العدوان الثلاثي على ليبيا 

أسامة جاويش | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في صبيحة التاسع والعشرين من عام ١٩٥٦ شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل عدوانا ثلاثيا على مصر، في محاولة منها للرد على جمال عبدالناصر الذي أعلن تأميم قناة السويس قبلها بأشهر وبدأ في بناء السد العالي مع إعلان عدائه لإسرائيل، عدوان ثلاثي في وقت واحد في محاولة كانت الأخيرة لإنقاذ كبرياء الممالك الاستعمارية العظمى التي سيطرت على العالم لعقود طويلة، ولكنها كانت بداية النهاية لبريطانيا العظمى وفرنسا وإعادة لتوزيع موازين القوى في العالم بعد الحرب العالمية الثانية.

ويبدو أن العالم على موعد مع عدوان ثلاثي جديد ولكن هذه المرة في ليبيا، في منتصف شهر يوليو ٢٠١٩، أصدر المجلس الأعلى في ليبيا بيانا تحذيريا للعالم ناشد فيه الجميع بالتدخل لمنع هجوم كبير ومتوقع لقوات خليفة حفتر على العاصمة الليبية طرابلس للسيطرة عليها والإطاحة بحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، بيان المجلس الأعلى أشار إلى دول ثلاث تدعم حفتر عسكريا في هذا الهجوم، ولا عجب أن تكون هذه الدول هي مصر والإمارات إلى جانب فرنسا في محاولة منها لإنقاذ حفتر وكبريائه الذي لم يعد له قيمة بعد هزائمه الميدانية الأخيرة، وسقوط أهم معاقله الشرقية مدينة غريان في يد حكومة الوفاق.

خليفة حفتر والمدان بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الذي طالب أعضاء الكونجرس الأمريكي بمحاكمته أمام المحاكم الجنائية الدولية لما اقترفه بحق المدنيين في ليبيا، حفتر الذي يقود مجموعة من الميلشيات المسلحة مصحوبة بمرتزقة من دول إفريقية مثل تشاد والسودان، ويقاتل معه عدد ليس بالقليل من أفراد السلفية المدخلية يتحدث عن نفسه بأنه قائد الجيش الوطني الليبي الذي يحاول الحفاظ على مؤسسات الدولة الليبية من الانهيار ويحارب الإرهاب!!

ماذا هل أصبت بالدهشة؟ هل استمعت لهذه العبارات قبل ذلك بنفس المصطلحات؟

نعم عزيزي القارئ، إنها نفس المصطلحات التي دأب الجنرال المصري عبدالفتاح السيسي أن يتحدث بها ويروجها ويأمر إعلامه بنشرها في الآفاق، فمصر تدعم حفتر قائد الجيش الوطني الليبي الذي يحارب الإرهاب ويحاول الحفاظ على الدولة الليبية من الانهيار، ولكن كيف يدعم السيسي ونظامه العسكري جنرالا عسكريا آخر مثل خليفة حفتر؟

في الحادي والعشرين من شهر مايو من عام ٢٠١٥ كنت شاهدا على إذاعة تسريب من داخل مكتب السيسي عرف إعلاميا باسم "مافيا تجار السلاح"، شرح بالتفصيل كيف يدعم السيسي والإمارات خليفة حفتر وميلشياته داخل ليبيا، ففي مكالمة هاتفية بين عباس كامل مدير المخابرات العامة الحالي ومدير مكتب السيسي سابقا، تحدث مع اللواء عيسى بن عبلان المزروعي رئيس أركان الجيش الإماراتي عن طائرة عسكرية ستهبط في القاهرة، بصحبة رجل ليبي كان مساعدا للقذافي اسمه محمد إسماعيل، ليتم ملأها بالوقود ومن ثم تنطلق إلى ليبيا لتهبط في "مطار معتيجة" لتستلم ميلشيات حفتر هناك الأسلحة التي أرسلتها مصر والإمارات.

بعدها بأشهر قليلة نشر موقع إخباري ليبي صورا لأسلحة مصرية بأرقامها التسلسلية في فضيحة كبرى للتورط المصري والإماراتي في الشأن الداخلي الليبي.

العدوان الثلاثي المصري الإماراتي ليس عسكريا فقط وإن كان هذا هو الشق المعلن عنه من الدول الثلاث، وإنما دأبت هذه الدول على محاولة خلق غطاء سياسي مستمر لدعمهم العسكري لخليفة حفتر، فالنظام المصري يوقّع على بيان سداسي يطالب بوضوح بضرورة الذهاب للحل السياسي في ليبيا، وأن الأمور لا يمكن أن تحل عسكريا وفي ذات التوقيت تستضيف أبوظبي المبعوث الأممي لليبيا، غسان سلامة، لوضع خارطة الطريق لدعم حفتر ميدانيا، في الوقت الذي لا تخجل فرنسا من إعلانها المستمر والدائم لدعم حفتر.

واللافت للنظر أنه في كل مرة يلقى حفتر وميلشياته فيها هزيمة ميدانية كبرى، تسارع دول العدوان الثلاثي للدعم والتحرك لإنقاذ رجلهم في الأراضي الليبية.

بدأ العدوان الثلاثي على العاصمة طرابلس بالفعل، وأعلنت حكومة الوفاق المعترف بها دوليا إفشالها لهجوم كبير شنته قوات حفتر في محاولة لاقتحام العاصمة تحت مسمى محاربة الإرهاب وسيادة الجيش الوطني الليبي على ليبيا. ولكن فلنتوقف قليلا عند أسطورة أن حفتر هو قائد الجيش الوطني، فهل هذا حقيقي؟  

في مقابلة تلفزيونية على قناة "الحوار" اللندنية، ذكر لي عبدالله الكبير المحلل السياسي الليبي، أن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي كان يمتلك جيشا ليبيا قوامه سبعة عشر ألف جندي، ومنذ ذلك الحين لم يبقَ منهم مع خليفة حفتر إلا مائتين وخمسين جندي، وتفرق البقية الباقية في الأراضي الليبية شرقا وغربا.

وإن استندنا إلى صحة الرواية التي يذكرها الكبير، فكيف لجيش وطني وفق الرواية المصرية أن يكون قوامه لا يتعدى مائتين وخمسين رجلا؟ وإن كان العالم يتعامل مع حفتر وميلشياته بصفتهم مجموعة من المرتزقة الذين يحاربون الحكومة المعترف بها دوليا، وإن كانت فرنسا مفهوم أن دعمها لحفتر من أجل صراعها المستمر مع إيطاليا على النفط الليبي، فما الذي يجمع السيسي وبن زايد على دعم ميشليا كهذه؟ إلا خوفهم المستمر من تجربة ديمقراطية أخرى تمنح الشعوب العربية أملا في تغيير حقيقي ودول تمتلك قرارها من إرادة شعوبها لا من أموال الخليج ورصاص العسكر في مصر.