58 عاما منذ تأسيس الدولة.. "بدون" الكويت مازالوا يبحثون عن وطن

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"رحلة البحث عن وطن" وصف دقيق يمكن أن يطلق على "بدون" الكويت منذ تأسيس الدولة عام 1961، أي 58 عاما وهؤلاء البدون يعانون من فقدان الهوية والتمييز العنصري وعدم القدرة على التعليم.

آخر فصول التمييز على المستوى الثقافي، جاء على يد وزارة الداخلية مؤخرا عندما أصدرت أوامرها بتأجيل أسبوع البدون الثقافي، وعلى مدار دوراته المتعاقبة فشل مجلس الأمة في حل قضية البدون.

دائما ما تمر أزمة البدون في الكويت بسجال بين النواب والحكومة، يقف عند تقديم الاستجوابات، وعلى أفضل الظروف يصل إلى صدور قانون يغير من المركز القانوني "للبدون" بتغيير مسماهم من مقيمين بصورة غير قانونية إلى غير محددي الجنسية.

عديمو الجنسية

البدون أو غير محددي الجنسية أو عديمي الجنسية وأخيراً حسب تسمية الحكومة مقيم بصورة غير قانونية أو أهل البادية، هم فئة سكانية تعيش في الكويت لا تحمل الجنسية الكويتية ولا جنسية غيرها من الدول.

بلغت أعداد البدون ذروتها قبل الغزو العراقي 1990 حيث بلغ تعدادهم وفقا للتقديرات الرسمية نحو 350 ألف نسمة إلا أن هذا العدد انخفض بعد تحرير الكويت عام 1991 ليصل إلى حوالي 225 الف نسمة، إلا أن هذا العدد غير دقيق نظر للجوء بعض البدون للهجرة هربا من الضغوطات التي يتعرضون لها في الكويت.

وبحسب تقرير "الخارجية" الأمريكية حول الكويت، فإن الحكومة الكويتية تقول إن عدد "البدون" في البلاد هو 88 ألف شخص، في حين أرقام "هيومان رايتس ووتش" تصل بالعدد إلى أكثر من 100 ألف في عام 2018، ولا يوفر القانون لــ"البدون" الفرصة للحصول على الجنسية، وليس للنظام القضائي سلطة على هذه الفئة.

وثيقة سفر

التقرير الذي نشرته صحيفة القبس في مارس/آذار 2019 أوضح أن "البدون يتعرّضون للمضايقات إذا حاولوا تنظيم تجمّعات احتجاجية، ويصل الأمر لاحتجازهم واستجوابهم، كلما خططوا لتجمّع احتجاجي، كما يواجهون مشكلات  وقيوداً على السفر إلى الخارج، من خلال عدم منحهم وثيقة سفر".

و"رغم أن البدون يتمتعون بمزايا حكومية كتجديد إقامتهم كل 5 سنوات، ورعاية صحية وتعليمية مجانية وبطاقات تموين، إلا أنهم يقولون إنه من الصعب الحصول على هذه الخدمات بسبب التعقيدات البيروقراطية، وتعسف الحكومة والتضيق عليهم" بحسب القبس.

بلا تعليم

ورغم ما جاء في التقرير من إيجابيات ومغازلة للحكومة الكويتية إلا أن "البدون" مازالوا محرومين من الحقوق السياسية والمدنية الأساسية ومن أهم هذه الحقوق هو الحق بالحصول على التعليم المناسب بجميع المراحل الدراسية.

ويعاني البدون من التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتتابع أجيال تعاني من فقد الهوية، والإحساس بالظلم، وعدم القدرة على التعليم، فمنذ تحرير الكويت طرد كثير من الطلاب البدون من التعليم العام، ولجأوا للمدراس الخاصة، التي تستحدث مصاريف مكلفة مع بداية كل عام دراسي ترهق ميزانية أسرهم.

ويتعرض البدون خلال الأيام الحالية لأزمة ارتفاع المصروفات الدراسية، التي دفعت عدد من الطلبة وأولياء أمورهم البدون للاعتصام صباح 8 أبريل/نيسان الجاري أمام مدرسة الجهراء اعتراضا على منح صاحب المدرسة ترقية من الشريحة (ب) إلى الشريحة (أ)، الأمر الذي يترتب عليه زيادة في قيمة الرسوم تختلف باختلاف المرحلة التعليمية.

ويعتبر البدون هم الفئة الأكثر تضررا من هذه الزيادات نظرا لأنهم يعانون بالأساس من أزمات مالية نظرا للبطالة لأن الحكومة الكويتية ترفض الاعتراف بهم وتقنين أوضاعهم وتتعسف في إصدار أوراقهم.

وكان وزير التربية حامد العازمي قد أصدر قرارا بمنع زيادة الرسوم الدراسية لسنة 2019/2020 للمدارس الخاصة، إلا أن مدرسة الجهراء الأهلية تضرب قوانين الوزارة عرض الحائط وتزيد الأسعار علما بأن مستوى المدرسة سيء جدا والمتضرر هم البدون التي خصصت لهم هذه المدارس حسب مراقبين.

إزالة الإشكاليات

ويبدو أن أزمة البدون يراد لها أن تبقى على حالها، فالحكومة الكويتية تنقلها من رواق إلى رواق آخر وتغذيها بإشكاليات تعقدها لكي لا يتم الحديث عن الحل وإنما الحديث عن إزالة الإشكاليات، هذه ما يؤكده محمد والي العنزي مؤسس حركة "الكويتيين البدون" قائلا إن "التعليم جزء من معاناة البدون تتعمد الحكومة تصعيدها وعرقلة مسيرتهم التعليمية يوما بالأوراق ويوما بالأسعار، بهدف تجهيل الكويتيين البدون لكي يأتي جيل لا يعرف المطالبة بحقوقه لا كتابة ولا أسلوبا ولا فهما".

وأشار في حديثه لـ"الاستقلال" إلى أن "حق البدون في التعليم المجاني في وطنهم مسلوب، مما يضطرهم للالتحاق بمدارس خاصة وأوضاع تعليمية سيئة من ناحية أعداد الطلاب، ومستلزمات دراسية غالية الثمن في ظل ظروف معيشية صعبة، ومن يرسب من البدون في أي عام دراسي يفقد فرصة التعليم".

وأفاد الناشط الحقوقي حكيم الفضلي المدافع عن مجتمع البدون، بأن "المدارس الخاصة سيئة السمعة ورديئة المستوى الإداري والتعليمي مازالت تتآمر مع إدارة التعليم الخاص التي تغض الطرف عن عبث هذه المدارس التي تزيد وتستحدث رسوم سنوية إضافية ترهق أولياء أمور الطلاب البدون سنوياً".

مضيفا "جميع مؤسسات الدولة ترى هذا العبث ولا تتدخل وعلى رأسهم وزارة التربية والتعليم الكويتية التي تلزم الصمت تجاه المخالفات الجسيمة والحالة الكارثية لدكاكين التعليم الخاصة".

رئيس مجلس الأمة الأسبق أحمد السعدون اتهم الحكومة "بعدم الجدية في حل قضية البدون"، مشيراً إلى أن الكثير من مسؤوليها كانوا يظهرون في تصريحات إعلامية، يعدون فيها بحل القضية خلال فترات محددة، "لكن مضت سنوات طويلة على تصريحاتهم ووعودهم ولم نر حلا للقضية".

وخلال كلمته في ندوة "البدون والطريق المسدود" في ديسمبر/كانون أول 2018، شدد السعدون على "ضرورة توفير حل مناسب للقضية من أجل مصلحة البلاد، لاسيما أنها قضية مرتبطة بجوانب أمنية، وجوانب أخرى تتعلق بحقوق الإنسان وغير ذلك"، مبيناً أن "حسم القضية بشكل شامل لا يكون بتوصيات، بل عبر قانون يتضمن حلولاً قابلة للتطبيق".

منطقة رمادية

وقال محمد والي العنزي مؤسس حركة "الكويتيين البدون"، إن "الحكومة الكويتية حينما لا يكون عليها ضغط من البدون أنفسهم والمجتمع المدني والبرلمان والمنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، فإنها تعيش في رخاء وضغط على البدون وتحكم في مصيرهم وتستعملهم كرصيد احتياطي".

وأضاف في حديثه لـ"الاستقلال": "بمجرد وجود أي ضغط تبدأ تغير معاملتها جزئيا وتجعل البدون في منطقة رمادية لا تنهي سوادهم ولا توصلهم إلى البياض"، مشيرا إلى أن الحكومة أساسا ليست مبنية بشكل مؤسساتي بحيث تضع خطة وتسير عليها وتخدم الشعب".

وتابع "أما الجهة المسؤولة عن طرح القوانين ومناقشتها المتمثلة في مجلس الأمة الكويتي فهو مشغول في معارك جانبية ومسلوب الإرادة ولا يستطيع حل مشكلة البدون، ومازال النواب منقسمين بين مطالب بالحل ومتضامن مع البدون ومطالب بإصدار تشريعات تقنن وضعهم وتضمن لهم حقوقهم وفريق آخر رافض حتى لفكرة طرح هذه التشريعات بل ومطالب بخروجهم خارج البلاد من الأساس".

وأكد "العنزي" أن "قضية البدون لا ترقى لاهتمام غالبية أعضاء البرلمان، مشيرا إلى أن التشريع داخل مجلس الأمة يمر بصفقات وسمسرة وترضيات وإن صدر تشريع قوي يكون لمصلحة الحكومة أو يخرج ضعيفا ومنفوصا وبه ثغرات".

وبدوره، قال المدافع عن حقوق الإنسان حكيم الفضلي، إن العبث داخل مجلس الأمة وصل إلى اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان التي عملت منفردة وبدون استشارة البدون على صياغة قانون يغير من المركز القانوني للمواطنين البدون ويغير المسمى من مقيمين بصورة غير قانونية إلى غير محددي الجنسية، علماً بأن هذا الاسم والمركز القانوني تم التعامل به مع المواطنين البدون خلال فترة السبعينيات والثمانينيات وأثبت الفشل في التعامل مع فوضى قضية البدون.

جنسية جزر القمر

في 26 مارس/آذار تقدم النائب محمد هايف المطيري باستجواب لنائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، يفيد بأن عددا كبيرا من البدون تعرضوا إلى عملية نصب واحتيال وتزوير بمباركة حكومية وذلك بعد الضغوطات التي مورست عليهم مما جعلهم يبحثون عن أي حل أو مخرج من هذا الضغط الكبير.

وأوضح في استجوابه أن أطراف حكومية سهلت هذه العملية تحت غطاء شرعي، وتم بيع جوازات سفر لبلدان عربية وإفريقية وآسيوية ووضعت الحكومة تسهيلات كبيرة لتوفير شراء هذه الجوازات بمبالغ صرف بعضها من مستحقات العسكريين ممن أجبروا على التعديل لأي جنسية أخرى.

في 2014 خرجت الحكومة الكويتية بمقترح يساعد البدون في الحصول على جنسية دولة أخرى، هي جزر القمر الإفريقية، مما أثار مخاوف حول صفقة مريبة بين الدولتين.

البدون رفضوا ساعتها مقترح الحكومة ورأو أن هذا الاتفاق بين الكويت وجزر القمر، سيُفضي في النهاية إلى ترحيلهم إلى هناك، وانتهت هذه الخطة بعد تعاون وضغط البدون وحكومات غربية على السلطات في الكويت لوقفها وإغلاق مقر سفارة جزر القمر هناك.

الناشط الحقوقي خليفة العنزي أكد ذلك بقوله "الحكومة الكويتية مارست كل أنواع الضغوط على البدون، ودفعتهم بكل الوسائل إلى شراء جوازات سفر مزورة للهجرة خارج الكويت"، مشيراً إلى أن "البدون يعيشون أسوأ مراحل حياتهم من حرمان من الحقوق المدنية كعقد الزواج والطلاق وشهادة الميلاد والوفاة وحق العمل وحق العلاج وحق السفر إلا ببطاقة تصرف من (الجهاز المركزي)".

واستنكر في حديثه مع "الاستقلال" أن "يصبح الجهاز المركزي هو الآمر الناهي عن حياة البدون ويمنع عنهم إصدار الهويات الخاصة بهم، حتى أصبحوا لا يتمتعون بأي حق مدني"، لافتا إلى أن "الجهاز يدعي أن البدون يمتلكون جوازات دول مجاورة ورغم ذلك لم يستوقف شخص واحد أو إحالته للنيابة بتهمة التزوير".

الجهاز المركزي

وكانت الحكومة الكويتية قد أنشأت "الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية" في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 بمرسوم رقم 476 لسنة 2010، وبرئاسة صالح الفضالة، بهدف حل مشكلة البدون بحسب ما تقوله رئاسته، إلا أن مراقبين حقوقيين أكدوا أن قرارات الجهاز أدّت لحدوث انتهاكات ضد حقوق الإنسان في الكويت.

وأفاد المراقبون بأن مرسوم إنشاء الجهاز المركزي انتهى العمل به في عام 2015 وفشل في إنهاء أو حل المشكلة، وتم التجديد له لسنتين، انتهت أيضا في عام 2017، وتم التجديد للجهاز فقط لمدة ثلاث سنوات، ولم يتم التجديد لرئيسه "صالح الفضاله"، إلا أنه مازال يرأسه حتى الآن ويتحدث باسمه بشكل غير شرعي، وهذا ما جعل البدون يرفعون عليه قضية بالتعدى على المال العام والعمل بشكل غير شرعي.

ورغم أن الجهاز هيئة إدارية مكلفة بالنظر في طلبات البدون، إلا أنه يتعسف أيضا معهم ولا يقدم لهم تسهيلات وأوقف الآن إصدار البطاقات أو الهويات الخاصة بهم، بحسب تأكيدات المصادر للاستقلال.

وطالبت جهات حقوقية ونيابية في الكويت بحل الجهاز وإحالة ملف البدون إلى وزارة الداخلية، بعدما فشلت رئاسة الجهاز بإيجاد حل لتلك القضية، فضلا عن أن رئيس الجهاز لم يتغير منذ إنشائه وحتى الآن.

وتستمر السلطات في الكويت في استهدافهما لمدافعي حقوق الإنسان من الذين شاركوا في الاعتصامات الاربعة التي تم تنظيمها أمام الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وكذلك أولئك الذين يعبرون عن آرائهم على شبكات التواصل الاجتماعي حول الحقوق المدنية وحقوق الإنسان لمجتمع البدون أو في موضوع الشؤون العامة الأخرى في الكويت.

وطالب مركز الخليج لحقوق الإنسان حكومة الكويت بالكف فوراً عن مضايقة جميع المدافعين عن حقوق الإنسان، والإسراع في حل مشاكل مجتمع البدون، ومنحهم على الفور حقوقهم الإنسانية والمدنية كمواطنين كاملين في الكويت دون تمييز.