119 دقيقة من الرعب.. كيف جسد فيلم "المنشق" تصفية جمال خاشقجي؟

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مات الكاتب الصحفي السعودي جمال خشاقجي، مات الإنسان وبقيت قصته وكلماته ومقالاته التي دونها شاهدة له وعلى من قتلوه، مات خاشقجي، الذي قال يوما: "قل كلمتك.. وامش"، وبالفعل قال جمال كلمته وذهب لكن ظلت مسيرته تحكي عن الرجل الذي قال "لا" للاستبداد.

التقط صناع المحتوى الوثائقي الخيط، ليجسدوا لنا حياة خاشقجي، ونهايته المأساوية، فخرج فيلم "المنشق" الذي أخرجه الأميركي بريان فوغل، الحائز على الأوسكار.

على مدار عام كامل أحدث "المنشق" جدلا واسعا بعدما رفضت منصات كبرى عرضه خشية غضب حكام الرياض، لكن مع مطلع 2021، بدأ الترويج للفيلم وعرضه من قبل شركة مستقلة، حيث طالب الكثير من الساسة ورواد الفن الجمهور بمشاهدته والتفاعل معه.

دعوة كلينتون 

يوم الجمعة 8 يناير/كانون الثاني 2021، وبعد معاناة بدأ عرض الفيلم الوثائقي The Dissident (المنشق)، عبر شركة التوزيع "Briarcliff Entertainment"، في صفقة أبرمتها خلال سبتمبر/أيلول 2020.

ويأمل صناع الفيلم وقطاع عريض من الحقوقيين والسياسين بأن يحظى الفيلم بمتابعات وردود فعل قوية، لإرساء مبدأ حق الحرية والحياة، لإنسان دفع حياته في سبيلهما.

في 12 يناير/ كانون الثاني 2021، وجهت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة والمرشحة في انتخابات الرئاسة الأميركية 2016، دعوة عامة، من خلال تغريدة بموقع تويتر لمشاهدة "المنشق".

كلينتون كتبت: "إذا لم تكن قد رأيت (The Dissident)، أتمنى أن تفعل ذلك. هذا الفيلم الوثائقي قوي بشكل لا يصدق، حول اغتيال الصحفي جمال خاشقجي على يد الحكومة السعودية.. وهو متاح للمشاهدة الآن".

تغريدة هيلاري لاقت تفاعلا كبيرا، على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان على رأس المتفاعلين، مخرج الفيلم بريان فوغل، الذي رد قالا: "تشرفت بهذه التغريدة نيابة عن جمال، والكثير ممن يناضلون تحت اضطهاد الحكومة السعودية. كلماتك مؤثرة جدا".

فيما دونت خديجة جنكيز، خطيبة الراحل خاشقجي، "شكرا لك عزيزتي هيلاري على دعمك".

مهرجان "صندانس"

في 24 يناير/ كانون الثاني 2020، وخلال مهرجان "صندانس" السينمائي، في ولاية أوتاه بالولايات المتحدة الأميركية، أعلن المخرج والمنتج الأميركي بريان فوغيل، رسميا عن فيلمه "المنشق".

وقُتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، ووجهت اتهامات للسلطات السعودية، وتحديدا ولي العهد محمد بن سلمان، بالضلوع في الجريمة.

رصد "المنشق" بالتفاصيل، عملية قتل وتصفية خاشقجي، الكاتب بصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بطريقة بشعة غير مسبوقة ومن خلال مجموعة متخصصة في العمليات القذرة أرسلت خصيصا لذلك.

حسب موقع قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت، والذي يُعرف اختصارا بـ آي إم دي بي (IMDB)‏ التابع لشركة أمازون العالمية، فإن الفيلم مدته 119 دقيقة، بإنتاج أميركي خاص.

تم تصوير الفيلم في مقاطعة (كيبيك) الكندية، ويتحدث بـ 3 لغات (العربية والتركية والإنجليزية)، ومن الأبطال الرئيسيين في الفيلم المدون السعودي المعارض عمر بن عبد العزيز، وخطيبة خاشقجي خديجة جنكيز، وعدد من زملاء الراحل، الشاهدين على مسيرته الحياتية والمهنية، بالإضافة إلى شهداء على جريمة قتله.

دوّن الموقع في تعليقه على الفيلم أنه "لا يمكن للمرء أن يقول الكثير عن هذا الفيلم الوثائقي دون مطاردة روح الموضوع، إذا جاز التعبير ببساطة"، وأضاف أنه "تفصيل حيوي للقتل المروع لرجل بريء قال الحقيقة للسلطة، ومن النادر العثور على فيلم بهذه الأهمية المعاصرة". 

وفي تعليقها على الفيلم كتبت مجلة "فارايتي" الأسبوعية الأميركية، يوم 24 يناير/ كانون الثاني 2020، تقريرا قالت خلاله: "عندما يتعلق الأمر بالمكائد، فهذا فيلم يحتوي على كل شيء تقريبًا، حيث يتحد الغموض والمؤامرة حول رجال يتمتعون بسلطة مطلقة لا يمكن فهمها، لقد قاموا بتوجيه طعنة بالظهر لرجل مسالم، هو جمال خاشقجي الذي أصبح بطلا شهيدا مقاتلا من أجل الكلمة والحرية".

وأضاف: "السلطة السعودية في مركزها الشرير، لديها جريمة قتل نفذت بطريقة الغوغاء، وكلما عرفنا المزيد عن تفاصيل الجريمة، وشاهدنا الدقائق التي سبقتها على لقطات المراقبة، كلما زاد فيلم (المنشق) عن شيء من الرعب، مثل أفلام هوليوود، وإن كان (المنشق) رعب حقيقي نراه في الواقع الفعلي".

تفاصيل مخيفة

يحوي "المنشق" كثيرا من التفاصيل القاسية لفرقة الاغتيال المتخصصة التي أرسلها محمد بن سلمان، لقتل خاشقجي، وعلى سبيل المثال يروي المعارض السعودي عمر بن عبد العزيز، ضمن سياق الفيلم أن "القتلة تَنمَّروا في البداية على جسد خاشقجي، ثم صُدموا بعدما كشف المحققون الأتراك آثار الدماء".

وقال ابن عبد العزيز: "أتمنى لو أنكم استطعتم رؤية وجوه، المسؤولين السعوديين في تلك اللحظة، لقد أصيبوا بالدهشة كأنهم يتساءلون.. ما هذا؟!". 

وأضاف: "هذه اللقطة من فيلم (المنشق) فضيحة بكل المقاييس، ورغم الأجواء الحزينة والمؤلمة، فإن حماقة فريق محمد بن سلمان، كانت مثيرة للسخرية". 

وأردف: "قاموا باستعمال أدوات النظافة لتنظيف الغرفة لطمس الأدلة، وبمجرد أن استعمل الأتراك تقنياتهم، وظهرت آثار الدماء، تفاجأ المسؤولون السعوديون". 

لكن الأبرز أن الفيلم كشف تفاصيل جديدة، منها "سخرية القتلة وضحكهم أثناء تخطيطهم لتقطيع أوصال الجسد، وسخريتهم خلال النقاش حول ما إذا كان الوركان مناسبين للكيس. القتلة طلبوا أيضا 70 كيلو جراما من اللحوم من أحد المطاعم لإخفاء رائحة الجثة المحترقة".

وتمكن مخرج الفيلم بريان فوغل، من الحصول على نسخة خاصة من 37 صفحة من التسجيل الخاص بغرفة الجريمة حيث خنق فيها خاشقجي وقطعت أوصاله.

عوائق التوزيع

لا شك أن الفيلم جاء صادما ومقلقا للأوساط داخل منظومة الحكم السعودية، لما أحدثه من رواج سياسي وفني على الصعيد الدولي، بالإضافة إلى صورة الغلاف الدموية التي يتصدرها وجه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. 

لم يخل الفيلم من صعوبات وعوائق في التوزيع، بسبب خشية شركات الإنتاج العالمية من غضب النظام السعودي، وهو ما أكدته صحيفة "نيويورك تايمز.

الصحيفة قالت في 26 ديسمبر/ كانون الثاني 2020: "فيلم المنشق واجه صعوبة في العثور على تسويق لدى الشركات التي لديها منصات رئيسة لشراء وتوزيع الأفلام الوثائقية عبر العالم، مثل نتفليكس وأمازون برايم".

وأضافت: "عادة ما يحظى فيلم لمخرج أفلام حائز على جائزة الأوسكار باهتمام كبير من شبكات البث العالمية التي تستخدم الأفلام الوثائقية والأفلام المتخصصة لجذب المشتركين وكسب الجوائز".

وتابعت الصحيفة: "لكن هذه المرة لم يتمكن فيلم (المنشق) من العثور على موزع بعد 8 أشهر من إنجازه، وكان ذلك مع شركة مستقلة ليس لديها منصة بث ونطاق وصولها إلى الجمهور العريض أضيق بكثير".

ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" في 5 يناير/ كانون الثاني 2021، حديث بريان فوغل عند العرض الأول للفيلم قبل عام، عندما ناشد فوغل الشركات الإعلامية ألا تخاف، وقال: "في حلمي، سيقف الموزعون في وجه المملكة العربية السعودية".

وأعلن فوغل متفائلا وهو يركب سيارة دفع رباعي في حفلة مهرجان صندانس، أنه "يأمل أن تتقدم نتفليكس أو أمازون أو إتش بي أو أو غيرهم، وكل شخص يمكن أن يمنح الفيلم منصة عالمية لقصة خاشقجي، ضد المملكة التي لعبت دور القاتل، خلال فيلم الإثارة الجيوسياسي (المنشق)".

لكن فوغل اصطدم بالواقع، في ظل إحجام كل هذه الشركات عن شراء وعرض الفيلم، ما تسبب في ردة فعل عنيفة للمخرج الأميركي الذي قال: "لم تعد هذه الشركات الإعلامية العالمية تفكر في كيف سيؤثر ذلك على الجمهور الأميركي؟".

مضيفا: "إنهم يسألون اليوم عن ماذا لو تم بث هذا الفيلم في مصر؟ وماذا سيحدث إذا قمت ببثه في الصين أو روسيا أو باكستان أو الهند؟ كل هذه العوامل أصبح لها دور لا يستهان، وهي تقف في طريق  أعمال وثائقية مثل هذه".

وثائقيات أخرى

"المنشق" ليس أول الوثائقيات التي تناولت مقتل خاشقجي، وإن كان أكثرها جدلا لما أحاط الفيلم من عوائق، بامتناع كثير من المنصات عن عرضه، بالإضافة إلى أن مخرجه بريان فوغل حاصل على جائزة الأوسكار، ما سلط مزيدا من الضوء عليه.

قناة "العربي" القطرية كانت أول من قدم وثائقي، بعد أيام قليلة من الحادثة، وتحديدا في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، تحت عنوان "اختفاء جمال خاشقجي.. قنصلية الموت"، في قالب تحقيق استقصائي كشف ملامح وتفاصيل الاغتيال.

التحقيق تتبع خطا زمنيا لتحركات الصحفي الشهير منذ وصوله قادما من محل إقامته في واشنطن وزياراته للقنصلية السعودية بإسطنبول، بالاستناد لمصادر تركية خاصة ومصادر في صحيفة واشنطن بوست.

وفي 3 مارس/ آذار 2019، قدمت قناة الجزيرة، من خلال برنامجها الاستقصائي "ما خفي كان أعظم" حلقة وثائقية عن خاشقجي بعنوان "أين الجثة؟"، قدم صورا ظهرت  للمرة الأولى من داخل منزل القنصل السعودي محمد العتيبي حيث تم التخلص من الجثة.

ومن الوثائقيات التي عرضتها منصة أمازون العالمية، فيلم "جمال خاشقجي: قتل في القنصلية السعودية" الذي أنتجته شركة "IFG" وبدأ عرضه يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

وفي 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، قدمت قناة "دوتش فيله" الألمانية، فيلما وثائقيا بعنوان "اغتيال جمال خاشقجي"، طرحت فيه مجموعة من الأسئلة والتفسيرات، مثل هل كان اغتيال خاشقجي جريمة خططت لها الدولة السعودية؟ ولماذا كان جمال خاشقجي يمثل تهديدا للمملكة؟ ولماذا أرادوا التخلص منه؟.

الفيلم سرد بدقة أنشطة وخطط خاشقجي في الأيام الأخيرة قبل اغتياله، كما قدم التسجيلات والشهادات السرية والتقارير المرتبطة بمقتله، فضلا عن الأسباب والدوافع التي جعلت السعودية ترتكب مثل هذه الجريمة المروعة.