تصاعد الاغتيالات.. هل يغير مصير انتخابات البرلمان المبكرة في العراق؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إعلان نحو 30 حركة وحزب سياسي محسوب على حراك "تشرين"، الانسحاب من الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، على خلفية تصاعد الاغتيالات بحق الناشطين المدنيين، ينذر بحدوث تداعيات على الانتخابات التي جاءت تلبية للمظاهرات الشعبية في 2019.

الانتخابات البرلمانية من المقرر أن تجري في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بمشاركة 267 حزبا و42 تحالفا مسجلا رسميا في المفوضية العليا للانتخابات، فيما بلغ عدد المرشحين 3523، إذ قدمت التحالفات 1002 مرشح، بينما قدمت الأحزاب 1634 مرشحا.

انسحابات بالجملة

اغتيال الناشط البارز في الحراك الشعبي إيهاب الوزني، في 8 مايو/ أيار 2021، فجر غضبا واسعا لدى الناشطين العراقيين في مدن وسط وجنوب العراق، إذ أطلقت بعدها حملة "مقاطعون" لرفض المشاركة في الانتخابات في ظل عدم توفير السلطات الحماية اللازمة.

وعلى إثر الحملة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت 30 حركة وحزبا سياسيا مؤيدا ومحسوبا على "حراك أكتوبر/تشرين الأول" الانسحاب من المشاركة في الانتخابات المبكرة.

وشملت قائمة المنسحبين: "البيت الوطني، الاتحاد العراقي للعمل والحقوق، حزب الأمة العراقية، حزب الشعب، الحزب الشيوعي العراقي، الجبهة المدنية العراقية، تيار بناة العراق، حركة أحرار العراق، حراك البيت العراقي، التيار الاجتماعي الديمقراطي، تنسيقية بغداد/ مستمرون، تجمع السلام والتقدم، تجمع القبة البيضاء".

كما انسحب كل من: "الملتقى الوطني للمساءلة والعدالة، حزب المصير الوطني، تحالف الحركات المدنية للثورة، تنسيقية رسالة معتصم، حراك موطني حق، مجلس تشرين المركزي، الحزب العراقي الليبرالي، الحراك المدني المستقل، حزب المواطنة، كوادر العراق، المبادرة الوطنية موطني، تجمع أبناء تشرين، حراك العراق للعراقيين، حراك العراقيين الوطنيين، اللجنة المركزية، رابطة الشهداء، حركة النهرين الوطنية".

لكن المفوضية العليا للانتخابات في العراق، أصدرت في 10 مايو/ أيار 2021، بيانا أعلنت فيه أن الأحزاب والتحالفات والمرشحين في الانتخابات البرلمانية، لا يجوز لهم الانسحاب، حسب قانون المفوضية، مشيرة إلى أن الانسحاب أو تعديل القائمة يكون بطلب من المفوضية وليس بطلب من الأحزاب.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية، جمانة غلاي في البيان الصحفي إن "طلبات الانسحاب تقابل بالرفض سواء من حزب أو مرشح لحين الانتهاء من الانتخابات وتشكيل الحكومة".

وأشارت إلى أن "إجراءات التحالف والأحزاب السياسية تنص على أنه لا يحق للحزب السياسي الدخول والخروج من التحالف بعد انتهاء فترة التحالفات الانتخابية لحين تشكيل الحكومة ولرئيس التحالف حصرا سحب أي حزب من التحالف لحين فترة انتهاء التحالفات، وفترة التحالفات انتهت الآن، أي لا يجوز الانسحاب".

نزع الشرعية

من جهته، أبدى الباحث والكاتب العراقي المقيم في الولايات المتحدة سمير سوزة وجهة نظره من المواقف المتباينة حيال المشاركة في الانتخابات، بالقول: "خشيتي من دخول قوى (تشرين) الانتخابات أنها ستضفي شرعية تشرينية على عملية سياسية تافهة، يقودها الصكاكة (القتلة) بالكواتم (مسدس كاتم للصوت) والكاتيوشات".

وأضاف سوزة خلال تصريحات صحفية في 11 مايو/ أيار 2021 أن "تلك العملية السياسية -التي كان قد خرج عليها أصلا شباب (تشرين) منذ أكثر من عام، وما زالوا- ليست فقط في البرلمان وأجهزة الحكومة، بل في الشارع أيضا".

وعلى نحو مماثل، قدم حيدر سعيد رئيس قسم الأبحاث في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" رأيا مماثلا، بالقول: "حين تقول قوى (تشرين) مجتمعة: لا للانتخابات، فإنها لا تنزلق إلى موقف عدمي، بل تحدد بوضوح موقفَها من النظام القائم، بصفتها قوة احتجاج، وأنها ليست شريكا في لعبة سياسية فاسدة".

وبين سعيد أن "الاحتجاج لا يزال الطريق الأسلم لبلوغ الخيارات البديلة".

ورأى سعيد عبر سلسلة تغريدات على "تويتر" في 10 مايو/ أيار 2021 أن "نزع الشرعية لا يتحقق بالمقاطعة فقط، أو بمجرد المقاطعة، بل بأن تعلن قوى الثورة -تحديدا ومجتمعة- موقفها المناهض للانتخابات الذي لن يسمح لأحد بأن يدعي أن مخرجات الانتخابات القادمة التي لن تكون سوى النظام القائم نفسه هي مخرجات طبيعية للثورة".

أما عضو مفوضية حقوق الإنسان المستقلة في العراق علي البياتي، فيرى أن "مقاطعة قوى (تشرين) سيضعف من الآن مصداقية الانتخابات المبكرة التي جاءت أصلا بصفتها مطلبا من مطالب المتظاهرين، شرط توفر البيئة الأمينة السليمة لإجرائها".

ومن إحدى أبرز مطالب الحراك الشعبي في العراق الذي اندلع مطلع أكتوبر/ تشرين الأول 2019، استقالة حكومة يقودها عادل عبد المهدي وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وذلك بعد مقتل نحو 700 متظاهر وإصابة أكثر من 27 ألفا آخرين.

مقاطعة النظام

لم تقف مطالبات الناشطين عند عدم المشاركة في الانتخابات، وإنما طالبوا بإسقاط النظام السياسي في البلد، إذ يقول الناشط حيدر المرواني، إن "نفوذ المليشيات وغياب الدولة وتماهي حكومة الكاظمي مع خيارات القوى المسلحة عوامل تدفع الناشطين العراقيين لإعلان القطيعة التامة مع النظام، وليس الاكتفاء فقط بمقاطعة الانتخابات".

وأضاف المرواني خلال تصريحات صحفية في 11 مايو/أيار 2021 أنه "لا تبدو بوادر الحل متحققة. هذا ما يشعر به العراقيون، والانتخابات المقبلة ليست سوى وسيلة لإعادة رسم الخريطة السياسية ذاتها بالسلاح والمال الفاسد".

وبرأي المرواني فإن الدافع الأكبر لمقاطعة الانتخابات، يتمثل بمحاولات المليشيات إدخال احتجاجات أكتوبر كـ"شاهد زور على عملية انتخابية تخلو من الشفافية ومعايير التنافس العادل".

وأردف، قائلا: "مخطئ من يعتقد أن المليشيات تريد دفع قوى الانتفاضة إلى المقاطعة، كل ما تريده تلك المليشيات هي مشاركة تلك الأحزاب التشرينية وفق اشتراطات القتل والترهيب حتى لا تكون منافسا قادرا على التغيير".

وفي نفس السياق، قال الناشط السياسي عمر فاروق إن "استهداف الناشطين بالدرجة الأولى هدفه القضاء على البديل القادم والقادر على إزاحة هذه المنظومة"، مؤكدا استمرار عمليات الاغتيال ما دامت الحكومة لم تكشف عن الإرهابيين الذين يقتلون الناشطين".

وأضاف فاروق خلال تصريحات صحفية في 10 مايو/أيار 2021، أن "القوى الماسكة للسلطة مرعوبة مع قرب موعد الانتخابات، لذلك تقوم باغتيال الناشطين بالرغم من كونها تتقن كل أساليب النجاح بالانتخابات إلا أنها خائفة لمعرفتها أنها لم تقدم شيئا للعراقيين، كما أن هذه الحكومة وليدة تفاهمات قوى سياسية، وهذه القوى هي الغطاء للمسلحين والتي كونت لنا معادلة السلاح التي تتحكم بالسياسة".

وتابع: لذلك فإن هذه الحكومة غير قادرة على حماية نفسها من المليشيات الإرهابية التي تقوم باغتيال الناشطين؛ لكون هذه المليشيات تملك غطاء سياسيا وإقليميا والتحقيقات والأدلة تثبت أنه معروف جيدا للجميع من الذي يرتكب جرائم القتل، لكن لا يتم الإعلان عنه خوفا من اشتعال فتيل حرب في البلاد".

وحول هذه الدعوات، رأى رئيس مركز "التفكير السياسي" العراقي الدكتور إحسان الشمري أن "الانتخابات المبكرة جاءت نتيجة حركة تشرين كثورة مجتمعية تجاه الأخطاء التي ارتكبتها العملية السياسية بحق الدولة والمؤسسات والنظام الديمقراطي، لذلك انتظام جزء من تشرين في عمل سياسي كان جزءا من عملية التصحيح".

وأضاف الشمري خلال تصريحات صحفية في 11 مايو/ أيار 2021 أن الانسحاب "لن يعطي شرعية تشرين للانتخابات ونتائجها، لذلك لن يكون هناك تمثيل لتوجهات تشرين، وعليه فإن القوى المستقلة ستكون ضعيفة جدا ولا يمكنها التحالف مع القوى التقليدية، وهذا يعيد نفس المعادلة التي كانت سببا أساسيا لما وصل إليه العراق".

وخلص الخبير العراقي إلى أنه "إذا استمرت هذه المعادلة لصالح القوى التقليدية، فإن ذلك سيفتح الباب مرة أخرى للتظاهرات، ويمكن أن تدفع باتجاه عصيان مدني، خصوصا أن القوى المقاطعة بدأت تتحدث الآن عن إسقاط النظام وليس انتخابات مبكرة، لأنها تعتقد أن الانتخابات ستكون مزورة، ولن تنتج ما يمكن أن يدفع باتجاه إصلاح النظام السياسي".