تغير هائل.. كيف نجحت أوروبا في جعل الطاقة المتجددة منافسا للغاز والفحم؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفتان إسبانيتان الضوء على الإنتاج الأحفوري الذي أصبح في طي النسيان بعد أن ظهر على ساحة الطاقة الأوروبية منافس جديد يتمثل في طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

وفي الواقع، تولد هذه الطاقة أكثر من ربع الكهرباء في القارة العجوز وتقلل من الانبعاثات وفق صحيفة الباييس الإسبانية. وبينت أن الطاقة المتجددة ساهمت في تخفيف وطأة الأزمة الطاقية في أوروبا.

وبعد الزيادة الحادة في استخدام الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء في الاتحاد الأوروبي عامي 2021 و2022، تستقر معدلات الإنتاج الكهربائي في وضع طبيعي جديد يتسم بانخفاض انبعاثات الغازات السامة.

الطاقة في أوروبا

ولفتت إلى أن وزن الفحم في إنتاج الكهرباء الأوروبية انخفض في عام 2023 إلى أدنى مستوى له، حتى أقل مما كان عليه في سنة 2020 المضطربة. 

من ناحية أخرى، سجّل الغاز أدنى مستوى له منذ سنة 2016. وقد انخفض مجموعهما بالفعل إلى أقل من 30 بالمئة، وهو الحد الأدنى التاريخي الجديد، وفقا للبيانات التي نشرها خلال فبراير/شباط 2024 مركز الأبحاث البيئية، إمبر. 

ونقلت الصحيفة أن عاملين يفسران هذه التغييرات الجذرية في ساحة الطاقة الأوروبية. ويمكن عد العامل الأول ذا طبيعة هيكلية، ويفسر بزخم الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية.

والثاني، يمكن عده عاملا ذا طبيعة مؤقتة، يفسّر بالانخفاض الحاد في الطلب على الكهرباء، خاصة في القطاع الصناعي، بسبب أزمة الأسعار؛ وعودة الطاقة الكهرومائية إلى الحياة، بعد الجفاف الذي ضرب عدة دول في القارة. 

وتكشف البيانات أن طاقة الرياح، التي ترجع جذورها إلى النصف الشمالي من القارة، توفر بالفعل ما يقرب من 18 بالمئة من الكهرباء المستهلكة في أوروبا. وهو ضعف ما كان عليه عام 2015 وستة أضعاف ما كان عليه قبل 15 سنة.

ومن جانبها، احتلت الطاقة الشمسية مكانة مرموقة في سوق الطاقة، حيث تحوّلت من كونها مجرّد أرقام هامشية، أقل من واحد بالمئة في الأعوام الأولى من العقد الماضي، إلى ما يتجاوز تسعة بالمائة.

وتعد هذه الأرقام مجرّد بداية لظاهرة جديدة. وعموما تعد إمكانات الطاقة الشمسية في الجنوب، وخاصة في شبه الجزيرة الأيبيرية، هائلة بكل بساطة.

تغيير هائل

تعليقا على هذا النهج الجديد، تقول مديرة مركز إمبر في أوروبا سارة براون، في مذكرة نشرت خلال فبراير: "إن قطاع الكهرباء الأوروبي غارق في عملية تغيير هائلة". 

وتضيف: "يلعب الوقود الأحفوري دورا أصغر من أي وقت مضى حيث أصبحت الرياح والشمس هي العمود الفقري لإنتاج الطاقة الكهربائية في أوروبا".

وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2023، بلغ الإنتاج المشترك لتوربينات الرياح والألواح الكهروضوئية 475 تيراواط/ساعة، وهو ما يعادل تقريبا الطلب الفرنسي وضعف الطلب في إسبانيا. 

ونقلت الصحيفة أن إجمالي توليد الوقود الأحفوري انخفض بنسبة 19 بالمئة عام 2023. وكان الفحم، وهو الوقود الأكثر تلويثا إلى حد كبير، عنصرا مهما لتفسير هذا التراجع.

وتحديدا، كان 333 تيرا واط في الساعة المولدة باستخدام الليجنيت، أو الفحم البني، أقل بمقدار الربع مقارنة بالأرقام المسجلة في سنة 2022 وأدنى رقم منذ بدء تسجيل هذه البيانات.

وتراجع وزنه الحالي في الإنتاج الكهربائي عن نصف ما كان عليه قبل عقد من الزمن، وما يقرب من ثلث ما كان عليه في سنة 2000، عندما بدأ إمبر في جمع البيانات. ويقدر إنتاجه الحالي بما يزيد قليلا عن 12 بالمئة.  


 

في الأثناء، يشير المحللون في مركز الأبحاث البريطاني، إمبر، إلى أنه "في سنة 2023، لم يؤد انخفاض الفحم إلى زيادة في إنتاج الغاز، الذي انخفض بنسبة 15 بالمائة".

ويعد هذا الانخفاض في الغاز الطبيعي هو الأكبر حجما "منذ سنة 1990 على الأقل" ويعزز "أربع سنوات متتالية من الانخفاض".

على عكس الغاز، استمر الفحم في فقدان قوته في المزيج الطاقي الأوروبي منذ فترة.

وبين سنتي 2016 و2020 سجل بالفعل معدلات سلبية سنويا، وسيستمر على نفس المنوال في المستقبل القريب.

أزمة الطاقة

وتشير توقعات مركز الدراسات ومقره في لندن، إلى إغلاق 20 بالمئة من مصانع الليجنيت بحلول نهاية عام 2025. 

عموما، مهّد لمسار اللاعودة سنتان من أزمة الطاقة الأكثر حدة في القارة الأوروبية خاصة والعالم أيضا، مما اضطر إلى إعادة تنشيط محطات توليد الطاقة المتجددة للحفاظ على احتياطيات الغاز.

وبحسب صحيفة الدياريو الإسبانية، في عام 2023، ظل الفحم عند مستوى لا يقل عن 1.5 بالمئة في إسبانيا، وهو ما يتناقض مع النسبة التي اقتربت من 20 بالمئة التي كان يحتكرها هذا المصدر في سنة 2012.

وفي ذلك العام، كانت التكنولوجيات غير المتجددة لا تزال تمثل 70 بالمئة من كعكة الإنتاج، وهو ما يفسر هذه الأرقام. 

وفي السوق الإسبانية أيضا، يلاحظ أن توليد الطاقة الشمسية قد زاد بنسبة 229 بالمئة مقارنة بسنة 2013. كما شهدت هذه الفترة انتعاشا كبيرا في استخدام محطات الدورة المركبة.

وتعادل الانبعاثات الصادرة عن هذه المحطات، التي جرى تركيبها بشكل رئيس في العقد الأول من هذا القرن، ما يقارب ثلث تلك الصادرة عن الفحم. ونوهت الصحيفة بعوامل أخرى تفسر تراجع القدرة التنافسية للفحم.

وتحديدا، أدت المتطلبات البيئية للاتحاد الأوروبي وارتفاع تكاليف التلوث إلى تراجع وزن الفحم في ساحة الطاقة الأوروبية.

في سنة 2018، أغلقت آخر مناجم الفحم في إسبانيا بسبب الضرورة الأوروبية. وبعد إغلاق المصانع التي كانت تحرق المعادن الإسبانية جاء دور الباقي.

ونتيجة هذا التحول الطاقي، تمكنت إسبانيا من تغطية أكثر من نصف استهلاكها من الكهرباء باستخدام مصادر الطاقة المتجددة في سنة 2023، ولكن أيضا في ألمانيا، وفقا للتقديرات التي نشرها خلال فبراير 2024 معهد فراونهوفر لأنظمة الطاقة الشمسية.

ومع ذلك، يتذكر خافيير كوجات، الخبير في مجال الطاقة الكهربائية، أن ألمانيا تملك إنتاجا كهربائيا يعتمد بشكل أكبر على الفحم.

ويشير الخبير، فرانسيسكو فالفيردي، إلى أن "ألمانيا تعتمد على الطاقة النووية، التي لا تولد انبعاثات، والغاز".