صحيفة إسبانية: المقدسيون "مستميتون" في الدفاع عن أرضهم

قسم الترجمة | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يناضل العديد من الشيوخ الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم إثر نكبة 1948، إلى جانب عشرات العائلات من حي "الشيخ جراح" في القدس، ضد طردهم من قبل منظمة للمستوطنين اليهود.

ونقلت صحيفة "إلباييس" الإسبانية، قصة محمد صباغ، الذي ولد قبل 70 عاما في القدس، وكان والداه قد أتيا من قطاع غزة، بعدما فروا من هناك قبل تقدم القوات الإسرائيلية، الكيان الذي ولد عام 1948 في مدينة يافا الفلسطينية، التي أصبحت اليوم إحدى ضواحي تل أبيب.

ويتذكر الشيخ بين أشجار الليمون والنخيل في منزله بحي "الشيخ جراح"، حيث استقرت عائلته، قائلا: "في وقت لاحق، انتقلت عائلتي على ظهر جمل إلى الخليل، لأن الجنود لم يسمحوا لهم باستخدام المركبات".

وأضاف الشيخ صباغ: "لقد خرجوا بما كانوا يرتدون، لقد تركوا كل شيء وراءهم، حتى مفاتيح المنزل".

خيط الذكريات

يروي الشيخ قصته وهو يعرض صورة مبنى في الحي الإسلامي، الذي تشغله حاليا العائلات الإسرائيلية، المطل على ميناء يافا، أحد أقدم الموانئ في الأرض المقدسة، في هذا المكان، كان لأجداده منزل آخر في المدينة الساحلية وأرض زراعية في بلدة مجاورة.

وأضافت الصحيفة أن الشيخ يتذكر بين باحات وحدائق حي الشيخ جراح، قائلا: "كان والدي يتحدث معي دائما عن البحر، ورائحة زهر البرتقال، ثم تبكي والدتي". 

وتابع: "قالت إن لديهم علاقة جيدة مع الجيران اليهود، وإنها لا تفهم سبب اضطرارهم للمغادرة دون أي شيء".

وواصل صباغ خيط الذكريات، بينما كان يستعرض الصور العائلية قبل النكبة وبعدها، التي مثلت بداية نزوح مئات الآلاف من المدنيين من أراضيهم وممتلكاتهم بعد الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني.

وأشارت الصحيفة إلى أن أسرة الصباغ استقرت أخيرا في واحد من عشرات المنازل الصغيرة التي بنتها الأمم المتحدة بالقدس في خمسينيات القرن الماضي لاستضافة اللاجئين الفلسطينيين.

وعمل المحاسب المتقاعد صباغ - وهو متزوج وله 7 أولاد - في مكاتب مستشفى المقاصد الواقعة على منحدرات جبل الزيتون. 

وفي الوقت الحالي، يقود الشيخ معركة عشيرة بأكملها؛ تضم عائلات إخوته الأربعة، الذين يعيش معهم في نفس المبنى، للدفاع عن منازلهم من خطر الإخلاء.

وعلق صباغ قائلا: "لا أريد أن أعيش نفس المصير الذي واجهه والدي"، وعموما، تعبر هذه الكلمات عن مخاوف عشرات العائلات، وليس فقط عائلة صباغ، مضيفا: "أريد أن أموت في منزلي".

وفي الوقت الراهن، يواجه المبنى الذي تستقر فيه عائلة صباغ و7 مبان أخرى حكما نهائيا بالإخلاء من المحكمة العليا، وهم الآن يكافحون من أجل تجميد وإلغاء تنفيذ الحكم الذي ما زال معلقا.

رمز للبقاء

وفي خطوة غير متوقعة، أرجأت المحكمة العليا جلسة 10 مايو/أيار 2021 لإجلاء 6 عائلات أخرى، في مواجهة موجة الاحتجاجات على طرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح.

وبهذا الشكل، أصبحت المعركة القانونية التي يخوضها هذا الحي منذ عقود رمزا لبقاء الفلسطينيين على أرضهم بعد تاريخ من السلب وتجريدهم من ممتلكاتهم.

وأوردت الصحيفة أن مبنى عشيرة صباغ، الذي توسع في الارتفاع والمساحة على مدى 7 عقود، يؤوي عشرات الأطفال، تتراوح أعمارهم بين 12 عاما وبضعة أشهر.

وعبر صباغ عن المخاوف التي يعيشونها بشكل يومي قائلا: "إنهم لا ينامون، إنهم خائفون جدا، نشهد مواجهات مع المستوطنين على مدار 24 ساعة، بعضهم يعيش بجواري في منزل تم إخلاؤه".

وأضافت الصحيفة أن شرطة الحدود، وهي هيئة عسكرية، قامت بإغلاق مداخل الحي الذي يبدو حاليا وكأنه حي يهودي، يسمح فقط للصحافة المعتمدة بالدخول، ولكن، مع فرض قيود. 

ونقلت "إلباييس" عن باسم صباغ، شقيق محمد، البالغ من العمر 64 سنة، أن "العنف كان مستمرا في الأسابيع الأخيرة".

وعندما كان كلا الأخوين يقفان عند مدخل منزلهما، مر بجانبها مستوطن أهانهما دون أي دافع أو استفزاز من جانب الأخوين.

وبهذه العبارات، "أنت قمامة"، باشر المستوطن إهانتهما، أمام أنظار ومراقبة المصور والمراسل اللذين يرافقانهما.

من جهتهما، رد الأخوان في هدوء تام، "أنت أسوأ بكثير".

معايير الاحتلال

ونوهت الصحيفة بأن التهديد بالإخلاء الذي تواجهه العائلات الفلسطينية التي تعيش في هذا الحي شمال البلدة القديمة، أدى إلى تفاقم الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة التي اندلعت في القدس نهاية شهر رمضان الأخير. 

وفي دليل صارخ على ازدواجية معايير قوانين الكيان المحتل، لا يمكن للعائلات التي يتم إخلاؤها المطالبة بممتلكاتها - التي أعلن أنها شاغرة بسبب غياب أصحابها لأكثر من 3 سنوات - في الأراضي التي أصبحت اليوم جزءا من الكيان الصهيوني أو ما يسمى بإسرائيل، تقول "إلباييس".

ومع ذلك، بعد ضم الجزء الشرقي من المدينة المقدسة، يسمح القانون الإسرائيلي لليهود باستعادة ممتلكاتهم القديمة.

وأشارت الصحيفة إلى أن مؤسستين دينيتين يهوديتين، إحداهما أشكنازي والأخرى سفاردي، استحوذتا على الأراضي الموجودة حول قبر "شمعون العادل"، وهو رئيس كهنة يهودي قديم، خلال نهاية القرن التاسع عشر.

وبعد استحواذ هاتين المؤسستين رسميا على هذه الممتلكات عام 1967، تنازلتا عنها لجمعيات المستوطنين اليمينية المتطرفة التي تحاول في الوقت الراهن إخلاء الفلسطينيين.

وتعليقا على ذلك، قال صباغ: "كانت هناك محاولة اتفاق عام 1982 حتى نتمكن من استئجار منازلنا، لكن لم يؤيدها أحد".

وأضاف "كان الأمر أشبه بإعطاء أرض فلسطين لمن يريد أن يستولي عليها، وهو ما يعتبره شعبنا خيانة".

وأوردت "إلباييس" للشيخ قوله إنه "عندما طردت العائلات الأولى عام 2009 من هذا الحي، بقوا في الخارج أمام منازلهم.. وبقوا في أماكنهم لأشهر، بلا سقف إلا السماء، ودون أي شيء".

كما أعلن صباغ في ختام حديثة عن رغبته في مواصلة نضاله قائلا: "سأفعل الشيء نفسه تحت منزلي، لن أفترق عنه، أريد أن أموت هنا.. الشجرة لا تنفصل عن جذورها".