بعد عقود من المقاطعة.. لماذا قرر أمازيغ المغرب خوض انتخابات 2021؟

12

طباعة

مشاركة

يستعد ناشطو الحركة الأمازيغية في المغرب للمشاركة في الانتخابات المقبلة التشريعية (البرلمان) والجهوية (محافظات أو ولايات) والبلدية (المحليات)، التي من المقرر عقدها في سبتمبر/أيلول 2021.

وبعد عقود من مقاطعة الانتخابات، جاء قرار جبهة العمل السياسي الأمازيغي بالمشاركة وهو ما عده البعض قرارا تاريخيا يهدف إلى الدفاع عن القضية الأمازيغية من داخل المؤسسات.

الوافد الجديد إلى الساحة السياسية كان قد شرع خلال 2020، في حوار مع 4 أحزاب سياسية "التجمع الوطني للأحرار" و"الحركة الشعبية"، إضافة إلى "الأصالة والمعاصرة" و"التقدم والاشتراكية" المعارض، لكن في النهاية وصلت لاتفاق مع اثنين منهما فقط.

وبعد 9 أشهر من الحوار مع الأحزاب السياسية الأربعة، قطعت جبهة العمل السياسي الأمازيغي بالمغرب، مع سياسة "الكرسي الفارغ" التي دعت إليها لعقود، وأبرمت تحالفا مع حزبين سياسيين داخل الائتلاف الحكومي وهما "التجمع الوطني للأحرار" و"الحركة الشعبية".

3 محاور

في 22 يناير/كانون الثاني 2021، طالب محيي الدين حجاج المنسق الوطني مناضلي الحركة للانتقال نحو المشاركة السياسية المباشرة، لضمان وتيرة قوية للعمل داخل المؤسسات بحثا عن التغيير من الداخل.

وستعمل جبهة العمل السياسي الأمازيغي، وفق بيان للحركة نشرته مجلة جون أفريك الناطقة بالفرنسية، على الانفتاح على الأحزاب "الغير معادية للأمازيغية"، داعيا إلى "ربط خيوط الماضي بالحاضر واستعادة هوية البلد وعمقه الحضاري الأمازيغي الإفريقي الأصيل من أجل استشراف مغرب جديد قوامه التعددية والتنوع".

وحسب البيان، أكد حجاج أنه تم اختيار هذه الأحزاب تحديدا على أساس 3 محاور رئيسة، قائلا: "لم يكن من المعقول بالنسبة لنا أن نعمل مع حزب دون أن يطور ويجدد في هذا الإطار، الشيء نفسه بالنسبة للحريات والقضايا الأخرى التي نعمل عليها داخل الحركة الأمازيغية".

المحور الثاني تنظيمي، والثالث يتعلق بالمشاركة الانتخابية، "إذا قررنا التغيير من داخل المؤسسات، وعلينا الوصول إليها أولا، والباب الرئيس هو الانتخابات"، وفق حجاج.

وفي مواجهة هذه الأحزاب السياسية، لم يذهب ممثلو الجبهة لطرق ملتوية: "لقد كررنا مرارًا وتكرارًا أننا لم نأت فقط للدفاع عن الأمازيغية كلغة وثقافة"، يشدد حجاج، "هناك أيضا أهداف اقتصادية واجتماعية".

يريد الوافد الجديد الانخراط في النقاش حول نموذج التنمية الجديد، الذي ينتظر أن ترفع لجنته الخاصة، المعينة من قبل الملك محمد السادس، تقاريرها إلى الملك في الأيام المقبلة، وفق حجاج.

حجاج، اعتبر أن ميلاد الحركة الأمازيغية هو في المقام الأول رد فعل على استبعاد الأمازيغية ككل منذ استقلال المغرب عام 1956، بعد أن نجح تيار داخل الدولة في فرض الرأي الواحد على المستويات الثقافية والسياسية والمجتمعية وإقصاء الأمازيغ.

ومنذ ذلك الحين، تحركت الحركة الأمازيغية في المملكة بأشكال مختلفة، دون الاندماج في أي من مؤسساتها، وإن كانت قد ظهرت العديد من المبادرات على أمل إنشاء حزب سياسي أمازيغي دون جدوى.

أكثر هذه المبادرات دلالة التي قادها المحامي والكاتب أحمد الدغرني، الذي تم حظر حزبه "الديمقراطي الأمازيغي المغربي" من قبل وزارة الداخلية عام 2007، وحله من قبل المحكمة الإدارية بالرباط عام 2008 بدعوى عدم امتثاله للقوانين التي تحظر إنشاء الأحزاب على أسس عرقية.

وقتها دعت الحركة الأمازيغية إلى مقاطعة الانتخابات، لأن الدولة "لم تعترف بها"، واعتبرت أن التصويت لا يعني شيئًا، لكن دستور 2011، الذي كرس الأمازيغية كلغة رسمية، غير الوضع.

لكن مشاريع ومبادرات أخرى في هذا الاتجاه لم يكتب لها النجاح ولم تر النور، مثل حزب "تامونت" (الوحدة في الأمازيغ) في 2018 أو حتى "التغيير الديمقراطي" في 2019.

التغيير من الداخل

عزيز أخنوش الأمين العام لحزب "التجمع الوطني للأحرار، قال خلال الحفل الذي نُظم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، على هامش توقيع الاتفاق، "إننا نكتب التاريخ، نحن نغير الأفكار والعقليات فيما يتعلق بالمسألة التي تجمعنا جميعاً: المسألة الأمازيغية".

مضيفا: "للتوضيح، أيدنا فكرة انخراط مسؤولي ورموز الحركة الأمازيغية في العمل السياسي والعملية الانتخابية حتى نتمكن معًا من قيادة هذه المعركة من داخل المؤسسات".

وخلال حفل مماثل أقيم في ديسمبر/كانون الثاني 2020، أكد الأمين العام لحزب "الحركة الشعبية" والوزير السابق محند العنصر، أن "هذه الخطوة تعكس ما كنا نعتقده دائمًا، وهو أن الحركة الشعبية منفتحة أمام جميع المغاربة، وأن دفاعنا عن الأمازيغية متواصل".

واستدرك العنصر، "الأمر لم ينحصر قط في غايات سياسية أو انتخابية ضيقة، لأننا نعتبر أنها مسألة هوية"، ويعتبر هذا التحالف في نظر وزير الداخلية السابق "نقطة انطلاق لتنفيذ ما نطمح إليه وهو دمج اللغة الأمازيغية في جميع جوانب الحياة العامة".

وفي مقابلة مع "جون أفريك" عام 2019، أوضح عزيز أخنوش أن "دستور 2011 الذي أراده الملك يوفر إجابات حقيقية لما يسمى بالقضية الأمازيغية، لكن لسوء الحظ، فإن القرارات التنفيذية جاءت متأخرة جدًا".

وفي 13 يناير/ كانون الثاني 2021، تقدمت برلمانية بمشروع قانون لإصدار مرسوم اعتراف بالسنة الأمازيغية الجديدة "ينّير"، التي يحتفل بها في 13 يناير/كانون الثاني من كل عام بالمغرب، كعطلة رسمية مدفوعة الأجر، أسوة بالجزائر التي أقرتها منذ عام 2018.

وفي 14 يناير/ كانون الثاني 2021، نظمت لجنة برلمانية مائدة مستديرة حول "إضفاء الطابع الرسمي على الأمازيغية كمسألة مؤسسية"، ويختصر محيي الدين حجاج ما جاء فيها بالقول: "الأمازيغ استبعدوا بقرار سياسي، فلا يمكن إعادة دمجهم إلا بقرار سياسي"، وهي معركة يمكن جني ثمارها في الانتخابات المقبلة.

"فيتو العرقية"

مراقبون يرون أن الحركة الأمازيغية تأخرت في الدخول إلى المعترك السياسي، ومن بين من يتبنى هذا الرأي الحسين أبليح، عضو لجنة الإشراف لجبهة العمل السياسي الأمازيغي، والمنسق الوطني للحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي المحظور، والإعلامي بمجلة "نبض المجتمع الأمازيغية".

أبليج يؤكد في حديثه مع "الاستقلال"، أنه "لابد من التذكير أن الحركة الأمازيغية ظلت ردحا من الزمن حبيسة النضال المطلبي المدثر بلبوس ثقافية ما أسهم في هدر الزمن الهوياتي للمغاربة قاطبة، فنقاش انخراط الحركة الأمازيغية في العمل السياسي ليس ابن اليوم".

ولفت إلى أن الأمازيغ "عاشوا تجربة الحزب الديمقراطي الأمازيغي، الذي تأسس بقيادة أمغار أحمد الدغرني سنة 2005، قبل أن يتم حله وإبطاله بحكم قضائي سنة 2008، ومكث الأمازيغ غير بعيدين، ومنهم أغلبية من حزب الدغرني، لينخرطوا بكثافة أيضا في تأسيس حزب تامونت للحريات سنة 2016 وتعرض للمنع والتضييق".

واستدرك: "لذلك فإن أي حديث عن تاريخ الأمازيغ في خوض غمار السياسة، يقتضي الرجوع إلى التجربتين بما يتطلبه الرجوع ذاته من تقييم لهما".

وعن اختيار الحركة الأمازيغية في المغرب المشاركة في الانتخابات عن طريق أحزاب موجودة في الساحة وليس بحزب خاص بها، أوضح عضو الجبهة، أن "أي مبادرة تسعى إلى تحزيب الأمازيغية ستواجه بما ووجه به الدغرني، وستودي بالتجربة في مهدها".

وزاد قائلا: "بالنسبة لأجهزة الدولة، خصوصا وزارة الداخلية، فإن فيتو العرقية جاهز للإجهاز على أي تجربة انفرادية بالأمازيغية على الساحة، وهو ما حصل مع حزب الدغرني، كمسوغ لحل الحزب ومنعه، وهو ما حدث أيضا مع حزب تامونت للحريات، مع اختلاف السياقات طبعا".

وذهب أبليح إلى القول: "أنا في موقع يسمح لي بالقول من خلال  تجربتيّ الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي وتامونت للحريات، أن تأسيس حزب بمرجعية أمازيغية محال في السياق المغربي الحالي".

وأورد المتحدث في هذا الصدد سببين، الموضوعي ذو صلة "بالخيار البراغماتي للدولة" أكثر منه "بالموقف" في تعاطيها مع المطلب الأمازيغي، والذاتي متعلق بغياب اللحمة الأمازيغية الضرورية لدى النخب الأمازيغية (وليس عموم المغاربة) للانضواء تحت مشعل واحد في إطار سياسي موحد وموحِّد.

القاعدة الانتخابية

البديل اليوم أمام الحركة الأمازيغية، وفق السياسي، هو "انخراط مكوناتها في المشهد الحزبي القائم، أو ما يمكن أن نطلق عليه بالتغيير من داخل المؤسسات.

وتساءل المتابعون للشأن السياسي في المغرب، إن كانت هذه الأحزاب ستستفيد من ضم الحركة الأمازيغية إلى صفوفها لكسب المزيد من الأصوات وتوسيع قاعدتها.

أبليح قال: "صعوبة الإجابة على هذا السؤال تكمن في المغامرة في القول بميكانيكية استفادة الحركة الأمازيغية من الأحزاب المتحالفة معها، كما استفادت هذه الأحزاب من الحركة الأمازيغية".

وزاد: لا وجود لمقاييس تضبط القاعدة الانتخابية للحركة الأمازيغية، الغائب الأكبر عن اللوائح الانتخابية، بل أستطيع أن أحيل على تجربة مقاطعة الأمازيغ لانتخابات 2007 بإيعاز من الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي، حيث كان التأثير محدودا.

وقال أبليح للاستقلال: "الأحزاب التي تحالفنا معها واعية بأن تبني المطالب الأمازيغية سيكون مؤثرا في النتائج الانتخابية، بيد أن الفاعل الأمازيغي بات صعب المراس أكثر من أي وقت مضى".