خالد الجندي.. داعية مصري يفخر أنه "شيخ سلطان" ويتغزل بسجون الطغيان

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الدعاة على أبواب قصور الحكام، قصة قديمة متجددة، يبشرون بهم، حتى أصبحوا جزءا أساسيا من مكونات السلطة نفسها، ولسانا من ألسنة الحاكم إلى الناس، لسان حالهم مخاطبة الناس باسم الدين، فأصبحوا الذراع الديني لحكام طغاة.

ولكن الجديد في مصر أن أولئك الشيوخ المقربين من رأس النظام، يتجاوزون التبشير بعهد عبدالفتاح السيسي، إلى ما تأباه الفطرة السليمة وطبيعة النفس البشرية.

هذا ما تمثل تماما في سرد عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الشيخ خالد الجندي، لفضائل السجون المصرية.

إذ أكد الشيخ في حوار لفضائية مصرية 12 أغسطس/ آب 2021، أن "السجن يعيد للإنسان حيويته ونشاطه"، وهو ما تسبب في موجة واسعة من السخرية. 

لم تكن هذه أبرز محطات الجندي، الذي ينشط في الفضاء الاجتماعي والإعلامي المصري لأكثر من عقدين.

كان أحد الدعاة البارزين خلال حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأثيرت بشأنه العديد من المواقف الجدلية.

كما كان تقربه من طبقة السلطة الحاكمة، إضافة إلى الفنانيين والرياضيين والمشاهير، محط انتقاد الكثيرين. 

فتاويه التي تسببت في سجالات حادة، واصطدامه بالتيارات الإسلامية بمختلف توجهاتها وأطيافها، أيضا ظلت موقفا محيرا من الجندي إلى حين جاءت معارضته الشديدة لحكم الرئيس الراحل محمد مرسي، وتصدره طليعة المناهضين له، لتؤكد توجهه نحو نوع واحد فقط من السلطة وهي العسكرية.

لكن دعمه للانقلاب العسكري منتصف 2013، وإراقة دماء المعتصمين في ميادين "رابعة" و"النهضة"، أنهى الآمال في أن يغير الجندي مواقفه من السلطة رغم بطشها.

الجندي أكمل مسيرة دعمه للنظام، بل وأصبح مبشرا برئيسه ومن أشد مؤيديه والماضين في ركابه وتحت لوائه.

شيخ "البيزنس"

هو خالد عبد المحسن الحسيني الجندي، ولد في منطقة "الحلمية الجديدة" بالعاصمة المصرية القاهرة، 14 ديسمبر/ كانون الأول 1961.

تخرج الجندي في كلية "أصول الدين" قسم الحديث وعلومه، ثم قسم التفسير وعلومه، وحصل على الماجستير "في علوم الحديث" من جامعة الأزهر.

بدأ حياته العملية كإمام وخطيب بوزارة الأوقاف حتى وصل إلى درجة "كبير أئمة"، لكن الطفرة الكبيرة في حياته بدأت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.

إذ صدر قرار وزاري بتعين الجندي عضوا بـ"المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية" في لجنة "الإعلام الديني". 

 قصة صعوده نشرت تفاصيلها مجلة "شؤون إسلامية" في تقرير لها 29 ديسمبر/ كانون الأول 2020.

وعن "سر شهرة خالد الجندي"، قالت: "كان خطيبا للأوقاف بمسجد السيدة زينب (بالقاهرة)، وأخذ شهرة نسبية بسبب أسلوبه وطريقة عرضه المختلفة". 

وأضافت: "هذا كله لم يحدث تحولا يذكر في حياته، لأن وضعه يعد عاملا مشتركا بين كثير من الدعاة والخطباء".

أما التحول الذي حدث فيما بعد، "كان في بداية الألفية الأولى من القرن الـ21، بسبب فكرة بيزنس ما أطلق عليه آنذاك (الهاتف الإسلامي)"، وفق "شؤون إسلامية". 

"الهاتف الإسلامي"، فكرة طرحها الجندي بالتعاون مع شركات الهاتف المحمول في مصر ليجيب على فتاوى المصريين بمقابل مادي.

وأوضحت: "أن هذا الأمر نقله نقلة نوعية، من السيدة زينب الحي الشعبي الفقير، للأحياء الراقية، وامتلك أسطولا من السيارات الفارهة".

تطورات حياة الجندي السريعة والمتلاحقة أخذته إلى إنشاء "قناة أزهري" الفضائية 2009، واستمرت رحلته نحو "البيزنس من خلال الدين والفتوى"، بحسب قول المجلة. 

طالت الجندي اتهامات بـ"إدخال الأرباح والأموال في الفتاوى الدينية"، وتعرض لحملة هجوم من بعض وسائل الإعلام المحلية، لكنه رد عبر موقع "العربية" 21 مايو/  أيار 2006.

وقال: "لو أجرة التاكسي إلى دار الفتوى تكلف 10 جنيهات، وتتكلف الفتوى عبر الهاتف ثلاثة جنيهات قيمة المكالمة، فأين الأجر إذن؟". 

وأضاف ساخرا: "العلماء الذي يقدمون الفتوى بالهاتف هل يذهبون إلى الجزار لشراء اللحم بعبارة (جزاك الله خيرا)، وهل يذهبون إلى الخباز (ببارك الله فيك)".

وعندما سئل عن حجم ثروته والسيارات التي يمتلكها، قال هازئا: "أمتلك ثلاث سيارات ليس بينها سيارة مرسيدس، وإنما ستكون عندي آخر العام". 

وفي 5 مايو/ أيار 2018، نشر موقع "فيتو" المحلي، قائمة بالدعاة الأعلى أجرا بالفضائيات خلال شهر رمضان.

حل الجندي حينها ثانيا بمبلغ 120 ألف جنيه شهريا، بعد الأستاذ في الأزهر المثير للجدل أيضا الدكتور مبروك عطية، بمبلغ 200 ألف جنيه. 

شيخ "السلطان" 

تقرب الجندي منذ صعوده بكل الطرق والوسائل إلى السلطة والحاكم، ولم يتوان في دعم وتأييد رئيس النظام دون إبداء أي نوع من المعارضة ولو صورية.

حلقته، التي عرضت يوم 15 يونيو/ حزيران 2021، عبر فضائة "دي إم سي" التابعة لجهاز المخابرات، سببت الكثير من الجدل.

الجندي وصف نفسه بـ"شيخ السلطان"، قائلا: "إنه طالب أكثر من مرة أن يخرج شيخ ويقول: (أنا شيخ السلطان)، دون ضغط أو مساءلة من أحد".

ولفت إلى أنه "كان يصف نفسه بشيخ السلطان"، فيما لم يكن هذا هو التصريح الأول للجندي الذي يطلق فيه هذا الوصف على نفسه، بل أراد أن يرسخه على الدوام.

28 مارس/ آذار 2019، قال: "ليست مسبة ولا عيبة، قلها بفخر، قلها باعتزاز: أنا شيخ السلطان، لأنك إن لم تقل ذلك يبقى لا نسب لك".

وزعم أن "المحروم منها فهو لقيط، هذا هو النسب طاعة كلام السلطان".

وفي مطلع أبريل/ نيسان 2019، وخلال مداخلة للجندي مع الإعلامي عمرو أديب، بفضائية "إم بي سي"، كال المديح للسيسي.

ودعا قائلا: "أسأل الله أن يحشرني مع السيسي يوم القيامة". 

فيما هاجم الجندي المعارضين، ووصفهم بأنهم يستغلون الدين بل قال عنهم: إنهم "أعداء الإسلام، وخوارج وتتار، وهم السبب في ضياع البلد". 

فوائد "السجن" 

عبر برنامج "لعلهم يفقهون" بفضائية "إم بي سي"، 12 أغسطس/ آب 2021، أدلى الشيخ خالد الجندي بتصريحات وصفت بالمستهجنة والغريبة.

وتحت زعمه عن "فوائد السجون" قال نصا: "السجون في مصر أصبحت تعيد للإنسان حيويته ونشاطه".

تصريحات الجندي تلك تتضارب مع الواقع المؤلم للسجون المصرية، ووفاة مئات المعتقلين نتيجة ظروف الاحتجاز التعسفية والإجراءات الانتقامية من قبل أجهزة الأمن.

وهو ما تؤكده منظمة العفو الدولية "أمنستي" في تقريرها 21 يناير/ كانون الثاني 2021.

وقالت: "إن مسؤولي السجون في مصر يعرضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواع سياسية للتعذيب".

وأشارت إلى ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، وأنهم "يحرمونهم عمدا من الرعاية الصحية عقابا على معارضتهم".

وأوردت أن "منظمة العفو الدولية تقصت عن حالات وفاة لـ12 شخصا أثناء احتجازهم أو بعد وقت قصير من الإفراج عنهم".

وأكدت أنه "لدى المنظمة علم بحالات 37 شخصا آخرين توفوا عام 2020 داخل مقار الاحتجاز".

لكن المنظمة لم تتمكن من الحصول على موافقة أهاليهم على نشر تفاصيل الحالات نظرا لخشيتهم من الأعمال الانتقامية.

تقديرات جماعات حقوق الإنسان المصرية تشير إلى أن "مئات الأشخاص توفوا في أماكن الاحتجاز منذ عام 2013". 

وبحسب "أمنستي" ترفض السلطات المصرية الإفصاح عن عدد السجناء في البلاد، وتشير تقديرات إلى أن العدد يبلغ حوالي 114 ألف سجين.

وهو ما يزيد عن ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي قدرها السيسي في ديسمبر/كانون الأول 2020، بنحو 55 ألف سجين. 

التقديرات والروايات المفزعة التي تجاهلها الجندي، وهو يشير إلى أن السجون تعيد للنزلاء حيويتهم ونشاطهم البدني، أوقعه في فخ التدليس كما أشار منتقدوه.

متهم بالتدليس

كان ادعاء الجندي في 8 سبتمبر/ أيلول 2019، أنه درس 250 ألف مجلد، مثيرا لحفيظة الكثيرين.

حتى أن الشيخ السلفي أبو إسحاق الحويني رد عليه قائلا: "إنه لم يعلم أحدا في هذه الدنيا قرأ هذا العدد من المجلدات، فضلا أن يكون درسها". 

وهو ما استدعى البعض لعمل إجراء حسابي عن مدى إمكانية أن يدرس الجندي ربع مليون مجلد.

وبدا حسابيا أنه إذا بدأ الدراسة منذ 50 عاما، فهذا معناه أنه درس 5 آلاف مجلد كل عام، أي أكثر من 13 مجلد في اليوم الواحد، وهو أمر فوق طاقة القدرة البشرية. 

وفي 6 أبريل/ نيسان 2021، قال الجندي، إن "الفراعنة ليسوا من الكفار".

وأشار إلى أن بعض الشباب لا يعرفون أسماء الملوك القدماء العظماء، ويعتبرون أن كلمة فراعنة تعني كفرة.

فتوى الجندي هذه جاءت في سياق دعمه، لـ"موكب المومياوات الملكية" برعاية السيسي، 3 أبريل/ نيسان 2021، بالفسطاط شرق القاهرة.

وهو الحفل الذي أثار الجدل بشأن هوية مصر، ومخاوف من أن يفرض النظام الهوية الفرعونية كبديل للعربية الإسلامية.