كيف يسخرون ورقصتهم سبقت رقص البسطاء أمام اللجان؟!

حسام الغمري | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا شك أن مشاهد الرقص الهستيري التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كانت مؤلمة للغاية، لا سيما وقد علمنا جميعا أن هذا الرقص مدفوع الأجر، إذ استغل نظام عبدالفتاح السيسي حاجة قطاع عريضٍ من المصريين إلى المال وأعد اللقطة التي يحتاج إليها. ولكن هل كان ما يحتاج إليه السيسي هو فقط لقطة الحشد الراقص أمام اللجان، أم لقطة إظهار الشعب المصري بهذه الصورة المُخزية أمام أطراف غربية ربما أَعلَنَت أنها لا تَستَطيع دعم تعديلاته الدكتاتورية؟

هل أراد السيسي إيصال رسالة مفادها أن هذا الشعب لا يحُكم إلا بطريقَته المتُجبرة، وأن الديمقراطية لا تُناسِب هؤلاء الجياع الذين ما نالوا حظا من الثقافة والتعليم؟! في كل الأحوال السيسي اعتاد تحريض الغرب ضد أمة الـ 1.6 مليار ومساجدهم وأفكارهم ونصوصهم الدينية. 

المشهد الآخر المؤلم، هو مشهد الحشد الذي يرَفع أفرادُه أياديهم صوب ذلك الذي يُلقى لهم بـ"كراتين رحمة النظام" في مصر وحنانه مقابل حشدهم للتصويت بـ"نعم" على أوراق استفتاء لم يكلف النظام نفسه عناء إخراجها بشكل دستوري وإجرائي منضبط!

ولكن المشهد الأكثر إيلاما على الإطلاق هو سخرية وتندر أولئك الذين يدعون أنهم في المعسكر الرافض للانقلاب من منطلق أخلاقي، هؤلاء الذين لم يعرفوا من الأخلاق سوى التجارة بشعاراتها والمزايدة والمناطحة والمجادلة، وأيضا المحاولات المستمرة لتجميل الوجه القَبيح الذي تَكشف الأيام بتتابعها حجم قبُحه وتَسَتره المُصطَنع حول زيف الشعارات وعباءة الأخلاق المصنوعة من ثوب رخيص!

كان أولى بهؤلاء قبل أن يسخروا ممن دَفَعَهم الفقرُ والجوع ربما للاستسلام لإغراءات السيسي ورُشاه الانتخابية أن يَدرسوا كيف أضاعوا الثورة التي كان هتُافُها "عيش.. حرية.. كرامة إنسانية، فأضاعوها وأضاعوا حُلم الكرامة باستِعلائِهم على الشركاء، ورغبَتهم المحمومَة في التفرد بالمسار السياسي، وكيف سمحوا لأنفسهم أن يتحولوا لمثير مُنفر للعديدِ من التيارات السياسية؛ فانجحوا خُطة العسكر الذين ما أظهروا من أظهروا على السطح إلا لسحقِهم للأبد، وتأكيد فتنة الناس فيهم وبهم.

كان أولى بهم أن يُقدموا الاعتذار تلو الاعتذار، وأن يبسِطوا يد الرحمةِ والرأفة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا بدلا من التشبث بمواقف جامدة متعصبة والتمحور خَلفَها، وتخوينِ وتقريعِ كل من يجتهد برأي مُخالف لبنات أفكارهم التي ما برحت تجعل ثورتنا في مربعها الأول لا تغادره بعد الانقلاب.

إن أروع ما قرأته في ترجمة الثائر الكوبي الشهير "تشي جيفارا"، أنه كان يمُسك السلاح بيد ويمسك بالقلم لتعليم البسطاء باليد الأخرى، كان جيفارا يؤكد أن ثورات أمريكا الجنوبية لن تنجح إلا حين تتراجع الأُمية في القارة اللاتينية، وأن الدكتاتورية والجهل مُتلازمتين لا تفترقان، بل لعلهما وجهان لعملة واحدة، فكيف كان غرسكم في تعليم البسطاء أيُها المُتندرون يا من أَطعَمتُم البطون في مواقف ممُاثلة؟ هل تحسب لَكم خُطوات جادة في هذا الاتجاه؟ بل دعونا نتحدث عن واقع ما بعد انقلاب السيسي، هل انشأتم فضائيات لتثقيف البسطاء بقدر الإنفاق على برامج المُكايدة السياسية وإظهار عيوب الخصم، بل دعوني أقول إنصافا، جرائمه!!

كيف نلوم شعبا الجميع قاموا بالعزف على أوتار حاجة البسطاء منه واستغلوها؟ بل تاجروا بها، كيف نُسيء إليهم بهذه القسوة دون تَفَهم للحاجات الإنسانية المُلحة!

والحق أقول، إن إعلام 30 يونيو لازال مسيطرا، ليس لأنه يمتلك قدرا من المصداقية لدى الشارع بعد سنوات من انقلاب السيسي، ولكن لأن أسلوبه وصيغَته التي فرضَها على الساحة الإعلامية مازالت هي المُسيطرة؛ إعلام التنابذ، والتندر، والسخرية من الآخر، والتباهي بالأخلاق في غير مواضعه، إعلام الاستكبار وتصيد الأخطاء وإبراز المساوئ والنقائص دون إعلام بناء الوعي السليم، وترسيخ القيم الحقيقية وتأصيل الأهداف المجتمعية وترتيب الأوليات.

 وحتى لا أقع في فخ التعميم يجب أن أقر حقيقة وجود من يسعى لبناء وعي حقيقي يسمو بالأخلاق لجعل المعركة ضد الانقلاب معركة الرايات الواضحة، إحداها هي راية الأخلاق المجردة والأخرى هي راية ما دون ذلك من كذب ونفاق وتدليس وخداع، ولكنها تظل محاولات واجتهادات فردية لا تظللها إستراتيجيات أحزاب أو جماعات فكرية، أو نتيجة لمؤتمرات أو دراسات أو أوراق بحثية!

إن التصرف المسؤول الذي أفهمه، أن أتقدم ومعي كل الذين يتحدثون في الشأن العام المصري، باعتذار جاد إلى البسطاء من هذا الشعب، الذين بخلنا عليهم بالتعليم الحقيقي والثقافة بمفهومها الواسع الذي ينعكس على القرارات الفردية والتصرفات الشخصية، وأن نكف عن التفكير فيهم كمجرد كرة تتبادلها أقدام اللاعبين ببراعة، حسب وصف السيناريست وحيد حامد في مشهد نهاية فيلمه الشهير "طيور الظلام".

ولرفقاء الصف أختم بالتأكيد أن الأخلاق ملكة متوجة تجلس فوق عرش قوائِمه الرحمةَ والتعاطف الإنساني، و تاجها هو اللسان العفيف الذي يأبى الغلظة والفجاجة والفُحش في القول كما الفحش في العمل.