لماذا رد ترامب على هجوم كركوك وصمت عن تحرش إيران في هرمز؟

12

طباعة

مشاركة

عقب شهور من اختبار القوة في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز، يتصدر العراق المشهد مجددا باعتباره المسرح الرئيسي لتوتر العلاقات بين واشنطن وطهران، بعد الضربات الأمريكية التي استهدفت كتائب حزب الله، وهي منظمة شيعية موالية لإيران، نشطت في بغداد منذ غزو واشنطن للبلاد عام 2003.

وكانت وزارة الدفاع الأمريكية أعلنت عن ضرب خمسة أهداف في العراق وسوريا تابعة لمليشيا كتائب حزب الله العراقية في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، "وذلك ردا على هجوم صاروخي استهدف قاعدة عسكرية عراقية".

وتضم هذه القاعدة العراقية في كركوك، جنود التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة. وأسفر الهجوم عن مقتل متعاقد أمريكي وإصابة أربعة من جنود الجيش الأمريكي بجروح طفيفة.

وقالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية: إن ما يجري "دليل على التصعيد بين الجمهورية الإسلامية وحكومة الرئيس دونالد ترامب"، لافتة إلى أن قصف الطائرات الأمريكية خلف ما لا يقل عن 25 قتيلا وخمسين جريحا في صفوف هذه الميليشيا الشيعية القريبة من طهران. 

وأشارت إلى أن واشنطن تتهم المليشيا بتنفيذ 11 هجوما على قواتها المنتشرة في العراق منذ نهاية أكتوبر/ تشرين أول، كان آخرها هجوم كركوك. وتقول الصحيفة: إن "الحجم غير المسبوق للهجوم - 36 صاروخا - وخاصة مقتل أحد الأمريكيين، دفع إدارة دونالد ترامب إلى الرد بحزم".

ومن أجل الرد، انضم وزير الخارجية مايك بومبيو، ووزير الدفاع مارك إسبر، على وجه السرعة إلى فلوريدا للقاء ترامب الذي يقضي عطلات رأس السنة هناك، وبعدها أعطى الرئيس الضوء الأخضر لتنفيذ الغارات على قواعد ومستودعات ذخائر كتائب حزب الله.

خط أحمر

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الضربات التي تعتبر نجاحا لمارك إسبر وعمل "إرهابي" بالنسبة لإيران، تمثل تصعيدا واضحا بين البلدين، وترسم أيضا، للمرة الأولى، شكل "عقيدة ترامب" بشأن استخدام القوة.

ففي يونيو/ حزيران الماضي، ألغى ترامب في اللحظة الأخيرة الرد على تدمير طهران طائرة أمريكية بدون طيار فوق المياه الدولية. وفي سبتمبر/ أيلول، تجنب الرد على الهجوم على منشآت أرامكو النفطية في السعودية.

وبينت الصحيفة الفرنسية أنه "غالبا ما عارض دونالد ترامب الحروب التي لا تنتهي للولايات المتحدة في المنطقة، لكن أحداث نهاية هذا الأسبوع تشير إلى أن سلامة المواطنين الأمريكيين هي، في نظر البيت الأبيض، خط أحمر". 

وتتابع: "كان الرئيس صبورا جدا، لقد أظهر ضبط نفس لا يصدق، ولكنه لن يتسامح مع أي هجوم على الأمريكيين"، كما قال المبعوث الأمريكي إلى إيران برايان هوك، مضيفا "كان من المهم الرد بطريقة يفهمها النظام الإيراني".

وفي الولايات المتحدة، حظي رد واشنطن بالترحيب على نطاق واسع باعتباره ضروريا، لا سيما في الأوساط المحافظة.

وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" في مقال افتتاحي: "لقد حان الوقت"، واعتبرت أن ترامب يجب أن يكون "مستعدا للمزيد إذا اختارت إيران التصعيد"، وأنه "لا يمكن للقائد أن يظهر الضعف عندما تتعرض حياة ومصالح الولايات المتحدة للخطر".

ونوهت "ليبراسيون" بأنه فيما إذا كانت هذه الضربات ألقت الضوء على "عقيدة" ترامب، فإنها تثير الكثير من الأسئلة حول رد طهران، واستقرار العراق (الذي يواجه حركة احتجاج قمعية عنيفة منذ شهور) ومستقبل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة. 

ففي انسجام تام تقريبا، أدانت الطبقة السياسية العراقية الغارات الأمريكية، ووصفها رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي بأنها "انتهاك للسيادة العراقية".

وقالت بغداد: "القوات الأمريكية تصرفت وفقا لأولوياتها السياسية وليس أولويات العراقيين"، مهددة بمراجعة علاقاتها مع واشنطن.

وعلى إثر ذلك، تجددت الدعوات لطرد الولايات المتحدة من البلاد مرة أخرى. وقال الزعيم الشيعي المؤثر مقتدى الصدر: إنه مستعد للعمل مع المليشيات الموالية لإيران لتحقيق هذا الهدف.

أما مؤسس كتائب حزب الله، فقد وعد بهجمات جديدة ضد الجيش الأمريكي، الذي يضم أكثر من 5200 جندي في البلاد.

وقالت الصحيفة: إنه في تقرير أكتوبر/ تشرين أول الماضي، أشارت المجموعة الدولية للأزمات ICG إلى أن "العنف ضد القوات الأمريكية والأجنبية في العراق" سيؤدي حتما إلى "تدهور الوضع" في البلاد ويخاطر بجعل هذا الوجود "غير ممكن، ويستفيد تنظيم الدولة من ذلك". 

أقصى ضغط

وأكد التقرير على أنه بهذا الشكل، فإن إستراتيجية "أقصى ضغط" التي تتبعها واشنطن ضد إيران، يمكن أن يكون لها تأثير يسمح بظهور التنظيم من جديد.

ووفقا لـ "ليبراسيون"، فإن إدارة ترامب ما زالت تؤمن بنجاح هذه الإستراتيجية التي أسفرت عن الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والقوى الكبرى، ثم في فرض العقوبات التي أثرت بشكل كبير على اقتصاد طهران.

وتطرقت الصحيفة إلى تصريحات برايان هوك التي قال فيها: إن "النظام يعاني أسوأ أزمة مالية وسياسية منذ أربعين عاما، لقد نجحنا في إضعافه كما لم يحدث من قبل، وهذا له عواقب إيجابية للغاية من خلال استنزاف الدخل الذي يحتاجه لتقويض سيادة دولة مثل العراق".

وأشار تقرير حديث للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية إلى أن "كتائب حزب الله تحظى باحترام واسع وتعد في العراق أقوى قوة شيعية في البلاد وأقرب ميليشيا لإيران"، ضمن شبكاتها في الشرق الأوسط. 

ويصر المتحدث باسم البنتاجون جوناثان هوفمان على أنها ترتبط بشكل "قوي" بالفرع المسؤول عن العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني الذي يخضع للمرشد الأعلى. 

ويقول هوفمان: إن كتائب حزب الله استمرت "في الحصول على مساعدات عسكرية وغيرها من أشكال الدعم من إيران، التي اعتادت أن تهاجمنا" في إشارة إلى قوات التحالف في العراق.

وأكدت الصحيفة أن الفصيل الذي ظل سريا للغاية، موجود منذ الغزو الأمريكي عام 2003 حيث قاتل القوات الأمريكية، وهو ما أدى إلى إضافته إلى قائمة المنظمات الإرهابية في عام 2009 من قبل واشنطن. 

في عام 2014، عندما دعا آية الله السيستاني أتباعه العراقيين إلى محاربة تنظيم الدولة، وهي منظمة متطرفة معادية للشيعة، انضمت كتائب حزب الله إلى قوات الحشد الشعبي، التي جرى دمجها رسميا في القوات المسلحة، وكان لديها أكثر من 100 ألف مقاتل في عام 2018. 

ومع كتائبها الخمسة، حزب الله مجرد عنصر صغير في الحشد الشعبي، لكنه ليس الأقل نفوذا وهذا يتضح من قيادة التحالف، حيث أصبح أبو مهدي المهندس (الاسم الحربي لجمال جعفر الإبراهيمي) قائد قوات الحشد الشعبي لدرجة أنه بات "أقوى فرد" وفق المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.

هذا العراقي الناطق باللغة الفارسية، حيث قضى معظم حياته في إيران، يُنظر إليه أيضا على أنه "قائد فعلي" لكتائب حزب الله، يشمل سجله الحربي هجوما "نسب لإيران" على المصالح الأمريكية في الكويت عام 1983، مما أدى إلى تصنيفه من قبل الولايات المتحدة كإرهابي.

استمرارية إقليمية

وفي حين أن وحدات الحشد الشعبي تجمع مجموعات دينية مختلفة، يهيمن عليها الشيعة ولكن يعبرون عن مختلف الأطياف السياسية، تعتبر كتائب حزب الله أحد الفصائل الأقرب إلى طهران، من وجهة نظر أيديولوجية وعملية.

و"بالنسبة لهذه الفصائل، فإن الجهاد ضد تنظيم الدولة ليس سوى فصل واحد من القتال الأوسع ضد القوى السنية وضد النظام العالمي الأنجلو أمريكي، وهي معركة تظهر فيها إيران بطل المظلومين وزعيمة محور المقاومة" وفقا للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية. 

واعتنقت كتائب حزب الله بالفعل أجندة طهران الإقليمية، إذ يوفر نشرها على الحدود مع سوريا استمرارية إقليمية لإيران لإرسال قوات ودعم مادي للنظام السوري. 

في حين أن وجود المليشيات غير مؤكد في اليمن، حيث تدعم الجمهورية الإسلامية الحوثيين في الحرب ضد السعودية، إذ دعت كتائب حزب الله إلى التعبئة لدعم هؤلاء المتمردين الشماليين.

وأوضحت الصحيفة أنه في العراق، ما زالت الكتائب تحظى بدعم كبير جدا، على الرغم من الحركة الاحتجاجية التي تشهدها البلاد منذ عدة أسابيع ضد فساد الطبقة السياسية والنفوذ الإيراني.

ويشهد العراق احتجاجات معادية للولايات المتحدة في عدة مدن، تخللها اقتحام السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء شديدة التحصين، الأمر الذي جعل ترامب يوجه الاتهام مباشرة إلى طهران.

كما استنكر مسؤولون عدة من المليشيات الوجود العسكري الأمريكي في العراق (5200 جندي)، الذين وصفهم أحدهم الآن بأنهم "مصدر تهديد". 

وانتقد المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، الذي استقال في أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي، "انتهاك السيادة العراقية"، وأدان السيستاني نفسه الهجوم الأمريكي، من أجل تجنب "أن يصبح العراق ميدانا لتسوية الحسابات الإقليمية والدولية".