فيتنام تطبع علاقتها مع أعظم الخصوم.. هذه أهميتها الاقتصادية في آسيا

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في 11 سبتمبر/أيلول 2023، أعلن الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي نغوين فو ترونغ ورئيس الولايات المتحدة جو بايدن عن بدء مرحلة جديدة من التعاون.

وأبرم الطرفان خلال زيارة للرئيس الأميركي إلى العاصمة الفيتنامية هانوي اتفاقات تتعلق بأشباه الموصلات والمعادن.

وأفاد بيان للبيت الأبيض أن الخطوط الجوية الفيتنامية عقدت خلال زيارة الوفد الأميركي صفقة بقيمة 7.8 مليارات دولار مع شركة بوينغ الأميركية لشراء 50 طائرة من طراز 737 ماكس.

كما اتفق البلدان كذلك على رفع العلاقات بينهما إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية الشاملة.

تأتي هذه الاتفاقيات بعد مرور  أكثر من 50 عاماً على انسحاب آخر جندي أميركي من فيتنام عام 1973 عقب سنوات من الحرب.

بلد فاعل

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، اتخذت اليابان نفس الخطوة ورفعت علاقاتها مع فيتنام رسميا إلى "شراكة إستراتيجية شاملة" وذلك خلال زيارة الرئيس الفيتنامي فو فان ثونج إلى طوكيو. 

وفي 12 ديسمبر/كانون الأول، حل الرئيس الصيني شي جين بينغ بالقصر الرئاسي في العاصمة الفيتنامية وكان في استقباله رئيس الحزب الشيوعي نغوين فو ترونغ.

جاء ذلك في إطار زيارة رسمية هي الأولى له منذ ست سنوات بهدف مواجهة نفوذ الولايات المتحدة المتنامي في هذه الدولة الشيوعية الواقعة في جنوب شرق آسيا، وفق ما تداولته تقارير إعلامية.

بالتزامن مع ذلك، أعلنت الشركة الرائدة في تطوير رقائق الذكاء الاصطناعي، "إنفيديا" (Nvidia)، نيتها توسيع شراكاتها في فيتنام وإنشاء قاعدة محلّية، بعد زيارة رئيسها التنفيذي جنسن هوانغ للبلاد.

بدوره، اختار سام ألتمان، بعد عودته إلى منصب المدير التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي" الأميركية عقب قرار إقالته، الظهور العلني الأول في مدينة هو تشي منه الفيتنامية للاحتفال بيوم الذكاء الاصطناعي 2023. 

يرى معهد الموسوعة الإيطالية "تراكاني" أن الزيارات السابق ذكرها ليست مجرد سلسلة من "الأحداث العشوائية أو هي بدافع الفضول". 

وأكد أنها تشكل مراحل تؤكد أهمية "بلد بات في الواقع فاعلا مهما في هذا القرن رغم مواصلة التقليل من شأنه".

ونوه إلى مستوى النمو الاقتصادي الذي بلغته فيتنام والصعود على المستوى الدولي عبر استغلال التنافس الأميركي الصيني في قطاعات وجبهات متعددة. 

ولفت المعهد إلى أن الإصلاحات في هذا البلد الآسيوي انطلقت منذ الثمانينيات، فيما ساهمت "التوجهات العالمية الجديدة" في دفع عجلة النمو الاقتصادي خلال العقود الأخيرة.

ويذكر أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تضاعف بين العامين 2002 و2022 إلى 3.6 مرة بينما انخفض معدل الفقر بشكل كبير للغاية.

وذلك بعد أن كان معظم سكان البلاد يعيشون تحت خط الفقر خاصة في عشرينيات القرن الماضي. 

في قلب الاستثمار

وأضاف أن فيتنام التي توجد على أراضيها شركات صناعية كبيرة، باتت واحدة من المستفيدين الرئيسين من تغيير أماكن سلاسل القيمة في سياق الصراع الاقتصادي والتكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين. 

وبالنسبة للشركات التي تبحث عن بديل للتركيز المفرط لأنشطة الإنتاج في الصين، توفر فيتنام تنظيما جيدا وتكاليف عمالة أقل من بكين. 

وتابع المعهد الإيطالي بأن البلد الآسيوي استثمر باستمرار في البنية التحتية ويعمل على بناء موانئ ومطارات جديدة للاستجابة للطموحات الصناعية والسياحية الجديدة. 

ونوه كذلك أن فيتنام باتت في قلب تحركات شركة "أبل" منذ فترة لتشهد بذلك أكبر زيادة في عدد المصانع الشريكة للشركة الأميركية في منطقة جنوب شرق آسيا. 

وتظل الهند أكبر رهان محتمل لمستقبل لـ "أبل" لأنها أقل ارتباطًا بالصين وبوصفها الدولة التي تضم أكبر عدد من السكان في العالم.

ولكن توفر فيتنام التي يبلغ عدد سكانها حوالي 100 مليون نسمة، للشركة التي يوجد مقرها في كاليفورنيا ظروفًا مهمة.

وخاصة فيما يتعلق بالبنية التحتية والمواهب والحوافز وهو ما يجذب عمالقة التكنولوجيا العالمية. 

من ناحية أخرى، لفت المعهد الإيطالي إلى أن لفيتنام دورًا حاليًا ومحتملًا في البنية الأمنية للمنطقة وذلك بالنظر إلى تاريخها.

طموحات كبيرة

ويجزم بأن النمو الاقتصادي في البلاد أدى فعليا وسيؤدي بشكل أكبر في المستقبل ليس فقط إلى وجود الشركات المتعددة الجنسيات على أراضيها، وإنما أيضًا إلى اختراق نظيرتها الفيتنامية للساحة العالمية.

هذا فضلا عن تغذية طموح داخلي جديد لسياسات البحث والتطوير في القطاعات المبتكرة، بما في ذلك الفضاء. 

على سبيل المثال، يذكر تراكاني الإعلان أخيرا عن مشروع لبناء ميناء فضائي للأغراض السياحية في جزيرة فو كووك.

يلاحظ المعهد أن الدور الرئيس الذي تلعبه فيتنام في هذا القرن يعود إلى النمو الكبير في العلاقات مع الصين ما أسهم في ترابط عميق مع الاقتصاد الصيني. 

في هذا الصدد، يذكر أن حجم المبادلات التجارية الثنائية كان أقل من 200 مليون دولار عند إعلان البلدين عن اتفاقية تعاون اقتصادي عام 1992 قبل أن يتجاوز قيمة ملياري دولار في عام 2000. 

وخلال عام 2021، بلغ حجم التجارة الثنائية 230 مليار دولار، وفق ما كشفت عنه بيانات الإحصاء الصينية.

وفي اهتمام واشنطن بفيتنام على المستوى السياسي والاقتصادي، يمكن ملاحظة جانب "ساخر" إلى حد ما، على حد تعبير المعهد.

ويشرح ذلك بمحاولة استخدام العلاقات مع دولة يحكمها حزب شيوعي لموازنة دور نظيره الصيني في المنطقة. 

وبحسب المعهد الايطالي، من الواضح أن فيتنام لا تستطيع الالتزام بمفهوم ما يسمى "نادي الديمقراطيات" ضد بكين لا سيما أنها "لا تشعر بأنها تابعة للولايات المتحدة أو الصين". 

وخلص إلى أن هناك رغبة في فيتنام من القيادة والشعب في مواصلة مسار التنمية الاقتصادية الذي سيستمر في وضع هانوي أكثر فأكثر على الرادار الدولي للصناعة والتكنولوجيا وذلك بالاستفادة من السياق الدولي الحالي.