ممر زنغزور.. ما موقف الأطراف المختلفة من المقترح الإيراني 3+3؟
منطقة القوقاز قد تكون عرضة للصراع والتوتر المتزايد
يرى مركز الدراسات السياسية والدولية الإيراني أن "إيران، من خلال دبلوماسيتها الإقليمية، نجحت إلى حد ما في إدارة أزمة القوقاز والحفاظ على مصالحها في المنطقة".
ومع ذلك، لا تزال التحديات التي تواجهها البلاد في هذه المنطقة قائمة وتتطلب يقظة ودبلوماسية نشطة من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وفي هذا التقرير، يتناول المركز الأزمات التي تواجهها الجمهورية الإيرانية، مستعرضا المواقف الدولية إزاءها.
اختناق جيوسياسي
في الأشهر الأخيرة، أصبح الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة والمذبحة الوحشية التي ارتكبها ضد الشعب الفلسطيني محط تركيز جميع وسائل الإعلام وصدارة نشرات الأخبار كافة.
ونتيجة لذلك، يشير مركز الدراسات إلى أن جميع الأزمات والنزاعات الإقليمية الجيوسياسية الأخرى أصبحت مهمشة.
ويقول: "على الرغم من ضرورة إبقاء القضية الفلسطينية في مقدمة التحليل السياسي، فإن إهمال القضايا والمشاكل الجيوسياسية الأخرى -بالنظر إلى عدد التهديدات حول حدود إيران- ليس مفيدا".
وفي ذروة الأزمة الدولية، يشير المركز إلى أن "العديد من المسؤولين في الدول يحاولون ملاحقة أهدافهم وغاياتهم الإقليمية التي تتطلب قدرا كبيرا من الضغوط والتكاليف في ظل التغيير الذي طرأ على بؤرة اهتمام الرأي العام العالمي".
وكواحدة من أهم القضايا المهمشة، يسلط المركز الضوء على أزمة القوقاز، قائلا إن "عدم إهمالها والاستعداد لإدارة الوضع في الحدود الشمالية الغربية وفق مصالح البلاد أحد المتطلبات الدبلوماسية الملحة".
فبعد حرب قره باغ التي بدأت في 27 سبتمبر/أيلول 2020، وبسبب تدخل القوى الإقليمية والجهات الفاعلة من خارج المنطقة، انتصرت جمهورية أذربيجان على أرمينيا، مما أدى إلى استعادة باكو هذا الإقليم.
وفي الوقت نفسه، ينوه المركز إلى أن مسألة ممر زنغزور يمكنها أن تحدث تغييرات جيوسياسية في حدود إيران، وأن تزيد من التحديات الإستراتيجية بين باكو وطهران.
ويقول: "على الرغم من أن إيران وأذربيجان لديهما قواسم ثقافية واقتصادية مشتركة واسعة النطاق للتعاون والشراكة مع بعضهما البعض، إلا أن ممر زنغزور يمكن أن يؤثر على المصالح الجيوسياسية والإقليمية لطهران عن طريق إلغاء الوصول الحدودي الإيراني إلى أرمينيا، مما يجبر البلاد على قبول القيود من الشمال إلى الجنوب والعكس".
ويعمل ممر زنغزور الواصل بين أذربيجان وتركيا مرورا بأرمينيا وجمهورية نخجوان ذاتية الحكم، على إزالة العقبات التي كانت لسنوات أمام التعاون الإقليمي في المنطقة.
وسيوفر الممر رابطا جديدا بين تركيا وأذربيجان، حيث يعبر أراضي ولاية زنغزور الأرمينية التي تفصل بين البر الرئيس لأذربيجان وجمهورية نخجوان الأذربيجانية ذاتية الحكم المحاذية لتركيا.
وظلت نخجوان التي يقطنها أغلبية أذربيجانية ضمن حدود أذربيجان التي أعلنت استقلالها في 28 مايو/ أيار 1918 في أعقاب الثورة البلشفية عام 1917 في روسيا.
وخلال تأسيس الحكم السوفييتي في أذربيجان عام 1920 مع احتلال الجيش الروسي، تنازل السوفييت عن ولاية زنغزور وهي منطقة تقع بين أذربيجان الحالية ونخجوان لصالح أرمينيا.
وفي الوقت الحالي، فإن عدم وجود اتصال بري بين المقاطعات الغربية لأذربيجان مع نخجوان يعد أكبر عقبة أمام تنمية الأخيرة.
تحدٍّ إداري
ولكن "مرور هذا الممر عبر أراضي أرمينيا يحد من حدود إيران وعلاقاتها مع يريفان ويخلق نوعا من الاختناق الجيوسياسي للبلاد".
وتابع المركز: "وعليه، وبعد ضم قره باغ إلى أذربيجان، أرادت العديد من دول المنطقة -التي تخوض منافسة إستراتيجية مع إيران- إنشاء هذا الممر مع الدول الغربية".
وعلى خلفية توصلهم إلى اتفاقيات في هذا الصدد، يشدد المسؤولون الدبلوماسيون في إيران على "النهج الذي يقضي بضرورة حل هذه الأزمة بحضور الأطراف الإقليمية الفاعلة، مع مراعاة مصالح جميع دول المنطقة".
وفي مثل هذا الوضع، وعلى الرغم من التوترات والتحديات المختلفة، يلفت المركز إلى أن "إيران تمكنت من إقناع الدول الأخرى في المنطقة، وخاصة أذربيجان، بقبول مقترحاتها".
ونتيجة لذلك، تحقق التعاون في شكل اجتماع إقليمي 3+3 عقد في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بمشاركة الدول الست؛ إيران وأذربيجان وأرمينيا وروسيا وجورجيا وتركيا، لإنشاء ممر بين الشرق والغرب عبر إيران.
وفي مقابل ذلك، بالنسبة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، إلى جانب فرنسا وإنجلترا، فإن ترتيب طاولة مفاوضات السلام في القوقاز على أساس صيغة 3+3 لم يكن مقبولا، وفقا للمركز.
وعزا ذلك إلى أن "هذا التعاون يمكن أن يؤدي إلى تحقيق السلام والاستقرار، وهو ما يعني قطع الطريق على تدخلاتهم في معادلات آسيا الوسطى وعرقلة تطور وجود الناتو (حلف شمال الأطلسي) في هذه المنطقة".
ولذلك، فرغم أن موقفهم الرسمي بعد هذا اللقاء كان دعم السلام والاستقرار في المنطقة، إلا أن خطواتهم العملية هي تعطيل الاتفاقات التي تُوصِّل إليها في اجتماع طهران.
ومن ناحية أخرى، يتوقع المركز أن "تتمثل خطواتهم العملية أيضا في اتباع المسارات التي يمكن أن تكون لها عواقب سياسية واقتصادية على إيران".
ضغط إقليمي
وفي هذا السياق، يتناول مركز الدراسات السياسية "المقاربات المختلفة لدول المنطقة تجاه هذه القضية".
وفيما يتعلق بموقف روسيا، يرى أن "الحرب في أوكرانيا كان لها تأثير كبير على نهج الكرملين في التعامل مع ممر زنغزور".
ويضيف: "كانت روسيا ضد تشكيل هذا الممر بعد حرب قره باغ الثانية لدرجة أنها قاومت ضغوط تركيا أذربيجان لإنشائه، إلا أنها الآن تدعمه بسبب تبعات الحرب التي أغلقت طرقها".
وبالتوجه غربا، يبحث المسؤولون الروس عن طرق نقل جديدة للتجارة والتواصل مع بقية العالم.
ونتيجة لذلك، يذهب المركز -من خلال وجهة نظر روسيا- إلى أن "موقف موسكو تجاه إنشاء ممر زنغزور قد تغير، وإن كانت لا تستطيع الإعلان عن هذا الدعم علنا بعد".
ومن جانبها، تستفيد "تركيا من إحياء ممر زنغزور وضعف الموقف الجيوسياسي الإيراني، ولذلك وضعت نفسها في صف مؤيدي أذربيجان".
وفي هذا الصدد، يشير المركز إلى زيارة الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، إلى أنقرة بدعوة رسمية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في فبراير/شباط 2023.
وبحسب المركز السياسي، جرى التأكيد خلال هذه الزيارة على "ضرورة زيادة حجم التجارة بين البلدين، بالإضافة إلى تعزيز التعاون بين دول منظمة الدول التركية".
ويعتقد أن "أنقرة، ومن أجل تعزيز أهدافها في منطقة القوقاز، حاولت المشاركة بشكل أكثر نشاطا في المبادرات متعددة الأطراف مثل تعزيز منظمة الدول التركية وطريق النقل الدولي عبر قزوين".
ومن ناحية أخرى، تسعى جورجيا، بوصفها الدولة الوحيدة في منطقة القوقاز التي تتمتع بإمكانية الوصول المباشر إلى البحر الأسود، إلى زيادة دورها في العبور التجاري.
ووفق ما ذكره المركز، انضمت هذه الدولة مؤقتا إلى سياسة معارضة إيران لإنشاء ممر زنغزور، بحيث يكون تطوير وتعزيز الممر الأوسط على جدول أعمال أذربيجان والدول الغربية.
وهذا المشروع يندرج ضمن برنامج تطوير الاتصالات بين الشرق والغرب الذي يتجاوز أراضي روسيا وإيران ويربط الدول الأوروبية بأذربيجان عبر تركيا وجورجيا، ومن ثم إلى الشرق وخاصة الصين.
صراع محتمل
وبناء على ما ذُكر سابقا، يؤكد المركز البحثي على حقيقة أن "جيران إيران في الحدود الشمالية الغربية للبلاد، يسعون حاليا وبشكل متزايد إلى تثبيت موقعهم في ممرات العبور والعلاقات السياسية والاقتصادية من أجل تأمين مصالحهم في منطقة القوقاز".
ومن ناحية أخرى، في ضوء بيان وزارة الدفاع الأرمينية الذي أفاد بأن أربعة جنود أرمن قُتلوا من قبل وحدات من القوات المسلحة الأذربيجانية، علقت أرمينيا عضويتها في منظمة "ميثاق الأمن الجماعي" وادعت أنه لم يتم تنفيذها في حالة يريفان.
وهو نهج قد يعني اقتراب أرمينيا من الدول الغربية، وفق تحليل مركز الدراسات السياسية والدولية الإيراني.
وفي هذا الوضع، يحذر من أن "منطقة القوقاز قد تكون عرضة للصراع والتوتر المتزايد".
وأوضح أن "عدم التدخل والتفكير من جانب إيران يمكن أن يؤدي إلى دفع تنمية هذه المنطقة ضد مصالح البلاد وأمنها القومي".
ومن وجهة نظره، يتمثل الخطر الأكبر في "احتمالية أن تدير أذربيجان ظهرها لاتفاقاتها مع إيران، ومحاولة هذا البلد لإحياء ممر زنغزور من داخل أراضي أرمينيا".
وفي هذا الصدد، وفي ظل الظروف الجديدة، يدعو المركز الجمهورية الإسلامية إلى إحياء دورها المتوازن مرة أخرى في منطقة القوقاز.
وفي الوقت ذاته، يلفت إلى ضرورة منع تحالف تركيا وأذربيجان وجورجيا من تحييد ممر العبور عبر إيران وإنشاء ممرات بديلة.
ومن ناحية أخرى، يرى أن "إيران، بحكم علاقاتها الجيدة مع كل من روسيا وأرمينيا، يمكنها أن تقوم بدور الوسيط في علاقاتهما الثنائية، وهو ما سيكسبها احترام الجانبين وسيصب في صالحها".