رغم دعمها لنظامه.. ما أسباب إثارة السعودية ملفات خلافية مع السيسي؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فجّر "أحمد قطان" وزير الدولة السعودي لشؤون الدول الإفريقية حاليا وسفير المملكة السابق لدى القاهرة، ملفات عدة، خاصة بمصر، ليثير جدلا ونقاشا عمره نحو 10 سنوات.

مطلع مارس/آذار 2021، ظهر قطان على قناة "روتانا خليجية" السعودية، مهاجما جماعة الإخوان المسلمين، ونافيا حدوث أي انقلاب عسكري في مصر عام 2013.

وتباهى قطان بدور وزير الخارجية السعودي (حينها) سعود الفيصل، في إقناع الدول الأوروبية بأن ما حدث في مصر ليس انقلابا عسكريا، وردّه على من هدد بقطع الدعم عن القاهرة (آنذاك لرفض الانقلاب)، بأن السعودية والدول العربية ستغطي هذا الدعم.

تصريحات مثيرة

وقال قطان إنه "أُبلغ رسميا"، خلال عمله في مصر، بأن أحمد شفيق هو الفائز بالانتخابات الرئاسية المصرية عام 2012 أمام محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين آنذاك"، مؤكدا أن السفيرة الأميركية في مصر آن باترسون، هي من تدخلت لتغيير النتيجة وإعلان فوز مرسي.

وتحدثت تقارير عربية عن وجود علاقة بين هذه التصريحات وإغفال مصر تقديم الدعم للسعودية بعد نشر إدارة جو بايدن، تقريرا في 26 فبراير/ شباط 2021 يدين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالتورط في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.

وفي ملف ثان تحدث قطان عن حرق السفارة السعودية في القاهرة أبريل/ نيسان 2012، واصفا المتظاهرين هناك بالغوغائيين والمستأجرين. وكشف عن موقف المجلس العسكري وبعض القيادات الحزبية بعدها في محاولة استرضاء المملكة.

وبشأن تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، أقحم قطان اسم رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، في القصة ما اعتبره مراقبون كلام مهم وخطير لأنه يربط الجزيرتين بمناورات وألاعيب وأموال ومساعدات ودعم، لم تكن لتقبل في زمن من سبقوه.

وفي قضية رابعة مثيرة ولافتة أكد أن الرئيس الراحل محمد مرسي لم يطلب الدعم المالي من السعودية وظل مبلغ نحو 2.9 مليار دولار أميركي من الرياض في البنك المركزي المصري ولم يستخدمها مرسي طوال مدة حكمه.

هذا في الوقت الذي طالب نظام الانقلاب ورئيس أول حكومة بعده حازم الببلاوي بالدعم السعودي ووضع تلك الأموال تحت تصرف حكومته .

وفي ملف آخر كشف قطان، حقيقة القمة السعودية لإنهاء أزمة "سد النهضة" بين مصر والسودان وإثيوبيا (أعلن عنها في 17 فبراير/شباط 2021)، مؤكدا أنه "خبر غير صحيح، والقمة السعودية الإفريقية تعقد في الرياض في الوقت المناسب الذي يراه خادم الحرمين الشريفين، وتليها القمة العربية الإفريقية".

ورغم أن الإعلام المصري هلل كثيرا لدور سعودي مرتقب في ملف سد النهضة إلا أن قطان نفى صحة الحديث، فيما اعتبر مراقبون حديثه إهانة بالغة للشعب المصري وإحراج كبير للقاهرة.

ملف خامس، هو أزمة مياه النيل بين مصر والسودان وإثيوبيا، والذي أكد فيه قطان أنه التقى السيسي وشرح له بإسهاب ودقة والأرقام عن ما يحدث في مصر من جفاف وموت كامل بسبب نقص المياه على خلفية بناء إثيوبيا سدا على النيل الأزرق، ما يكشف عن تهاون رئيس النظام المصري في الملف رغم خطورته.

وهو ما انتقده ناشطون بقولهم إن "المذهل في كلام قطان، أن السيسي، يعلم أبعاد كارثة السد ولم يضربه، واستمر سنوات حكمه في مفاوضات عبثية".

ورغم أن الإعلام المصري نقل عن قطان حديثه عن دور سعودي مرتقب بملف المياه 17 فبراير/ شباط 2021، إلا أنه نفى صحة الحديث عن عقد القمة الآسيوية الإفريقية بالرياض حول الموضوع.

وقال: "سيدي ولي العهد لم يأمر بعد بأي قمة"، ورفض الرد على سؤال، حول وقت التدخل الحقيقي للسعودية بالملف، وأكد أن بلاده وسيط لا ينحاز ويراقب المشهد، ما اعتبره مراقبون تهربا من الأزمة.

غضب وتساؤلات

ووسط صمت رسمي مصري على حديث قطان، واجهت ادعاءاته عاصفة من الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبرها مراقبون ومتابعون إهانة بالغة للشعب المصري وإحراج كبير للقاهرة، تستوجب الرد والتوضيح أو التكذيب، ومؤشر على تغبر الأجواء بين البلدين.

مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عبدالله الأشعل، أعرب عن صدمته بتصريحات قطان، معتبرا أنه "يفجر ألغاما خطيرة تتعلق بملفات بالغة الحساسية لنظام مصر"، ومؤكدا أن كل ما قاله "إساءة بالغة لمصر"، مطالبا الحكومة المصرية بـ"تفسير أسباب إذاعة هذه الأسرار الآن، أو التصحيح أو التكذيب".

وتساءل القنصل المصري السابق بجدة، عبر "فيسبوك": "هل تعمدت الحكومة السعودية إحراج مصر وشعبها؟، وهل تلك إشارة إلى فك التحالف بينهما أم عدم الاكتراث بالإحراج؟"، خاتما بقوله إن "هذه تصريحات رخيصة لابتزاز الموقف المصري الصامت عن مساندة الرواية السعودية عن نشر خاشقجي".

الصحفي قطب العربي أحد أعضاء الحملة الانتخابية للرئيس الراحل محمد مرسي، أكد أن كلام قطان عن فوز شفيق بانتخابات الرئاسة 2012، وقيام المجلس العسكري بتزوير النتيجة لصالح مرسي، "كلام غير صحيح"، مبينا أنه "كانت لدينا أرقام التصويت من لجان الفرز أولا بأول".

وأشار عبر "فيسبوك" لاتهام قطان، المجلس العسكري بجريمة التزوير، متسائلا: "ماذا يستهدف الوزير السعودي من هذا الكلام؟ وما هو رد الحكم العسكري عليه؟".

واعتبر الصحفي سيد صابر، أن مزاعم الوزير السعودي عن فوز شفيق وضغوط السفيرة الأميركية على المجلس العسكري، وعن علمه بأن الجيش لن يقبل ببقاء مرسي لأكثر من عام "حديث خطير من شخصية لا تتحدث إلا بأوامر ابن سلمان"، ويدشن شكلا جديدا لعلاقة البلدين بسبب تراخي مصري بدعم من ولي العهد السعودي بعد تقرير خاشقجي.

البرلماني السابق والمحامي ممدوح إسماعيل، أكد أن حديث قطان "اعتراف صريح بالمؤامرة السعودية مع العسكر ويجعله متهما شريكا في جرائم الانقلاب بصفته وشخصه".

وفي تعليقه، قال السياسي المصري وليد مصطفى، لـ"الاستقلال"، إن "حديث الوزير السعودي لا قيمة له، ينطبق عليه مقولة الشعب السوداني -كلام ساكت-، والتي تطلق على الكلام الذي يصدر بدون قيمة أو وزن له ولا لقائله".

ورفض مصطفى، إهانة قطان ثوار مصر واتهامه لهم بأنهم مستأجرون، وأكد أن "الثورة مصرية خالصة اختارت رئيسا منتخبا لها عبر مسارات ديمقراطية، بينما بعض الدول العربية لا تعلم  ما معنى صندوق الانتخابات، ولذا يجب عليها ألا تتحدث عنه".

وجزم بأن فوز مرسي "لم يكن أبدا بتدخل أميركي، وهو نتيجة انتخابات، وإرادة شعبية اختارت رئيسها بنسبة 51 بالمئة، مثل أي دولة ديمقراطية بالعالم"، مضيفا: "لكنها كانت تجربة جديدة وصادمة لأنظمة هذه الدول".

وأوضح عضو حزب "الوسط" المعارض، أن حديث قطان عن "تيران وصنافير المصرية المتنازل عنها زورا؛ ومع الاحترام للأسرة الحاكمة السعودية فلا هي ولا من يديرون الأمر بمصر لهم حق التحدث عن هذه الأرض، وكل ما تم فهو باطل، وإن تم باستعمال القوة فنحن نعلم أن أشقاءنا بالسعودية لن يضطروا المصريين لأخذ حقهم بالقوة".

شخصية جدلية

الصحفي المصري المختصّ بالشأن الخليجي سيد الجعفري، من جانبه تحدث لـ"الاستقلال"، أولا عن طبيعة هذه الشخصية ودورها، موضحا أن "قطّان دبلوماسي تربطه علاقات قوية بالأوساط السياسية والاقتصادية المصرية ويعي جيدا المجتمع المصري منذ دراسته بجامعة القاهرة، ثم مندوبا دائما للمملكة بالجامعة العربية، وسفيرا بالقاهرة".

 وأضاف أنه "أحد شهود أحداث ثورة يناير وما تلاها، وأحد الفاعلين في الحراك السياسي الخارجي لمحاصرة الثورة والتوطئة للانقلاب العسكري 2013، ولعل تاريخ تعيينه سفيرا، وبقائه ممثلا لبلاده بالجامعة العربية لأول مرة بالتاريخ السعودي، بعد أيام من تنحّي (الرئيس المعزول حسني) مبارك يوضح أهمية دوره بحقبة مهمة من تاريخ مصر بما شهدته من سيولة سياسية".

ولفت إلى أن "الصعود الكبير لشخصية قطان بالدبلوماسية السعودية وسياستها الخارجية، يجعله شخصية مهمة، ويضفي على مضامين تصريحاته وأحاديثه أهمية كبيرة".

ومن ناحية المضمون، اعتبر المحلل السياسي المصري، أن كلام قطان، "لا يضيف معلومات جديدة، وإنما يمثّل شهادة رسمية سعودية على بعض الأحداث عقب ثورة يناير، بحكم منصبه بالقاهرة، وبحكم تمثيله إحدى الدول الفاعلة في الأحداث".

ويعتقد أن "حديثه عن إبلاغه رسميا بفوز شفيق بالرئاسة عام 2012، أمام الرئيس مرسي، قبل تدخل السفيرة الأميركية لإقرار النتيجة الصحيحة هو أمر معروف، وكذلك حديثه المهين عن الثوار المصريين ومحاولات المجلس العسكري استرضاء المملكة، وتفريط السيسي في تيران وصنافير بعد عقود من امتناع مبارك عن ذلك".

"كلها أحاديث معروفة، وتناولها الإعلام المصري المعارض كثيرا، لكن الجديد هو حديثه عن أزمة سد النهضة الإثيوبي، ونفيه عزم المملكة عقد قمة سعودية خاصة لإنهاء هذه الأزمة بين مصر والسودان وإثيوبيا"، أضاف الجعفري، متسائلا: عن دلالة ذلك.

وأجاب قائلا: "ربما يكشف النفي السعودي الرسمي، من الوزير صاحب الاختصاص الأول بالشأن الإفريقي، بوادر أزمة بين القاهرة والرياض، اضطرّت الوزير لاستدعاء بعض الأحداث القديمة التي ليس لها امتدادات آنية".

ولفت إلى أن "السعودية، والإمارات، غائبتان عن مساعدة مصر، وحضورهما الفاعل من نصيب إثيوبيا باستثماراتها هناك"، مضيفا "وأعتقد أن حديث الوزير قطان لا يخرج عن سيناريوهين: الأول اعتراف سعودي بأنه لا يملك أوراق ضغط بفقدانه الداعم الدولي بالبيت الأبيض، والتوافق الإقليمي المفتوح مع الإمارات بقضايا المنطقة".

والسيناريو الثاني وفق الجعفري، أن "الرياض تمارس الضغط الإعلامي على الحكومة المصرية لتنفيذ طلبات قدّمتها بالغرف المغلقة للعب دور فاعل بأزمة المياه، وقد تكون متعلّقة بملف مقتل خاشقجي وعدم دعم مصر للسعودية، أو محاولة للحصول على بعض القرائن والأدلة والتوافقات من الحكومة المصرية لأحداث ما بعد ثورة يناير لاستخدامها بالضغط على صناع القرار الأميركي".

ويعتقد أن "أحاديث قطان المقصودة تتجاوز فكرة إحراج النظام العسكري المصري لتأكيد دور السعودية وحضورها بالمشهد المصري كما كان إثر الثورة".

ويتابع: "كما تذكّر الأطراف الخارجية بشراكتهم معها بأحداث لو ظهرت للإعلام الغربي ستدينها أمام الرأي العام ببلادها، خصوصا أن الديمقراطيين كانوا يديرون البيت الأبيض وقتها، وكان الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن هو نائب الرئيس باراك أوباما، والوزير قطان وفق التعبير المصري الدارج (يفرش الملاية)، ويقول لهم (خلونا ساكتين.. إحنا دافنينه سوا)".

وحول إدانة قطان للسيسي وتبرئته الرئيس مرسي ببعض الأحداث ختم الصحفي المصري بالقول: "قطان العالم ببواطن الأمور لا تهمّه إدانة السيسي أو تبرئة مرسي بقدر ما يبحث عن دور لبلاده في حقبة ما بعد ترامب، ويحاول تأكيد حضور السعودية في المشهد المصري حاليا بنفس الزخم والقوة كما كانت حاضرة في أعقاب ثورة يناير".