صحيفة فرنسية: في مصر.. السيسي يقتل والغرب يتعاون

12

طباعة

مشاركة

"في الوقت الذي يسجن فيه عبد الفتاح السيسي، المعارضة ومنظمات المجتمع المدني ويدينهما ويعذبهما، يواصل الغرب التفاوض بشأن الصفقات التجارية وبيع الأسلحة للنظام المصري"، بهذه هذه الكلمات سلطت صحيفة "سيليت" الفرنسية الضوء على الوضع في مصر في ظل الاعتقالات المستمرة والقيود المفروضة على الحريات وإعدام المعارضين.

وأشارت الصحيفة إلى أن "الانحراف الدكتاتوري في مصر يكتسب زخما مع استمرار الدول الغربية في غض الطرف عن الانتهاكات التي يرتكبها النظام وإبرام العقود المربحة".

ولفتت إلى أنه من بين تسعة مصريين أُعدموا في 20 فبراير/شباط الماضي- وهو إجراء أدانته عدة منظمات غير حكومية - ظهر شريط فيديو للسجين محمود الأحمدي عبر الإنترنت يتحدث بشجاعة إلى القاضي، ويؤكد براءته ويندد بالانتهاكات التي تعرض لها من قبل الشرطة - ولا سيما الصعق بالكهرباء – والتي تستخدم لإجبار السجناء على تقديم اعترافات كاذبة تحت التعذيب.

"إذا أعطيتني أمام كل هؤلاء الناس والكاميرات صاعقا كهربائيا، يمكنني أن أجعل أي شخص يعترف بقتل السادات"، قال الأحمدي، هذا السجين الشاب الذي كان يرتدي ملابس بيضاء، في إشارة منه إلى الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي اغتيل عام 1981 وتم تحديد هوية مرتكبي الحادث بالفعل منذ ثمانية وثلاثين عاما، مضيفا في حديثه للقاضي "لقد تعرضنا لصدمات كهربائية تكفي لإمداد مصر لمدة 20 عاما".

وأكدت الصحيفة، أن "صرخة الأحمدي من الواضح أنها لم تسمع، حيث تم إعدامه وثمانية آخرين في النهاية شنقا، بعد إدانتهم باغتيال النائب العام المصري في عام 2015".

وبينت "سيليت" أن منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية كانت سريعة الاستجابة، حيث علقت منظمة العفو الدولية بالقول: "إعدام الرجال المدانين في محاكمات ملوثة بمزاعم التعذيب ليس عدالة، بل شهادة على مدى الظلم في البلاد".

وأضافت المنظمة، أن عمليات الإعدام هذه هي دليل صارخ على زيادة استخدام الحكومة لعقوبة الإعدام، ما يرفع إجمالي عدد أحكام الإعدام التي جرت في الأسابيع الثلاثة عشرة إلى خمسة عشر"، منوهة إلى أنه في 8 فبراير/شباط، أُعدم ثلاثة مصريين شنقاً في مدينة الإسكندرية، متهمين بقتل ابن قاض في عام 2014 وتشكيل "جماعة إرهابية"، وهي "اعترافات انتُزعت تحت وطأة التعذيب"، كما ذكرت "هيومن رايتس ووتش".

حجة محاربة الإرهاب

وبحسب الصحيفة، فإن "مصر المشير عبد الفتاح السيسي، الذي وصل للسلطة في 2013 (وأول رئيس منتخب عام 2014) بعد انقلاب قام به الجيش ضد أول رئيس منتخب ديمقراطيا في البلاد بعد الثورة عام 2011 ، يبدو بالنسبة له أن محاربة الإرهابيين هو الأداة الأكثر فاعلية لإخماد أي شكل من أشكال المعارضة على أرض الواقع، وكذلك أفضل حجة للترويج للنظام في الغرب على أنه ضمان للاستقرار ومكافحة الإرهاب".

وذكرت أنه "منذ عام 2013، قاد السيسي حملة قمع شديدة، حيث اعتقل الآلاف من المتظاهرين السياسيين، بمن فيهم النشطاء المقربين من جماعة الإخوان المسلمين أو المرتبطين بها، وهي جماعة تأسست في مصر عام 1928 وتدعو إلى العودة إلى قيم الإسلام، بعيدا عن السلفية أو الجهادية".

وأوضحت "سيليت" أنه من خلال الاستفادة من حقبة تميزت بانتشار تنظيم الدولة "داعش" في العالم العربي، بما في ذلك صحراء سيناء، فإن العصبة العسكرية في مصر تضاعف القرارات والأحكام ضد جميع الأشكال المعارضة.

ولفتت إلى أنه في سبتمبر/أيلول، تمت محاكمة ما يقرب من 740 شخصا في نفس اليوم، وهي واحدة من أكبر المحاكمات الجماعية منذ ثورة 2011. معظمهم أتهموا بقتل الشرطة أو تخريب الممتلكات العامة، وفي أغسطس/آب 2013 حكم على 75 منهم بالإعدام، بما في ذلك كبار قادة جماعة الإخوان المسلمين.

وأكد "سيليت" أن السلطات المسؤولة عن الانقلاب قد لجأت على نطاق واسع إلى العنف والقمع الدموي للمظاهرات التي وقعت بعد الإطاحة بمحمد مرسي في صيف عام 2013، التابع للإخوان المسلمين.

وفي 14 أغسطس/آب 2013، قتلت الشرطة والجنود بالرصاص أكثر من 700 شخص كانوا يتظاهرون من أجل مرسي في شوارع القاهرة، وهو أحد أحلك الأيام وأكثرها دموية في تاريخ مصر المعاصر، وسط صمت ولامبالاة العديد من الدول الغربية.

وأوضحت أن هذا القمع باسم الحرب ضد الإرهاب استمر بأقصى درجات الإفلات من العقاب، وفي 26 مارس/آذار، وضعت محكمة النقض المصرية 145 شخصا إضافيا على قائمة "الإرهابيين" الشهيرة. من بين أولئك الذي استهدفتهم السلطة مفقودون.

وقالت الصحيفة الفرنسية: "هذا هو حال مصطفى النجار، وهو برلماني سابق حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات ولم تتلق عائلته أي أخبار عنه منذ سبتمبر/أيلول 2018"، مشيرة إلى أن النائب السابق، ومؤسس حزب العدل، والذي ظل في البرلمان من عام 2012 إلى عام 2013، حكم عليه في ديسمبر/كانون الأول 2017 بتهمة "إهانة القضاء" لكنه ظل حرا.

ودعت "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية مؤخرا إلى الكشف عن مكان وجود النجار، منتقدة النفي المتكرر للسلطة، التي تنفي احتجازه ووصف القضية بأنها "شائعات عن إخفاء قسري".

استهداف من ينتقد

وأكدت الصحيفة، أنه "كدليل على وجود انحراف ديكتاتوري حقيقي، حتى مع وجود جنون العظمة المعمق، فإن القمع لا يتعلق فقط بأفراد أو مؤيدي الإخوان المسلمين بل وأيضا جميع الأشخاص الذين يجرؤون على التعبير ،أو إظهار أقل الانتقادات أو أشكال المعارضة مع السلطة الموجودة، بما في ذلك داخل المؤسسة".

ولفتت إلى أنه في أبريل/نيسان 2018، قام هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات- السلطة المصرية لمكافحة الفساد- بدفع ثمن انتقاده، حيث حُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة "نشر معلومات لإلحاق الضرر بالجيش" بعد إقالته من منصبه في عام 2016  لتصريحه بأن تكلفة الفساد العام بلغت 60 مليار يورو بين عام 2012 و 2015.

وذكرت "سيليت"، أن الشخصيات المثقفة والصحفيون لم يكونوا محصنين ضد هذه الموجة من القمع، فالناشط اليساري علاء عبد الفتاح، هو الآن تحت المراقبة، سجن لمدة خمس سنوات، لأنه تظاهر بشكل غير قانوني في أواخر عام 2013 احتجاجا على سلسلة من المحاكمات العسكرية ضد المدنيين بعد تولي عبد الفتاح السيسي السلطة.

أما بالنسبة للكاتب الشهير علاء الأسواني، فقد تمت محاكمته بتهمة "إهانة الرئيس والقوات المسلحة والمؤسسات القضائية المصرية"، وأُطلق مؤخرا سراح المصور الصحفي الشهير شوكان، الذي تم اعتقاله في أغسطس/آب 2013 في القاهرة، بعد خمس سنوات من السجن، وبحسب مراسلون بلا حدود، لا يزال 30 صحفيا آخرون على الأقل مسجونين في مصر.

ورأت "سيليت" أن اعتقال المحامي محمد رمضان في الإسكندرية في ديسمبر/كانون الأول، هو الذي كشف عن مدى جنون العظمة لدى السلطات. وجريمته.. نشره على "فيسبوك" صورة له يرتدي سترة صفراء، رمزا لحركة الاحتجاج الاجتماعي في فرنسا.

وأشارت إلى أن الرئيس المصري يسعى حاليا من خلال إدخال تعديلات على دستور 2014، من أجل أن يكون باستطاعته الترشح لولاية ثالثة في عام 2022. وقد تم بالفعل تقديم نص في هذا الاتجاه في البرلمان، الذي يهيمن عليه نواب مؤيدين للسيسي، أعيد انتخابه لفترة ثانية في مارس/آذار 2018 بأكثر من 97 بالمئة من الأصوات.

نفاق الغرب

وقالت الصحيفة الفرنسية، إنه "من خلال تسليط الضوء على الحاجة إلى الاستقرار في البلدان العربية، التي اهتزت بسبب الانتفاضات والحروب بعد الربيع العربي 2010-2011 ، لم يتردد رئيس النظام المصري في انتقاد حركات الاحتجاج الأخيرة في الجزائر والسودان".

وبينت أنه على الرغم من أن ثورة عام 2011 في مصر ما زال يُحتفل بذكراها رسميا كل عام، إلا أن صورتها تتدهور بشدة من السلطات ووسائل الإعلام القريبة من النظام، والتي تعتقد أنها تسببت في انعدام الأمن وعدم الاستقرار، وهي فكرة لم يمل السيسي من تكرارها لجميع نظرائه، وخاصة الغربيين الذين يبدو أنهم يذعنون لهذا الخطاب، من أجل المصالح المالية أو الاقتصادية.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذ هو حال فرنسا، التي باعت أربع وعشرين طائرة مقاتلة رافال منذ عام 2015 إلى مصر، التي أصبحت ثالث أكبر عميل لمبيعات الأسلحة الفرنسية، بعقود بلغ مجموعها 6 مليارات يورو في ثلاث سنوات.

وأثناء زيارته للقاهرة في بداية العام، تجنب الرئيس إيمانويل ماكرون الموضوعات المثيرة، وركز على قضايا التعاون والحوار بين الأديان، وتوجت زيارته بتوقيع ثلاثين اتفاقية وعقود تجارية مع مصر بنحو مليار يورو، بما في ذلك بناء نفق بطول 5.6 كم لمترو القاهرة.

وأكدت أنه من جهته، يضاعف صندوق النقد الدولي الإطراء على البرنامج الاقتصادي للنظام المصري، وقد أعلن مؤخرا عن أخر شريحة من قرض بقيمة 12 مليار دولار سلمته بشكل تدريجي لمصر من نوفمبر/تشرين الثاني 2016.