السلالة الجديدة من فيروس "كورونا".. هل تؤثر على فعالية اللقاحات؟

12

طباعة

مشاركة

وسط تسابق الشركات العالمية لإنتاج لقاح مضاد لكوفيد-19، بعد ما يقارب السنة على انتشاره، ظهرت سلالة جديدة من الفيروس، الذي تجاوز عدد المصابين به حول العالم 76 مليونا.

وفي 20 ديسمبر/كانون الأول 2020، خرج وزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، معلنا أن السلالة الجديدة من فيروس كورونا المستجد "خارجة عن السيطرة".  

ومباشرة بعد تصريحه، أسرعت بعض الدول إلى إغلاق حدودها مع بريطانيا، ومنعت دخول القادمين من المملكة المتحدة خوفا من انتشار العدوى، في وقت لا تزال الدول فيه تصارع كوفيد 19.  

وقد أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، خضوع لندن وجنوب شرق إنجلترا لقيود المستوى الرابع، بداية من 20 ديسمبر/كانون الأول، وهو شبيه بالإغلاق، وذلك بعد أن ثبت أن متغير "كوفيد-19" الذي تم تحديده حديثا ينتشر بسرعة أكبر من السلالات السابقة.

وقال جونسون، في مؤتمر صحفي، يوم 19 ديسمبر/كانون الأول: إن "المتغير الجديد من الفيروس ينتشر بسهولة أكبر، وقد يكون أكثر قدرة على الانتقال بنسبة تصل إلى 70 بالمئة عن السلالة السابقة".

تضارب التصريحات

بعد توالي تصريحات المسؤولين البريطانيين، قالت منظمة الصحة العالمية عبر موقع "تويتر": إن المملكة المتحدة تطلعها على المعلومات المستقاة من دراسات جديدة حول السلالة الجديدة للفيروس، وإن المنظمة ستطلع الدول الأعضاء والمواطنين على أي معلومات جديدة تتوفر حول خاصيات الفيروس الجديد وما يترتب عليها.

وقال المسؤولون: إنه لا دليل على أن السلالة الجديدة أشد فتكا وتسبب حالات وفاة أكثر أو أن تأثير اللقاح عليها مختلف.

ويعتقد كبير مسؤولي القطاع الطبي في بريطانيا البروفيسور، كريس ويتي أن "هذا الوضع سيزيد الأمور تعقيدا، لكن هناك أمورا تبعث على التفاؤل ببدء حملة التطعيم، على فرض أن اللقاح فعال مع فصيلة الفيروس هذه أيضا".

ساعات بعد ذلك، أكدت منظمة الصحة العالمية، في 21 ديسمبر/كانون الأول، أن السلالة الجديدة لفيروس كورونا المستجد التي ظهرت في المملكة المتحدة “ليست خارج السيطرة”، داعية إلى تطبيق الإجراءات الصحية التي أثبتت فاعليتها.

وقال مسؤول الحالات الصحية الطارئة في المنظمة، مايكل راين، في مؤتمر صحفي: “سجلنا نسبة تكاثر للفيروس يتجاوز إلى حد بعيد عتبة 1.5 في مراحل مختلفة من هذا الوباء وتمكنا من السيطرة عليها. بناء عليه، فإن الوضع الراهن في هذا المعنى ليس خارج السيطرة”.

وأوضحت المنظمة أنها تتوقع الحصول قريبا على مزيد من التفاصيل عن السلالة الجديدة شديدة العدوى في الوقت الذي أغلقت فيه عدد من الدول الحدود أمام القادمين من بريطانيا خوفا من انتشار السلالة. ويقول مسؤولون، مستشهدين بتحليل بريطاني: إنه ليس هناك دليل على أن السلالة المتحورة من الفيروس تزيد خطورة المرض، رغم أنها أسرع انتشارا.

وقالت كبيرة الفنيين في منظمة الصحة العالمية ماريا فان كيرخوف: إن العلماء يبحثون مسألة تصدي الأجسام المضادة في الجسم للفيروس، وإنها تتوقع النتائج في الأيام والأسابيع المقبلة، وقال راين: إن الدول تعمل انطلاقا من “مبدأ احترازي” في رد فعلها على السلالة.

ماذا عن اللقاح؟

قالت منظمة الصحة العالمية: إن بريطانيا أبلغتها بأن السلالة الجديدة لفيروس كورونا لا تؤثر على فعالية اللقاحات.

وبينت ماريا فان كيرخوف رئيسة الفريق التقني المعني بكوفيد-19 في منظمة الصحة العالمية، أنه "لا يوجد دليل على أن السلالة الجديدة للفيروس تزيد من شدة المرض"، وأنه "ليس هناك ما يشير إلى أن طريقة انتقال فيروس كورونا قد تغيرت"، كما أكدت أن الوضع لم يخرج عن نطاق السيطرة ولكن لا يمكن ترك الوضع على ما هو عليه.

وحذر عالم الأوبئة، ميخائيل فافوروف، عبر حسابه على "فيسبوك"، من الهلع وزيادة حدة التوتر بشأن السلالة الجديدة، قائلا: إن اللقاحات ستعمل كما هو مخطط لها.

وأوضح أن الفيروس سيتطور باستمرار في مناطق متغيرة، لأنه يحتاج إلى أن يصبح فيروسا بشريا، مسببا سيلانا عاديا في الأنف، دون الرغبة في أن يكون مميتا.

ونشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، مقالا أفاد بأن الفيروسات تتحوّر في كل وقت وتموت، وفي بعض الأحيان تنتشر دون تغيير سلوك الوباء، كما تحدث تغييرات جذرية أيضا.

وقال إيوان بيرني، نائب المدير العام للمختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزيئية، والمدير المشترك لمعهد المعلومات الحيوية الأوروبي في كامبريدج: إنه جرى اختبار اللقاحات مع العديد من أنواع الفيروس المنتشرة، "لذلك هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن اللقاحات ستظل تعمل ضد هذه السلالة الجديدة، على الرغم من أنه يجب اختبارها بدقة".

وخلص عرض قدمه البروفيسور ديفيد روبرتسون، من جامعة غلاسكو، إلى أن الفيروس من المحتمل أن يكون قادرا على إنتاج طفرات "الهروب من اللقاح". 

وأفاد الخبير، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن الأمر يمكن أن يضع المنظومة الصحية عبر العالم في وضع مشابه للإنفلونزا، يتوجب معه تحديث اللقاحات بانتظام، قبل أن يستطرد: "لحسن الحظ فإن اللقاحات الموجودة لدينا سهلة التعديل".

استباق الانتشار

هرعت عدد من الدول إلى إجراءات احترازية استباقية، فور ورود أخبار عن السلالة الثانية من بريطانيا، رغم بيانات الصحة العالمية التي دعت إلى الاطمئنان.

وقررت الحكومة المغربية، ابتداء من 23 ديسمبر/كانون الأول، ولمدة 3 أسابيع، إغلاق المطاعم والمحلات التجارية الكبرى عند الساعة 8 مساء، وحظر التنقل الليلي على الصعيد المحلي، يوميا من الساعة التاسعة ليلا إلى السادسة صباحا، باستثناء الحالات الخاصة.

كما قررت منع الحفلات والتجمعات العامة أو الخاصة، مع الإغلاق الكلي للمطاعم، طيلة 3 أسابيع، بكل من الدار البيضاء ومراكش وأكادير وطنجة، وهي مدن تشهد احتفالات في رأس السنة.

وفي تونس قررت 90% من الفنادق أن تغلق أبوابها في رأس السنة. 

وأعلنت الحكومة السعودية، تعليق جميع الرحلات الجوية الدولية للمسافرين، إلا في الحالات الاستثنائية، مؤقتا لمدة أسبوع، قابلة للتمديد أسبوعا آخر، ما عدا الرحلات الأجنبية الموجودة حاليا في أراضي المملكة، فيسمح لها بالمغادرة.

وعلقت الكويت رحلات الطيران التجاري من وإلى مطار الكويت الدولي، وأغلقت المنافذ البرية والبحرية حتى نهاية يوم الجمعة الأول يناير/كانون الثاني 2021، على أن يتم مراجعة العمل بهذا القرار في ضوء ما يستجد.

وأعلنت موريتانيا، تمديد إغلاق المدارس والجامعات لغاية 4 يناير/كانون الثاني 2021، للحد من تفشي جائحة كورونا، وفي الثاني ديسمبر/كانون الأول، قررت الحكومة الموريتانية، إغلاق المدارس والجامعات بعموم البلاد، لمدة 10 أيام، للتصدي للفيروس.

وقالت اللجنة الوزارية المكلفة بملف كورونا، في بيان: إنها لاحظت توسع مجال انتشار الفيروس وزيادة أعداد الوفيات مؤخرا، وأضافت أنه تقرر تشديد الإجراءات الاحترازية وتعزيز وسائل الحماية من كورونا.

نتائج مبدئية

وأفاد طبيب أمراض الباطنة والكلى، بمدينة ليستر، في بريطانيا، الدكتور يحيى مكية، بأنه كان من المتوقع أن يكون منحنى كورونا تصاعديا، خلال الموجة الثانية عبر العالم -والثالثة في بعض الدول مثل أميركا-، كأي إنفلونزا موسمية، لذلك لجأت دول كثيرة في أوروبا إلى الإغلاق الكامل مرة ثانية.

وزاد الدكتور في حديث لصحيفة "الاستقلال": إذا نظرنا إلى حالات الإصابات في إنجلترا وتركيا، مثلا، فهي تصل إلى 30 ألف حالة يوميا، وهي معدلات عالية جدا، وهذا ما دفع الدول حول العالم إلى اتخاذ تدابير جديدة.

ورأى مكية، أنه طبقا للأرقام عن السلالة الجديدة -وهي أرقام ومعلومات مبدئية بناء على التحليلات الأخيرة- فمعدل انتشارها 70 بالمئة أكثر من كوفيد 19.

وأفاد أن الدول اضطرت لتطبيق حظر الطيران أو الحظر الداخلي، لكون الإجراءات التي كانت تُتخذ من قبل، مثل الالتزام بالكمامات والتباعد الجسدي، ستكون أقل فعالية في السيطرة على ما أسماه الفيروس الجديد.

انطلاقا من سرعة الانتشار، قال مكية،\: إن "عدد الإصابات قد يكون أكبر، والاحتياج إلى أسِرة في المستشفيات سيكون أعلى، وعدد الوفيات أيضا". 

وأفاد بأن الباحثين تمكنوا من تحديد الفرق بين كوفيد 19 والسلالة الجديدة، وتوصلوا إلى أن اللقاح يمكنه التأثير على الفيروس الجديد أيضا، لكن الأمر يحتاج إلى تأكيد على أرض الواقع. 

لكن، وإن كان المرض بنفس الأعراض، فإن سرعة انتشاره سترفع عدد الإصابات والوفيات، ويزيد الضغط على المنظومة الصحية حول العالم، وهذا ما دفع عددا من الدول تأخذ إجراء إغلاق حدودها مع بريطانيا مبكرا، وفق المتحدث.

هل انتشر؟

لم يستبعد مكية وجود السلالة الجديدة في عدد من دول العالم، لكن التعرف عليها لا يجري إلا بتحليل التركيب الجيني للفيروس الذي يتم بصورة دورية في بريطانيا، ويظهر تطورا يوميا في الوباء. 

وأفاد الطبيب في ليستر، بأن نتيجة التحليل هذه المرة، ارتبطت بزيادة عدد الإصابات في المناطق التي تم الإعلان عن السلالة الجديدة فيها، مستطردا: لكنه غير متوفر في كل دول العالم، كما أن نتائجه لا تظهر على الفور -تأخذ حوالي 3 أسابيع- ما يرجح إمكانية ظهور السلالة الجديدة في دول أخرى، دون التعرف عليها.

وأضاف مكية، أنه قد تم الإعلان عن حالات في أستراليا وهولندا والدانمارك، كما يمكن أن تكون السلالة الجديدة سبب الموجة الثانية، لكن لا يمكن التأكد من ذلك إلا بعد إجراء التحليل الجيني للفيروسات الموجودة في كل بلد.

وتتسم الدول التي أعلنت عن وجود السلالة الجديدة فيها، بالشفافية وتوفرها على آليات بحث علمي متقدم، ما يرجح ظهور السلالة في دول أخرى لا تتعامل حكوماتها بنفس الشفافية لإعلان تطورات المرض، ولا نفس القدرات في البحث العلمي.

وشدد الدكتور في حديثه مع "الاستقلال"، على وجود أزيد من 100 تجربة على اللقاح عبر العالم، لم يصل إلى المرحلة الأخيرة منها إلا 3 فقط، فيما رُخص لاثنين منهم، وبدأ التطعيم بهما.

وأشار إلى أن المعلومات المتوفرة حتى الآن، بحسب الخريطة الجينية للفيروس، تفيد -نظريا- بأن اللقاح سيؤثر في السلالة الجديدة، دون وجود داع لتطوير آخر جديد. 

ويرى أن الإغلاق سيرتبط بمستوى انتشار العدوى في كل بلد، أكثر من ارتباطه بتطوير اللقاح، لافتا إلى أنه لا يمكن الاعتماد على التلقيح للتخفيف من الإجراءات، باعتبار أن تلقيح عدد كبير من الناس يحتاج إلى وقت طويل، حدده الدكتور بين 6 أشهر وسنة.