منح بشار الأسد قبلة الحياة.. كيف ذبح ابن سلمان الثورة السورية؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

انقلبت مجريات الأحداث رأسا على عقب منذ وطئت أقدام القوات الروسية الأراضي السورية عام 2015، فبعدما كان يترنح رئيس النظام السوري بشار الأسد بضربات الثوار، وأوشك على السقوط، بدأ شيئا فشيئا يستعيد السيطرة على المدن التي خسرها.

التدخل الروسي، لم يكن من قبيل الصدفة أو استنجاد النظام السوري الذي تربطه بهم علاقات وطيدة تعود لمدة طويلة فحسب، وإنما "الضوء الأخضر" الذي أعطاه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين شجعه على التدخل المباشر في سوريا.

قبلة الحياة

تلك المعلومات كشفتها صحيفة "الجارديان" البريطانية خلال تقرير نشرته في 16 أغسطس/ آب 2020، وذلك وفقا لدعوى قضائية ضد ابن سلمان رفعها رئيس المخابرات السعودي السابق سعد الجبري، الموجود حاليا في كندا.

وقالت الصحيفة البريطانية: "في صيف 2015، قلب محمد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي آنذاك، السياسة الخارجية لبلاده رأسا على عقب وأعطى الضوء الأخضر السري لتدخل روسيا في سوريا".

وحسب الدعوى التي قدمها الجبري، فقد "أثار التحرك من الرجل الذي أصبح وليا للعهد، قلق مدير المخابرات الأميركية حينها جون برينان، الذي التقى مع (الجبري) مسؤول المخابرات السابق في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2015 وطلب منه إيصال توبيخ من إدارة باراك أوباما".

وذكرت الدعوى المرفوعة في أغسطس/ آب 2020 بمحكمة مقاطعة كولومبيا أن "برينان أعرب عن قلقه من أن ابن سلمان كان يشجع التدخل الروسي في سوريا، في وقت لم تكن فيه روسيا بعد طرفا في الحرب. ونقل سعد الجبري رسالة برينان إلى ابن سلمان الذي رد بغضب"، بحسب المصدر نفسه.

وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الزعم بدعوة محمد بن سلمان للتدخل في سوريا هو "قنبلة". ونقلت عن مصدر قوله: إن الأميركيين كانوا غاضبين، " الأسد كان سيتلقى الضربة القاضية ومنحه محمد بن سلمان، قبلة الحياة".

وتعليقا على ذلك، كتب محمد رفعت خبير القانون الدولي في تغريدة على "تويتر" قائلا: "تسريبات الجارديان عن سعد الجبري، بأن محمد بن سلمان سعى لتدخل روسيا في سوريا، وأن مساعيه كانت بنصيحة من محمد بن زايد كي يصل لولاية العهد على حساب محمد بن نايف، تعني أن كل هذا الخراب الذي أصاب سوريا وشعبها مولته السعودية".

أسباب متعددة

وبخصوص سبب إقدام ابن سلمان على هذه الخطوة، نقلت "الجارديان" عن المصدر ذاته الذي وصفته بأنه مطلع بتسلسل الأحداث في 2015 قوله: "لقد كانت نقطة تحول فاصلة في طموح ابن سلمان ورؤيته وأفكاره"، يقال إن محمد بن زايد قال: إن "ثورة الإخوان المسلمين في سوريا أخطر - من وجهة نظر دول الخليج - من بقاء الأسد".

وأقنع الأمير الإماراتي نظيره السعودي الطموح بأنه إذا أراد التنافس مع محمد بن نايف والإطاحة به ثم بنائب ولي العهد ورئيس المخابرات (سعد الجبري) الذي تربطه علاقات وثيقة بإدارة أوباما وبرينان، فعليه أن يجد أصدقاء خارج واشنطن.

وكشف المصدر: "محمد بن زايد قال لابن سلمان إن عليه أن يبدأ ببناء تحالفات جديدة وأن يتجه نحو الصين وروسيا"، وأضاف: "ابن زايد يتمتع بعلاقات جيدة مع بوتين".

أما المحلل السياسي من نيويورك نصر العمري، فقد رأى في مقطع مصور نشره على "يوتيوب" في 17 أغسطس/ آب 2020 أن "محمد بن سلمان كان عام 2015 مهيمنا على السلطة بحيث تفاهم مع روسيا بأن تدخل في سوريا، ومنذ تدخل روسيا وضع بشار الأسد على الأرض بدأ يتحسن، وهذه السنة كانت حاسمة لأنه (بشار) كاد يوشك على السقوط".

وأضاف: "نتيجة استقدام روسيا إلى سوريا منذ عام 2015 قد قلبت الآية ولم تحقق المعارضة السورية أي انتصار على الأرض بعدها. أريد أن أجد مبررا واحدا يدفع ابن سلمان على هذه الخطوة، التي تسببت بتمكن إيران في سوريا. فكيف هو يطالب من جهة بتحجيم دورها، والنتيجة أصبحت هكذا، أي غباء سياسي هذا؟".

وأعرب العمري عن اعتقاده بأن "قرار دعوة روسيا للدخول في سوريا سيكون له ما بعده، لأن مشاكل الولايات المتحدة في المنطقة، باتت اليوم كلها نابعة من أن التدخل الروسي تمكن من إبقاء بشار الأسد في السلطة، وأظن أننا سنسمع المزيد عن هذا الموضوع وعن تعاون ابن سلمان مع روسيا. أظنه سيطفو على السطح مرة أخرى".

حل الشفرة

ما كشفته صحيفة "الجارديان" البريطانية، حل شفرة التقلبات السعودية في موقفها من الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، وكذلك موقفها من رئيس النظام السوري الذي كانت تطالب في بداية الأمر بضرورة رحيله إما سياسيا أو عسكريا.

ونقلت الصحيفة عن حسن حسن، مدير برنامج "اللاعبون من غير الدول" في المركز الدولي للسياسة بواشنطن قوله: "المبادرة التي بدأها محمد بن نايف والجبري وكانت بدعم من جهاز السي آي إيه، وتعرف بـ(غرفة الرياض)، ناقشت من هي الجماعة التي يجب دعمها وتلك التي يجب رفضها".

وأفاد بأن "غرفة الرياض" استطاعت تحقيق نوع من النجاح وضبط للدعم الغربي والخليجي إلى الجماعات المعارضة لبشار الأسد في عام 2014، ولكنها تلاشت في ربيع وصيف 2015 مع صعود محمد بن سلمان.

وذكر حسن حسن أنه في صيف 2015 سافر محمد بن سلمان، وكان حينها نائبا لولي العهد، إلى مدينة "سانت بطرسبورغ" الروسية، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبحسب الجبري فقد ناقشا التدخل الروسي في سوريا.

وفي 11 أغسطس/ آب 2015، قال وزير خارجية السعودية آنذاك عادل الجبير في مؤتمر صحفي في موسكو مع وزير خارجية روسيا لافروف: "بشار الأسد جزء من المشكلة وليس الحل. وهو أحد الأسباب الرئيسية لنمو داعش (تنظيم الدولة) في سوريا".

مضيفا: "خلال السنوات الأولى ركز على توجيه سلاحه إلى شعبه وليس إلى التنظيم ما ساعد على زيادة قوته في سوريا". وشدد على ضرورة الحفاظ على المؤسسات السورية خاصة العسكرية من أجل مرحلة ما بعد الأسد. وتحدث عن توافق من أجل توحيد المعارضة السورية.

وفي 17 أيار/ مايو 2016، دعا الجبير إلى التفكير بخيارات بديلة بما فيها الخيار العسكري لإزاحة الأسد عن الحكم، حال فشلت الجهود السياسية لحل النزاع.

وقال الجبير في تصريحات صحفية، نقلتها صحيفة "الجزيرة" الإلكترونية السعودية: "إذا لم يستجب الأسد لمتطلبات الهدنة ينبغي التفكير بخيارات بديلة، وإن رحيل الأسد سيكون إما بعملية سياسية أو بعمل عسكري".

وأضاف: "ماضون في دعم المعارضة السورية عسكريا حتى النهاية… وأي حل لا يشمل رحيل الأسد فإن المملكة تعتبره حلا غير جدي". وتابع: أن بلاده وحلفاءها متمسكون ببيان "جنيف 1"، الذي ينص على رحيل الأسد عن السلطة في سوريا.

واتهم الجبير، روسيا بمحاولة "فرض" رؤيتها للحل في سوريا، وزعم أن الولايات المتحدة لا تعترض على ذلك، ونوه إلى أن بلاده لا تقبل هذا الحل الذي لا يقبله الشعب السوري، على حد تعبيره.

لكن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان له رأي آخر وفق حواره مع صحيفة "الشرق الأوسط" في يونيو/ حزيران 2019، ردا على سؤال عن مدى التوافق في الرؤية مع الجانب الأميركي حيال الوضع في سوريا، خصوصا في ضوء القرار الأميركي بالانسحاب من سوريا.

ابن سلمان قال: "يوجد اتفاق حيال الأهداف في سوريا، وهي هزيمة تنظيم الدولة، ومنع عودة سيطرة التنظيمات الإرهابية، والتعامل مع النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار في سوريا، واستخدام الوسائل المتاحة كافة لتحقيق الانتقال السياسي وفق القرار 2254، بما يحافظ على وحدة سوريا، ونعمل مع الدول الصديقة لتحقيق هذه الأهداف".