رغم انتهاكات السيسي بحق رعاياها.. لماذا تواصل روما بيع السلاح للقاهرة؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

باتت مصر من أكثر دول العالم شراءا للسلاح منذ تولي رئيس النظام "عبدالفتاح السيسي" الحكم إثر انقلابه العسكري منتصف 2013، على الرئيس الراحل "محمد مرسي"، وهو الأمر الذي يواصله النظام الحاكم حتى اليوم رغم ما يطاله من انتقادات.

القاهرة، ووفقا لتقرير معهد "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السلام "سيبري"، الصادر في فبراير/ شباط 2020؛ احتلت المرتبة الثالثة عالميا في شراء الأسلحة بالفترة من (2015 إلى 2019)، حيث بلغت وارداتها نحو 5.58 بالمئة من حجم السوق العالمي، مسجلة زيادة بتلك الفترة بنسبة 212 بالمئة مقارنة بالفترة من (2010 إلى 2014.)

مواصلة نظام السيسي، صفقات السلاح تأتي في الوقت الذي ارتفعت فيه معدلات الفقر في مصر إلى 32.5 بالمئة من السكان بنهاية العام المالي (2018/2017)، وفق تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في 30 يوليو/ تموز 2019، و60 بالمئة وفق تقرير للبنك الدولي في مايو/آيار 2019، والذي أكد فيه أن تلك النسبة من المصريين إما فقراء أو أكثر احتياجا، ناهيك عن تداعيات جائحة كورونا (2020 و2021).

وبالرغم من أن مصر تشتري السلاح من مصادر عدة بينها "روسيا وفرنسا وألمانيا والصين وأميركا"، فإن حركة شراء الجيش المصري له من إيطاليا برغم ضعفها ببداية عهد "السيسي" في (2014 و2015)؛ أخذت منحى متصاعدا منذ مقتل الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني"، بالقاهرة يوم 25 يناير/كانون الثاني 2016، وخاصة مع اتهام روما لأربعة ضباط مصريين بالضلوع في قتله.

موقع "نتسيف نت" العبري، كشف يوم 3 يناير/كانون الثاني 2020، عن أحدث صفقات السلاح الإيطالية لمصر والتي تتم بسرية تامة، مؤكدا أن وزارة الدفاع المصرية تعاقدت مع شركة "ليوناردو" الإيطالية، لشراء طائرات بدون طيار، هليكوبتر بدون طيار، والحصول على تراخيص إنتاجها، على الرغم من شراء القاهرة بشكل دائم نفس الطائرات من الصين.

توقيت الصفقات 

الكشف عن تلك الصفقة، يأتي في وقت تشهد العلاقات بين "مصر وإيطاليا" تأزما شديدا بعد قرار النيابة المصرية غلق ملف مقتل "ريجيني"، ورفض القاهرة الاستجابة لطلبات النيابة الإيطالية بتسليم الضباط المصريين الأربعة.

كما يأتي الكشف عن تلك الصفقة في الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات المطالبة في "إيطاليا والاتحاد الأوروبي" بفرض عقوبات على نظام السيسي، بسبب ملفه السيء بمجال حقوق الإنسان وبفعل جريمة مقتل "ريجيني"، وأيضا اعتقال الباحث المصري الإيطالي "باتريك جورج"، 7 فبراير/شباط 2020، بدعوى انتقاده النظام المصري عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

والدا ريجيني "كلاوديو، وباولا ريجيني"، من جانبهما تقدما بشكوى ضد الحكومة الإيطالية يوم 31 كانون الأول/ديسمبر 2020، لانتهاكها قانون بيع الأسلحة لدول ترتكب "انتهاكات جسيمة بحقوق الإنسان"، في إشارة إلى شراء مصر فرقاطتين إيطاليتين في حزيران/يونيو 2020، وفق موقع "tg24" الإيطالي. 

وفي 13 حزيران/يونيو 2020، وصفت أسرة "ريجيني" الذي قُتل تحت التعذيب؛ بيع روما الفرقاطتين للقاهرة التي تسلمت إحداها يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2020، بأنه "نفاق"، وأن "الدولة الإيطالية خانتنا"، وأضافت: "لقد خانتنا نيران صديقة وليس مصر".

أزمة "ريجيني"، ليست الوحيدة بين القاهرة وروما، بل تفجرت أزمة مماثلة إثر اعتقال السلطات المصرية للناشط وباحث الماجستير بإيطاليا، "باتريك جورج"، في مطار القاهرة، بتهمة التحريض ضد مؤسسات الدولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ومثل قضية "ريجيني"، لاقت قضية "جورج"، دعما من منظمة العفو الدولية التي طالبت بالإفراج عنه وفتح تحقيق حول وقائع تعذيبه بمقر احتجازه بمدينة المنصورة (دلتا النيل)، فيما تضامن معه رئيس البرلمان الأوروبي، وأصدرت الخارجية الإيطالية بيانا حول واقعة اعتقاله.

ويبدو أنه كلما زادت أزمات نظام السيسي مع إيطاليا تصاعدت وتيرة صفقات السلاح.

وبتتبع حجم وأرقام صفقات السلاح التي عقدها النظام المصري مع روما تجدها في تصاعد مثير بالسنوات التالية لمقتل "ريجيني"، ما اعتبره مراقبون محاولة للتغطية على جريمة مقتل "ريجيني"، خاصة وأن توجه مصر قبل الجريمة كان شراء السلاح من روسيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا والصين، وليس إيطاليا.

وفي تسلسل زمني ووفق تقارير صحفية عربية وإيطالية، فقد اشترت مصر بالعام 2013. أسلحة إيطالية بمبلغ زهيد بلغ 17.2 مليون يورو، وفي العام 2014. استوردت بمبلغ 31.8 مليون يورو، وفي عام 2015. بلغ ثمن الواردات 37.6 مليون يورو، ثم انخفضت بشكل ملحوظ عام 2016. بعد مقتل "ريجيني" لتبلغ قيمتها 7.1 ملايين يورو. 

وفي العام 2017. ازدادت وتيرة الصفقات العسكرية مع روما لتبلغ 7.4 ملايين يورو، قبل أن تصل لمستوى قياسي عام 2018. بمبلغ 69.1 مليون يورو، في رقم يفوق قيمة مشتريات مصر من الأسلحة والذخيرة الإيطالية من (2013 وحتى 2017)، وفق وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الإيطالية في 24 يوليو/تموز 2019.

وفي نفس السياق، صنفت تقارير صحفية مصر بالمركز الأول في قائمة المستوردين للأسلحة الإيطالية لعام 2019، حيث بلغت مشتريات الأسلحة والذخائر والنظم المعلوماتية الأمنية الإيطالية للقاهرة، 870 مليون يورو.

أزمة انتشار "فيروس كورونا" ومعاناة المصريين والاقتصاد في 2020؛ لم تمنع جميعها نظام "السيسي" من مواصلة صفقات السلاح الإيطالية، حيث كشفت صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية، في 2 يونيو/حزيران 2020، عن أضخم صفقة عسكرية مع مصر بنحو 11 مليار يورو، ووصفت بـ"مهمة القرن".

تحصل القاهرة بمقتضى تلك الصفقة على 4 فرقاطات طراز "فريم" تبنيها شركة "فيركانتيري" الإيطالية خصيصا لمصر تكلفة 2 منها نحو 1.1 مليار يورو، بجانب شراء 20 زورقا مسلحا من فئة "Falaj II".

ووفقا للعقد يتم إمداد الجيش المصري بـ24 مقاتلة "يوروفايتر تايفون"، و24 طائرة "إيرماكي إم-346" بقيمة إجمالية تراوح بين (370 و400) مليون يورو، ومروحيات من طراز "AW149" بـ400 مليون يورو، من تصنيع شركة "ليوناردو"، إلى جانب قمر صناعي للاستطلاع والتصوير الراداري.

 

 اللافت هو أن طفرة الصفقات العسكرية بين القاهرة وروما جاءت في وقت يعاني فيه المصريون من الأزمات الاقتصادية، منذ تعويم الجنيه الذي تم بعد نحو 10 أشهر من مقتل "ريجيني"، وتحديدا في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

كما يأتي شراء نظام السيسي السلاح من إيطاليا بنحو 11 مليار يورو في 2020. فقط، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة "كورونا"، وتعتمد فيه الحكومة لتصريف أعمالها على الاستدانة من البنك وصندوق النقد الدوليين وغيرهما من مؤسسات التمويل العالمية، حتى بلغ الدين الخارجي نحو 123.49 مليار دولار، في أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وتثير تلك الصفقات غضب الشارع المصري الذي ينتقد مواصلة النظام العسكري الحاكم الإنفاق العسكري بشكل غير مسبوق مقابل إهمال ملفات خطيرة بينها الصحة والتعليم.

رفض حقوقي

موقع "الدفاع" الإيطالي، ربط في فبراير/شباط 2020، بين طفرة شراء مصر للأسلحة الإيطالية، وبين رغبة "روما" في الحفاظ على مصالح الشركات الإيطالية هناك وبخاصة عملاق الطاقة (إيني)، التي تعمل بحقل "ظهر" أكبر حقول الغاز بالبحر المتوسط، وبين رغبة القاهرة في تأمين حقول الغاز بالبحر المتوسط بمواجهة البحرية التركية.

وعلى الرغم من محاولات نظام "السيسي" كسب ود حكومة "روما" وشركات السلاح الإيطالية، لمنع التصعيد بملف "ريجيني"، إلا أن تلك الصفقات جاءت وسط رفض شعبي وإعلامي وبرلماني في "روما".

صحيفة "مانيفيستو" الإيطالية، طالبت البرلمان الإيطالي منتصف 2020، بعدم بيع الفرقاطات للقاهرة لعدم كشفها عن هوية قاتلي "ريجيني"، فيما طالبت منظمة العفو الدولية الحكومة الإيطالية بوقف الصفقة، واعتبرتها شريكة في الانتهاكات الحقوقية لنظام السيسي. 

وفي 16 يونيو/حزيران 2020، دعت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، روما لوقف صفقات الأسلحة إلى مصر، مشيرة لتعارضها مع تعهد "الاتحاد الأوروبي" "بتعليق تصدير أي معدات يمكن استخدامها للقمع الداخلي" و"مراجعة مساعدتهم الأمنية للقاهرة"، عقب مذبحة رابعة عام 2013، لافتة لمخافة إيطاليا هذا التعهد هي و12 دولة أوروبية.

وفي نفس التوقيت؛ طالب البرلمان الأوروبي، دول الاتحاد باتخاذ إجراءات وتدابير "حازمة" تجاه مصر على خلفية "الانتهاكات التي يرتكبها النظام في ملف حقوق الإنسان وحرية التعبير"، ودعا لإجراء مراجعة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع القاهرة، وإعادة النظر في الدعم المادي والتنموي المقدم لها". 

ولكن إذا كان "السيسي"، يسعى لإسكات "روما" بتلك الصفقات، فما هي استفادة روما؟، وماذا يستفيد رئيس النظام المصري من ذلك؟

خبراء ومراقبون تحدثوا كثيرا عن العمولات الضخمة التي يحصل عليها السيسي، وكبار قادة الجيش من صفقات السلاح.

وهو ما رصده تسريب صوتي لمدير مكتب "السيسي" ورئيس مخابراته الحالي "عباس كامل"، ورئيس الأركان الإماراتي "عيسى المزروعي"، في مايو/أيار 2015، وقادة آخرين بالجيش المصري وكشف عن مافيا السلاح ودور كبار قيادات النظام المصري بها.

 

على الجانب الآخر، تمثل تلك الصفقات المليارية دعما للخزينة الإيطالية التي تعاني في ظل انتشار "فيروس كورونا" ، وفي ظل تراجع مبيعات السلاح الإيطالية وعلى مستوى العالم، وتراجع بعض الدول عن صفقات سابقة مع "روما" أو تخفيضها مثل المجر والجزائر وتركيا، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية لموقع "العربي الجديد".

صحيفة "نوتيزي جيوبوليتيك" الإيطالية، قالت في يناير/كانون الثاني 2018، إن حكومة "روما" ضحت بقضية "ريجيني"، مقابل الحفاظ على التنسيق التجاري بين البلدين، والتعاون الثنائي في الأزمة الليبية، وتأمين النفط الليبي إلى روما، ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

وتعتقد الصحيفة، أنه ربما تكون مصر وسيطا لتزويد الجنرال الليبي "خليفة حفتر" بقدرات جوية وبحرية متطورة، لا سيما أنه يعاني حظرا أمميا يحول دون شراءه السلاح، فيما تعد القاهرة البوابة الكبيرة لدخول السلاح للشرق الليبي، وهي منفذ رئيس لشحنات السلاح الإماراتية الموجهة إلى "حفتر".

في مقال له بصحيفة "ميدل إيست آي"، في 20 ديسمبر/كانون الأول 2020، انتقد الأكاديمي المصري الدكتور "خليل العناني"، الموقف الغربي عامة لمنحه النظم الدكتاتورية السلاح، رغم ادعاءاتهم حول حقوق الإنسان، قائلا: "لقد أولت البلدان الغربية أولوية لصفقات السلاح والاستثمارات على حقوق الإنسان والديمقراطية في العالم العربي".

وفي تعليقه، يقول الباحث السياسي المصري "يحيى سعد"، إن "نظام السيسي يتسم بالرعونة، ويفتقد للمصداقية والشرعية؛ ولذلك فكل قرارته لا تعبر عن المصالح الحقيقية للدولة المصرية، ويوظف كل الموارد والمواقف لصالح تثبيت أركان نظامه وبقائه لأطول مدة بالحكم".

وفي حديثه لـ"الاستقلال"، أضاف أنه "لا مانع عنده من التفريط في (تيران وصنافير)، مجاملة للنظام السعودي الذي دعمه لفترات طويلة، ولم يكن لديه مانع أيضا في التفريط بحقوق مصر بغاز شرق المتوسط للتقارب مع اليونان مكايدة في تركيا".

ويؤكد أنه "ومن ثم لا تستطيع أن تفهم هذا السعي المحموم لتكديس السلاح من أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وإيطاليا في ضوء مزاعم تنويع مصادر التسليح أو إعادة بناء القدرات للجيش المصري، وخاصة بعد تغيير عقيدته القتالية، حيث بات يوجه فوهة بندقيته لأبناء سيناء من أجل حماية الحدود مع إسرائيل".

الباحث السياسي، يعتقد أنه "إذا أضفنا لما سبق أن السيسي، وكبار ضباطه مستفيدون من تلك الصفقات إذ يحصلون على نسب سمسرة تصل إلى 2.5% من قيمة الصفقات، في ظل فقر الخزانة المصرية واعتمادها على الديون الخارجية؛ فإنه يتضح لنا حجم الخيانة والخداع وإهدار مقدرات المصريين الذين يعانون من تردي الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم".

ويرى أن "حرص السيسي، على إبرام صفقة جديدة مع إيطاليا على وجه التحديد لشراء طائرات بدون طيار بُعيد الصفقة الماضية التي بلغت 9.8 مليار دولار، في يونيو/حزيران 2020، يؤكد أن الأمر لا يعدو محاولة بائسة لمكايدة تركيا أيضا المتميزة في هذا المجال، وتهدئة الوضع مع روما بعد التصعيد الإيطالي الأخير لملف جوليو ريجيني".

وحول أسباب استمرار "إيطاليا" في بيع الأسلحة لمصر رغم الانتهاكات العديدة التي ارتكبها نظام السيسي بحق رعاياها، ومخالفتها الإجماع الأوروبي على عدم بيع الأسلحة للقاهرة بعد فض رابعة، والمطالبات الحالية، يقول "سعد"، إنه "لا مانع لدى الحكومة الإيطالية من استنزاف ذلك النظام الأرعن لتحقيق مكاسب مادية هائلة حتى لو خالفت توجهات غالب الأوروبيين".

ولفت إلى الفوائد التي عادت على إيطاليا من إطالة أمد الخلاف مع مصر واستنزاف القاهرة عبر صفقات السلاح، معتقدا أن "ذلك لن يدفعها في النهاية لغلق ملف ريجيني وإدانة السيسي ونظامه، فتكون قد جمعت بين الفائدتين حتى ولو كلفها ذلك اعتراض بعض الأصوات في الداخل الإيطالي".