"إبادة الأرمن" تشعل معركة دبلوماسية بين فرنسا وتركيا

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

معركة قديمة متجددة يبدو أن رحاها ستدور بين فرنسا وتركيا، على خلفية ما يطلق عليه الغرب مذابح الأرمن أو جريمة إبادة الأرمن، بمواجهات خطابية بين مسؤولي البلدين خرجت من نطاق الغرف المغلقة إلى الهواء مباشرة في منتديات دولية وإقليمية، على نحو يزيد من تكهنات تصاعد الأزمة وسط تهديدات مستمرة من الاتحاد الأوروبي يربط بين اعتراف أنقرة بالإبادة وحصولها على عضوية الاتحاد.

وتطالب أرمينيا واللوبيات الأرمنية في أنحاء العالم بشكل عام، تركيا بالاعتراف بما جرى خلال عملية تهجير الأرمن من الأناضول في 24 أبريل/نيسان عام 1915 إبان الخلافة العثمانية على أنه "إبادة عرقية"، وبالتالي دفع تعويضات.

وفي المقابل، ترفض أنقرة إطلاق صفة "الإبادة العرقية" على الأحداث، وتصفها بـ"المأساة" لكلا الطرفين، وتصر على أن ما حدث هو حرب أهلية قتل فيها ما بين 300 ألف و500 ألف أرميني، ومثلهم من المسلمين، وحاليا تعترف نحو 20 دولة، من بينها فرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، وهولندا، والنمسا، و42 ولاية أمريكية رسميا بوقوع تلك المجازر كحدث تاريخي.

وتدعو تركيا إلى حل القضية عبر منظور "الذاكرة العادلة"، وتقترح إجراء أبحاث حول "أحداث 1915" في أرشيفات الدول الأخرى، إضافة إلى الأرشيفات التركية والأرمينية، وإنشاء لجنة تاريخية مشتركة تضم مؤرخين أتراك وأرمن، وخبراء دوليين.

مواجهة كلامية متصاعدة

أحدث فصول الأزمة المندلعة بين البلدين منذ اعتراف فرنسا رسميا بارتكاب الدولة العثمانية مذابح إبادة جماعية ضد الأرمن المسيحيين، شهدته مدينة أنطاليا التركية الجمعة الماضية، خلال اجتماع الجمعية البرلمانية الـ99 لحلف شمال الأطلسي "ناتو".

المشادة التي وقعت بين وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو والنائبة الفرنسية عن حزب الرئيس إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" سونيا كريمي، بعد يوم من صدور مرسوم في الجريدة الرسمية في فرنسا يكرس يوم 24 أبريل/نيسان مناسبة لإحياء ذكرى "الإبادة الأرمنية"، وكذلك موافقة مجلس النواب الإيطالي على إجراء يعترف رسميا بقتل الأرمن باعتباره إبادة جماعية.

ولدى افتتاح الجمعية البرلمانية، شن رئيس البرلمان التركي مصطفى شنطوب هجوما جديدا على فرنسا متهما إياها بـ"التلاعب بالتاريخ"، محملا إياها مسؤولية المجازر المرتكبة في الجزائر في الحقبة الاستعمارية وفي رواندا.

"كريمي" قالت إنها صُدمت حيال انتقادات شنطوب، وزعمت أن "التاريخ يُكتب من المنتصرين"، وأنه يجب على الجانب التركي أن يأخذ بعين الاعتبار بأن منظمة "بي كا كا" هي إرهابية بالنسبة لهم وليست كذلك بالنسبة لدول أخرى.

"أوغلو" لم يفوت الفرصة ورد بعبارات حاسمة وقاسية، قائلا: "الدول التي على شاكلة فرنسا متعودة على نصب نفسها زعيمة، وانتقاد وإذلال الدول الأخرى، واتخاذ القرارات التي تشاؤها، وبالتالي من الطبيعي أنها ستصدم عندما تتعرض لانتقاد من طرف تركيا أو دولة أخرى".

وأضاف: "إنكم تحاولون أعطاء الدروس لتركيا فيما يتعلق بالقانون الدولي، وسيادة القانون.. لا تتقبلون حتى ما أقوله هنا.. فرنسا هي آخر دولة يمكنها إعطاء درس في الإبادة والتاريخ لتركيا؛ لأننا لم ننس ما حدث في رواندا والجزائر".

ولاحقا كتبت "كريمي" في تغريدة على حسابها بموقع "تويتر" أنه "عندما يسمح المتغطرس مولود تشاووش أوغلو لنفسه بإعطائكم دروسا بالغطرسة والأخلاق، بغطرسة وبقلة أخلاق!".

لكن الحقيقة، أن تلك الحرب الكلامية سبقتها معركة أخرى بين رئيسي الدولتين، عقب إعلان ماكرون في فبراير/شباط الماضي، أن بلاده ستحيي يوما وطنيا لذكرى الإبادة الأرمنية، ليفي بذلك بوعد أطلقه خلال حملته الانتخابية بإدراج الإبادة الأرمنية ضمن جدول الفعاليات الرسمي الفرنسين وردا عليه، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: "لقد قلت لماكرون أنت ما زلت مبتدئا في السياسة، تعلّم أولا تاريخ بلدك"، مشيرا إلى الجرائم التي ارتكبها الاحتلال الفرنسي لدول عربية وأفريقية.

ورقة ضغط أوروبية

وطالما استغلت الدول الأوروبية الكبرى ادعاءاتها حول قضية الأرمن في ابتزاز تركيا، وتشترط دوما اعتراف أنقرة بارتكابها المذبحة في الماضي، كأحد شروط انضمامها للاتحاد الأوروبي في المفاوضات التي بدأت عام 2005، وتم تعليقها حتى الآن ولا يزال 16 فصلا مفتوحا لم يتم حسمها بعد من أصل 35 في ملف انضمام تركيا للاتحاد.

في أبريل/نيسان 2015، قال مفوض شؤون التوسعة بالاتحاد الأوروبي حينها، يوهانز هان، إن رد الفعل التركي العنيف حيال الدول الأوروبية التي استخدمت تعبير "الإبادة الجماعية" لوصف مذابح الأرمن، على أيدي الأتراك العثمانيين، عام 1915، سيعقد مساعي أنقرة للانضمام إلى الاتحاد.

وتابع: "لقد زرعت (تركيا) بذور المواقف المناهضة لأوروبا والغرب، وفي ظل الوضع الحالي يبدو انضمامها في المستقبل إلى (الاتحاد الأوروبي) صعبا للغاية".

وفي مقابل التهديدات والمماطلات الأوروبية كانت اللهجة التركية متحفزة وتتسم بالتحدي، حيث قلل أردوغان مؤخرا من أهمية قرار البرلمان الأوروبي وقف مفاوضات انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، وقال أمام تجمع جماهيري قبيل الانتخابات البلدية الأخيرة: "فليتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا بوقف مفاوضات انضمام تركيا إن كان بوسعه، نحن مستعدون وننتظر، لكنهم لا يستطيعون، وقرار البرلمان الأوروبي بهذا الصدد لا نقيم له وزنا".

الأكثر من ذلك صرح به أردوغان في فبراير/شباط الماضي، حين قال: "لا يقبلنا الاتحاد الأوروبي لأننا مسلمون. فليقولوا ذلك صراحة، لكنهم لا يستطيعون"، متهما القادة الأوروبيين بازدواجية المعايير تجاه بلاده، معتبرا أنهم "يقولون شيئا أمام الكاميرا.. ويقولون شيئا آخر خلف الأبواب المغلقة".

وفي مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الفرنسي ماكرون في يناير/كانون الثاني 2018، قال أردوغان إن تركيا "تعبت" من الانتظار للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لافتا إلى أن الاتحاد لم يف بوعوده بشأن تقديم المساعدات للاجئين السوريين.

بين الحقيقة والادعاء

بحسب الرواية الغربية، فإن السلطنة العثمانية المتداعية حينها ساقت الأقلية الأرمنية إلى مذابح جماعية بدعوى تهجيرهم إلى سوريا، وفي الطريق من الأناضول نصبت الكمائن ضد هؤلاء بغية الإبادة الجماعية بحقهم.

وبحسب وثائق تركية، تعاون الأرمن مع القوات الروسية بغية إنشاء دولة أرمنية مستقلة في منطقة الأناضول، وحاربوا ضد الدولة العثمانية، وعندما احتل الجيش الروسي شرقي الأناضول، لقي دعما كبيرا من هؤلاء المتطوعين الأرمن؛ العثمانيين والروس، كما انشق بعض الأرمن الذين كانوا يخدمون في صفوف القوات العثمانية، وانضموا إلى الجيش الروسي.

وبينما كانت الوحدات العسكرية الأرمنية، تعطل طرق إمدادات الجيش العثماني اللوجستية، وتعيق تقدمه، عمدت العصابات الأرمنية إلى ارتكاب مجازر ضد المدنيين في المناطق التي احتلوها، ومارست شتى أنواع الظلم بحق الأهالي، بحسب الوثائق.

وسعيا منها لوضع حد لتلك التطورات، حاولت الحكومة العثمانية، إقناع ممثلي الأرمن وقادة الرأي لديهم، إلا أنها لم تنجح في ذلك، ومع استمرار هجمات المتطرفين الأرمن، قررت الحكومة في 24 أبريل/نيسان من عام 1915، إغلاق ما يعرف باللجان الثورية الأرمنية، واعتقال ونفي بعض الشخصيات الأرمنية البارزة.

وفي ظل تواصل الاعتداءات الأرمنية، وبرغم التدابير المتخذة، قررت السلطات العثمانية، في 27 مايو/أيار 1915، تهجير الأرمن القاطنين في مناطق الحرب، والمتواطئين مع جيش الاحتلال الروسي، ونقلهم إلى مناطق أخرى داخل أراضي الدولة العثمانية.

ومع أن الحكومة العثمانية، خططت لتوفير الاحتياجات الإنسانية للمهجرين، إلا أن عددا كبيرا من الأرمن فقد حياته خلال رحلة التهجير القسري بسبب ظروف الحرب، والقتال الداخلي، والمجموعات المحلية الساعية للانتقام، وقطاع الطرق، والجوع، والأوبئة.

وتؤكد الوثائق التاريخية التركية، عدم تعمد الحكومة وقوع تلك الأحداث المأساوية، بل على العكس، فقد لجأت إلى معاقبة المتورطين في انتهاكات ضد الأرمن أثناء تهجيرهم، وجرى إعدام المدانين بالضلوع في تلك المأساة الإنسانية، رغم عدم وضع الحرب أوزارها.

وعقب انسحاب روسيا من الحرب، جراء الثورة البلشفية عام 1917، تُركت المنطقة للعصابات الأرمنية، التي حصلت على الأسلحة والعتاد الذي خلفه الجيش الروسي وراءه، واستخدمتها في احتلال العديد من التجمعات السكانية العثمانية.

وفي كتابه "الاحتكام إلى التاريخ"، كشف الباحث اللبناني "ماجد الدرويش"، عبر وثائق ومستندات ودراسات أجنبية براءة تركيا من دماء الأرمن؛ يقول: إن "شرارة هذه الأحداث بدأت في القرن التاسع عشر، عندما احتل الروس شمال منطقة الأناضول ودخل معهم أرمن، فسلّم الروس الحكم المحلي للأرمن، وارتكبوا مجازر شنيعة بحق الأكراد والأتراك معا".

ولفت إلى أن "هذه المجازر سبقتها مجازر أخرى بحق المسلمين في اليونان والقوقاز ومناطق أخرى، هاجر منها المسلمون عندما احتلها الجيش الروسي"، ونقل عن الباحث الأمريكي "جاستون ماكارثي"، صاحب كتاب "الطرد والإبادة"، المبني على تقارير قناصل أجنبية في الدولة العثمانية، كانوا ينقلون أخبار مجازر الروس وأعوانهم الأرمن بحق المسلمين على مدار 100 سنة (1821 حتى 1922) في بلاد القوقاز.

وبحسب الأدلة الموثقة في كتاب ماكارثي، فإنه في العشرين من أبريل/نيسان 1915، بدأ الأرمن في مدينة "وان" (ضمن نطاق الدولة العثمانية) بإطلاق النار على مخافر الشرطة ومساكن المسلمين، مع تقدم الأرمن وتغلبهم على قوات الأمن العثمانية، وقد أحرقوا الحي المسلم، وقتلوا مسلمين وقعوا بين أيديهم.

نفذ الأرمن "جرائم فظيعة" بحق الأتراك والأكراد في شمال شرق الأناضول، وحين انسحبت روسيا من هذه المنطقة عقب الثورة البلشفية، ذهب مع الروس عدد كبير من الأرمن، فيما بقي آخرون، فتم الانتقام منهم ردا على التنكيل.

يتضمن الكتاب معلومات كثيرة وموثقة حول حقيقة أحداث 1915، ويظهر من كان المعتدي الأول وكيف، وهو يقع في 158 صفحة، واعتمد كاتبه الباحث والمحاضر اللبناني على 19 مصدرا رسميا تاريخيا.

مذابح الأرمن ضد الأتراك

على الجهة المقابلة، ورغم قلة المادة الموثقة لكشف زيف الادعاءات الغربية، إلا أن كتاب "مذابح الأرمن ضد الأتراك" يوفر مادة دسمة وشديدة الموثوقية لمن أراد الوصول إلى حقيقة ما جرى.

89 وثيقة اعتمد عليها الكاتب المتخصص في التاريخ العثماني، استطاعت إحصاء أكثر من نصف مليون ضحية من المسلمين المدنيين وليس العسكريين على يد العصابات الأرمنية المدعومة من روسيا.

وتروي إحدى الوثائق شهادة أحد الطلاب الروس في كلية طب موسكو، وممرضة روسية تدعى "ناتاليا كاراملي" تعمل بالصليب الأحمر الروسي، أن الأرمن كانوا يرتكبون أعمال العنف بشراسة ضد السكان المسلمين وخاصة النساء والأطفال في ضواحي بايبورت وأسبير.

ويتضمن الفصل الثاني وثيقة عبارة عن تقرير رسمي من أحد الضباط الروس أثناء قتالهم بمشاركة كتائب المتطوعين الأرمن ضد الأتراك العثمانيين يقول عنها المؤلف: "إنه بالرغم من المنافع المتبادلة والمشاركة الإستراتيجية في مقاتلة عدو واحد؛ فإن الضابط المذكور استفزته التصرفات اللاإنسانية والشاذة للأرمن في مواجهة الأهالي من الأتراك العثمانيين المسلمين".

ووثقت شهادة الليفتانت كولونيل "تواردو خليبوف" القائد الروسي حينها، قتل أعداد ضخمة من الأتراك على يد الأرمن بدم بارد دون قتال أو حتى توفر فرصة للدفاع عن النفس أو حمل السلاح.

ينتقل الفصل الثالث إلى تقرير لجنة "نايلز وسزرلاند"، المفوضة من الكونجرس الأمريكي وبتكليف منه عام 1919 للتحقيق في أوضاع الأقاليم الشرقية للإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى.

في التقرير يضع المبعوثان الأميركيان مشاهداتهما، ويدونان الملاحظات على ما حدث في المناطق التي مرّا بها، تحديدا في مدن ولايتي "بتليس" "فان" التي تتكون أساسا من المسلمين فقد دُمر نحو تسعة أعشارها، ويقول التقرير: "احتل الجيش الروسي المنطقة ثم انسحب منها، وما لبث الأرمن أن قاموا بارتكاب جرائم القتل والاغتصاب والحرق.. قاموا بكل الفظائع الرهيبة بحق المسلمين".

في منطقة أرضروم الحدودية التي تتكون من سلسلة من السهول التي تحيط بها الجبال ويقطنها الأكراد والأتراك حدثت أيضا أعمال قتل وتدمير كامل للمنازل والمزروعات ونهب الماشية، ويؤكد التقرير أن الأرمن قاموا قبل انسحابهم من المنطقة بتدمير القرى وعمل مذابح وفظائع أيضا ضد السكان المسلمين.

وينقل الباحث عن المؤرخ الأمريكي "جستن مكارثي" في كتابه "الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين" قوله: "هجمات الأرمن على المسلمين لم يأت ذكرها أو تؤخذ في الحسبان، إلا فيما ندر، أما هجمات المسلمين على الأرمن فهي فقط التي يهتمون بها ويبرزونها، كان من السهل على المعلقين أن يصوروا المسلمين بوصفهم متوحشين شعروا بين فينة وأخرى بالحاجة إلى قتل المسيحيين، في الحقيقة هاجم الأرمن المسلمين وفي كثير من الأحيان دون استفزاز واضح أو مسوغ مباشر".

وجه فرنسا الآخر

وبقدر ما كشفت الأزمة الحالية من تربص فرنسي أوروبي بتركيا مستغلة مزاعم تاريخية بشأن الأرمن، بقدر ما أماطت اللثام عن وجه باريس القبيح، حيث يلاحقها دوما عار وتغطي يديها شلالات من الدماء التي سفكتها خلال الحقبة الاستعمارية في عدة دول أبرزها الجزائر ورواندا.

وربما لا تكفي السطور لسرد جرائم فرنسا بحق الجزائريين على مدار عقود، فبين سنوات 1960 و1966، أجرت السلطات الاستعمارية الفرنسية 17 تفجيرا نوويا في عمق الصحراء بالجزائر، ما تسبب في مقتل 42 ألف جزائري وتعرّض الآلاف لإشعاعات نووية أدت إلى إصابتهم بأمراض سرطانية، كما تلوثت البيئة وباتت المنطقة التي كان مسرحا للتجارب، غير صالحة للحياة.

وفي 8 مايو 1945، ارتكبت فرنسا ما عُرف في الجزائر باسم "مجازر 8 ماي 45"، ففي هذا اليوم خرج الآلاف في ولايات سطيف وقالمة وخراطة (شرق)، ابتهاجا بنهاية الحرب العالمية الثانية، آمِلين أن تفي فرنسا بالوعد الذي قطعته لهم وهو الاستجابة لمطلب الاستقلال، الذي رفعوه إليها عبر أحزاب وطنية، إلا أن فرنسا قابلت الجماهير المبتهجة بقمع عسكري، فقتلت أكثر من 45 ألف ضحية، حسب تقديرات جزائرية.

وخلال "معركة الجزائر" سنة 1957، اختفى أكثر من 8 آلاف رجل من سكان العاصمة، بعدما اختُطفوا من منازلهم وتعرضوا لتعذيب رهيب وقتل بطرق بشعة أبرزها طريقة "جمبري بيجار"، وتتمثل هذه الطريقة في "غرس الرجال من أقدامهم داخل قوالب إسمنتية من أرجلهم وتركهم على هذه الحال حتى يجف الإسمنت، وبعدها يُحملون في طائرات عسكرية ويُرموا في عرض البحر، حيث يموتون غرقا"، وقد عثر بحارة جزائريون على هذه القوالب الإسمنتية وبداخلها آثار أقدام.

في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961، تصدت القوات الفرنسية في باريس لقرابة 60 ألف متظاهر جزائري طالبوا بالاستقلال، وكانت نتيجة القمع مقتل 1500 جزائري بالرصاص أو غرقا في نهر السين، و800 مفقود وآلاف المعتقلين، ويسمى هذا اليوم في الجزائر بـ"يوم الهجرة"، ففيه تظاهر الجزائريون المقيمون في باريس، بدعوة من جبهة التحرير الوطني، فخرجوا ليلا متحدين منعا للتجول فرضته عليهم السلطات الفرنسية.

وتعتبر قضية "جماجم المقاومين" الجزائريين، من الشواهد الحية على جريمة ارتكبتها فرنسا خلال فترة استعمارها للبلاد، ظهرت هذه القضية عام 2011، وأثارت جدلا كبيرا في الجزائر وفرنسا، خاصة بعدما اتضح أن الجماجم تعود لبعض كبار قادة المقاومة، وضعتها فرنسا في علب كرتونية في "متحف الإنسان" بباريس.

وتعود الجماجم لأسماء كبيرة في المقاومة الشعبية الجزائرية بينهم الشريف بوبغلة، "وصلت إلى متحف باريس على شكل هدية بين سنوات 1880 و1881، وقد جرى تحنيطها وحفظها بمادة مسحوق الفحم لتفادي تعفنها"، وفق مؤرخين.