تعديل قانون الجنسية في العراق.. من المستفيد؟

أحمد محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قدمت حكومة عادل عبد المهدي مشروعا لتعديل قانون الجنسية العراقية رقم (26) لسنة 2006 وهو مقترح موروث من حكومة العبادي السابقة، طرح عبر لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان.

مشروع القانون أثار جدلاً واسعاً منذ قراءته للمرة الأولى تحت قبة البرلمان لما يحمل في طياته من تسهيلات غير مسبوقة في منح الجنسية العراقية للأجانب.

التعديلات طرحت بنود مخالفة للتشريعات السابقة في قوانين الجنسية العراقية تمكن الأجانب من الحصول على الجنسية العراقية من خلال الإقامة في البلاد لمدة عام واحد فقط بعد أن كانت المدة 10 سنوات.

كما منحت التعديلات صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية ووزير الداخلية تضمن لهم حق التجنيس بأعداد غير محددة، الأمر الذي اعتبره البعض امتهان كبير للجنسية العراقية، واعتبره البعض الآخر بادرة خطيرة تفتح المجال أمام التغيير الديمغرافي في البلاد.

الديموغرافية الحالية

في آخر إحصائية سكانية معلنة من قبل جهاز الإحصاء المركزي التابع لوزارة التخطيط العراقية فقد بلغ التعداد العام لسكان العراق 38 مليوناً و124 ألفاً و182 نسمة حسب إحصاء عام 2018، وبلغ تعداد سكان العاصمة بغداد 8 ملايين و126 ألفا و755 نسمة بنسبة مقدارها 21% من عدد سكان العراق مع توقعات للوزارة أن يصل تعداد العراق لـ 50 مليون نسمة خلال عام 2030.

فيما كانت محافظة نينوى الثانية في الكثافة السكانية بنسبة تبلغ 10% من سكان العراق، فيما تضاربت الأرقام حول نسب السكان الطائفية والعرقية لغياب إحصاءات رسمية من هذا النوع.

وينقسم العراق جغرافيًا لمناطق شمالية وشمالية شرقية يقطنها غالبية من القومية الكردية من الطائفة السنية، ومناطق جنوبية ذات غالبية عربية شيعية، فيما يتمركز العرب السنة غرب وشمال غرب البلاد.

المخاوف من المشروع الحالي أن يؤثر في التركيبة العرقية والطائفية للبلاد لما يمنحه من حق تجنيس يشمل شرائح واسعة من الطلاب في الحوزات العلمية والجامعات والتجار وزوار العتبات الدينية، والعمالة الأجنبية حيث بلغ عدد العمالة المسجلة بشكل رسمي 104 آلاف خلال عامي (2018-2017) بحسب وزارة العمل، غالبيتهم من دول آسيوية، فيما يقدر عدد الزائرين الإيرانيين للعتبات المقدسة 2 مليون زائر سنويا.

ولا توجد إحصائيات حقيقية عن عدد الزوار الأفغان والباكستانيين الذين يقضون أشهرا خلال زيارتهم الدينية للعراق مما يجعل تقليص فترة منح الجنسية للمقيم لمدة عام واحد يشمل كل هذه الفئات الواسعة ذات الغالبية الإيرانية والأفغانية خاصة في العاصمة بغداد ومدينتي النجف وكربلاء لما يتوفر فيها من فرص عمل ومراقد دينية شيعية الأمر الذي يعزز المخاوف تجاه قانون الجنسية الجديد.

تشريعات سابقة

منح المشرع العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة أهمية خاصة لقانون الجنسية حيث صدر أول تشريع عام 1924 ليمنح الجنسية لحاملي الجنسيات العثمانية حصرًا والساكنين في العراق لحظة صدور القانون، والساكنين خارجه شريطة أن يكون مولودًا فيه.

وتوالت قوانين الجنسية العراقية 1963، و1975 وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل الخاصة بمنح الجنسية العراقية وصولاً لقانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006 النافذ، وكلها تؤكد على ضرورات عامة لمنح الجنسية العراقية للأجانب وأبرزها أن يسبق تقديم الطلب إقامة مستمرة داخل العراق لمدة 10 سنوات متواصلة.

ورغم أن العلة للتشريع الجديد التي ذكرت في المسودة المقدمة لمجلس النواب هي "إنصاف شريحة من المستحقين للجنسية العراقية المتضررين من النظام البائد"، فإن الكاتب السياسي د.جاسم الشمري وفي تصريح خاص لـ "الاستقلال" علق قائلاً: "لا ندري كيف يمكن قبول تبرير الذين أيدوا المشروع وقالوا إنه يساعد أولئك الذين عانوا من التهجير القسري في عهد النظام العراقي السابق قبل العام 2003؟"

وتساءل الشمري: "هل الذين عانوا بحسب زعمهم من التهجير هم من العراقيين أم غيرهم، فإن كانوا من العراقيين كيف يمكن تفهم حاجتهم إلى جنسية عراقية؟". مضيفا "إن كانوا من غير العراقيين فأظن أن المقصود به حلفاء إيران الذين هجروا في مرحلة ما قبل الاحتلال من أتباع إيران ومن حملة الجنسية الإيرانية وعليه ربما المقصود هو تجنيس هؤلاء وهذه خطوة غير مقبولة ويجب أن تتوقف!".

وختم الشمري كلامه قائلًا "بالمجمل الموضوع يقلل من شأن الجنسية العراقية ويسهل الحصول عليها، علاوة على منحها لكل من هب ودب!".

أولاد الأم العراقية

فيما قال الخبير القانوني طارق حرب "إن قانون الجنسية العراقية لعام 2006 كان جزلاً كريمًا جواداً بفقرة منحه الجنسية لأولاد الأم العراقية ولو كان وضع العراق الاقتصادي والأمني أفضل من الحالي لقفز تعداد سكان العراق من 40 إلى 100 مليون خلال سنوات نتيجة لسهولة منح  الجنسية للأجانب".

وأضاف قائلاً في لقاء متلفز حول التعديلات "لو كان المسقط عنهم الجنسية الذي يعدل القانون لأجلهم، دخلوا العراق بعد 2003 لكان طبق عليهم القانون الحالي وأمكنهم من الحصول على الجنسية، فنحن نقترب من 16 سنة على سقوط النظام، والقانون يقول 10 سنوات فقط يمكنه الحصول على الجنسية.

فيما أعاب التشريع مكملاً حديثه "كيف يمكن أن تمنح شخص جاحد للعراق الجنسية مضى على سقوط النظام السابق 16 سنة ولم يعودوا ليسكنوا فيه، ناهيك على أن عدد نفوس العراق يقفز قفزات كبيرة مع وضع اقتصادي صعب مما يحتم على المشرع العراقي مراعاة التشديد في منح الجنسي وليس العكس.

ردود أفعال

"كل من أعد وساند ووافق على قانون الجنسية العراقية ليس عراقي" بهذا الكلمات بدأ السياسي والمفكر المخضرم حسن العلوي هجومًا عنيفًا حول تعديلات قانون الجنسية، وأردف قائلاً لـ "الاستقلال" إنه "خلال عامين أو ثلاثة ستتحول بغداد لخليط نتيجة هذا القانون الذي يتيح للزوار الإيرانيين والأفغان حق التجنس خلال زيارتهم وبقائهم لفترة قصيرة في العراق.

فيما علق النائب عدنان الأسدي وهو عضو لجنة الأمن والدفاع التي عرضت مشروع القانون تحت قبة البرلمان "هناك فقرات في القانون مثل القنابل"، مضيفا "المشروع خلق جواً صاخباً لدى أبناء الشعب العراقيّ، ولن نشّرع أي قانون ينتهك الجنسية العراقية إطلاقا".

عمار طعمة رئيس كتلة النهج الوطني في البرلمان تعهد في لقاء تلفزيوني بأن "مشروع القرار بصيغته الحالية لن يمر" مؤكدا على أهمية أن تكون فترة الإقامة في العراق "كافية لتبيان سلوكه وطبيعة شخصيته قبل قرار منحه الجنسية".

نتائج عكسية

وأصدر النائب السابق عبد الكريم العبطان والأمين العام لحزب الخيار العربي بيانا تلقت "الاستقلال" نسخة منه عبر فيه عن مخاوفه قائلاً: "إجراء مثل هذه التعديلات غير المدروسة ستأتي بنتائج عكسية وستكون لها آثار سلبية على المجتمع العراقي كونها تمثل استهانة بالجنسية العراقية إلى جانب إمكانية استغلالها من قبل جهات متربصة بالشعب قد تسعى للإخلال بالتركيبة السكانية للعراق وتستغلها لإحداث تغيير ديموغرافي يؤثر على هوية واستقرار ومستقبل العراق وشعبه".

فيما علق الكاتب والباحث السياسي مجاهد الطائي في حديث خاص لـ"الاستقلال" "هناك عدة إجراءات وتسهيلات قانونية تقوم بها مؤسسات الدولة  تجاه الأجانب ، تقديم هوية إقامة لمدة عامين أو 5 أعوام أو منح إقامة دائمة للمتزوجين من عراقية، أما القيام بمنح الجنسية العراقية للأجانب لمجرد أنه مقيم مدة عام يعد مشروعا فاشلا وغير مسؤول".

وأضاف "مشروع يهدف لخلق أزمات عراقية جديدة وتغيير ديموغرافي ونفخ روح الانقسام في المجتمع من جديد".

فيما نص الدستور العراقي الدائم لعام 2005 في المادة "18/ خامسا" على منع منح الجنسية العراقية وفق سياسة التوطين السكاني المخلة بالتركيبة السكانية للعراق، الأمر الذي قد يجعل التعديل الجديد مخالفا لهذه المادة الدستورية.

من المستفيد؟

إن سياسة تسهيل منح الجنسية العراقية وإن كانت تقدم على أنها لضرورات متعلقة بالمضطهدين من النظام السابق فإنها تصب بشكل أو بآخر في مصلحة إيران التي ترضخ تحت عقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة مما يجعل تجنيس مواطنيها عراقيًا يمنحهم أريحية في التعامل الاقتصادي داخل العراق.

كما أن ذلك يسهل توافد العمالة الإيرانية مما يؤثر في الاقتصاد العراقي بشكل مباشر، ورغم عدم وجود أرقام وإحصائيات حقيقية حول عدد المقيمين الأجانب في العراق فإن زيارتك لبغداد ومدن النجف وكربلاء والبصرة كفيلة بالمشاهدة الآلاف من العمالة الوافدة الإيرانية والأفغانية والتي ستمنحهم التعديلات حق التجنس والمزاحمة على فرص العمل المحدودة أصلا في العراق.

الرئيس الإيراني حسن روحاني في زيارته الأخيرة لبغداد نجح في إسقاط رسوم التأشيرة لدخول الإيرانيين للعراق، وتوقيع اتفاقية بربط مدينة البصرة العراقية بالداخل الإيراني عبر خط سكة الحديد.

هذه المؤشرات تعزز مخاوف الشارع العراقي من تأثيرات مخيفة على ديموغرافية البلد واقتصاده في حال تم تمرير التعديل بصيغته الحالية، لكن هذا لن يحدث وفق تصريحات كتلة الإصلاح النيابية لـ "إندبندنت" البريطانية التي تؤكد أن "تحالف الإصلاح البرلماني، الذي يملك أكبر عدد من مقاعد مجلس النواب العراقي، يقف ضد هذا التعديل".

وأضافت المصادر من داخل البرلمان للإندبندنت "القانون لا يلقى التأييد إلا من قطاع ضيق في البرلمان، ما يقلّص فرص مروره".

الكلمات المفتاحية