اقترحته إيران.. هل يحل ممر "شمال- جنوب" بديلا عن قناة السويس؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على وقع الأزمة التي أحدثتها جنوح سفينة الشحن العملاقة المملوكة لليابان "ايفر غيفن" في قناة السويس وتسببها بإغلاق الممر الملاحي العالمي، أواخر مارس/آذار 2021، دعت إيران إلى ضرورة الإسراع في تفعيل ممر "شمال - جنوب" كبديل عن قناة السويس.

وفي 27 مارس/آذار 2020، أعلنت السلطات المصرية انتهاء عملية تعويم سفينة "ايفر غيفن" التي يبلغ طولها 400 مترا، بعد أسبوع من جنوحها في قناة السويس، واستؤنفت حركة الملاحة في الممر الملاحي الدولي الذي أدى إغلاقه إلى خسائر بمليارات الدولارات.

لاعب جديد

يربط ممر "شمال ـ جنوب" العاصمة التجارية الهندية مومباي بإقليم أوراسيا مترامي الأطراف. ويتألف من شبكة متعددة الطرق، تبلغ 7200 كيلومتر، من السفن، والسكك الحديدية، والطرق البرية، ويهدف إلى نقل البضائع، والمرور عبر أراضي الهند، وإيران، وأفغانستان، وأرمينيا، وأذربيجان، وروسيا، وآسيا الوسطى، ثم أوروبا الشرقية.

وكان تقرير لصحيفة "فيستنيك كافكازا" الروسية، نشر في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أشار إلى أن مشروع "ممر شمال- جنوب"، يعتبر أحد أكبر مشاريع النقل الدولي في العالم.

وأشارت تقارير دولية آنذاك، إلى أن قناة السويس ستكون من أكبر المتضررين من المشروع الذي جرى اختباره، ويمكن أن ترتبط به أيضا موانئ عربية، منها عدن اليمني وجدة السعودي.

أما صحيفة "ذي إيكونوميك تايمز" الهندية فقد أشارت خلال تقرير لها في 8 سبتمبر/أيلول 2016، إلى اهتمام اليابان بالمشروع الهندي ـ الإيراني، الأمر الذي يأتي في سياق تقارب بين طوكيو ودلهي، لمنافسة "المد الصيني".

وسيعمل المشروع على تعزيز العلاقات الروسية- الإيرانية، ولكنه يحقق أهدافا أخرى لكلا البلدين، فبالنسبة لروسيا، سيعزز المشروع سيطرتها على الأسواق الأوروبية، ويمنحها قدرة أكبر على منافسة الدور الصيني المتنامي في وسط آسيا، حسب تقرير لوكالة "الأناضول" في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وصفت فيه الممر بأنه "لاعب جديد".

وبالنسبة لإيران، فهو، من جهة، يمثل فرصة كبيرة لكسر العزلة التي فرضتها العقوبات الدولية لعقود.

 ومن جهة أخرى يزيد من قدرتها على خلق وتعزيز التحالفات واستثمارها في صراعات تخوضها طهران في الشرق الأوسط، الأمر الذي يشكل تحديا للسعودية، الخصم الأكبر لإيران في المنطقة.

ووقع على المشاركة في مشروع ممر "شمال - جنوب" قبل نحو خمس سنوات، إلى جانب دول الخط الرئيس، كل من: تركيا، أرمينيا، سلطنة عمان، كازاخستان، طاجيكستان، قرغيزستان، أوكرانيا، وبيلاروسيا، بالإضافة إلى بلغاريا كعضو مراقب، بحسب الموقع الرسمي للمشروع.

وبغض النظر عن الآثار السياسية، فإن الاستفادة من التكلفة والوقت اللذين يوفرهما الممر في التبادلات التجارية، ستكون متاحة لجميع الدول، الأمر الذي سيضاعف عوائد المشروع من الرسوم المفروضة على استخدامه، وهو ما تعول عليه الدول المعنية، خاصة روسيا، في التخفيف من اعتماد اقتصاداتها على عوائد قطاع الطاقة.

منافس للسويس

السفير الإيراني لدى موسكو كاظم جلالي، قال في منشور له على "فيسبوك" في 27 مارس/آذار 2021، إن "ممر (شمال - جنوب) خيار كبير لاستبدال قناة النقل العابر لقناة السويس بتخفيض وقت السفر إلى 20 يوما وتوفير يصل إلى 30 بالمئة".

وأضاف جلالي: "نظرا لحصار قناة السويس في الأيام الأخيرة والأضرار اليومية للاقتصاد العالمي بمبلغ 9 مليار دولار، هناك ضرورة للإسراع في إنجاز البنية التحتية وممر (شمال- جنوب) كبديل للمرور عبر القناة (المصرية)، والذي بات يحظى بالأهمية أكثر مما مضى".

وتابع: "ممر (شمال – جنوب) هو الخيار الأول لاستبدال قناة السويس في العبور مع تخفيض مدة السفر لمدة تصل إلى 20 يوما وتوفير النفقات. الحادث الأخير يعتبر مؤشرا على ضرورة البحث عن بديل أقل خطورة من القناة التي يعبر منها أكثر من مليار طن من السلع سنويا".

الخبير الاقتصادي حسن أحمديان، المطلع على المشروع، أكد أن قناة السويس ستكون أول المتضررين من ممر "شمال - جنوب".

وسيشكل المشروع بديلا أوفر منها من ناحية الوقت والتكلفة وحتى العلاقات وسهولة التعامل، إضافة إلى أنه سيشكل متنفسا اقتصاديا ضخما لإيران يعزز قرار تصفير الاعتماد على النفط في موازنة الدولة للعام الحالي، ويرفع العائدات والناتج المحلي الإيراني بشكل كبير نظرا إلى عمله الدائم على مدار السنة.

وأضاف أحمديان خلال تصريحات صحفية في الثاني من سبتمبر/أيلول 2020 أن المشروع، الذي نجح في النقل التجريبي منذ عام 2014، يوفر حوالي 40 بالمئة من التكلفة والوقت، بحيث ستصل البضائع عبره في أقل بعشرين يوما تقريبا من ذلك الذي تستغرقه عبر قناة السويس.

من جهته، قال الباحث أحمد طاهر عبر مقال نشرته مجلة "المجلة" السعودية في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، إن طهران تسعى إلى تحقيق حزمة من الأهداف من خلال المشروع.

من تلك الأهداف، الحرص على التحكم في حلقة الربط بين شرق آسيا والمحيط الهندي والخليج من جهة والدول في شمال شرقي ووسط أوروبا من جهة أخرى، بما يكسبها مزيدا من الأهمية، خصوصا أنها تلعب دورا إستراتيجيا في المسارات المحتملة كافة لهذا الممر كما سبقت الإشارة.

وأردف: "كذلك تسعى طهران إلى كسب المزيد من مصادر الدخل بعيدا عن اعتمادها على الدخل النفطي في الأساس، بل قد يسهم هذا الممر في تزايد حجم الصادرات الإيرانية من النفط".

وزاد الباحث قائلا: إضافة إلى ذلك، تسعى طهران إلى منافسة الجسر الذي أعلن عنه مؤخرا بين السعودية ومصر عبر البحر الأحمر، الذي من شأنه تقليل فترة العبور.

ومن الجدير بالذكر، أن هذه الرؤية وردت في كتاب صادر باللغة الفارسية للرئيس الإيراني حسن روحاني، بعنوان "الأمن القومي الإيراني والنظام الاقتصادي" تضمن إشارة إلى هذا الممر والمكاسب المحققة لطهران من وراء تأسيسه.

وبعد الدراسات التي قامت بها جميع الأطراف المعنية حول "شمال- جنوب"، يتوقع أن يرتفع التبادل الروسي الهندي عبر إيران من 9 مليارات إلى 30 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة، إضافة إلى توفير مبلغ 2500 دولار لكل 15 طنا من البضائع في عملية التبادل.

أهداف سياسية

وبخصوص ما يدور من حديث عن تأثير الممر على العلاقة بين بكين وطهران، فقد استبعد الكاتب والمحلل السياسي عماد آبشناس، حصول توتر في العلاقات الصينية الإيرانية في حال استكمل المشروع مع الهند "لأنه ليس الطرح الوحيد بين الصين وإيران، فمجالات التعاون متعددة، وخصوصا فيما يتعلق بخط مشابه من ميناء بندر عباس".

وأضاف آبشناس خلال تصريحات صحفية في الثاني من سبتمبر/ أيلول 2020: "لا يخفى أن المصلحة الإستراتيجية لإيران تكمن في إتمام الاتفاق مع الطرف الهندي لما سيفتحه من آفاق جديدة لطهران؛ من تنوع اقتصادي وعلاقات دولية وعدم الاعتماد على دول محددة وحليفة فقط في الدورة الاقتصادية".

وأردف: "لكن تبقى المخاوف الأساسية من أي تراجع هندي جديد بعد السير في الممر، وبالتالي من الممكن أن تتوقف حركة الملاحة في أي وقت تتعرض فيه نيودلهي لضغط دولي، ولذلك يجب أن يكون هناك شروط واضحة وصريحة".

من جهته، رأى الباحث أحمد طاهر أن روسيا تستهدف من خلال إتمام هذا الخط إلى بسط سيطرتها على مدخل إستراتيجي لمياه المحيط الهندي، بما يعزز من نفوذها بين الدول كافة التي تعتمد على خط قناة السويس وتبحث عن ممرات أكثر وفرة.

وتابع: إذ رأت روسيا على سبيل المثال في حث الصين لشركات الملاحة على استخدام الممر الشمالي الغربي عبر القطب الشمالي لتقليل الزمن الذي تستغرقه الرحلات البحرية بين المحيطين الأطلسي والهادي منافسا مهما، يستوجب أن يكون لها دور أيضا في هذا الخصوص، حيث يمكن جعل ممر "شمال – جنوب" بديلا عن ممر "شمال غرب"، وهو ما قد يقوي من مستوى العلاقات الثنائية الروسية الصينية.

ونوه الباحث إلى أن روسيا تسعى كذلك من وراء استكمال هذا الممر للوصول إلى المياه الدولية في المحيطين الهادي والأطلسي بطرق أكثر أمنا من خلال المياه الدافئة، وهو هدف إستراتيجي لروسيا رغم استطاعتها الوصول إليها عبر المياه الباردة.

وخلص طاهر إلى أن الدعاية السياسية الواسعة التي قامت بها أطراف ثلاثة (روسيا وإيران وأذربيجان) في لقائهم الثلاثي الذي عقد في العاصمة الأذرية باكو في أغسطس/آب 2016، أغفلت الكثير من وقائع الجغرافيا وحقائق التاريخ التي تمثل تحديات حقيقية لإتمام مثل هذا الممر، على الأقل في المدى المتوسط.

وتابع: إضافة إلى الصعوبات التي تكتنف تنفيذ هذا الممر بالصورة التي تروجها هذه الأطراف، فمن غير المنتظر أن يؤثر هذا الممر في الدور المهم الذي تقوم به قناة السويس في خدمة التجارة العالمية، بمعنى أكثر تحديدا لن يكون هذا الممر بديلا لقناة السويس.