نتائج دموية.. لماذا أثار  كليتشدار أوغلو "شبح الطائفية" في السياسة التركية؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة تركية الضوء على الأحداث الأخيرة التي جعلت "الطائفية" تبرز في مجال السياسة التركية، شارحة أسباب ظهورها ونتائجها، خصوصا لدى الجانب اليساري المعارض.

وتوقفت صحيفة "ستار" في مقال كتبه رئيس جامعة "سلجوق"، متين أكسوي، عند التغييرات التي قد تحدثها الأقليات الطائفية في تركيا، بالأخص العلوية، بالإضافة إلى اليد الإيرانية في هذه الأحداث.

وقال أكسوي: "مع دخولنا المنعطف الأخير لانتخابات 2023، يُثبِت مقطع فيديو بعنوان (العلوي) لمرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، ورد الفعل الذي وجده على مواقع التواصل، وبيان الرئيس رجب طيب أردوغان الذي حث فيه العلويين على توخي الحذر، أن بطاقة (الطائفة) تم إحضارها إلى المشهد السياسي مرة أخرى".

ورأى أن "الحقيقة تبينت، أي المستثمر الرئيس للسياسة الطائفية، مع فيديو مرشح كتلة المعارضة".

ميكافيلي جديد

وأوضح أكسوي أن "الوجه المرئي للقضية هو، مرشح كتلة المعارضة للرئاسة يعد بمنصب نائب الرئيس لكل زعيم حزب متحالف معه من أجل الفوز في الانتخابات، ويخصص نوابا للأحزاب التي لم يُعرف معدل الأصوات التي قد تحصل عليها حتى الآن في القوائم الانتخابية بدلا من ممثلي حزبه".

وتابع: "يستنكر (كليتشدار أوغلو) عمليات الجيش التركي المشروعة عبر الحدود من أجل الحصول على دعم حزب الشعوب الديمقراطي الداعم لمنظمة (بي كا كا) الإرهابية، باذلا بهذا كل جهد ممكن للفوز".

وأضاف الكاتب: "بمحاولاته للفوز بكل الوسائل، فإن مرشح المعارضة عبارة عن ميكافيلي جديد، ومحاولاته هذه أخطر من سابقاتها". 

وقال أكسوي: "في حين أن النتائج الدموية للطائفية في التاريخ السياسي التركي لا تزال في الأذهان، فإن طرح هذه البطاقة للفوز في الانتخابات سيترك جرحا أكثر استعصاء من المنفعة المتوقعة".

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى حجم السكان العلويين في تركيا، "فليس من المنطقي للوهلة الأولى أن يطرح مرشح الكتلة المعارضة الورقة الطائفية، لأنه في تركيا، حيث يشكل السنّة أغلبية السكان، من الممكن أن يؤدي صنع سياسات الهوية بالقول إنه "علوي" إلى خلق رد فعل مضاد في الشريحة السنية غير المهتمة بهذه السياسة".

واستطرد: "سيكون من غير المعقول القول إن مرشح الكتلة المعارِضة، الذي نجح في جمع الشرائح الاجتماعية التي لم تستطع الالتقاء من خلال المساومة لتحقيق مكاسب سياسية، لم يستطع التنبؤ بذلك. لذلك من الضروري التعامل مع وجه آخر من جوانب الورقة الطائفية المعنية، وهو الجانب الدولي".

وتابع أكسوي: "حيث إن انتخابات 2023 في تركيا قد اكتسبت بالفعل محتوى تتابعه القوى الإقليمية والعالمية المهمة بعناية وتجري حساباتها وفقا لذلك".

ولفت إلى أنه "بالنظر إلى فشل إيران في ضم تركيا للعالم السياسي الشيعي، وذلك بتحويل العلويين فيها إلى شيعة، فإن الدعم غير المباشر الذي تقدمه لمرشح الكتلة المعارضة منطقي".

إيران والتشيّع

وقال أكسوي إن "إيران تمارس أنشطتها فيما يتعلق بإشعال الثورات وحماية الدين ونشر التشيع وسياسة توجيه المعارضة الدينية الاجتماعية في البلدان الأخرى عبر قناتين: أولاهما هي القنوات الرسمية، وهي المؤسسات الرسمية الإيرانية العاملة في إطار الدبلوماسية العامة".

وإحدى هذه المؤسسات هي منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية الإيرانية (ICRO) المشابهة لمعهد يونس إمري التركي.

كما أن مجلس "Ehl-i Beyt" (أهل البيت)، الذي له ممثلون من 90 دولة، بما في ذلك تركيا، هو مثال آخر على هذه القنوات. حيث إن التعليم والأنشطة الاجتماعية والثقافية وأنشطة الترجمة والنشر والدعم الاقتصادي والأنشطة الإعلامية هي من بين الأنشطة الرئيسة لمجلس "Ehl-i Beyt".

أمّا المثال الثالث على القنوات الرسمية التي تستخدمها إيران، هو جامعة "المصطفى" الدولية التي تعمل على مستوى تمثيلي في تركيا.

وقال أكسوي إن "حقيقة أن الأنشطة، التي تم تقديم أمثلة عنها، تتم من خلال القنوات الرسمية تجعل من الممكن صنع إجراءات مضادة ضد هذه الأنشطة المفتوحة".

وتابع: "يشكل الأشخاص والمنظمات، الذين يعملون في دول مختلفة لنشر التشيع، دون أن تكون لديهم علاقات مباشرة مع مؤسسات الدولة الإيرانية، القنوات غير الرسمية للأنشطة الإيرانية".

ويقوم العلماء الذين نشأوا في إيران بزيارة مجموعات قريبة من الشيعة، ويقدمون لهم تعليما دينيا ويحاولون تشجيع التشيّع بالسفر إلى إيران.

وفي هذه المرحلة، تُستخدم مدينة قم مركزا لترويج المذهب الشيعي وتعليمه وللتغيير الإيجابي في المواقف المتخذة تجاه إيران، بحسب أكسوي.

وبالتالي، يتم التأكد من أن الأشخاص الذين يتلقون التعليم والذين تغيرت مواقفهم سيخدمون في نقطة انتشار المذهب الشيعي وإيديولوجية إيران عند عودتهم إلى بلادهم.

ومقارنة بالقنوات الرسمية، فليس من السهل اكتشاف القنوات غير الرسمية التي تستخدمها إيران. وذلك لأن سياسة إيران في نشر التشيع، عبر القنوات غير الرسمية، تتم على شكل أنشطة استخباراتية، وتنفذ هذه الأنشطة على مبدأ السرية من أجل تجنب الاتهامات بوصم "الإيرانية"، والتي تصاعدت ردود الفعل تجاهها في تركيا حاليا.

وتتجلى أنشطة إيران عبر قنوات غير رسمية في محاولة لتشييع العلويين في تركيا، حيث يبدو أنه تم استهداف السكان العلويين في تركيا من قبل إيران، حسب قول الكاتب.

في واقع الأمر، وكما ذكر مصطفى أونور تيتيك، يعتقد الشيعة في إيران أن الفرق الوحيد بينهم وبين العلويين هو الفقه (الصلاة والصوم بشكل أساسي)، وأنه عندما يبدأ التدين بين العلويين، فإن التشيع سيظهر كتطور طبيعي.

وأردف الكاتب: "لذلك، تعد إيران العلويين والجعفريين كتلة قابلة للتجنيد".

وفي هذا السياق، تتجلى الجهود الأولى لتشييع العلويين في ترجمة ونشر أعمال علماء شيعة بارزين من الفارسية إلى اللغة التركية.

بالإضافة إلى ذلك، ومن خلال إنشاء قراءة بديلة للتاريخ، تم الادعاء بأن العلويين كانوا مجتمعا ابتعد عن الشيعة بعد سياسة القمع والعزلة التي انتهجتها الإمبراطورية العثمانية.

وفي هذا السياق، يتم محاولة نشر الافتراضات الدينية والتاريخية التي ذُكر أعلاه بين العلويين من خلال تقديم منح دراسية للطلاب العلويين، وأيضا من خلال إعطاء هؤلاء الطلاب دورات دراسية في إيران.

كومة من التناقضات

ورأى أن "من هذا المنظور، فإن دعم إيران المباشر لمرشح الكتلة المعارضة ودعمها غير المباشر من خلال حزب السعادة، الموالي لإيران، والسياسة الطائفية التي أطلقها المرشح المذكور بفيديو (العلوي) يكتسب معنى ويتضح الارتباط بين كل هذه التطورات".

وتابع الكاتب: "يعتمد سبب هذا المعنى والاستدلال على عدة نقاط".

ثم أردف: "فمن اللافت للنظر من ناحية التوقيت أن يؤكد المرشح، الذي ظلّ يتهم أردوغان زورا حتى الآن بالطائفية، أنه كان علويا في الزاوية الأخيرة من طريق الانتخابات".

وبالنظر إلى فئة الناخبين في تركيا، فإن السياسة الطائفية، في حال تنفيذها، ليست على نطاق من شأنه أن يغير مصير الانتخابات. لذا، فمن البديهي أن توقظ هذه السياسة الطائفية رد فعلٍ معاكس في الناخبين السنة الغالبة، ضد الكتلة المعارضة، بينما تبقى نسبة الناخبين العلوية أقلّية.

لذلك، في حين أنه من الواضح أن رسالة مرشح الكتلة المعارضة ليست للمكونات الداخلية للسياسة التركية، فيجب فهم من تستهدف في الساحة الدولية.

كما أن هناك تناقضا واضحا في المصطلحات، حيث إن المرشح الذي يهدف إلى أصوات الجماهير بشعار "احتضان كل تركيا" هو نفسه الذي يجعل الهوية تعريفا للذات.

وفي رسالة نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، أشار الرئيس أردوغان بمعرفته وفهمه بما ينوي مرشح الكتلة المعارضة، مؤكدا أنه على دراية بالخطة الخبيثة المرسومة لتفريق العلويين في تركيا عن الدولة، كما حدث في الماضي، منددا بالهوية الإسلامية قبل العلوية.

كما حذر أردوغان جميع الناخبين داخل حزب الشعب الجمهوري (المعارض) من السياسة الطائفية التي يستخدمها مرشحهم، مشددا على عواقبها كصنع التفرقة بين الجمهور الإسلامي.

واستطرد الكاتب قائلا: "وكما أكد أردوغان أيضا، فإن هذه الورقة هي ورقة تم طرحها ضد وحدة تركيا من خلال استخدام المتعاونين داخل تركيا من الخارج إلى الداخل، أي من خارج تركيا".

لذلك، فإن الدولة الوحيدة التي ستستخدم هذه البطاقة هي إيران، التي كانت وما زالت تحاول توسيع الجغرافيا السياسية الشيعية باستخدام الأقلية الشيعية أو السكان الذين يمكن أن تجتذبهم إلى التشيع في دول أخرى بعد ثورة 1979، بحسب أكسوي .

واستطرد: "بما أن إيران لم تنجح في فصل السكان العلويين عن تركيا عبر القنوات غير الرسمية المذكورة أعلاه، فإن دعم حزب السعادة لمرشح كتلة المعارضة والسياسات الطائفية للمرشح المذكور عبارة عن شريان حياة لإيران".

واختتم الكاتب مقاله قائلا: "بالنظر إلى الشبح الطائفي الذي أحدثته المعارضة في انتخابات 2023، أصبح هناك معنى آخر للانتخابات الآن، ضرورة وحدة الأمة ضد الطائفية في تركيا خاصة وفي العالم الإسلامي بشكل عام".