مثقلة بأزمات متراكمة.. هل تحلق ألفة الحامدي بالخطوط التونسية من جديد؟

تونس- الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 2021، قررت حكومة هشام المشيشي أخذ خطوة نحو أمل إنهاء الأزمة التي تعاني منها "الخطوط التونسية"، وضخ دماء جديدة بتعيين ألفة الحامدي رئيسة تنفيذية جديدة للشركة.

لكن الأخيرة تسلمت المنصب وسط كثير من الجدل، وتساؤلات أبرزها، هل تنجح المديرة الجديدة في إنقاذ "الغزالة الحمراء"، التي تعاني من عجز شديد في أرباحها، إثر تقادم أسطولها؟

خسائر متراكمة

شعار الخطوط الجوية التونسية كان يتمثل في حرفي T (وهو اختصار Tunis، أي تونس العاصمة) وA (وهو اختصار Air، أي هواء)، مع وجود غزالة داخل حرف A، لكن مع تغيير اسم الشركة من الخطوط الجوية التونسية إلى الخطوط التونسية تم تغيير الشعار عام 1990 مع إبقاء شكل الغزالة.

في أكتوبر/تشرين الأول 2020، فرضت المفوضية الأوروبية حظرا على المسافرين القادمين من تونس إلى الاتحاد الأوروبي ما عمّق أزمة شركة الخطوط التونسية، التي كانت تعاني بالفعل.

وتعليقا على القرار، حينها، قال مدير الإستراتيجية والتخطيط في الشركة سامي بليدي، "نحن بالكاد نمارس 30٪ من نشاطنا منذ سبتمبر/أيلول 2020، فكيف نقلل أكثر"، جرى ذلك بينما كانت شركة "الغزالة" تسعى إلى الرفع من أرباحها بنسبة 70٪.

بلغ عجز الخطوط التونسية في 2019، 74.42 في المائة أي 965 مليون دينار (309 ملايين يورو)، وحتى قبل جائحة كورونا، كانت 8 طائرات فقط من أصل 27، صالحة للطيران بسبب تقادم الأسطول وعدم وجود وسائل لدفع ثمن قطع الغيار.

وبلغت الخسائر التراكمية للخطوط التونسية في يونيو/حزيران 2020، نحو مليار دينار (308 ملايين يورو)، وبالإضافة إلى ضخ السيولة، خططت الحكومة تمويل خطة المغادرة الطوعية لـ 1200 موظف، عندما قدر إلياس المنكبي -المدير العام السابق- في بداية العام فصل 61٪ من موظفي الشركة، أي 7400 موظف لاستعادة التوازن.

وفي منتصف يونيو/حزيران 2020، وقع 9 مدراء تنفيذيين في الشركة على مذكرة تدعو الدولة، المساهم الأكبر، إلى فك الارتباط لصالح مستثمري القطاع الخاص والفصل بين وظيفتي رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لإنهاء تدخل الدولة في الأمور التشغيلية.

خطة الإنقاذ

تعد أرض الياسمين، ثاني أكثر الوجهات شعبية في العالم بعد فرنسا خاصة في شهر يوليو/تموز من كل عام، وفقًا لموقع الحجز عبر الإنترنت "ميستر فلاي"، متقدمة على اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، لكن فترة الذروة هذه عرفت كسادا في 2020، حتى بعد أن شهدت تونس واحدة من أعلى معدلات التعافي في السياحة بعد رفع القيود الصحية الخاصة بكورونا.

في 2019، توقع وزير السياحة التونسي، استقبال 9 ملايين سائح، لكن الشركة خرجت معلنة أن لا طائرات لاستقدام هذا العدد، وذهبت إلى حد التشكيك في نية الحكومة، وهي المستثمر الأساسي، في إنهاء الأزمة وإصلاح الطائرات التي أصبحت تشكل خطرا على أمان المسافرين.

وتحدثت كوادر الشركة عن تنفيذ خطة إعادة الهيكلة والإنقاذ، التي جرى الحديث عنها منذ عام 2012، كما طرحت بإلحاح مسألة رواتب الطيارين التي فقدت 30 بالمائة من نسبتها مع الأزمة، ما جعل عددا كبيرا منهم يغادرون الشركة.

بعد إعلانها عن خطة للتعافي في 2015 -وهي الثانية من نوعها بعد خطة 2003- تحملت الحكومة 165 مليون دينار (51.4 مليون يورو) من ديون الشركة، لا سيما فيما يتعلق بمكتب الطيران المدني والمطارات، بالإضافة إلى جزء من الرسوم الاجتماعية التي لم تدفعها الخطوط التونسية، لكن منذ ذلك الحين، توقفت السلطة التنفيذية عن دعم الإصلاحات.

وفي 2017، سجلت "الغزالة" خسائر بلغت 70 مليون دينار، وأكثر من 500 مليون بشكل تراكمي، وفي الربع الأول من 2018، كانت الخطوط التونسية هي الأخيرة من بين الشركات الإفريقية على مستوى الالتزام بالمواعيد، بنسبة 50.2٪ من رحلاتها في الساعة، لتعلن الشركة أن ذلك، ليس بسبب نقص الموظفين، بل يتعلق الأمر بالتنظيم والاتصال والخدمات.

في موسم الذروة، وعند حدوث مشكلة فنية بأي طائرة من الأسطول يؤثر ذلك بشكل كبير جدا على العديد من الرحلات الأخرى، حيث لا تتوفر الخطوط التونسية على مخزون من قطع الغيار وموردوها يطلبون وديعة أو دفعة مسبقة وضمانات، وهو ما يفاقم الأزمة.

إقالة لا استقالة

وفق القانون، فإن الخطوط التونسية، مؤسسة عمومية، تخضع لإشراف وزارة النقل واللوجستيك، وتعيين الرئيس التنفيذي لها من مسؤولية رئيس الوزراء.

وفي مراسلة بتاريخ 6 تموز/يوليو 2020، نشرتها وسائل إعلام محلية، طلب وزير النقل أنور معروف من إلياس المنكبي المدير العام للخطوط التونسية دعوة مجلس إدارة الشركة للانعقاد وأبلغه بقرار الإقالة وتعيين بلقاسم الطايع مكانه لتسيير شؤون الشركة إلى حين تعيين مدير جديد.

إقالة المنكبي، جاءت بقرار من وزير النقل بالتشاور مع رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، دون الإفصاح عن سبب الإقالة.

وفي 11 يناير/كانون الثاني 2021، صرح المنكبي الذي يشرف على الشركة منذ 2017، لوسائل إعلام محلية أنه وفقا للقانون، فإن رئيس الحكومة هو الذي يتخذ قرار إقالته، في إشارة لاحتجاجه على الإجراء الوزاري بحقه.

وخلال السنوات الثلاث الأخيرة أكد المنكبي الوضع المالي الصعب للشركة وضرورة اتخاذ قرارات شجاعة لإنقاذها، ونقلت وسائل إعلام محلية عن المنكبي أن "الوزير أراد تمرير بعض القرارات لكنه رفض ذلك لأنها ليست في صالح الشركة".

وفيما بدا أنه تمهيد للإقالة، قال رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في حوار تلفزيوني منتصف يونيو/حزيران 2020: "على الشركة أن تضع مخططا للإنقاذ للخروج من أزمتها".

محفوف بالمخاطر

أمل الخروج من الأزمة وضعته الحكومة على عاتق مديرتها الجديدة، ألفة الحامدي، التي جرى تعيينها في 4 يناير/كانون الثاني 2021، لخبرتها الهندسية وكذلك رؤيتها للإدارة عبر المحيط الأطلسي، بحسب ما أعلنت الحكومة.

بعض التوانسة شككوا في قدرة الحامدي على النهوض بالشركة، في ظل وجود ما بين 8 و10 طائرات فقط، من أصل 28، في حالة طيران، وهو ما قد يصعب من مهمتها في إعادة الأسطول إلى العمل.

رافق تعيين الحامدي، عدد من التساؤلات من قبيل، هل يجب أن تتجه الخطوط التونسية أكثر إلى إفريقيا؟، وهل تختار أن تكون أقل ربحا لكن بمنافذ بيع كبيرة؟ والكثير من القرارات التي سيتعين على مديرة الأعمال المبتدئة اتخاذها بالتشاور مع الوزير الجديد المشرف عليها معز شكشوك، الذي أشاد بتعيينها عبر تغريدة على تويتر كتب فيها: "حظًا سعيدًا".

تزامن وصول ألفة الحامدي إلى رئاسة الخطوط التونسية، مع رفع الحكومة يدها عن قرارات التشغيل داخل الشركة، وهي صلاحية لم يتمتع بها سلفها، فيما أفادت مجلة "جون أفريك" بأن الدولة مستعدة للإنفاق من أجل إنقاذ المجال الجوي للبلاد.

المجلة وصفت تعيين ألفة الحامدي على رأس الخطوط التونسية، بـ"التعيين المتمرد، الذي يظل رهانًا محفوفًا بالمخاطر"، إذ سيتعين على الحامدي التعامل مع الاتحاد المركزي العام التونسي للشغل، في حين ليست لديها خبرة في المفاوضات مع الشركاء الاجتماعيين.

كريم اللومي، رئيس الجمعية التونسية لطياري الخطوط الجوية، رحب بألفة الحامدي، قائلا: "نحن ندعمها بنسبة 100٪، سوف تجلب دماء جديدة تحتاجها الخطوط التونسية، وستلهم مسيرة المهندسين الشباب في الشركة، الذين يضطرون أحيانًا إلى التدريب على نفقتهم الخاصة"، وهو مقتنع بأن ألفة حمدي لديها "مقومات القائد".

الرأي لا يشاطره مع اللومي عدد كبير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين شككوا في المسار المهني لألفة الحامدي وفي تحصيلها العلمي، معتبرين أن عدد الشهادات التي حصلت عليها مبالغ فيه مقارنة بسنها الذي لم يتجاوز 32 عاما.

  

الحامدي خريجة العلوم الهندسية وإدارة المشاريع من المدرسة المركزية في ليل وجامعة أوستن، تكساس في 2013،

وفي عام 2012، حصلت الحامدي، على جائزة أبو القاسم الشابي، والتي تكافئ سنويًا أفضل طالب تونسي يعيش في الولايات المتحدة.

أشار منتقدو الحامدي إلى أن شركتها في أميركا صغيرة، وبالتالي فإنها لا تملك الخبرة الكافية لتسيير شركة وطنية بحجم الخطوط التونسية.

ومع تعيينها تكون قد أوكلت لها 3 مهام رئيسة: إعادة الأسطول إلى حالة الطيران، إعادة تحديد إستراتيجية أعمال الشركة، وإعادة نحو 7800 موظف للشركة مرة أخرى بعد فصلهم.

ظهرت الحامدي للمرة الأولى خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية في 2019، في برنامج تلفزيوني على قناة "الوطنية 1" -تلته لقاءات أخرى- سلط الضوء على مسارها المهني.

ظهورها الأول جعل رواد مواقع التواصل يحتفون بها حينها، إلا أنها أثارت الشكوك فور تعيينها في المنصب الحساس، ما دفع البعض إلى التشكيك في ظهورها منذ البداية، خصوصا وأنها أبدت رأيها في الأحزاب السياسية، والمجال السياسي بتونس، قبل أن تعود لتشدد على أنها غير معنية بأي منصب سياسي.