستحمي تركيا المياه الصومالية بسلطة كاملة لمدة عشر سنوات وتسهم في تنمية الموارد البحرية. 

وبالنظر إلى أن الصومال تقع على خليج عدن وتنفتح على البحر الأحمر والمحيط الهندي، فإن تركيا ستكون في نقطة رئيسة من حيث الجغرافيا السياسية والاقتصاد.

السلطة الكاملة

واستدرك الكاتب: كان لتركيا دعم بري وجوي في الصومال. ومع الاتفاق الجديد ستلعب العناصر البحرية الآن أيضا دورا رئيسا في هناك. 

وبعبارة أخرى، سيكون لتركيا الآن وجود في الصومال بعناصر برية وجوية وبحرية. 

وبالنظر إلى الموقع الإستراتيجي للمنطقة وأهميتها في النظام العالمي، فإن وجود تركيا فيها له أهمية جيوسياسية كبيرة.

لذلك، بالإضافة إلى موقف إثيوبيا تجاه الحكومة الصومالية فإن التطورات التي تُعَرِّض الجغرافيا السياسية وأمن البحر الأحمر للخطر تسببت أيضاً في مشاكل للاقتصاد العالمي. 

وإن الوضع الجديد الذي يتمثل في وجود تركيا بقوات بحرية في المنطقة يشير إلى مسار مرتقب يعمل على توسيع نطاق النفوذ التركي في إفريقيا ويزيد من وضوح دورها هناك.

ومن ناحية أخرى، فإن تركيز تركيا على القانون الدولي وجهودها لحل المشاكل الإقليمية يخلق وضعاً مفيداً لبلدان المنطقة. 


 

والواقع أن وجود تركيا التي تتمتع بعلاقات جيدة واتصالات جيدة مع الصومال وإثيوبيا وجيبوتي يحتل مكانة مهمة في أمن القرن الإفريقي، وفق الكاتب. 

وأضاف: هذا الاتفاق بين تركيا والصومال قد لا يحل مشاكل المنطقة في المقام الأول، إلا أنه سيكون له دور رادع لمنع الأعمال التي قد تهدد سلامة أراضي البلد الإفريقي ومصالح أنقرة الإقليمية في المنطقة. 

لذلك، من الواضح أن تركيا تسهم في أمن الصومال ومصالحه الاقتصادية والسلام الإقليمي وفي نهاية المطاف في أمن النظام الدولي كله.

إنجازات تركيا

وأشار الكاتب إلى أنه بعد الاتفاق، من المؤكد أنه سيكون هناك تعاون بين تركيا والصومال في مجال الاقتصاد الأزرق (البحري). 

وفي هذا السياق، ومع توقعات الأنشطة المشتركة في مختلف المجالات مثل مصائد الأسماك والبحرية، من المرجح جدا أن تحصل تركيا على حصة من الإيرادات التي سيتم استخراجها من الموارد الطبيعية في قاع البحر في الصومال.

وبالنظر إلى دعم تركيا الحالي لتعزيز قدرة الدولة المؤسسية في الصومال، من الممكن زيادة الاستثمارات في المنطقة من خلال ضمان الأمن تدريجيا فيها. 

ولفت الكاتب النظر إلى أن الصومال تُعد واحدة من البلدان التي تمتلك أطول خط ساحلي في العالم، ولديها أيضا إمكانات كبيرة من حيث السياحة. 

وفي هذا السياق، من الممكن للشركات التركية العاملة في قطاع السياحة الانفتاح على الصومال في المستقبل. 

ومن ناحية أخرى، على الرغم من أن الصومال ليس لديها احتياطيات نفطية مؤكدة بالكامل، إلا أنه من المعروف أن هناك احتياطيات مؤكدة من الطاقة في جميع أنحاء المنطقة نتيجة للبحوث الإقليمية. 

لذلك، ستمكّن هذه الاتفاقية تركيا من التعاون في مجال الطاقة في المستقبل. لكن في هذه المرحلة لا ينبغي أن ننسى أن العقلية الأساسية لسياسة أنقرة في إفريقيا هي "الشراكة المتساوية" و"الفوز"، وفق الكاتب. 

وسيظهر هذا النهج أيضا في الاتفاق المذكور. لذلك يجري تطوير نموذج جديد وعادل للتفاهم والتعاون، وهو بعيد تماما عن منطق الاستعمار الجديد.