اتفاق الصيد بين بروكسل والرباط.. لماذا يواصل إثارة الجدل الدولي؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم انتهاء مدته، يواصل اتفاق الصيد البحري بين بروكسل والرباط إثارة الجدل الدولي في خضم الصراع على الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو.

وسلطت صحيفة إلباييس الإسبانية الضوء على آخر مستجدات الاتفاق، قائلة إن المحامية المكلفة من قبل الاتحاد الأوروبي ترى أن "المجلس الأوروبي قد أخطأ عندما لم يحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير". 

الصيد والتجارة

وبينت أن المدعية العامة للاتحاد الأوروبي الكرواتية تمارا كابيتا قالت إنه "يجب إلغاء" اتفاق الصيد الذي أبرم مع المغرب سنة 2019. 

وتبرر بالقول: "نظرا لأن الاتحاد الأوروبي لم يتعامل مع إقليم الصحراء الغربية والمياه المجاورة له بشكل منفصل ومختلف عن المملكة المغربية، أخطأ المجلس في عدم احترام حق تقرير المصير للشعب الصحراوي". 

وجاءت هذه التصريحات قبل حكم محكمة العدل في الاتحاد الأوروبي. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه في 80 بالمئة من الحالات، يتفق القضاة والمدعون العامون في قراراتهم.

ويأتي هذا الاستنتاج الذي توصلت إليه المدعية العامة للاتحاد الأوروبي، الكرواتية تمارا كابيتا، على خلفية الطعون المقدمة ضد حكم أصدرته المحكمة العامة للاتحاد، منذ سبتمبر/أيلول 2021، والذي حكم لصالح جبهة البوليساريو. 

وكانت حجج القضاة آنذاك، في الأساس، تستند على أنه خلال التفاوض على الاتفاقيتين المتنازع عليهما - اتفاقيتي الصيد والتجارة الزراعية - تم تجاهل سكان الصحراء الغربية، وهو أمر أساسي لأن قرارات الأمم المتحدة لا تعترف بسيادة المغرب على هذه المنطقة.

وجبهة البوليساريو، تتخذ من تندوف، في الجزائر، مقرا لها منذ أن تخلت إسبانيا عن مستعمرتها السابقة في سنة 1975 وتسيطر على 20 بالمئة فقط من أراضيها.

وتتنازع الجبهة مع الرباط على الصحراء، حيث تقترح الأخيرة حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

وتأمل الجبهة، إعادة الموافقة على الحكم المناسب أمام محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، وهي أعلى هيئة قضائية لكتلة بروكسل.

لمن الحق؟

ونوهت الصحيفة إلى أن منطق كابيتا مختلف، وقد أوضحته في المذكرة الصادرة عن محكمة لوكسمبورغ. 

وجاء فيها أن اتفاقية الصيد البحري وبروتوكول التطبيق لا يستوفيان شرط معاملة إقليم الصحراء الغربية على أنه "منفصل ومختلف" عن المملكة المغربية، وهذا ينتهك مبدأ تقرير المصير". وترى أن هذه الحجج ستكون متوافقة مع المنهج القانوني الأوروبي.

وأوردت كابيتا أن "عدم التعامل مع المنطقتين على أساس أنهما منفصلتان قد يؤثر أيضا على حق شعب الصحراء الغربية في التمتع بموارده الطبيعية والاستفادة منها، بما في ذلك موارد الصيد في المياه التابعة للإقليم المذكور". 

وأشارت الصحيفة إلى أن قرارات أخرى للمدعية العامة تشير إلى سيرها في نفس الاتجاه المذكور. 

وتحديدا، صدر تقرير يتعلق بالمنتجات الزراعية خلال مارس/آذار 2024، بشأن الاتفاقيات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب والتي تأثرت بها الصحراء. 

وتشير كابيتا إلى أن العلامات التجارية للطماطم والبطيخ يجب أن تحمل ملصقات عن منشأ هذه المنتجات، أي الصحراء الغربية، وليس تجميعها تحت مسمى عام للمملكة المغربية. 

وفي هذه الحالة، توضح الحقوقية الكرواتية أن الاتفاق الزراعي يعد المغرب والصحراء الغربية "إقليمين منفصلين ومختلفين"، على الرغم من أنه يسند أيضا للرباط دور "السلطة الإدارية بحكم الأمر الواقع".

من جانبها، اقتصرت الرباط على الإشارة، على لسان المتحدث الرسمي باسم حكومتها، مصطفى بايتاس، إلى أنه يجب على الاتحاد الأوروبي أن "يتحمل مسؤولية حماية المغرب من الاستفزازات والمناورات السياسية". 

ومن جهتها، عدت جبهة البوليساريو توصية المحامية العامة بمثابة "تقدم نحو الاعتراف بحق تقرير المصير والاستقلال للشعب الصحراوي". 

وترى أن وصف المغرب بأنه "سلطة إدارية بحكم الأمر الواقع" هو أمر "مؤسف" و"انحراف قانوني".

اتفاق معلق

ونقلت الصحيفة أن صلاحية بروتوكول الصيد الموقع بين الاتحاد الأوروبي والرباط سنة 2019 انتهت في يوليو/تموز 2023. 

وحينها، غادر 20 قاربا المياه الخاضعة للسيطرة المغربية في الصحراء الغربية، من بين 93 قاربا كحد أقصى تم التفاوض بشأنها. وإلى حين صدور حكم نهائي بشأن دعوى البوليساريو، ترك الطرفان تجديد الاتفاق معلقا.

ونوهت الصحيفة إلى أن تحديد مصدر الأسماك القادمة من الصحراء الغربية، والتي تصطادها القوارب الإسبانية، كان ممكنا حتى انتهاء صلاحية الاتفاقية. 

لكن، ليس هذا هو الحال بالنسبة للمنتجات الزراعية التي تصل إلى أراضي الاتحاد الأوروبي من المستعمرة الإسبانية السابقة. 

في الحقيقة، يعدّ المغرب ملزما من حيث المبدأ بوضع علامة على مصدره، لكن سلطاته هي الوحيدة التي يمكنها التصديق على المنشأ، دون تدخل أي طرف خارجي مستقل.

وارتكزت المفوضية والمجلس الأوروبي في حججها على الادعاء بأن جبهة البوليساريو تفتقر إلى الشرعية لتمثيل الشعب الصحراوي، خلافا لما أقرته الأمم المتحدة منذ أكثر من 40 عاما، بعد فشل عملية إنهاء الاستعمار التي بدأتها إسبانيا في الإقليم. 

وبعد فترة من الخلافات والتوتر بين مدريد والرباط سنتي 2020 و2021، اتخذ رئيس الحكومة بيدرو سانشيز منعرجا جديدا سنة 2022، نحو أطروحة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للصحراء الغربية. 

وبعد تخليه عن الحياد بصفة أن إسبانيا سلطة إدارية سابقة، أعرب رئيس الحكومة الإسبانية عن تأييده لهذا الاقتراح، في مواجهة تقرير المصير والاستقلال الذي تطالب به جبهة البوليساريو، معتبرا إياه "الأكثر جدية ومصداقية وواقعية" لحل الصراع المترسخ منذ ما يقرب من نصف قرن.

في الأثناء، سعى المغرب إلى تعزيز الأسس الشرعية للدفاع عن أطروحته من خلال التعويل على اتفاقياته السابقة مع الاتحاد الأوروبي، لمطالبته بالسيادة على الصحراء الغربية وهو الأمر الذي تشكك فيه العدالة الأوروبية الآن. 

لكن الاعتراف الأميركي بالسلطة المغربية على المستعمرة الإسبانية السابقة في سنة 2020، فضلا عن وجود قنصليات لحوالي ثلاثين دولة في العيون أو الداخلة (ضمن الإقليم)، غيّر منذ ذلك الحين نموذج العلاقات بين الرباط وبروكسل.

من جانب آخر، ذكرت تمارا كابيتا أن جبهة البوليساريو "لم تحصل قط على صفة حركة تحرير وطني من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء".

واستنتجت كابيتا كذلك أن ادعاء البوليساريو بأنها "الممثل الوحيد" للصحراء لا يتوافق مع مبادئ الاتحاد الأوروبي.