سامي العريان لـ"الاستقلال": اتفاقية أوسلو "أكبر سقطة" لعرفات وأعطت الشرعية لتطبيع الخليج

الاستقلال | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

في الذكرى الثلاثين لاتفاقية أوسلو التي وقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في 13 سبتمبر/ أيلول 1993 يتساءل فلسطينيون وعرب عن جدوى تلك الاتفاقية وما الذي حققته للشعب الفلسطيني؟ 

وفي هذا الشأن يقول المفكر الفلسطيني الدكتور سامي العريان، إن اعتراف الرئيس الراحل ياسر عرفات بشرعية سيطرة الكيان الصهيوني على 78 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية عبر هذه الاتفاقية كان "أكبر سقطة".

ويضيف في حوار مع "الاستقلال"، أن جوهر اتفاقية أوسلو كان اعتراف الفلسطيني وهو الضحية بشرعية الكيان الصهيوني، والتنازل عن حقوقه الأساسية خصوصا في الأرض وفي المقدسات وفي حق العودة.

ويوضح العريان أن مشكلة القيادة الفلسطينية أنها كانت تعتقد أن بإمكانها أن تقيم دولة تحت أي ظرف، وبالتالي تستطيع مستقبلا توسيعها.

ويشير إلى أن أهم ما قام به الاحتلال على المستوى الإستراتيجي هو إخراج مصر تقريبا تماما من دائرة الصراع، مؤكدا أن المشروع الصهيوني ليس مشروع فرض الهيمنة على دولة أو دولتين، إنما على المنطقة كلها.

والعريان مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية (CIGA) وأستاذ الشؤون العامة بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم بإسطنبول، وله العديد من الكتب حول الحل النهائي للقضية الفلسطينية.

الذكرى الثلاثين

في الذكرى الـ30 لاتفاقية أوسلو، نود معرفة متى بدأ التواصل بين حركة فتح والاحتلال؟ 

 طبعا في البداية لا بد أن نفهم أن أوسلو كانت خطوة من الخطوات التي بدأتها القيادة الفلسطينية في محاولة للوصول إلى تسوية.

وجاءت منظمة التحرير الفلسطينية التي أنشأت بقرار عربي وكان هدفها واضحا وهو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وعدم الاعتراف بالشرعية للكيان الصهيوني على أرض فلسطين.

وهذا النهج تغير بعد عدة سنوات، خصوصا بعد حرب 1973، وبدأ ما يسمى بالنقاط العشر التي جاءت عام 1974 في اجتماع منظمة التحرير الفلسطينية، بعد أن اعترفت فيها الأنظمة العربية كممثل شرعي ووحيد.

ويعني هذا أن الممثل الشرعي والوحيد أصبح جزءا من هذه المنظومة التي تريد أن تصل إلى تسوية سياسية في المنطقة.

وهذه كانت بداية السقوط وبداية عدم إدراك جوهر الحركة الصهيونية والمشروع الصهيوني في المنطقة، بأن أعطي له هذا الاعتراف المجاني. 

لأنه على الجانب الآخر كان الكيان الصهيوني يرفض أصلا وجود شعب فلسطين أو من يمثله، فهذه كانت بداية السقوط في نقاط العشر.

واستمرت المحادثات في داخل الإطار الفلسطيني والفصائل خصوصا في حركة فتح وبعض الحركات الأخرى مع شخصيات إسرائيلية أو حتى سياسية إسرائيلية، ولكن خلف الكواليس.

التنازل الجوهري الآخر حدث بعد انتفاضة الحجارة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1988 في الجزائر، حيث قام ياسر عرفات بإعلان الدولة الفلسطينية.

وذلك بعد انتقال الثقل إلى الداخل، وأصبحت شخصيات من الداخل تمثل الشرعية والنضال الفلسطيني من خلال صمودهم ونضالهم ضد المشروع الصهيوني فقام بإعلان الدولة.

 ثم تبع ذلك بما يسمى بإعلان جنيف الذي اعترف فيه عرفات بالكيان الصهيوني وأدان كل أعمال المقاومة خصوصا المسلحة، ثم فتحت بعد ذلك الإدارة الأميركية ما يسمى بالحوار ثم أغلقته بعد عامين.

وذلك بعد حرب الخليج عام 1990 واختار عرفات مساندة صدام حسين في الاعتداء على الكويت، ما أدى إلى غلق باب المجتمع الدولي أمامه، وكان جزء من الاتفاقية وقتها أنه بعد إخراج صدام من الكويت سيكون هناك حلحلة في الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني.

وفعلا كانت هناك اجتماعات مدريد التي أعقبها 13 جولة في مفاوضات واشنطن، وقتها أحست القيادات الفلسطينية وعرفات أن القطار قد يفوته.

ففتحوا قناة سرية أخرى في أوسلو، هذه القناة السرية انتهت في سبتمبر 1993 وأثمرت بما يعرف بالاتفاق الصهيوني أو الاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني.

وهو في جوهره اعتراف من يمثل أو يدعي تمثيله للشعب الفلسطيني ياسر عرفات بالشرعية للكيان الصهيوني على 78 بالمئة من أرض فلسطين التاريخية٬ وهذه طبعا أكبر سقطة.

 وفي الجانب الآخر اعترف الكيان الصهيوني بتمثيلية المنظمة للشعب الفلسطيني، بمعنى أن الكيان الصهيوني ومن يمثله لم يعترف للفلسطيني، لا بحق، ولا بدولة، ولا بأي شرعية، ولا بأي حق من الحقوق التي ينادي بها الفلسطيني، ولا حتى بالرواية الفلسطينية.

كواليس المفاوضات

ما المهارات أو الخبرات التفاوضية التي كان يملكها المفاوض الفلسطيني في تلك المرحلة؟

لم يكن هناك مهارات عند رئيس أحمد قريع أبو علاء أو حتى محمود عباس أبو مازن، فلك أن تعلم أن أبو مازن كان ينادي بمثل هذه القنوات السرية منذ 1972 يعني ليس جديدا عليه.

فقد كان يدعو إلى فتح المفاوضات مع الإسرائيليين، وكان دائما ضد الكفاح المسلح، فهذا ليس جديدا عليه، وكان هو من ضمن القلائل الذين يعرفون ذلك.

ومن العجيب أن الوفد الفلسطيني لم يكن فيه خبير واحد، لا في القانون الدولي، ولا في الخرائط، ولا في أي شيء، وبالتالي كانت شرعيتهم تأتي من وجودهم كقيادات رئيسة في حركة فتح وإعطاء عرفات لهم هذه الصلاحية. 

بينما كان الإسرائيليون مستعدين وعندهم من الخبراء في القانون الدولي والمفاوضات وفي الخرائط، وكانوا هم الذين يعطونهم مثل هذه المعلومات.

ولك أن تتخيل أنه كان هناك خلاف على 16 نقطة لم يستطيعوا أن يتفقوا عليها٬ حتى جاء وزير الخارجية، رئيس الوزراء النرويجي آنذاك "ثورفالد ستولتنبرغ"، وأجلس شمعون بيريز والذي كان وزير خارجية الاحتلال آنذاك جانبه، ثم اتصل بعرفات وفتح خط الهاتف وعرفات لا يعرف أن بيريز يسمع الحوار.

وكان الاتفاق أن يأتي وزير الخارجية النرويجي بأكثر النقاط لصالح إسرائيل، وهذا الكلام يرويه أحد المفاوضين الإسرائيليين والنرويجيين.

وقد استطاع وزير الخارجية النرويجي أن ينتزع من عرفات 15 نقطة، والنقطة الوحيدة التي سمحوا له بها هي أن ينادى باسم الرئيس، لأن عرفات قبلها كانوا ينادوه برئيس منظمة التحرير الفلسطينية.

ولكنه أصر أن ينادى بالرئيس الفلسطيني، وهذا التنازل الوحيد الذي قدمه شمعون بيريز.

على ذكر التسريبات هناك العديد من المذكرات لساسة خططوا لأوسلو يتحدثون فيها صراحة أن مُهمتهم مع الجانب الفلسطيني كانت سهلة، ما حقيقة ذلك؟ 

جوهر أوسلو كان اعتراف الفلسطيني وهو الضحية، والتنازل عن حقوقه الأساسية خصوصا في الأرض وفي المقدسات وفي حق العودة.

وكل هذا في سبيل وعود بإقامة دولة٬ ولذلك أنا أقول فشلت أوسلو بالنسبة للفلسطينيين، ولكنها نجحت نجاحا باهرا بالنسبة للإسرائيلي الذي لم يوقع على أي تنازل.

فحتى بعد 5 سنوات من وجود عرفات في غزة وأريحا تم الاتفاق أنه سيتم مناقشة 5 قضايا٬ أولا: الحدود والأرض٬ وهنا تم الاتفاق على تقسيم الضفة الغربية 3 تقسيمات، ألف وباء وجيم.

ألف تكون تحت السيادة الفلسطينية التي لا تتجاوز أكثر من عن 1.5 إلى 2 بالمئة من فلسطين التاريخية. ثم باء ويكون فيها وجود فلسطيني إداري ووجود عسكري إسرائيلي.

ثم جيم وهي مناطق لا يدخل الفلسطيني فيها وهي تقريبا كانت تفوق 80 بالمئة من الضفة الغربية٬ وهذا كان تقسيم الأرض.

ثانيا: كان موضوع القدس، ثالثا: المستوطنات، رابعا: اللاجئون وحق العودة والذي لم يكن يطمح فيه الفلسطيني بالكثير والدليل على ذلك أنه في مفاوضات 2000 في كامب ديفيد بين عرفات والرئيس الأميركي كلينتون ورئيس الوزراء الصهيوني إيهود باراك، وافقت القيادة الفلسطينية تقريبا، على رجوع بحدود 120 ألف فلسطيني من أصل 6 ملايين في وقتها.

والآن العدد وصل إلى 7 ملايين لاجئ، بحيث يتم هذا عبر عشر سنوات. خامسا: السيادة.

والذي ينظر إلى المحادثات المصرية الإسرائيلية سيعرف أن موضوع السيادة كان منتهيا، فلا سيادة على البحر ولا الجو ولا الأرض ولا على أي شيء على الإطلاق.

وبالعودة إلى الخمسة قضايا التي كان من المفترض أن يتم التفاوض حولها، كان من المفروض أن تخرج بعد ذلك بدولة تسمى دولة فلسطينية على الضفة وغزة ويكون بينهم طريق أو شيء٬ لكن ذلك لم يحدث.

كيف دخل المفاوض الفلسطيني المفاوضات وهو ينوي تعليق قضايا مهمة كحق العودة والقدس والحدود وغيرها؟

هذا هو الجهل وعدم فهم كنه المفاوضات وعمليات التسوية، لأنهم كانوا يظنون أن العالم وخصوصا أميركا بعد تقديم هذا التنازل الكبير سيقفون معه، وسيضغطون على العدو الصهيوني لتحقيق هذا.

ولكنها وعود ذهبت أدراج الرياح فلم تكن مكتوبة ولم تكن لها أي حقيقة على الأرض، فمثلا توازن القوى كان فادحا، حتى أكبر بطاقة كان يمكن أن يقدمها الفلسطيني للإسرائيلي هو الاعتراف وهذا قدمه مجانا في البداية.

بالإضافة إلى أن النظام العربي شجعه كثيرا على المضي في المفاوضات، فبعد أن كانت منظمة التحرير مقفل عليها عربيا ودوليا لوقوفها مع صدام في اعتدائه على الكويت.

فتح لها مجددا الباب بعد اعترافه بإسرائيل، وقدم له الدعم المالي الكبير، ثم جاءت ما يعرف بمبادرة السلام العربية، وهو الاعتراف الكامل بإسرائيل من خلال عقد تسوية مع الفلسطينيين ثم الانفتاح معه بالتطبيع، ولكن فكرة التطبيع نفسها قام بها الفلسطيني.

حدود متشابكة

يقول مؤيدو اتفاقية أوسلو أنها فتحت الباب أمام عودة القيادة الفلسطينية من الخارج؟ 

هذه بعض الأمور التي يتحدثون عنها كإنجازات، ولكن مثلا إذا واحد طُردَ من قصره والذي استولى على هذا القصر سمح له أن يعود، ولكن كخادم وليس له أي حقوق وينام على أسواره٬ هل هذه عودة حقيقية؟ أم أن هذا استغلال؟

وأيضا ما فائدة عودة هؤلاء وهدف العودة حتى يتحكموا في الشعب الفلسطيني حتى لا يثور ولا يقاوم، فهؤلاء الذين عادوا أصبحوا طبقة "الكومبرادور"، الطبقة التي تعين الاحتلال على احتلاله. 

عرفات عندما كان يُنتقد على اتفاقية أوسلو كان يشبهها بصلح الحديبية ويقول "إذا أحد عنده اعتراض على أوسلو فأنا عندي 100 اعتراض" إذا كان الأمر كذلك لماذا وقع عليها؟

مشكلة القيادة الفلسطينية أنهم كانوا يعتقدون أن بإمكانهم أن يقيموا دولة تحت أي ظرف، وبالتالي يستطيعون مستقبلا توسيعها.

وهذه مشكلة لعدم إدراك حقائق التاريخ والجغرافيا بأن المشروع الصهيوني لن يعطيهم دولة، وبالتالي كان دورهم الحقيقي تأخير عملية المقاومة والانتفاضة الشعبية لأكثر من ثلاثة عقود، وسبب ذلك أزمة عميقة جدا.

فبعد أن كانت مشكلتنا مع الجانب الصهيوني أصبحت هناك مشكلة في الداخل الفلسطيني وأصبح هناك انقسام كبير جدا بعد أوسلو.

فهناك من يرى أن أوسلو ممكن أن تكون حل لإيجاد تسوية، بغض النظر عن وجود أكثر من نصف الشعب الفلسطيني خارج فلسطين التاريخية، وهناك من يرى أن مسار التفاوض هو حياد عن الطريق. 

أما عربيا فأوسلو أعطت الشرعية لاتفاقية وادي عربة، والتي لم تكن لتحدث لولا أوسلو، ثم التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب لم يكن ليحدث لولا أوسلو.

بعد عام واحد فقط من أوسلو وقع الأردن اتفاقية وادي عربة مع الاحتلال الصهيوني، لماذا تم ذلك بهذه السرعة؟

يجب أن نفهم أن العلاقات الأردنية الإسرائيلية قديمة أي قبل نشوء الدولة، ولكن لم يكن ليجرؤ الأردن على التوقيع مع إسرائيل إلا بعد ما وقع الفلسطيني.

حتى عندما وقعت مصر، لم يجرؤ الأردن أن يوقع، مع إنه كان يمتلك علاقات سرية مع الكيان الصهيوني، ولكن لم يكن يتجرأ لأن أكثر من نصف الشعب الأردني هو فلسطيني، فكان من الصعب جدا، وأوسلو هي التي أعطت الشرعية للأردن. 

عرض رابين هذه الاتفاقية على الكنيست الإسرائيلي، أما ياسر عرفات فوقع عليها دون أي استشارة للشعب الفلسطيني، لماذا قام بذلك؟

هذا جزء من المنظومة والعقلية العربية للأسف الشديد، فالنظام السياسي الإسرائيلي محكوم بنظم وضوابط محددة فهم يخضعون لنظام ديمقراطي يهودي لهم فقط.

ووقتها طبعا اليمين كان يرفض مثل هذه التسويات السياسية، وإذا عدنا بالذاكرة إلى اتفاقية كامب ديفيد مع مصر أو اتفاقية السلام التي وقعت في 26 مارس/آذار 1979.

عندما عرضت على الكنيست أيضا، وكان حزب الليكود وقتها  هو المعني بها، كان هناك أعضاء مهمين جدا ضدها مثل شارون، ولولا ما يسمى باليسار الإسرائيلي لما تحققت.

ولكن في حساب الربح والخسارة من أهم ما قام به الاحتلال على المستوى الإستراتيجي هو إخراج مصر تقريبا تماما من دائرة الصراع.

وهذا كان مكسبا إستراتيجيا كبيرا جدا، وهنا انتقلت مصر من قيمة إستراتيجية ضد العدو إلى كنز إستراتيجي٬ حيث أصبحت سيناء دولة حاجز، وبالتالي لن يكون هناك تهديد ضد إسرائيل، وهذه مسألة في غاية الأهمية. 

إمكانية الانسحاب

في الذكرى الـ30 لأوسلو جدد قادة المقاومة سواء في الجهاد أو حماس على ضرورة انسحاب السلطة من الاتفاقية، لماذا لا تنسحب؟

المراهنة على السلطة الفلسطينية أن تغير من سياستها فجأة بعد 30 سنة من التنازلات والشراكة الإسرائيلية في كبح نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني هو أمر غريب وعجيب.

هؤلاء القوم بعد التطبيع أخذوا الكثير من الامتيازات في داخل منظومة الاحتلال التي تعتمد على هذه الطبقة التي من خلال حكمها ومن خلال اتفاقاتها ومنظومتها الأمنية، هي التي تستطيع أن تكبح نضال ومقاومة الشعب الفلسطيني.

هذه أصبحت طبقة مصالح مع الاحتلال٬ وهي لا تدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني حقيقة، هي تدافع عن مصالحها التي أصبحت جزء من منظومة الاحتلال، ناهيك عن الفساد الأخلاقي والإداري.

هذا بخلاف أن الكثير من هؤلاء الاحتلال يحتفظ لهم بملفات كثيرة، وإلا كيف تفسر بعد ما يفشل الاحتلال مثلا في مجابهة المقاومة في بعض المخيمات في نابلس وطولكرم، من الذي يقوم الآن نيابة عن الاحتلال في ضرب المقاومين واعتقالهم؟

فهذه المنظومة الأمنية التي تأتي كل معاشاتها من الولايات المتحدة التي تعطي السلطة الفلسطينية كل ما تحتاج من الأسلحة والتدريب حتى يقوموا بضرب المقاومة.

علي الجانب الآخر لماذا لا ينسحب الاحتلال من هذه الاتفاقية، فجميع الحكومات الآن من اليسار حتى اليمين لا تريد الجلوس مع السلطة؟ 

 لماذا ينسحب إذا كانت كل أهداف محققة، يجب أن ندرك ما أهداف الطرف الفلسطيني؟ وما أهداف الطرف الإسرائيلي؟

الطرف الفلسطيني كان يتصور أنه سيلزم الاحتلال بتنفيذ بعض الخطوط العريضة التي وعده بها الأميركان، والأميركان بالمناسبة لم يعدوه أيضا بدولة، بل قالوا نحن مع هذه الفكرة، ولكن لم يعدوا بشيء.

قالوا سنبدأ في مفاوضات، ونحن سنرعاها وسنكون الراعي الأمين، وهم لم يكونوا أمناء حقيقة، وبالتالي الطرف الفلسطيني دخل بأوهام واكتشفوا بعد ذلك بسرعة جدا بالمناسبة ولم يستطيع أن يفتك منها.

أما الجانب الإسرائيلي فكانت أهداف محددة وواضحة جدا، وهو أنه يريد أن يسيطر على الأرض، وأن يبقي على المستوطنات ويوسعها، وأنه يجعل الحياة الفلسطينية صعبة جدا.

وبالتالي ييأس الفلسطيني من تحقيق أي هدف من أهدافه، ولكن بأقل تكلفة ممكنه لهذا الاحتلال، هو حقق كل أهدافه فلماذا ينسحب منها؟!

يعني هو دخل هذه الاتفاقية بهذه النية أنه لن يعطي الفلسطيني أي شيء وسيقلل من كلفة الاحتلال، هناك بعض الدراسات التي تقول إن إسرائيل وفرت على الأقل 20 مليار دولار من كلفة الاحتلال المباشر.

وفي اليوم الذي ترى في حساباتها أن هذه الاتفاقية لم تعد تشتغلها في شيء، ستقوم برميها في الزبالة، وتطرد كل الفلسطينيين إلى الأردن.

رؤية مستقبلية

بعد 30 عاما من أوسلو هل يمتلك الاحتلال رؤية مستقبلية لتعامله مع الشعب الفلسطيني؟

إسرائيل كانت دائما أمامها ثلاثة خيارات٬ الخيار الأول هو الاكتفاء 78 أو 80 بالمئة من الأرض الفلسطينية٬ ويعد هذا انتصارا تاريخيا للمشروع الصهيوني.

لأن المشروع الصهيوني بدأ بلا شيء، ثم توسع وجاء التقسيم وأعطاهم 55 بالمئة، ثم جاءت حرب 1948 وصلوا إلى 78 بالمئة، ثم جاء حرب 1967 وأخذوا كل فلسطين وسيناء والجولان.

وبعد ذلك إذا جاء الفلسطينيون وقالوا نحن نعترف بكم فقط انسحبوا من 21 بالمئة في الضفة وغزة، فهذا يعد انتصارا تاريخيا.

ولكنهم لا يكتفون بذلك، فكان أمامهم الاكتفاء بذلك وقبوله ونخرج ما يسمى بحل الدولتين، وبالتالي يكون عندك دولة فيها أغلبية يهودية ودولة فيها الشعب الفلسطيني مع التقسيمات في الضفة وغزة٬ وهذا تقريبا فيه إجماع في داخل الكيان الصهيوني بعدم قبولها حتى الآن.

الخيار الثاني لدى الإسرائيلي هو أن يكون هناك دولة واحدة٬ وبالتالي نعطي الفلسطينيين الحقوق السياسية، ونأخذ نحن كل الأرض.

وهذا الطرح لا يؤمن به أي طرف إسرائيلي حقيقي ولا أي حزب سياسي بما فيهم الأحزاب اليسارية العتيدة مثل الحزب الشيوعي، لأنهم يعرفون أن المستقبل سيكون للطرف الفلسطيني الذي سيتفوق عليهم من ناحية الديمغرافية.

الخيار الثالث وهو الإبقاء على الأرض، واتباع سياسة "الأبارتيد" بمعنى أنه يبقى عندنا أرض واحدة، ولكن لن نعطي الفلسطيني أي شيء ولن نقيم له دولة ولن نعطي له أي حقوق، وسنبقى نحن المتنفذين بالفكرة الاستعلائية الصهيونية.

والعالم كله يحذر الجانب الصهيوني من هذه السياسة لأنها على المدى البعيد ستكون في صالح الفلسطينيين. 

ولكن اليمين الإسرائيلي خرج الآن بفكرة أخرى، فنحن الآن وصلنا إلى ما يعرف بلحظة الحسم، ولحظة الحسم هذه النظرية التي خرج بها الوزير اليميني "بتسلئيل سموتريتش"، وأقنع بها الكثير من الحلفاء.

وهي مسألة ليس عليها إجماع صهيوني الآن، وهي سنعطي العرب والفلسطينيين ثلاثة خيارات، أولا أن يقبلوا بصهيونية الدولة وبامتيازات اليهودي، وأن نعطي لهم بعض الامتيازات، ولكن هذه الامتيازات لن تؤثر على وجود شعبين.

بمعنى الشعب له امتيازات سياسية وله حقوق لأنه يهودي، والآخرون لهم حقوق أن يسكنوا، ولكن بدون حقوق المواطنة الحقيقية، ولكن يقبلوا ويوقعوا على ولائهم لهذه الدولة مثل البدو والدروز.

ثانيا إذا رفضوا فنعطيهم ما يريدون من تعويضات، ونيسر لهم الهجرة إلى أي مكان يريدونه.

ثالثا وإذا رفضوا فالقتل. وهذا الاتجاه ليس عليه إجماع، ولكن هذا ما تسير عليه الحكومة الحالية. 

على الجانب الآخر هل هناك تصور فلسطيني على أي صعيد لرؤية الحل النهائي؟

 للأسف الشديد ليس هناك إدراك لطبيعة المشروع الصهيوني، لذلك السلطة الفلسطينية ما زالت متمسكة بنفس النهج الفاشل والخاسر، والمشكلة على الطرف الإسلامي الآخر أيضا هناك عدم إدراك لطبيعة المشروع الصهيوني، ولذلك هم يظنون أن في موضوع مراكمة القوة، وأن الفلسطيني وحده قادر على أن يتجاوز أو يهزم المشروع الصهيوني.

وأنا في دراسة لي أقول إن المشروع الصهيوني هو ليس مشروعا فقط سرقة الأرض وطرد الشعب، ولكنه مشروع أكبر من ذلك، فهو مشروع فرض الهيمنة على المنطقة كلها وليس مشروع دولة أو دولتين.

وبالتالي المعادلة هو إنه لا يمكن تحقيق التحرر من الهيمنة من غير الفلسطيني، ولا يمكن تحقيقه بالفلسطيني وحده.

وهذا المشروع عنده مقومات ومحددات قوة، جمعتها في 12 محدد، يمكن للفلسطيني أن يؤثر في ثلاثة أو أربعة، فأنا أنظر إلى المشروع الصهيوني على أنه عبارة عن بيت تحته 12 عمود ممكن تضرب في هذه الأعمدة فينهار البيت بالكامل.

فما نراه في انقسامات في داخل المجتمع الصهيوني مثل صراع مستوطن مع ساكن مدن، غني مع فقير، يهودي شرقي مع يهودي غربي، هذه كلها أشياء في داخل البيت تؤثر في الشكل الخارجي، ولكنها لا تسقط البيت.

ولكن 12 عمودا هي محددات القوة وهذه تحتاج إلى طاقات أمه وحركة عالمية تستطيع أن تشتبك مع العدو الصهيوني في كل المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية والفكرية والقانونية والحقوقية، دبلوماسية، والرياضية والفنية على كل المجالات.

والمقاومة في تصوري لا تستطيع أن تحرر فلسطين أو تفكك هذا المشروع وحدها، وبالتالي مطلوب منها أن تبق على هذا الصراع قائمة، ولكن نحن بحاجة أن نعطي الدور لبقية طاقات الأمة، وبالتالي نحن محتاجين لهذه الحركة أن توجد في كل منطقة.

وكذلك نحن نريد لفلسطين أن تكون عنوانا لهذا الصراع، وهذا لا يأتي إلا من خلال كشف العلاقة بين الصهيونية وبين الفكرة الاستعمارية التي تريد أن تستغل الشعوب.

 أنا أتصور أن العالمية الإسلامية الأولى بدأت من دولة المدينة واستمرت طبعا صعودا وهبوطا أكثر من 13 قرنا وانتهت مع سقوط الخلافة العثمانية، ونحن الآن في فترة انتقالية ما بين العالمية الإسلامية الأولى والعالمية الإسلامية الثانية.

العالمية الإسلامية الأولى بدأت في المدينة المنورة، أما الثانية ستبدأ من القدس، وموضوع مجابهة النفوذ الأجنبي وكسره سيبدأ من القدس.