حصاد أربعين عاما من الصفقة المصرية الإسرائيلية

د. عبدالله الأشعل | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

فى السادس والعشرين من مارس 1979 وقعت مصر وإسرائيل ما سمي بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، استكمالا لاتفاقية كامب دافيد فى سبتمبر/ أيلول 1978، ومن الواضح أن الإسراع بهذه الصفقة حتم قيام الثورة الإسلامية في إيران فى فبراير / شباط 1979 وهي معادية لإسرائيل وواشنطن والصفقة. 

فى مثل هذا اليوم نعرض بعض المسائل التى أظهرتها التجربة:

المسألة الأولى: أن الصفقة المصرية الإسرائيلية سرّعتها الثورة الإيرانية، ولذلك فإن الصفقة ومنهج الانفتاح على إسرائيل هما الركيزتان الأساسيتان فى سياسات المنطقة حتى الآن. ومن الواضح أن الاتجاه للصفقة هو الذى سبق الثورة، ولكن الثورة لم يكن سببها التقارب المصري الإسرائيلي. 

المسألة الثانية: الصفقة أخرجت مصر من معادلة الأمن القومي العربي، الذي لم يعد موجودا. فاضطر ذلك سوريا إلى التحالف مع إيران، والغريب أن التماس بين الصفقة ومنهجها ومسيرة الثورة الإيرانية وتحالفاتها صار واضحا، فقد تعزز الموقف الإسرائيلي مع مصر وفي مصر وفي المنطقة العربية، وفي نفس الوقت تصاعد دعم إيران للمقاومة ضد إسرائيل، بينما تراجع الدعم العربى للمقاومة والتخلي عن القضية والتقارب مع إسرائيل.

المسألة الثالثة: سقطت كل المبررات التى ساقها السادات للترويج للصفقة، فقد هيمنت واشنطن وإسرائيل على القرار المصري وتجميد التنمية فى سيناء. ولكن كان للصفقة دوافع أخرى لدى السادات: الأول؛ التمايز عن عبدالناصر والثاني مقدم التقارب مع واشنطن وتحقيق مجد شخصي على حساب المصالح المصرية، ولذلك منح السادات فى مئوية مولده عام 1918 شهادة تقدير الكونجرس تقديرا لدوره في الاستقرار والسلام لصالح إسرائيل، وهي الجائزة التي حصل عليها مبكرا الرئيس واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة.

المسألة الرابعة: هل كان السادات يدرك الآثار المدمرة لصفقة السلام؟

المسألة الخامسة: هل الحسابات الوقتية حينذاك كانت توجب الصفقة توقيا (تجنبا) لمخاطر أكبر؟ وهل أدرك السادات مخاطر قراره وحاول أن يصححه؟ لكن المستفيد قتله.
وهل صحيح أن الصفقة نتيجة سوء تقدير من جانب السادات أم أنها خدمة منه لإسرائيل لمصالح شخصية؟

المسألة السادسة: هل كانت الصفقة ثمن الهزيمة المصرية أم ثمن الانتصار أم هل انتصرت مصر عسكريا وانتكست سياسيا ودبلوماسيا؟ وهل كان بوسع السادات أن يفعل شيئا آخر غير الصفقة؟ 

نسبية النتائج عند مصر وإسرائيل

لاتزال الحكومة المصرية تفخر بالصفقة كما تفخر بمزيد من التقارب والدفء في العلاقات مع إسرائيل، وربما كانت الصفقة سندا نفسيا للحكومة مع إدراكها بفداحة ما دفعته مصر مقابل الصفقة.

أما إسرائيل فتفخر بحق بنتائج هذا التحول المبهر ، أنها تمكنت من التأثير على النمو والتطور السياسي في مصر وعرقلت أية محاولات للديمقراطية، ومن أهم آثار الصفقة لإسرائيل أنها تتعاون مع مصر لمواجهة "الإرهاب" في سيناء وهي ظاهرة جديدة ظهرت منذ 2013.

وهذا التعاون يفيد إسرائيل عسكريا ونفسيا، فظهرت تصريحات نتنياهو بأن إسرائيل هي التي تحمي الأمن القومي المصري؛ ردا على تصريحات السيسي بأنه يحمي الأمن الإسرائيلي. ولاشك أن إسرائيل اطمأنت إلى مصر، فتفرغت إلى صفقات للتوسع فى الأراضي الفلسطينية.

كما سمحت الصفقة وتطورها بتغير تحالفات إسرائيل في المنطقة، حيث أنهت إسرائيل موضوع الصراع العربي الإسرائيلي مادام قد قدمت إيران على أنها العدو الجديد للمنطقة العربية. وبالفعل صار أعداء الأمس لإسرائيل أصدقاء يسعون إلى التطبيع، بل وإدانة حماس وحزب الله بأنهما منظمات إرهابية في المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية.

والحساب الختامي لهذه العقود الأربعة يكشف أن إسرائيل هي الطرف الوحيد الذي استفاد من هذه الصفقة، وأن مصر والفلسطينيين هما الطرفان ضحاياها: 

  • فلسطين مهددة بالابتلاع، والأمل في دولة فلسطينيية يتراجع إلى مناطق الحسرة في القلب العربي، بعد ضياع القدس وتحول الحضن العربي إلى أشواق وإلى حاضنة للطرف الإسرائيلي.
  • أما مصر فقد تراجعت في المنطقة العربية وفي العالم، وفقد الشعب الأمل في استعادة مصر بسبب إسرائيل وفي آمال ثورة المصريين في 25 يناير/ كانون الثاني، كما أن إسرائيل تسببت بطرق مختلفة في تدهور الأحوال الاقتصادية والاجتماعية للمصريين بعد أن ساندت وضعا مثاليا بالنسبة لها، وهي بالقطع ضد أي ديمقراطية فى مصر.
  • تمكنت إسرائيل من صناعة الإرهاب المنسوب للإسلام وأن تضرب الإسلام والدول الإسلامية في مقتل، فقد كانت صفقة مصر معها هي طوق النجاة للمشروع الصهيوني الذي يخطط للقضاء على الهوية العربية والإسلامية، كما أنه مكن واشنطن بشكل غير مسبوق خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في المنطقة.
  • هل معنى ذلك أن إلغاء الصفقة يمكن أن يعيد الأوضاع إلى ما قبل الصفقة؟ 
  • لقد اتضح بعد أربعة عقود أن الصفقة ليست نصا مكتوبا، ولكنها أوضاع تتعلق بتصور إسرائيل لصورة مصر وحكمها وكيفية القضاء عليها وإضعافها في المستقبل. يكفي أن نتانياهو يفخر بأن هذه الصفقة أحدثت ثورة في انكسار الحاجز العربي ضد إسرائيل، فتحولت مصر من صخرة حامية للمنطقة العربية إلى طرف محايد ثم إلى طرف مساند للمشروع الصهيونى.

ولذلك يجب أن تنصرف جهود الباحثين إلى توثيق العملية المعقدة التي أصبحت فيها إسرائيل هي محور التفاعلات، وأن يتصارع مشروعها مع المشروعين الفارسي-التركي على جثة العالم العربي بما فيها مصر التي كانت ندا عربيا للمشروعين الفارسي والتركى يوم أن حاولت ترميم الجسد العربي ضد السرطان الصهيوني.

ولكن الأوضاع تتغير وموازين القوى تتبدل والرهان على التغيير في المرحلة المقبلة يقع على الشعوب العربية التي لمست الحقيقة؛ وهي أن إسرائيل هي سبب جميع المآسي العربية، وأنها هيمنت بشكل شبه مطلق على المقدرات العربية لولا بقية من مقاومة وإرادة شعبية مقهورة بسبب عملاء إسرائيل ونقطة البداية، لكي نحتفل بالذكرى الخمسين للصفقة عام 2029، هي إنشاء الديمقراطية في المنطقة العربية بعد وعي الشعوب واستقلال إرادتها.

ويومها سوف ترحل إسرائيل كما وفدت إلى المنطقة؛ لأنها نبت غريب عن تربتها وسرطان ينهش فى جسدها، وكان مستحيلا أن تتغير الطبيعة الشيطانية للمشروع الصهيوني وأن تكون سببا في تقدم المنطقة ورفعتها؛ لأن المشروع ابتدع خصيصا للقضاء على المنطقة وليس التعايش معها أو نفعها، ولذلك أصبح واضحا أن المنطقة لأهلها ولم تعد تحتمل الغرباء الأشرار العابثين الذين ضيعو فرصا ذهبية لكي يثبتوا صدق نواياهم.  

الكلمات المفتاحية