على الطريقة الإيرانية.. هكذا تقمع جماعة الحوثي الحريات باليمن

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كان ملاطف الحميدي، يحيي عرسا شعبيا الأسبوع الماضي، في مدينة رداع التابعة لمحافظة البيضاء، وسط اليمن، عندما اقتحمت المخيم مجموعة مسلحة تابعة لجماعة الحوثي، فقبض المسلحون على عازف الطبل الشهير، واقتادوه خارج المخيم، ثم اعتدوا عليه جسديا، وحلقوا شعره "المنتفش"، بحجة خروجه عن المألوف الاجتماعي للتقاليد اليمنية، وتقليده للنمط الغربي في تسريحة شعره.

فرض الحوثيون، منذ اجتياحهم العاصمة صنعاء، قيودا على الحريات العامة والخاصة، وتحكموا في خصوصيات السكان و نمط الحياة الخاص بهم،  ففي عمران أول مدينة أحكموا قبضتهم عليها، منعوا الأغاني في الأعراس، وأغلقوا استوديوهات الأغاني، وفرضوا عقوبات مالية باهظة وأحكاما بالسجن على من خالف أوامرهم، وكذلك داهمت مجاميعهم عددا من الأعراس واختطفت مواطنين بينهم عرسان، بحجة سماع الغناء والموسيقى. 

لجان رقابة وتحذيرات

وفي صنعاء اقتحموا المقاهي بحجة أنها تتيح للشباب والفتيات الاختلاط، وشكلوا مجموعات مراقبة تابعة لهم في الجامعات، ولا سيما في جامعة صنعاء، وذلك لمنع الحديث بين الجنسين في الساحات والأماكن العامة، وكان زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي قد حرض في خطاب سابق له على معاهد اللغة الأجنبية والمقاهي العامة، واتهمها بإفساد الشباب وغزوهم فكريا، وقال: إنها تهدف لضرب المجتمع في أخلاقه وعفته وطهارته، عبر شبكات منظمة تعمل على  إفسادهم.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصل لمستوى تحديد نوع "بالطو" (جلباب) الطالبات الجامعيات، وطمس  الصور من واجهة محلات مستلزمات الأعراس، وإزالة التماثيل الدعائية، كما فرضوا أيضا رقابة على تسريحات الشعر لدى الطلاب، وكانت وزارة الداخلية التابعة لجماعة الحوثي قد أصدرت تعميما وزعته على عدد من محلات الحلاقة، وعلقته في بعض الكليات، خصوصا في الحديدة، وضعت عليه تعليمات إرشادية لكيفية الحلاقة، وتحذر الحلاقين من القيام ببعض التسريحات، وفرضت عقوبة مالية باهظة على من يخالف ذلك.

وكانت وزارة الثقافة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، قد أصدرت تعميما في وقت سابق وزعته على خطباء المساجد طالبتهم بتوعية الناس بخطر بعض المظاهر والملابس التي يرتديها الشباب على مستقبل الأمة الإسلامية. 

الجذور الفكرية

يبرر الحوثيون تلك الإجراءات التي تقمع المواطنين وتصادر حقهم في اختيار لبسهم ومظهرهم،  بمخالفتها للشريعة وخروجها عن عادات وتقاليد الشعب اليمني، وتقليدها للنمط الغربي، فيما يقول الناشط السياسي محمد المقبلي، إن "الحوثيين يحملون في الأساس فكرة كهنوتية إمامية قائمة على أساس القمع  للحريات العامة والحريات الخاصة، وأن القمع في الفاشية الحوثية مرتبط أساسا بالجذور الفكرية الموجودة في كتبهم، والتراث الأسود للإمامة الذي يقوم على القهر العام للحريات العامة".

وأضاف المقبلي: إن "الفكرة الإمامية تفرض عليك الفكر الأحادي والشخصية الأحادية، وهي التي تحدد لك كيف تعيش وماذا تلبس وكيف تحلق رأسك، وتسعى لتحويل المجتمع إلى معسكر مغلق يتلقى الأوامر والنواهي من السلطة القامعة".

أسباب تأخر النصر

يزعم الحوثيون، أن تلك المظاهر والتي يعدونها تجاوزا أخلاقيا وشرعيا تؤخر النصر، أي انتصارهم في المعركة ضد الشرعية والتحالف، وهي مظاهر غزو فكري، ونمط حياة يحاكي النزعات التقليدية للغرب في المظهر والملابس وتسريحات الشعر.

تعطي تلك العبارة إيحاء نفسيا بأن النصر قادم، إلا أنه سيتأخر، وهي عبارة منتقاة بعناية، لها بعد فلسفي ونفسي، ويتم ترويجها بين العامة، بطريقة تتجاهل أساس الأزمة، كما تعزل نفسها عن واقع الكارثة التي يعيشها اليمنيون، حيث قال الباحث مراد محمد، في حديث لـ"الاستقلال" إن "الحوثيين يعيشون عزلة مخيفة عن الواقع، ففي حين يطحن الجوع الشعب طحنا، ويموت اليمنيون بالكوليرا، ولا يدرون من أين يمكن تدبير وجبتهم القادمة، تنشغل جماعة الحوثي بملاحقة أصحاب التسريحات، ومراقبة بالطوهات (جلابيب) الطالبات، وتتحدث أنها أسباب تأخر انتصارهم".

من جهته، قال الكاتب والباحث أيمن الجراش، في حديث لـ"الاستقلال": إن "السؤال المحايد هو لماذا طالت الحرب، وليس لماذا تأخر النصر؟ والجواب هو أن الحوثيين باتوا مستفيدين من الحرب، وبالتالي فإنهم لا يريدون لها أن تنتهي، فقد تحولوا لأمراء حروب، و استفادوا من الحرب كما لم يستفد منها أحد".

وتابع الجراش: "الحرب أصبحت مبررا لهم (الحوثيين)، فقطع المرتبات عن الموظفين يبررونه بما يسمونه العدوان، وابتزاز التجار وفرض إتاوات باهظة عليهم تتم تحت مبرر دعم المجهود الحربي، وقطع المشتقات النفطية تبرر بحصار العدوان، فيما يتم تحويلها في الحقيقة للسوق السوداء في عموم المحافظات الخاضعة لسيطرتهم".

يهزها قص الشعر 

قال وكيل وزارة الإعلام، عبد الباسط القاعدي، لـ"الاستقلال": إن "هذه الجماعة يهزها قص الشعر، ولا يرهبها قص الرؤوس، بل تتقرب إلى الله بذلك، وتكبر مع كل جريمة قتل تقوم بها".

من جانبه، قال الكاتب والصحفي شاكر خالد، في حديث لـ"الاستقلال"، إن "من سخرية الأقدار أن يتحدث الحوثيون عن الأخلاق والشرع، في الوقت الذي يقتلون آلاف المواطنين، ويتعمدون تجويعهم، بل ويفرضون جبايات عليهم".

وأردف خالد: "ما لا يمكن فهمه أن عددا من اليساريين متماهون مع هذه الإجراءات التي تقوم بها مليشيا ماضوية رجعية متخلفة".

إلا أن تلك الإجراءات يبدو أنها وسيلة الحوثيين لتعزيز القبضة الأمنية وإرهاب المجتمع وزرع الخوف في قلوب المواطنين، وهي مدخل لجباية الأموال عبر الغرامات الباهظة التي تفرضها الجماعة على المعاهد والمقاهي والنساء والرجال.

النموذج الإيراني

على خطى إيران في تقييدها للحريات الشخصية وفرضها نمطا معينا من الشكل واللبس والمظهر، يقوم الحوثيون بتقليد ذلك وتطبيق تلك الإجراءات بشكل حرفي،  إلى مستوى  أن ذلك المستوى من التطابق بين إيران والحوثيين يدفع للتشكيك بأن الحوثيين يقلدون الإيرانيين، للجزم بأن إيران هي من فرضت هذه الإجراءات، ضمن الثقافة التي تقوم بتصديرها لليمن.

وكانت وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية، قد ذكرت، أن جامعة "علم وصنعت"، قد حددت عبر منشورات لها المظهر الخاص بالطلاب والطالبات في حرم الجامعة، وأن الحكومة الإيرانية، التي يفرض قانونها ارتداء الحجاب، قامت بتنفيذ قرار الحكومة بمنع الرجال والنساء على السواء من لبس البنطلونات الجنز، وفرضت غرامة قدرها مائة دولار لمن يخالف هذا القرار .كما أن إيران تمنع ارتداء ربطة العنق "الكرفتة" المكملة للزي الرسمي، وذلك لاعتبارها إحدى مظاهر تقليد الثقافة الغربية.

ولا تخلو الصحافة الإيرانية من أخبار اعتقال الشباب والشابات بتهمة الاختلاط غير الشرعي وخدش الحياء العام والشبهة بالفسق، والعديد من التهم التي توجه لشباب تواجدوا معا في مقهى أو بيت أو حتى في عرس حتى وإن كان محتشما ومنضبطا، وتتحرك أجهزة الدولة لاعتقال من فيه إذا عرفت بالخبر، وتداهم الأجهزة الأمنية أماكن تواجد الشباب وتأخذهم جميعا إلى المركز الأمني، حيث يواجهون عقوبتهم بين سجن وغرامة وتعهد.

وعلى غرار لجان الآداب التابعة للحوثيين، لدى إيران جهاز بوليسي يسمى شرطة الآداب، مهمته مراقبة وتأديب من يرتدي ملابس يخالف فيها قانون الأحوال الشخصية الذي حدد لبس المواطنين، وخاصة النساء ومنع ما سماه الاختلاط في التعليم والعمل والمقاهي والمطاعم والشواطئ والحدائق، وكان هذا القانون من أوائل القوانين التي أقرها مجلس الثورة إثر قيام الثورة الإيرانية عام 1979.