حسين موسوي.. معارض إيراني بارز يحارب سياسات خامنئي رغم إقامته الجبرية

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شكل 2009 عاما استثنائيا لرئيس الوزراء ووزير خارجية إيران الأسبق، مير حسين موسوي، بعدما خسر الانتخابات الرئاسية وقرر القفز إلى الضفة الأخرى كمعارض لسياسات بلاده.

انقلبت حياة موسوي رأسا على عقب بعد العام المذكور، كونه أنهى 20 عاما من عزلة سياسية قضاها في حقل التدريس الأكاديمي والمجال الثقافي، بعد فوز محمود أحمدي نجاد عليه بولاية رئاسية ثانية آنذاك.

سار موسوي (80 عاما) في ركب المعارضة، وأصبح أبرز رموزها البارزين في إيران، وأطلق عليه لقب "الإصلاحي"، ورمى به لسانه في إقامة جبرية قاسية منذ فبراير/شباط 2011 لاحتجاجه على نتائج انتخابات 2009.

انتصر للسوريين

استمر موسوي في نقد طهران خلال العقد الأخير، كما أطلق تصريحات جديدة في 10 أغسطس/آب 2022، قال فيها إن "خطيئة إيران هي التلاعب بمضمون الحقيقة في سوريا".

وأضاف في مقال نشره موقع "كلمة" الناطق باسمه، أن "الخطيئة الكبرى لحكومتنا هي سفك الدماء في بلاد أجنبية، لترسيخ أسس نظام قاتل الأطفال هناك".

ومضى قائلا: "ملايين المهاجرين ومئات الآلاف من القتلى في سوريا، تورط حزب الله في لبنان وتشويه صورته، ظهور تنظيم الدولة والحروب القبلية والعرقية في اليمن دليل على النوايا الشريرة لهذا الانحراف المؤسف للنظام الإيراني".

ولم يكتف موسوي بذلك، بل انتقد التدخل العسكري الإيراني في سوريا، ووصف الجنرال حسين همداني، أحد كبار قادة الحرس الثوري الذي قتل في سوريا بـ"الجنرال المخزي"، الذي قال إنه "قتل في سبيل قاتل الأطفال".

وتلقت إيران ضربة كبيرة حينما خسرت العميد في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري، همداني، بعد مقتله في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015 بمحافظة حلب.

وعقب ذلك نشر موقع "تابناك" المقرب من "الحرس الثوري"، أن المرشد علي خامنئي كان شخصيا يستمع لهمداني حتى يعطيه صورة كاملة عن آخر التطورات الميدانية في سوريا.

ويرجع انتقاد موسوي لهمداني كون الأخير كان مسؤولا عن الحفاظ على الأمن في العاصمة طهران، والذي استخدم الحرس الثوري وقوى التعبئة "الباسيج" في قمع حراك "الحركة الخضراء" الذي شكك في صحة رئاسيات 2009.

وتدخلت إيران عام 2012 عسكريا بسوريا لدعم رئيس النظام، بشار الأسد، في قمع الثورة الشعبية التي خرجت ضده في مارس/آذار 2011.

وباتت تمتلك طهران منذ ذلك الوقت نحو 100 ألف عنصر مقاتل، أسهموا بشكل كبير في تشريد السوريين وتدمير مدنهم وقتل الآلاف منهم.

وهاجمت وسائل الإعلام التابعة للمرشد خامنئي والحرس الثوري الزعيم الإصلاحي موسوي، بعد مقاله الأخير.

ووصفت صحيفة "كيهان" المقربة من خامنئي، موسوي بـ"الواهم وزعيم فتنة 2009"، وعدت أقواله ضد همداني "دعما للكيان الصهيوني وتنظيم الدولة".

اللافت أن موسوي انتقد في المقال محاولات "توريث" منصب المرشد في إيران الذي يتولاه حاليا علي خامنئي، لنجله مجتبى البالغ من العمر 53 عاما، واصفا احتمال تولي الأخير المنصب الذي يعد الأعلى مكانة في البلاد بـ"المؤامرة".

النشأة والتكوين

ولد مير حسين بن إسماعيل الموسوي، عام 1942 في خامنه قرب تبريز عاصمة إقليم أذربيجان شمال شرقي إيران.

ودخل مبكرا معترك السياسة في سنوات حياته الجامعية، حينما انضم إلى الحركة الطلابية المناهضة لشاه إيران، الذي أطاحت بحكمه ما تسمى "الثورة الإسلامية الإيرانية" عام 1979.

حصل موسوي على شهادة في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن من جامعة طهران عام 1970، ثم شهادة الماجستير في الهندسة المعمارية، ويتقن اللغتين الإنجليزية والعربية، وهو موهوب إذ يجيد الرسم حيث أقام معارض عدة للتصوير الفوتوغرافي والرسم في طهران.

وتولى موسوي بعدما تسمى "الثورة الإسلامية في إيران" عام 1979، منصب رئيس تحرير صحيفة "جمهوري إسلامي" أول صحيفة صدرت بعد الثورة، وكانت ناطقة باسم حزب "جمهوري إسلامي"، وهو أول حزب إسلامي في إيران يقوده زعماء الثورة، بينهم المرشد الحالي علي خامنئي.

واشتهر موسوي بمقالاته النارية التي دافع فيها عن الثورة في وجه الجماعات التي حاولت الوقوف في وجه النظام، مثل "مجاهدي خلق" و"فدائيي خلق".

وعين موسوي وزيرا للخارجية لفترة قصيرة من أغسطس/آب 1981 إلى ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته.

وحظي موسوي بدعم الزعيم الراحل، آية الله الخميني، خلال توليه منصب رئاسة الوزراء في ثمانينيات القرن العشرين، وهي ثاني حكومة تشكل بعد الثورة بعد حكومة مهدي بازركان، وهو أول رئيس وزراء في إيران بعد الثورة.

وألغي منصب رئاسة الوزراء في إيران عند موسوي بعد الحرب العراقية الإيرانية، وانتخاب "أكبر هاشمي رفسنجاني" رئيسا للجمهورية، والذي دعاه إلى تعديل دستور البلاد وإلغاء المنصب المذكور.

وتعد الحرب العراقية الإيرانية التي دارت رحاها في الفترة من 22 سبتمبر/أيلول 1980 إلى 16 أغسطس 1988، من أكثر الصراعات دموية وكلفة في القرن العشرين، وخلفت أكثر من مليون قتيل من الطرفين غالبيتهم من الإيرانيين.

ويحسب لموسوي أنه خلال سنوات الحرب نجح في أن يجنب المواطن الإيراني تبعات الحرب وخاصة من الناحية المعيشية.

وعقب ترك السلطة اتجه موسوي للتدريس في الجامعة وانخرط في عضوية لجان ثقافية مثل المجلس الأعلى للثورة الثقافية، ومجمع تشخيص مصلحة النظام، وكرئيس لمعهد الفنون الثقافية.

وحاليا، يخضع موسوي للإقامة الجبرية رفقة زوجته زهرا رهنورد منذ فبراير/شباط 2011، بعد قيادته إلى جانب حليفه رئيس البرلمان السابق، مهدي كروبي، احتجاجات "الحركة الخضراء" التي شككت في صحة الانتخابات التي أعادت نجاد إلى الرئاسة عام 2009.

وآنذاك خرجت مظاهرات ضخمة في عدة مدن احتجاجا على "تزوير" فوز نجاد، والتي سميت بـ"الحركة الخضراء".

مواقف حادة

لم يغب منصب الرئاسة عن موسوي "الإصلاحي"، إذ كانت كتاباته تشي بأنه كان قادرا على مساعدة بلاده اقتصاديا، وعدم تركها تواجه تغول التيار المحافظ.

وما تزال أبواب ونوافذ المنزل الذي يحتجز به موسوي وزوجته مغلقة باللحام، وذلك وسط استمرار الرقابة الأمنية على تحركاتهما.

وقدم الرئيس السابق حسن روحاني خلال حملة الانتخابات الرئاسية لدورتي عامي 2013 و2017 وعودا بشأن إنهاء الإقامة الجبرية، إلا أنها كانت ضمن الدعاية الانتخابية فقط.

وترفض السلطات الإيرانية منذ ذلك الحين محاكمة موسوي، كما ترهن رفع الإقامة الجبرية عنه بتقديم الاعتذار وسحب تشكيكه في صحة نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2009، وكذلك إعلان الانسحاب من الحياة السياسية.

وخلال المظاهرات الاحتجاجية أواخر ديسمبر 2009، قتل ابن شقيق موسوي، كما اعتقلت السلطات 20 شخصية إصلاحية معارضة والمئات من المتظاهرين.

وحينها أبدى موسوي استعداده لـ"الشهادة" في معركته ضد إعادة انتخاب نجاد.

وبقي عقب ذلك يهاجم نجاد، إذ حمله مسؤولية تعرض إيران لعقوبات من مجلس الأمن الدولي، التي قال إنها "ستكون مصدر معاناة الشعب الإيراني وتهديدا لأمن البلاد"، وفق مقال نشره في 9 يوليو/تموز 2010.

وكان رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية السابق "الموساد"، مائير داغان، عد أنه لو فاز المرشح موسوي بالرئاسة، "لكان الأمر أصعب بالنسبة لإسرائيل في التعامل مع الملف النووي الإيراني".

وفي كلمة له أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست في 16 يونيو/حزيران 2009، قال داغان إن "موسوي هو من أطلق برنامج إيران النووي".

مناصر للشارع

ويصف إصلاحيون إيرانيون تشبث موسوي بمواقفه رغم مرضه وترهل حالته الصحية نتيجة الإقامة الجبرية، بأنه "رجل يدافع عن أيديولوجيته ومبادئه ولم يفكر بالمصلحة".

ولم يغب الشارع الإيراني الذي يئن تحت وطأة الفقر نتيجة العقوبات على نظام الملالي، عن مناصرة موسوي في إقامته الجبرية.

ودخل موسوي على خط احتجاجات الإيرانيين في نوفمبر/تشرين الثاني 2019 على رفع سعر البنزين.

وحذر حينها من قمع الحرس الثوري للاحتجاجات، وحمل قيادة "ولي الفقيه صاحب الصلاحيات المطلقة"، مسؤولية إطلاق النار على "الناس الغاضبين والفقراء الذين سئموا الأوضاع".

ووصف وقتها موسوي قرار الحكومة رفع أسعار البنزين بأنه "غير عقلاني، وجاء لجمع الأموال، وأنه يتعارض مع مصالح الشرائح المستضعفة في المجتمع".

وكان النائب الإصلاحي إلياس حضرتي، وجه في 3 أبريل/نيسان 2018 رسالة مفتوحة إلى الرئيس السابق روحاني، لرفع الإقامة الجبرية عن موسوي الذي قال إنها "مطلب غالبية الشعب، وهي خطوة ضرورية للوحدة الوطنية وتقليل الشرخ الاجتماعي".

إلا أن إيران ما تزال تنظر إلى موسوي على أنه رجل له ثقله الشعبي القادر على تحريك الجماهير، خاصة في ظل الظرف الحالي الذي تمر به طهران من عزلة دولية وتشبث بسياساتها الخارجية وتدخلها عسكريا في أكثر من دولة عربية وترويجها "لمشروع الولي الفقيه".