مصالحة إقليمية.. هل ينجح التوافق المصري التركي في حل أزمة ليبيا؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

تعيش ليبيا منذ سنوات حالة من الانقسام السياسي والعسكري، منذ إعلان الانقلابي خليفة حفتر إطلاق ما يسمى "عملية الكرامة"  في 16 مايو/أيار 2014 في مدينة بنغازي.

ورغم إنجاز اتفاق سياسي بين مختلف الفرقاء الليبيين، تم بموجبه اختيار حكومة وحدة وطنية ، إلا أنه سرعان ما عاد الانقسام سريعا بين حكومتين واحدة في العاصمة طرابلس تحظى باعتراف دولي وثانية مكلّفة من برلمان طبرق وتتخذ من مدينة بنغازي مقرا لها وتدير المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات حفتر.

ومع موجة التفاهمات بين الدول المتدخلة في الشأن الليبي، ظهرت مبادرات لتوحيد الحكومتين وتمهيد الظروف لإيجاد حل سياسي ينهي الانقسام.

مصالحة إقليمية

زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القاهرة في 14 فبراير/ شباط 2024، لأول مرة منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي على السلطة المنتخبة في مصر بظلالها على رمال السياسة المتحركة في ليبيا.


 

وتداولت وسائل إعلام محلية وعربية خبر بحث أردوغان والسيسي الملف الليبي وطرق الخروج من الأزمة السياسية المستمرة منذ سنوات، وأكدت هذه الأنباء عن وجود اتفاق بين البلدين على مقترح توحيد الحكومتين المتنازعتين.

ومنذ 21 سبتمبر/أيلول 2021، عاد الانقسام الحكومي مجددا في ليبيا بعد قرار "برلمان طبرق" سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وتكليف حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا الذي أقيل بدوره ليكلف البرلمان أسامة حماد خلفا له.

هذا القرار قوبل برفض من قبل المجلس الأعلى للدولة ومقره طرابلس، عادا إجراءات سحب الثقة "باطلة لمخالفتها الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، ويعد كل ما يترتب عنها باطلا".

وتناقلت وسائل إعلام ليبية أن المقترح المصري تم تداوله فعلا في أروقة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، خاصة بعد زيارة وفد من جهاز المخابرات للعاصمة طرابلس ولقاء مسؤولين في حكومة الدبيبة وتقديم المقترح شفهيا.

وتداولت معلومات أخرى أن القاهرة وبتوافق تركي تريد أن يقوم المجلس الرئاسي بدور الإشراف على تطبيق هذه المبادرة كونه جسما ليس طرفا في الصراع ويتواصل مع الحكومتين، وأن الأمر تم عرضه رسميا خلال زيارة رئيس الرئاسي محمد المنفي، إلى مصر ولقاء السيسي في قصر الرئاسة خلال اجتماع مغلق.

وأكدت التصريحات المصرية- التركية التي تلت زيارة أردوغان إلى القاهرة في 14 فبراير، أن الملف الليبي كان أحد أهم الملفات على طاولة التفاوض بين الجانبين، مما يؤشر على أهميته عند البلدين.

وأكد السيسي على هذه النقطة خلال مؤتمر صحفي عقده بقوله إنه "من الضروري تعزيز التشاور بين مصر وتركيا في الملف الليبي بما يساعد في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتوحيد المؤسسة العسكرية في البلاد".

وأضاف "نجاحنا في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في ليبيا سيمثل نموذجا يحتذى به، إذ إن دول المنطقة هي الأقدر على فهم تعقيداتها وسبل تسوية الخلافات القائمة فيها".

رياح مواتية

وتتجه عديد من الآراء في ليبيا إلى اعتبار أن الظروف الإقليمية الموجودة حاليا هي الأنسب للوصول إلى حل سياسي في ليبيا، وتغليب منطق الحوار على الاحتكام للسلاح في محاولة للسيطرة على مقاليد الحكم.

فتطبيع العلاقات بين مصر وتركيا وإنهاء الصراع بينهما، ينهي تنافسهما على النفوذ في ليبيا وصراعهما غير المباشر.

فالدعم الذي قدمته تركيا لحكومة الوفاق الليبية بعد توقيع اتفاق التعاون العسكري وترسيم الحدود البحرية قطع الطريق أمام طموحات حفتر في إسقاط العاصمة طرابلس في قبضته.

كما أن رفع الرئيس المصري تحذيراته من تجاوز القوات الموالية لحكومة الوفاق حدود مدينة سرت نحو الشرق بعد هزيمة مليشيات حفتر، أسهم بالتعجيل بإيقاف الحرب في ليبيا والتوجه نحو الحوار السياسي.

من جهته، عبر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باتيلي عن أسفه من "تشبث قادة ليبيا بمناصبهم ومواقعهم"، مؤكدا “أنه ليست هنالك أية مؤسسة تتمتع بالشرعية في ليبيا".


 

وأوضح باتيلي أن الحل الوحيد الذي بإمكانه جلب الأمن والازدهار لليبيا هو تشكيل حكومة جديدة موحدة، تلبية "لآمال الليبيين" وفق قوله.

ووجه المبعوث الأممي دعوة خلال لقاء مع قناة "الحدث" في 18 فبراير/شباط 2024 إلى القادة السياسيين لتحمل المسؤولية وإدراك فشلهم في الاستجابة لتطلعات الشعب الليبي، مشددا على مجلسي النواب والأعلى للدولة أن يدركا أن وقتهما قد نفد وأن عليهما خلق وضع سياسي يسمح بالتغيير.

وأشار باتيلي إلى أن اشتراط أي طرف البقاء في منصبه "لم يعد مقبولا"، معتبرا أن "من شأن هذا الشرط أن يؤجج الصراع أو يشعل فتيل الحرب، الأمر الذي لم يعد مستبعدا في ليبيا اليوم".

صعوبات مطروحة 

كل هذه الظروف الإقليمية والدولية التي يراها كثيرون قادرة على خلق مناخ من التوافق الليبي، يبدو أنها لم تنجح في ذلك في ظل تمسك كل طرف بأحقيته في تولّي منصب رئاسة الحكومة ورفض الذهاب نحو خيار ثالث.

ففي 10 فبراير 2024، رفض الدبيبة استقبال المبعوث الفرنسي الخاص إلى ليبيا بول سولير، الذي كان من المقرر أن يلتقيه خلال زيارة للعاصمة لعقد مباحثات مع أطراف في الأزمة الليبية.

وذكرت مصادر لموقع "الجزيرة" أن موقف الدبيبة كان على خلفية تنظيم باريس لقاءات مع شخصيات سياسية ليبية مناوئة له وموالية لحفتر لمناقشة إمكانية الدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية جديدة في البلاد بالتشاور مع الأمم المتحدة والدول المعنية بليبيا.

وأضافت نفس مصادر أن آلية تشكيل هذه الحكومة تتمثل في دعوة رؤساء المجلس الرئاسي ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لإيجاد صيغة توافقية لتغيير الحكومة وطرح ذلك على المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي.

في الجهة المقابلة، جدد مجلس النواب في طبرق و حفتر مشاركة الدبيبة في مشاورات الطاولة الخماسية التي اقترحها المبعوث الأممي باتيلي، كما رأت رئيس الحكومة الموازية أسامة حماد أن باتيلي شخص غير مرحب به في كامل مناطق سيطرتها بسبب وصفه لحكومته غير الشرعية ودعوته لتشكيل حكومة جديدة.


 

وأكد المحلل السياسي الليبي، عصام الزبير، أن "هذه المبادرة قد تم طرحها بالفعل والتداول حولها داخل المؤسسات الليبية المختلفة، إلا أنها لم تحظ بكثير من القبول خاصّة من قبل أعضاء مجلس النواب بسبب وجود حكومة الدبيبة فيها، لأنهم يريدون إقصاء هذه الحكومة والتوجه نحو تشكيل حكومة جديدة تنال الاعتراف من قبل مجلس النواب".

وأضاف الزبير في حديث لـ"الاستقلال" أنه "لا وجود فعليا لشروط لنجاح حكومة موحدة في ليبيا بسبب الرفض المطلق من قبل مجلس النواب لشخص الدبيبة".

ولفت إلى أن "الكل يلاحظ حاليا القرارات المتخذة بمحاصرة حكومته ماليا وحجب العملات الصعبة ومنع المؤسسات المالية الليبية من التعامل معه بهدف تحميله مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع الخدمات ودفع الشارع الليبي للتحرك ضده".

ورأى الزبير أن "الوصول للانتخابات وإقامتها لا يحتاج إلى إعادة تشكيل حكومة جديدة، ولكن يكفي أن تتوفر الإرادات لتأمين مكاتب الاقتراع وتوفير ضمانات لتحقيق نزاهة الانتخابات".

وأوضح أنه "في عام 2014 أقيمت الانتخابات في ظروف متوترة وكانت أسوء من الآن، وفي 2012 كان الوضع أشد سوءا مع انتشار واسع للمجموعات المسلحة وفي ظل غياب لمؤسسات الدولة بعد الثورة مباشرة، وما يعيق إجراء الانتخابات حاليا عدم الاتفاق على قاعدة دستورية وقوانين منظمة للعملية تحسم كل الخلافات بين مختلف الأطراف".