انتصارات ليبيا.. ما انعكاساتها على صراع اليونان وتركيا بالمتوسط؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أحد أبرز أهداف تركيا المعلنة من الدعم الذي وفرته لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا، ضد ميليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر المدعوم من نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، حليف اليونان، هو الحفاظ على حقوقها التاريخية في منطقة البحر المتوسط.

عقب محاولات اليونان التنقيب والبحث عن الغاز قبالة سواحل قبرص التركية، أطلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحذيرا شديد اللهجة قائلا: "كما لقنا الإرهابيين في سوريا درسا، فإننا لن نترك المجال للعصابات التي تسرح في البحار".

وجاءت انتصارات حكومة الوفاق في الأيام الأخيرة، والتقدم على الأرض وتحرير مدن غرب ليبيا، بمثابة الصدمة لليونان، إذ إن الوضع يعني ترسيخ قدم تركيا في منطقة البحر المتوسط، وزيادة فرصها في صراع الطاقة الدائر هناك.

تطورات ليبيا جعلت وزير الدفاع اليوناني يصرح بوضوح، قائلا: "التصعيد المحتمل من قبل تركيا لن يؤدي إلى أزمة يونانية تركية، بل إلى أزمة أوروبية تركية".

فإلى أي مدى يمكن أن يتصاعد الخلاف بين أنقرة وأثينا؟ وما التأثير الذي سيتركه انتصار الوفاق في ليبيا على خريطة صراعات الطاقة في البحر المتوسط؟.

بيانات صدامية

في 5 يونيو/ حزيران 2020، أعلن وزير الدفاع اليوناني، نيكوس باناغيوتوبولوس، أن "أثينا مستعدة لفعل أي شيء لحماية حقوقها السيادية، بما في ذلك العمل العسكري ضد أنقرة". 

ورد الوزير اليوناني، عندما سئل في اللقاء الذي أجراه لقناة "ستار" المحلية، مجيبا عن سؤال حول ما إذا كانت اليونان مستعدة لعمل عسكري لحل الصراع؟ قائلا: "نعم، هذا صحيح".

واستطرد: "كان سلوك تركيا عدوانيا جدا مؤخرا.. أعتقد أن الطريقة الوحيدة لليونان للتعامل مع مثل هذا السلوك، الذي يميل عموما إلى العدوان، من ناحية أولى استخدام جميع الأسلحة الدبلوماسية، ومن ناحية أخرى، توفير زيادة في القوة الرادعة للقوات المسلحة".

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار رد على هذه التصريحات العدوانية من الجانب اليوناني، خلال لقائه مع قادة قوات الحدود بتاريخ 7 يونيو/ حزيران 2020، قائلا: "إننا مثابرون وحاسمون في حماية مصالحنا وحقوقنا ولدينا القوة اللازمة للقيام بذلك". 

وأكد: "نحن جاهزون لخوض أي عمل عسكري محتمل لحماية الحدود البحرية، وحقوق بلادنا في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط".

إعلان أردوغان

الذي ضاعف قلق أثينا من انتصار حكومة الوفاق الليبية المدعومة من تركيا، هو تفاصيل اللقاء بين الرئيس أردوغان، ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج، الذي جرى في القصر الجمهوري بأنقرة يوم 4 يونيو/ حزيران 2020، حيث بحث الطرفان اَخر التطورات التي تشهدها الساحة الليبية، والخطوات الممكن القيام بها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط خلال الفترة المقبلة.

الرئيس التركي تعهد بزيادة الدعم للسراج والتعاون المثمر فيما بينهما من أجل مصالح البلدين، قائلا: "نهدف إلى تحسين تعاوننا للاستفادة من الموارد الطبيعية شرقي البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك عمليات الاستكشاف والتنقيب والحفر".

وشدد أردوغان: "وفق الاتفاقية التي بيننا، قررنا القيام بعملية تنقيب في البحر، وهناك تعاون في هذا المجال".

وفي 2 يناير/ كانون الثاني 2020، وافق البرلمان التركي على مذكرة تفويض تسمح بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا، عقب تصريح أردوغان بقوله: "أعربنا للجانب الليبي عن استعدادنا للمساعدة إذا ما احتاجوا إليها بدءا من التعاون العسكري والأمني، وحتى الخطوات التي نتخذها في سبيل الحصول على حقوقنا البحرية".

عداء أثينا

التصعيد التركي بالمتوسط جاء بعد تحركات عدوانية لأثينا بالتعاون مع القاهرة ونيقوسيا، في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، بالتزامن مع التدريبات العسكرية بين الدول الـ 3 في منطقة المتوسط، حيث أصدرت مصر واليونان وقبرص بيانا مشتركا هاجموا فيه تركيا، واتهموها بشن "عدوان" في مياه المتوسط وسوريا.

وعقد وزراء دفاع تلك الدول اجتماعا، وقعوا خلاله وثيقة مُشتركة، تُدين ما أسموه "العدوان التركي على المياه الاقتصادية القبرصية".

وقال وزير الدفاع اليوناني، في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع: "قمنا بإدانة الإجراءات غير الشرعية لتركيا في المياه التابعة لقبرص، والتي تمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي واتفاقية القانون البحري، وكذلك التصرفات الاستفزازية التركية المتمثلة بانتهاك المجال الجوي اليوناني ومياهنا الإقليمية. كل ذلك يتناقض مع القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار".

في ذلك الوقت ردت تركيا ببيان مضاد عبر وزارة خارجيتها، قالت فيه: "لا جدوى من تمني خضوع بلدنا للتهديدات، وتراجعه عن حقوقه في شرق المتوسط، تركيا عازمة على مواصلة أنشطة البحث والتنقيب بنفس الزخم".

أنقرة أعلنت عدم التراجع عن سياستها، وبدأت في أضخم مناورات عسكرية بتاريخها، غطت البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة، وأطلقت عليها اسم "الوطن الأزرق"، حيث جرت التدريبات في مساحة 462 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة المياه الإقليمية التركية.

خارطة الصراع

بداية الصراع على الطاقة في المتوسط كانت في يونيو/ حزيران 2014، عندما أعادت مصر ترسيم الحدود البحرية بينها وبين قبرص اليونانية في منطقة شرق المتوسط، بعد ظهور اكتشافات جديدة للغاز في منطقة المياه الاقتصادية بين البلدين، بدعم كامل من اليونان. 

أنقرة أعلنت بعدها رفضها لهذا التحالف والاتفاقية، معلنة على لسان وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو: "الاتفاقية لا تحمل صفة قانونية، ولبلاده الحق في البحث والتنقيب عن مصادر الطاقة في المنطقة البحرية".

وفي 14 شباط/ فبراير 2018، صرح أردوغان، قائلا: "نحذر من يتجاوزون حدودهم في بحر إيجة (في إشارة إلى اليونان) وقبرص ويقومون بحسابات خاطئة مستغلين تركيزنا على التطورات عند حدودنا الجنوبية، حقوقنا في الدفاع عن الأمن القومي في عفرين هي نفسها في بحر إيجة وقبرص".

وفي الوقت الذي تعارض فيه كل من قبرص الرومية واليونان ومصر وإسرائيل، أعمال تركيا في التنقيب عن الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، تؤكد أنقرة أن سفنها تنقب في الجرف القاري للبلاد، وستواصل نشاطها.

وتترقب تركيا نتائج أعمال التنقيب عن الغاز الطبيعي شرقي المتوسط، حيث أرسلت مؤخرا سفينتين متخصصتين لهذه المهمة، "فاتح" و"ياووز"، وذلك في إطار تعاون وتنسيق مع جمهورية شمال قبرص التركية.

التوترات بين أنقرة وأثينا بلغت مراحل متصاعدة، لدرجة أنه في 28 مايو/ آيار 2020، وصف وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، تركيا بـ"الدولة البربرية".

ليرد عليه حامي أقصوي، المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، ويصف تصريحاته بـ المخجلة، ويقول: "على اليونان أن تتخلص أولا من بربريتها".

حفظ الحقوق

الباحث بمركز سيتا للأبحاث والدراسات التركية إمرة كيكلي قال: "الخارجية التركية لا تعتمد سياسة التوسع أو مد النفوذ، إلا بما يحفظ مصالحها الاقتصادية والسياسية، وهو ما حدث بوضوح في المسألة الليبية، فتركيا لم تنتصر فقط للشرعية القائمة هناك، لكنها حفظت حقوق الشعب التركي، وقبرص التركية في مياه المتوسط، وحقول الغاز".

وأضاف كيكلي لـ"الاستقلال": "تلك التطورات أزعجت اليونان التي تحارب تركيا على أكثر من جبهة، وقد رأينا أحد البرلمانيين اليونانيين يقوم بحرق العلم التركي، وكيف تعاملت أثينا مع اللاجئين على الحدود مع تركيا، وقتلتهم بالرصاص، وكثيرا ما تحالفوا مع أعداء تركيا، وعملوا ضد مصالحها". 

وتابع الباحث: "هم يتصورون أنهم يتعاملون مع تركيا القديمة، وأن الحكومة التركية سوف ترضخ لمطالبهم، وسياستهم، وهو ما لن يحدث، لأن تركيا اليوم قوة إقليمية بارزة، فرضت نفسها في كل الملفات المهددة لها، بداية من سوريا والعراق، وصولا إلى ليبيا".

واختتم كيكلي حديثه معلقا على تصريحات وزير الدفاع اليوناني: "تلك تصريحات غير محسوبة، الهدف منها المكايدة السياسية، ومن الصعب أن يندلع صراع أو حرب بين الدولتين، أو تتورط أثينا بعمل عسكري ضد أنقرة، على خلفية انتصارات حكومة الوفاق في ليبيا، فهذه ليست مسألة سهلة، لكن ما تعمل عليه اليونان هو الضغط السياسي، وحشد الاتحاد الأوروبي ضد تركيا، ووقف تمددها وانتصاراتها مؤخرا".