مشروع مشبوه.. لماذا تشكل الإمارات فيلقا عسكريا أجنبيا على غرار فرنسا؟

15381 | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

اتخذت دولة الإمارات خطوة عسكرية متقدمة لتعزيز نفوذها في مسرح العمليات في عدد من الدول التي تسعى أبوظبي لحماية مصالح فيها.

وجديد ذلك، اتجاه أبوظبي للبدء بتشكيل "الفيلق الأجنبي" الإماراتي بمساعدة فرنسية، وفق ما أكد موقع "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسي الاستخباراتي.

وكشف الموقع في تقرير له نشر منتصف مارس/آذار 2024، أن متقاعدين في القوات الخاصة الفرنسية مهتمون بالانضمام إلى وحدة النخبة الجديدة التي تشكلها الإمارات، والتي تضم ما لا يقل عن 3000 مجند أجنبي على غرار الفيلق الأجنبي الفرنسي.

ويتألف الفيلق الأجنبي الفرنسي من 8000 رجل مختار، وجرى تشكيله عام 1831، وهو رسميا فرع من الجيش الفرنسي ومع ذلك يُعتقد أنه كيان خاص به.

وقد نشط الفيلق الأجنبي الفرنسي خلال السنوات العشرين الماضية في أفغانستان والبوسنة والهرسك وكمبوديا وتشاد والكونغو وجيبوتي وغويانا الفرنسية والغابون والعراق وساحل العاج وكوسوفو والكويت ورواندا والصومال.

والطريقة الوحيدة التي يمكن للمجند من خلالها الانضمام إلى الفيلق المذكور هي الحضور إلى البر الرئيس لفرنسا والطرق على باب أحد مراكز تجنيده.

"الفيلق الأجنبي الإماراتي"

وعلى مدى أيام، تداول متقاعدون في القوات الخاصة الفرنسية إعلانا عن وظيفة عمل في الفيلق الأجنبي الإماراتي، ويتضمن شروطا بأن يكون عمر المرشح الناجح دون الـ 50 عاما.

وأن يتمتع بخبرة لا تقل عن خمس سنوات في العمليات العسكرية، "ويفضل أن يكون ذلك مع الفيلق الأجنبي الفرنسي". 

وعلى من توفرت فيه هذه الشروط اجتياز الاختبارات البدنية: "خمسة تمارين عقلة واختبار اللياقة البدنية متعدد المراحل، وصعود الحبل 5 أمتار بدون استخدام القدمين، والسباحة لـ 25 مترا".

ويمكن للمرشحين من الفيلق الأجنبي الفرنسي أو الجيوش الغربية الأخرى الحصول على عرض العمل وعنوان البريد الإلكتروني.

بالإضافة إلى رقم يمكنهم من خلاله الحصول على مزيد من التفاصيل حول المهام والرواتب. 

أما المرحلة الأخيرة لاختيار الناجحين فهي مقابلة مصورة مع مندوب من الحكومة الإماراتية، لأن العمل وفقا للإعلان سيكون مع القوات المسلحة الإماراتية، التي تعمل بجد لإنشاء فيلق أجنبي خاص بها.

وتجرى المحادثات بين المرشحين والشخص مجهول الهوية المسؤول عن حملة التجنيد على تطبيقات الاتصال الآمنة، حيث يستخدم المسؤول رقما موجودا في مالي.

وتصرح جهة التجنيد بأن الهدف هو توظيف 3000 إلى 4000 جندي أجنبي بحلول منتصف عام 2025، وأن الراتب قابل للتفاوض حسب المؤهلات. 

ومن 2000 دولار شهريا، سيرتفع الراتب بسرعة ليصل إلى 3000 دولار، وهي "بداية أفضل منها في الفيلق الأجنبي الفرنسي" وفقا لما ذكره مسؤول التجنيد.

ومن المقرر أن تتم حملة التوظيف الأولى بين مايو/ أيار ويونيو/ حزيران 2024، وسيُنشر العناصر المجندون خارج الإمارات لمدة تتراوح بين أربعة وستة أشهر في السنة، وسيتقاضون رواتب تتراوح بين 4500 و7000 دولار شهريا.

كما سيحصلون على المبيت والطعام في معسكر إماراتي، وإجازة لمدة شهر ورحلة واحدة سنويا إلى البلد الأم.

وحدد المسؤول الإماراتي عن التجنيد أول مسرحين للعمليات، ويشملان القواعد الإماراتية في اليمن والصومال.

ففي اليمن، تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يحاول بسط نفوذه على طول الساحل الجنوبي للبلاد في مواجهة الحوثيين.

وفي الصومال، فقدت القوات المسلحة الإماراتية ثلاثة جنود في فبراير/شباط 2024 عقب هجوم شنته حركة الشباب على قاعدة في مقديشو، حيث تدرب قواتها أفراد الجيش الصومالي.

وحركة الشباب المصنفة على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية، تضم ما بين 5 إلى 9 آلاف مقاتل، تسيطر على مساحات كبيرة في الصومال وتعتمد على تصدير الفحم كمصدر رئيس لتمويلها.

ولم يأت هجوم حركة الشباب على جنود الإمارات من فراغ، بل لكون أبوظبي تبنت رسميا محاربتها على أرض الصومال حيث تسعى أبوظبي لفرض سيطرة على هذا البلد الإستراتيجي ولا سيما ممراته المائية.

حروب الوكالة

ووفقا لكثير من التقارير الصحفية، فإن مشاركة دولة الإمارات في منطقة القرن الإفريقي، لا سيما من خلال مبادرات موانئ دبي العالمية، تأتي ضمن أهدافها الإستراتيجية المتمثلة في إنشاء حكومات تعاونية على طول ممر البحر الأحمر.

وبحسب موقع "Halqabsi News" المعني بأخبار الصومال باللغة الإنجليزية، فإن نفوذ الإمارات في هذا البلد يتمثل في "قوات أمن بونتلاند" والتي جرى إنشاؤها لحماية المناطق التي يتم فيها استخراج المعادن والنفط.

وكذلك في قاعدة الجنرال جوردون العسكرية والواقعة في العاصمة مقديشو، وهي موطن للجيش الإماراتي، الذي يتمثل هدفه الأساسي في حماية مصالح الإمارات في الصومال.

أما المسرح الثالث فهو السودان، حيث تدعم الإمارات قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" في الصراع الدموي الدائر مع الجيش السوداني منذ 15 أبريل/ نيسان 2023.

وقد قالت وسائل إعلام تشادية إن رئيس المرحلة الانتقالية في تشاد الجنرال محمد ديبي، التقى في 21 مارس 2024 "حميدتي"، في العاصمة الإماراتية أبوظبي.

ووفق حساب منصة "تشاد ون" على موقع "إكس" فإن أبو ظبي أنشأت وحدة نخبة على غرار الفيلق الأجنبي الفرنسي، تهدف إلى زيادة عدد القوات إلى 3 آلاف جندي وإدخالهم إلى مسرح العمليات السوداني، مشيرة إلى الجنرال محمد ديبي ذهب لأبوظبي من أجل الموافقة على التخطيط ودعم حميدتي.

وزيارة ديبي إلى العاصمة الإماراتية هي الرابعة له منذ تسلمه زمام الحكم في تشاد بعد مقتل والده إدريس عام 2021، حيث عزز علاقات بلاده مع هذه الدولة الخليجية.

وفي يونيو 2023 وقع البلدان اتفاقيات عسكرية وأمنية وفي قطاع الطاقة والتعدين واتفاقية تنموية عبر صندوق أبوظبي للتنمية.

وتمثل الخطة الإماراتية للتجنيد على طراز الفيلق الأجنبي وفق "إنتلجينس أون لاين" تغييرا في طريقة عملها، إذ تعتمد أبو ظبي عادة على شركات عسكرية خاصة من البلدان الناشئة، مثل كولومبيا والسودان، أو المليشيات المحلية كقوات مساعدة. 

والآن، تتمثل الفكرة في دمج هذه الوحدات من الأجانب مباشرة في الجيش الإماراتي، بحسب تقرير المجلة.

وضمن هذا السياق، قال أحمد غنيم من مركز "أفريكان ستريم" تعليقا على إنشاء الفيلق الأجنبي الإماراتي: "لقد شاركت الإمارات في العديد من المساعي الاستعمارية في إفريقيا، بما في ذلك تمويل الحروب بالوكالة في السودان وليبيا".

وأضاف غنيم في منشور له على منصة "إكس": "على الرغم من صغر حجم الإمارات، فإن ثروتها الكبيرة مكنتها من اتباع سياسة خارجية عدوانية - دعم قوات دقلو للدعم السريع في السودان وخليفة حفتر في ليبيا، فضلا عن تأمين نفوذ كبير على الممرات المائية الإستراتيجية في اليمن والصومال".

 واستدرك قائلا: "الآن، كشف إعلان وظائف مسرب على ما يبدو أن أبو ظبي تستأجر قوة نخبة، على غرار الفيلق الأجنبي الفرنسي، لاستغلالها في دعم حروب الإمارات بالوكالة في قارتنا".

قائد المشروع

ويعمل متقاعد من القوات الخاصة الفرنسية ضمن مشروع التجنيد الإماراتي. وبالاطلاع على خصائص مستند PDF الخاص بعرض العمل، وجدت "إنتليجنس أون لاين" أنه أنشئ في 21 فبراير/شباط 2024 وأن صاحبه يبدو كأنه فرنسي ويستخدم اسم "Freddy R".

وبالاطلاع على إعلان ثان لنفس الوظيفة، يبرز اسم شركة المنار العسكرية الإماراتية التي يرأسها منذ يناير/كانون الثاني 2019 المدعو فريدي ريود، وتتطابق الأحرف الأولى من اسمه مع الأحرف الأولى من اسم صاحب الإعلانين كليهما.

انضم ريود إلى القوات الخاصة البحرية الفرنسية في عام 1995، وبعد تقاعده في يونيو 2014 عمل في إزالة الألغام والمتفجرات البحرية ومخلفاتها. 

ولفترة وجيزة، بات ريود خبيرا في هذا المجال لدى الأمم المتحدة والإدارة العامة الفرنسية للتسليح، قبل أن يصبح في أكتوبر/تشرين الأول 2015 مستشارا في مجال الألغام لدى الحرس الرئاسي التابع للجيش الإماراتي.

وحتى العام 2018، عمل ريود مستشارا تنفيذيا لشركة Global Aerospace Logistics الإماراتية لصيانة معدات الطيران، والمملوكة جزئيا للمجموعة الذهبية الدولية في أبو ظبي. 

وقبيل استحواذ مجموعة إيدج الدفاعية الحكومية عليها في نهاية عام 2023، كانت "المجموعة الذهبية" الشريك المحلي للعديد من شركات التسليح الغربية (كشركة نيكستر مثلا) والجهة المفضلة بالنسبة لأبو ظبي لتسليح الجماعات التي تدعمها الإمارات في الخارج، كما في ليبيا مثلا.

وهذه الشركة، أي "المنار" لها باع كبير في التعاقدات مع الشركات العسكرية الفرنسية، وتخليص عقود تسمح برفد الجيش الإماراتي بذخائر وأسلحة جديد.

فقد سبق أن استكشفت "المنار للاستشارات العسكرية" فرصا في الإمارات للصناعة البحرية الفرنسية، عبر بحث عروض مشتركة مع شركات منها "سيرينا"، التابعة لمجموعة "نافال" المتخصصة في صناعة الطائرات المسيرة والمراقبة البحرية، ومجموعة "سي-أول"، التي تصنع أجهزة التوجيه في فرقاطات جويند "Gowind"، التي باعتها فرنسا لأبوظبي.

وفي عام 2022 سعت للفوز بعقد مع شركة "توازن" الإماراتية للصناعات الدقيقة (TPI)؛ لإجراء دراسة أولية حول بناء مصنع لإعادة تدوير الذخيرة.

كما عمل ريود مع المساهمين الإماراتيين المؤثرين، سعيد ونواف غباش، ويستخدم منذ عام 2019 شركة المنار التي أنشئت حديثا لمساعدة شركات الصناعات البحرية الفرنسية، مثل Naval Group وSeaOwl Group، في تأمين عقود في البلاد.

وتعود ملكية شركة المنار لسعيد ونواف غباش، اللذين نسجت أسرتهما شبكتها الاستثمارية في قلب المصالح الأكثر إستراتيجية لأبو ظبي.

ورغم أنها لا تربطها صلة قرابة بالأسرة الحاكمة، إلا أن عائلة غباش- المعروفة أيضا باسم غباش المري- تؤدي دورا بارزا في المشاريع السرية لحكام أبو ظبي: آل نهيان.

وسعيد ونواف أسسا شبكة تجارية كبيرة، كما أن الوظائف الرسمية التي تقلدوها منحتهما نطاقا واسعا لتنفيذ مجموعة متنوعة من المشاريع في البلاد وخارجها.

و"أحمد بن سعيد الغباش"، الذي يوصف "بالشخصية النافذة" في الإمارات، ترأس هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة منذ أكتوبر 2021، كما يدير شركة "توازن" للكيماويات.

وسبق له إدارة شركة أبوظبي للإعلام، وكان عضوا في مجالس إدارات العديد من الشركات الإماراتية، بما في ذلك بنك دبي التجاري وجامعة الإمارات.

ولعب القائد السابق بالقوات الخاصة الفرنسية "فريدي ريود"، دورا في تشكيل "الفيلق الأجنبي الإماراتي" حتى يقف على قدميه كما هو مخطط له في غضون منتصف عام 2024.

وعمدت مجلة "إنتيليجنس أونلاين"، إلى التواصل مع "ريود" الذي قال في البداية إن "هذه المعلومات خاطئة"، قبل أن يؤكد وجود المشروع لكنه زعم أنه توقف.

وسئل عن المعلومات الواردة في تقرير المجلة وتعود لشهر مارس 2024، وعما إذا كانت حملة التجنيد ستبدأ في غضون شهرين، أجاب بقوله "كما يحلو لك"، ثم أضاف أن هذه المعلومات في رأيه "خاطئة".

وبموجب مرسوم فرنسي صدر في 13 ديسمبر/كانون الأول 2023، فإنه يجب على أي عسكري متقاعد ذي "مهارات فنية متخصصة" ويرغب في العمل لدى دولة أجنبية أن يحصل أولا على تصريح من وزارة القوات المسلحة الفرنسية. 

وقد وضع هذا البند كجزء من قانون "البرمجة العسكرية" المتعلق بالمساهمات العسكرية الفرنسية، وذلك بعد مشاركة طيارين فرنسيين في تدريب نظرائهم في الجيش الصيني، والذي أوردته "إنتيليجنس أونلاين" في مقال لها في مايو 2022.

وقد اتصلت "إنتيليجنس أونلاين" بمكتب وزير القوات المسلحة الفرنسي سيباستيان ليكورنو، وقال إنه لا يعلم بالمشروع الإماراتي، فيما لم ترغب مديرية استخبارات الدفاع والأمن الفرنسية في التعليق على الخبر.

ويقوم الفيلق الأجنبي الفرنسي عادة، بإنشاء وإعطاء هويات جديدة للمجندين، يفصلهم عن حياتهم القديمة، بينما لم يتضح بعد ما إذا كان الفيلق الأجنبي الإماراتي سيفعل الشيء نفسه.

لكن ما هو متوقع وفق الخبراء العسكريين، أنه بدءا من دول مثل اليمن والصومال، سيتم نشر وحدة النخبة الأجنبية الجديدة هذه للعمل على الجبهات الرئيسة للسياسة الخارجية الإماراتية في شرق إفريقيا ومنطقة البحر الأحمر.

ومن الممكن أيضا تكليفها بمساعدة القوات شبه العسكرية والجهات الفاعلة غير الحكومية التي دعمتها أبو ظبي بشكل مثير للجدل على مر السنين، مثل القوات الشرقية الليبية بقيادة اللواء الانقلابي خليفة حفتر ضد حكومة البلاد المدعومة من الأمم المتحدة ومليشيا قوات الدعم السريع السودانية ضد جيش البلاد.