مرتفعات الجولان.. هل سيغير شيئا اعتراف ترامب بضمها لإسرائيل؟

12

طباعة

مشاركة

أثار توقيع الرئيس الأمريكي على مرسوم يعترف رسميا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان إدانة دولية، لكن هل يغير هذا القرار أي شيء في الوضع القائم بالشرق الأوسط؟

سؤال طرحه "راديو كندا" على محليين وخبراء لمعرفة وجهة نظرهم حول الخطوة التي أقدمت عليها الإدارة الأمريكية من خلال اعترافها بشرعية ضم إسرائيل للجولان السوري الذي تحتله منذ عام 1967. وهو ما رفضه مجلس الأمن الدولي بشدة، واستنكرتها الدول العربية والقوى الإقليمية والدولية.

ما هو الجولان؟

بعد حرب ما يطلق عليه في إسرائيل "يوم الغفران" عام 1973 ، عندما حاول السوريون استعادتها، توصلت الدولتان إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتم نشر مجموعة من قوات حفظ السلام في منطقة عازلة منزوعة السلاح شرق الهضبة.

على مر السنين، أقيمت حوالي 30 مستوطنة إسرائيلية في هضبة الجولان، التي ضمتها إسرائيل من جانب واحد عام 1981، بسبب مخاوف أمنية، لكن هذا الضم لم يعترف به المجتمع الدولي.

وقال "راديو كندا" في تقريره إن "مجلس الأمن الدولي أصدر العديد من القرارات التي تدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الهضبة، مكررا أن "الاستيلاء على الأراضي بالقوة أمر غير مقبول بموجب القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة"، مؤكدا أن "قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها وإدارتها في الأراضي السورية المحتلة من مرتفعات الجولان لاغ وليس له أي تأثير قانوني على المستوى الدولي".

وأوضح التقرير أن للجولان أهمية إستراتيجية كبرى، وهذا الشيء أكده الرئيس ترامب عندما كتب على "تويتر" أن هذه الأرض "ذات أهمية إستراتيجية لأمن دولة إسرائيل واستقرار المنطقة".

ونقل "راديو كندا" عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة "كيبيك" في مونتريال، جوليان بوير، قوله إن "الجولان يعلو على الأراضي الإسرائيلية، وأنه بين عامي 1948 و 1967، تكرر القصف من الجولان على القرى الإسرائيلية"، مضيفا: "أنت في القمة، في وضع ترى فيه ما داخل المنازل في الأسفل، من الصعب أن تطلب من السكان العودة إلى هذا الوضع".

هذا الرأي يشاركه معه جوناثان شانزر، نائب رئيس الأبحاث في مؤسسة واشنطن للدفاع عن الديمقراطيات، والذي سلط الضوء على تعدد التهديدات لإسرائيل في سياق ما أسماه "دولة سورية فاشلة ودعم حزب الله".

وقال شانزر في حديث لـ"راديو كندا": "لقد استخدم الديكتاتور، الحاكم على ما تبقى من سوريا، الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وجيشه، الذي دُمر، يسيطر عليه الروس والإيرانيون. إذا سلّم الإسرائيليون مرتفعات الجولان إلى بشار الأسد، فسيكون ذلك خطأ خطيرا"، لافتا إلى أن القرار الأخير في هذه المرحلة "ليس مثير للجدل كما لو أن الإسرائيليين ضموا الجولان عام 1970، على سبيل المثال".

من جهته، قال عوفر زالزبرج كبير محللي إسرائيل في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات في القدس: "من وجهة نظر عسكرية، من المهم لإسرائيل أن تسيطر على الجولان للدفاع عن نفسها ضد التهديدات من سوريا، لكنني لا أرى ما يضيفه الاعتراف الأمريكي إلى أمن إسرائيل".

علاوة على ذلك، يتناقض موقف الرئيس ترامب مع السياسة الأمريكية على مدار الخمسين عامًا الماضية، كما تقول جولي بيير نادو، باحثة في مرصد الولايات المتحدة في كرسي راؤول داندوراند، جامعة كيبيك في مونتريال.

وأضافت في حديث لـ"راديو كندا": "لدى الولايات المتحدة تحالف إستراتيجي مع إسرائيل ودعم عام لموقفها في المنطقة، لكنها حافظت دائما على حياد معين فيما يتعلق بأراضي إسرائيل وحدودها، كما هو الحال في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني وأيضا قضية الجولان. فالموقف الأمريكي التقليدي هو القول بأنه يجب التفاوض على الحدود النهائية".

وأكدت الباحثة أن "الاعتراف بضم الجولان ليس البادرة الأولى لإدارة ترامب المؤيدة علنا لإسرائيل، تماما مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في الواقع القرار لا يغير كثيرا، لكنه رمزيا، يظهر دعما قويا لإسرائيل".

وأعرب عوفر زالزبرج، عن اعتقاده، أن هذه القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي، لم يكن لها تأثير يذكر، فباستثناء جواتيمالا (وباراجواي ، التي غيرت رأيها لاحقا)، لم تتبع أي دولة أخرى خطى الولايات المتحدة، كما أنه بعد قرار الولايات المتحدة بعدم تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ، سارعت دول أخرى إلى زيادة مساهمتها، معتبرا أنه "في الوقت الحالي، الولايات المتحدة وإسرائيل معزولة".

لماذا الآن؟

وبيّن "راديو كندا" أن اعتراف الولايات المتحدة يأتي في وقت هام للغاية، فإنه جاء قبل أسبوعين من الانتخابات المتنازع عليها بشدة في إسرائيل، فرئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، الذي يسعى للحصول على ولاية خامسة، مهدد من العدالة بتهمة "الفساد" في ثلاث قضايا، ووفقا لاستطلاعات الرأي، فهو جنبا إلى جنب مع بيني جانتز ويائير لابيد.

وتعتقد جولي بيير نادو أن خروج ترامب هو دَفعة لا يمكن إنكارها لنتنياهو، وهو قريب من صهر الرئيس جاريد كوشنر. ويقول "بالنظر إلى تقارب ترامب الشخصي مع نتنياهو، قد يعتقد المرء أن ترامب أراد أن يقدم له هدية لإظهار الرابط الخاص بين الرجلين وربما المساعدة في إعادة انتخابه".

وشكر نتنياهو بحرارة ترامب خلال لقائهما الثنائي في واشنطن الاثنين الماضي، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي "أعتقد أن هناك صلة فريدة بين بلدينا، وبين إدارتنا، وبيننا، لم يكن هناك رابط أكبر، إنه يخدم مصالح إسرائيل بطريقة لا أستطيع أن وصفها، لأن كل شيء تحدثه أنا والرئيس لا يمكن الإعلان عنه".

ومن جهته، قال جوليان بوير: يمكن لنتنياهو أن يتفاخر بذلك، هذا القرار "تمت مناقشته لفترة طويلة في واشنطن، لكن تم الإعلان عمدا قبل الانتخابات" الإسرائيلية، وأشار الباحث إلى أنه في الماضي، كان الرؤساء الأمريكيون يتخذون قرارات من المحتمل أن تؤثر على الانتخابات الإسرائيلية.

ماذا سيتغير؟

وعن تبعيات هذا القرار الأمريكي، يعتقد المحللون في حديثهم لـ"راديو كندا"، أن هذا الاعتراف لن يغير كثيرا، إذ قالت جولي بيير نادو "إنها تعطي حجة لإسرائيل للقول إن الولايات المتحدة تعترف بشرعيتها على هذه الأرض" ومع ذلك، تؤكد أن القانون الدولي لا يعترف بالأراضي المكتسبة بالقوة "يبقى اعترافًا أحاديًا. إنه لا يغير، في الواقع، وضع الهضبة".

كما يستبعد عوفر زلزبرج، أن يتحول الاعتراف الأمريكي إلى إجماع دولي، مؤكدا أن أعداء وحلفاء الولايات المتحدة نددوا بالقرار الأمريكي وكرروا أن الاحتلال الإسرائيلي للجولان يعتبر غير قانوني بموجب القانون الدولي.

ومع ذلك، فإن الاعتراف الأمريكي لن يسبب ضجة كبيرة، كما يقول جوناثان شانزر، ويؤكد أن الدول العربية ستحتج على القرار، لكنها لن تذهب أبعد من ذلك "في النهاية، أعتقد أنهم أكثر قلقًا بشأن التهديد الإيراني وكيفية التعاون مع إسرائيل لتحييده. إنهم ليسوا من محبي نظام الأسد، الذي قتل مئات الآلاف من العرب السنة".

ولفت "راديو كندا" إلى أنه في السنوات الأخيرة ، بذل بنيامين نتنياهو جهودا دبلوماسية كبيرة تجاه دول الخليج، بما في ذلك زيارة سلطنة عمان في خريف عام 2018. وفي فبراير/شباط الماضي، شارك في مؤتمر في وارسو ، مع ممثلين عن البحرين والسعودية والإمارات لمناقشة التهديد المشترك الذي تمثله إيران لهم.

ورأى أنه بالنسبة لدول الخليج، يبدو أن مواجهة نفوذ إيران في المنطقة أصبح أكثر إلحاحا من الدفاع عن القضية الفلسطينية، فالاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان هو جزء من هذا النهج الجديد، الذي يأمل في رؤية الدول العربية تتماشى مع إسرائيل لمعارضة طموحات إيران في المنطقة، يأمل البيت الأبيض في الوصول إلى عملية سلام إسرائيلية فلسطينية جديدة من المحتمل أن تنجح.

وقال جوليان بوير، إن "إدارة ترامب تريد إعادة توزيع البطاقات في الشرق الأوسط بقولها: الطريقة التي حاولنا صنع السلام بها لعقود لم تنجح، سنحاول أن نفعل شيئا آخر" ، لكن في المقابل عوفر زالزبرج غير مقتنع بأن هذه الحسابات ستنجح.

ورأى أنه على العكس من ذلك، فترامب يخاطر بتقويض مصداقية الأمريكيين وتقويض التقارب الذي بدأ،  ويقول: "سيولد ذلك شكوك حول الالتزامات الإسرائيلية الأمريكية بشأن الاتفاقيات؛ بشكل أعم، هذا يعني أن إسرائيل يمكنها الحصول على أرض بالقوة وتعتبر شرعية، يضعف هذا القرار دور الولايات المتحدة كوسيط فعال بين إسرائيل والمحاورين العرب".

هل "الضفة" الخطوة التالية؟

ولفت "راديو كندا" إلى أن البعض يخشى من أن يشجع اعتراف الولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية على محاولة ضم الضفة الغربية، التي احتلتها أيضا عام 1967. وقد قامت بالفعل ضم القدس الشرقية، التي هي جزء منها، عام 1980.

ووفقا لتقارير إعلامية عدة، تصف وثائق وزارة الخارجية الأمريكية الأخيرة، الضفة الغربية وقطاع غزة بأنها مناطق "تسيطر عليها إسرائيل" وليست "مناطق تحتلها إسرائيل"، كما كان الحال من قبل.

لكن من غير المحتمل أن تضم إسرائيل الضفة الغربية، كما يعتقد باور "هناك اختلاف كبير مقارنة مع الجولان: إنه الشعب. يعيش حوالي 40 ألف شخص في الجولان، نصفهم من الدروز ونصفهم من الإسرائيليين. في الضفة الغربية، يوجد أكثر من 2.5 مليون فلسطيني وأكثر من 40 ألف مستوطن إسرائيلي، هذا لا يمكن مقارنته من حيث الأمن أيضا"، بالنظر إلى الوضع الإستراتيجي للجولان .

وفي ختام تقرير "راديو كندا"، أكد جوناثان شانزر: "سيكون من الصعب بكثير على الإسرائيليين (ضم الضفة الغربية)، حتى لو رغبوا في ذلك".