ضد معارضيه وأهالي سيناء.. كيف يستغل السيسي الجنسية كورقة ضغط؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو شهرين من الواقعة النادرة بإسقاط النظام المصري الجنسية عن الناشطة المعارضة غادة نجيب، عضو حركة 6 أبريل وزوجة الممثل والإعلامي هشام عبدالله، منحت وزارة الداخلية الجنسية لثلاثة أشقاء من أهالي سيناء في 11 فبراير/شباط 2021، بعد 46 عاما قضوها في مصر بدون هوية.

تزامن القرار، مع رفض العديد من السفارات المصرية تجديد بطاقات الهوية وجوازات سفر المصريين المعارضين بالخارج، لإجبارهم على العودة إلى مصر لتجديدها، ما يعرضهم للاعتقال أو يهددهم وأسرهم بالحرمان من الجنسية.

كل بضعة أشهر، تنشر الجريدة الرسمية المصرية أخبارا عن إسقاط الجنسية عن بعض المصريين، لأسباب مختلفة، منهم 17 حالة أثناء عام 2020 بحسب جريدة الأهرام، كذلك، سعى برلمانيون بمجلس النواب، ومحامون على صلة بأجهزة الأمن، لرفع عدة دعاوى قضائية لإسقاط الجنسية عن معارضين خاصة الإسلاميين.

بالمقابل، تصدر قرارات بمنح الجنسية المصرية لأبناء أمهات مصريات متزوجات من أجانب، أو تُمنح لأجانب مقابل شراء عقارات، أو أراضي مملوكة للدولة.

أول حالة

في 24 ديسمبر/كانون الأول 2020 نشرت "الجريدة الرسمية" قرار الحكومة المصرية بتجريد غادة نجيب المقيمة بالخارج من جنسيتها المصرية، مستندا للقانون 26 لعام 1975، الذي يعطي السلطة حق سحب الجنسية دون مراجعة قضائية.

بموجب المادة 16 من القانون، يجوز لرئيس الوزراء تجريد أي شخص، سواء كان مولودا مصريا أو مُجنّسا، من جنسيته المصرية لأسباب عدة، منها "إذا كانت إقامته دائمة في الخارج وصدر حكم بإدانته في جناية من الجنايات المضرة بأمن الدول". 

استند القرار إلى أن غادة سورية الجنسية في الأصل، أي تحمل جنسية غير المصرية وبالتالي لن تكون بدون جنسية عند إسقاط المصرية عنها، وتقيم خارج البلاد، وصدر ضدها حكم جنائي غيابي بالسجن 5 سنوات في جريمة "إضرار بأمن الدولة من جهة الخارج".

كانت غادة قد أحيلت غيابيا، في أغسطس/آب 2018 مع زوجها و26 آخرين، إلى محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ، في قضية "إعلام الإخوان" والتي تقتصر وقائعها على أحداث حصلت خارج البلاد.

وفق مراقبين، فإن الهدف من هذه القضية إصدار أحكام ضد هؤلاء المعارضين، لتسهيل إدراجهم على قائمة الإرهابيين، بما يسمح بوضعهم على قوائم ترقب الوصول والتحفظ على أموالهم وأملاكهم بمصر، ومنع تجديد جوازات سفرهم أثناء إقامتهم خارج البلاد.

وقالت هيومان رايتس ووتش تعليقا على تجريد غادة نجيب من الجنسية إن قرار الحكومة المصرية "تعسفي" وعلى البرلمان تعديل "قوانين الجنسية المسيئة" بما يتماشى مع التزامات الحقوقية الدولية المترتبة على مصر.

جو ستورك، نائب مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة اعتبر أن هدف إسقاط جنسية غادة "معاقبة المعارضين، مؤكدا في بيان 11 فبراير/ شباط 2021 إن "السلطات المصرية تنحدر إلى مستوى سيء في معاقبة المعارضين بالجنسية".

وقالت "نجيب" لـ هيومن رايتس ووتش إنها لم تتمكن من توكيل محام لاستئناف قرار السلطات المصرية حرمانها من الجنسية لأن القنصلية المصرية في إسطنبول رفضت مرارا تقديم الخدمات القنصلية إليها.

تعديل القانون

رغم أن القانون رقم 26 لسنة 1975 والذي عُدل عام 2004، لم يتضمن سوى حالات محددة لسحب الجنسية، إلا أن نظام عبد الفتاح السيسي عدله مرتين: "الأولى" في 20 سبتمبر/ أيلول 2017، كـ"عقاب" ضمن استخدام النظام الحاكم للأدوات التشريعية والقانونية كوسيلة ضغط لاستهداف معارضين وإسقاط جنسيتهم.

ووافق على التعديل قسم التشريع بمجلس الدولة بشكل نهائي يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2017، رغم اعتبار حقوقيين بأنه غير دستوري كون "الجنسية حق".

و"الثانية" في 16 يوليو/تموز 2018، بهدف "الجباية" من الجنسية المصرية لكل أجنبي أقام في مصر بوديعة نصف مليون دولار مدة 5 سنوات متتالية على الأقل.

حسب خبراء، فإن التعديل الأول هو الأخطر لأنه جاء بدعوى تنقية الجنسية من "الإرهابيين"، لكنه في حقيقته يستهدف المعارضين بغرض الانتقام وإسقاط الجنسية عنهم.

توسع التعديل في حالات "إسقاط الجنسية"، بإضافة حالة جديدة إلى الحالات المذكورة في المادة 16 من القانون، وهي "صدور حكم بالإدانة في جريمة مضرة بأمن الدولة من جهة الخارج أو الداخل".

وفي المادة 15 توسع في حالات "سحب الجنسية" بـ "صدور حكم قضائي يثبت انضمامه إلى أي جماعة، أو جمعية أو جهة أو منظمة، أو عصابة أو أي كيان، أيا كانت طبيعته أو شكله القانوني أو الفعلي، سواء كان مقرها داخل البلاد أو خارجها".

مضيفا "وأن تهدف (هذه الجماعة) إلى المساس بالنظام العام للدولة، أو تقويض النظام الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي لها بالقوة، أو بأية وسيلة من الوسائل غير المشروعة".

أيضا زاد القانون المدة التي يجوز فيها لمجلس الوزراء سحب الجنسية إلى 10 سنوات من تاريخ اكتساب الجنسية بدلا من 5 كما كان منصوص عليه سابقا.

للوهلة الأولى يبدو أن التعديل يهدف إلى تنقية الجنسية المصرية من كل إرهابي أو شخص أضر بمصالح البلد أو أمنها، وهو الأمر الذي طالب به بعض نواب البرلمان 25 يوليو/تموز 2017، مستندين للاتجاه العالمي لسحب الجنسية لمكافحة الإرهاب.

إلا أن القراءة المتأنية للتعديل، تشير إلى أن الهدف هو استخدامه كأداة لترويع وتهديد المعارضين، خصوصا لو تم ربطه بتشريعات أخرى متعلقة بمكافحة الإرهاب ومنظمات المجتمع المدني والتعديلات على قانون الإجراءات الجنائية.

وتضمن التعديل استخدام عبارات مطاطية يسهل تكييفها لإدانة معارضي النظام، مثل عبارة "الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الداخل أو الخارج"، والتي تشمل إتهامات سياسية، تعتبرها السلطة "جرائم" للتنكيل بالمعارضين، وفق متابعين.

ويزيد من خطورة الأمر عدم توقيع مصر على الاتفاقية الدولية بشأن خفض حالات انعدام الجنسية بحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية 2 يناير/ كانون الثاني 2010، كما أن مصر ليست عضوة في الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية المقرة في سبتمبر/ أيلول 1954.

ما سبق يعني تجريد من يتم إسقاط جنسيته من كامل أوراقه الثبوتية وتجريده من كامل حقوقه الدستورية والقانونية، دون التمتع بأي حماية دولية أو واجبات على النظام المصري.

كما أن قانون الجنسية لا ينظم الآثار المترتبة على حالات إسقاط الجنسية، ولا يفرق بين مزدوجي وأحادي الجنسية، ما يجعل أحادي الجنسية (مثل غادة نجيب) يعتبر عند فقدانه لجنسيته "بلا هوية". 

الولاء للنظام

هذا التعديل يعكس تغيرا واضحا في السياسات التشريعية المتعلقة بإسقاط الجنسية، ففي السابق كانت حالات إسقاط الجنسية محصورة فيمن يتخلّي عن ولائه لبلده سواء بالتخابر أو العمل لدى دولة أجنبية أو الانضمام لجيش دولة أجنبية أو يتصف بـ"الصهيونية" حسبما ينص القانون.

لكن الآن، وفق مراقبين، أصبحت الجنسية مرتبطة بالولاء للنظام الحاكم (نظام السيسي) لا بالدولة المصرية، ما يعد منعطفا خطيرا في تعامل الدولة مع مواطنيها وقصرها "الوطنية" على مؤيديها.

النائب مصطفي بكري، أحد مقدمي مشروع القانون، أكد في 23 سبتمبر/ أيلول 2017 أنه سيترتب على القانون إسقاط الجنسية عن الرئيس (الراحل) محمد مرسي وآخرين ممن صدرت بحقهم من محكمة النقض أحكام نهائية، ما يؤكد تبييت النية لمواجهة معارضي النظام وليس "الإرهابيين" ضد الدولة.

أحمد مفرح، المحامي والباحث الحقوقي في منظمة "لجنة العدالة" في جنيف يؤكد أن: "القانون الدولي يمنع سحب الجنسية، والمادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك المعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، يحظران سحب الجنسية".

وأوضح لموقع BBC يوم 21 سبتمبر/ أيلول 2017 أن: "هذا التعديل يأتي في سياق محاولة النظام قمع معارضيه واستهدافهم، ولا يتوافق مع القانون الدولي والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر".

مصريون "بدون"

وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، هناك ما لا يقل عن 10 ملايين شخص في العالم اليوم من "عديمي الجنسية"، ويتركزون في 30 دولة، لكن لا يُعرف عددهم في مصر لعدم وجود إحصاء لهم.

قضية الحرمان من الجنسية المصرية لأسباب سياسية، طالت أيضا مصريين على أرض بلادهم منذ ولادتهم، مثل قبيلة "العزازمة" بسيناء على الحدود مع إسرائيل، وقبائل (أتمن والرشايدة والهداندوة) بمنطقة حلايب وشلاتين، والمنع بدعاوى أمنية هي "عدم ولائهم للدولة".

عديمو الجنسية هؤلاء ليس لديهم أوراق رسمية أو شهادات ميلاد لأنهم غير معترف بهم من قبل السلطة، لذا فهم محرومون من التعليم والرعاية الصحية، وحتى الدفن لأن مقابر الدولة لا تستقبل جثثا دون أوراق رسمية.

"حتى لو مت، لن أستحق شهادة وفاة، تماما مثلما لم أكن مستحقًا لشهادة الميلاد عندما ولدت، فأنا في هذا العالم كما لو أنني غير موجود، وسأموت مثل أي قطة أو كلب دهستها سيارة على طريق عام".

هكذا يقول "سالم الرشيد" لموقع المونيتور الأمريكي في 21 فبراير/ شباط 2021، وهو من مواليد حلايب وشلاتين، وينتمي لعشيرة الرشايدة والذي لم يغادر المنطقة طيلة حياته خوفا من الاعتقال لأنه لا يملك أي أوراق ثبوتية.

أفراد قبيلة العزازمة يعانون أيضا من عدم إعطاء مصر الجنسية لهم منذ إنهاء الاحتلال الصهيوني لسيناء 1982، بدعاوى التشكيك في ولائهم واتهامهم بالخيانة.

تعليقا على منح مصر الجنسية لثلاثة من بدو سيناء 11 فبراير/شباط 2021، يقول عضو قبيلة العزازمة أمين عطا الله لـ"المونيتور": "لا أحد يفهم على أي أساس قررت مصر منح الجنسية لقلة مختارة".

يضيف: "ربما تكون الحكومة تمنح الجنسية كمكافأة لأولئك الذين يتعاونون مع أجهزة الأمن المصرية في حربهم ضد الإرهابيين في سيناء بينما يرفض البعض التعاون عشيرة العزازمة فيمنعونها عنه".

ويؤكد مرزوق عطا، أحد أبناء القبيلة، لموقع "رصيف 22" يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أن زواج العزازمة بعضهم من بعض يأخذ شكل الزواج العرفي لأنه لا يوثق.

"نحن لا نملك أوراقا ثبوتية، وعند الإنجاب، يبقى الأبناء بلا شهادات ميلاد، لحين إتمامهم الستة عشر ربيعا، وقتها فقط تستخرج لهم تذكرة مرور" حسبما يقول.

أما في حال من كانت والدتهم مصرية (زواج أحدهم من زوجة تحمل الجنسية)، فيتم استخراج شهادات ميلاد للأبناء بموجب قانون 2004، الذي يمنح الجنسية لأبناء المرأة المصرية.