تغيرت "180 درجة".. كيف تحولت السياسة السعودية في المنطقة؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

السياسة الخارجية السعودية تجاه عدد من الملفات الإقليمية في المنطقة، تغيرت وانتقلت من النقيض إلى النقيض، في مسار بدا مرتبكا فاقدا لإستراتيجية ثابتة، أو قاعدة صلبة يمكن البناء عليها أو الخروج بقرارات تدل على سياسة متسقة.

ذلك الارتباك غير المفهوم، والتباين، والمواقف المتناقضة في السياسة السعودية، بدا ظاهرا في الملف اليمني بشقيه (الحوثي، والمجلس الانتقالي الجنوبي) ومن بعده الملف السوري، وكيف أن السعودية بدت متخبطة في تعاملها مع الأزمة في هذين البلدين، ما أرجعه خبراء لفشل المملكة في تقديراتها لحجم تلك الأزمات وكيفية التعامل معها.

الانقلاب سلطة شرعية!

مؤخرا، أدلى وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، على هامش مؤتمر دافوس الاقتصادي بتصريح قال فيه: "إن بلاده تعترف بأن الحوثي لاعب سياسي مهم، وأنه لا يمكن تجاهل ذلك، وأضاف بأن بلاده تؤمن بأن الحوثي يمكن أن يلعب دورا سياسيا مهما في مستقبل اليمن".

هذه التصريحات مناقضة تماما للموقف السعودي من جماعة الحوثي الذي عرف عنها منذ 2014، حيث كانت السعودية تنظر إلى الحوثيين كميلشيا انقلابية، وبناء على تلك الرؤية أطلقت عمليتها العسكرية في مارس/آذار 2015.

وشنت الرياض مئات الغارات الجوية على جماعة الحوثي، وقالت: إن العملية لن تتوقف حتى تلتزم جماعة الحوثي بالمرجعيات الثلاث، القرار الأممي 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني.

القرار الأممي 2216 ألزم الحوثيين بإنهاء مظاهر الانقلاب، والانسحاب من المدن وتسليم السلاح للدولة، في حين شملت المبادرة الخليجية التي رعتها السعودية عدة بنود من بينها إعداد دستور جديد، وعرضه على الشعب للاستفتاء، ووضع جدول زمني لانتخابات برلمانية جديدة، ثم تشكيل الحزب الفائز للحكومة، بينما تضمنت مخرجات الحوار الوطني عدة بنود أهمها شكل الدولة الاتحادية الجديدة، ورؤية كاملة لتقاسم الثروة والسلطة.

غير أن هذه المرجعيات وتلك الأهداف تبخرت جميعها فيما يبدو، فلم تعد جماعة الحوثي ميلشيا انقلابية، بنظر السعودية، ولم تعد المطالبة بإنهاء الانقلاب قائمة، بل تحولت إلى طرف سياسي مهم، ليس في الحاضر فقط، بل أيضا في المستقبل، وهو ما يعني أن السعودية في طريقها للاعتراف بالحوثيين كسلطة شرعية.

المجلس الانتقالي

ملف جماعة الحوثي لم يكن هو الوحيد الذي أظهرت فيه السعودية تناقضا غير مفهوم، بل شمل ذلك الارتباك تعامل السعودية مع المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، والذي قاد عملية الانقلاب في عدن.

صرحت المملكة أكثر من مرة، كان آخرها  تصريحات أثناء انقلاب المجلس الانتقالي على السلطات الشرعية في أغسطس/آب 2019 في عدن، أنها لن تعترف إلا بسلطة الرئيس هادي ممثلا شرعيا ووحيدا لكافة المدن اليمنية، ولن تعترف بالمجلس الانتقالي، ما دفع الأخير لشن هجوم على الرياض وإعلامها، متهما النظام السعودي بدعم ما سماه "تنظيم الإخوان".

غير أن الموقف السعودي مؤخرا تجاه المجلس الانتقالي لم يأخذ كثيرا حتى تغير بشكل حاد، حيث تعاملت الرياض معه كطرف ندي للحكومة الشرعية، وسعت إلى فرض اتفاقية بينهما، قضت بمناصفة السلطة بينهما، ونزعت سلطات هادي، وصادرت صلاحياته بتعيين محافظين للمدن الجنوبية، إلا بعد الرجوع والحصول على موافقة الانتقالي.  

فشل عسكري

فيصل الحذيفي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحديدة اليمنية، ورئيس "الهيئة الوطنية لحماية السيادة ودحر الانقلاب" المعروفة اختصار بـ"سيادة"، قال لـ"الاستقلال": "تعاملت السعودية مع نفسها خلال نصف قرن من تراكم المال الفائض وشراء كل أنواع السلاح باعتبارها دولة قوية قادرة على كسر خصومها المحتملين مثل إيران أو أي دولة عربية في محيطها الجغرافي مثل اليمن والعراق وسوريا".

يضيف الحذيفي: "خاضت السعودية حربا إقليمية تجريبية في اليمن، ووجدت نفسها بعد 5 سنوات غير قادرة على تأمين حدودها الجنوبية المتاخمة لميليشيات الحوثي الذي شكل لها صداعا وكسرا عسكريا ونفسيا غير متوقع".

يتابع أستاذ العلوم السياسية: "هذه المآلات من الفشل العسكري والخسارة المالية الباهظة مع عدم تحمس حلفائها الكبار في الدخول بمعارك مباشرة لحمايتها ضد إيران، دفعها إلى تغيير لغتها السياسية، والتمهيد لحوار فعلي مع الحوثيين والاعتراف بهم حكاما شرعيين، وربما دعمهم ماليا مقابل تأمين حدودها الجنوبية بوسائل السلم، والتفاهم بعد فشل الحل العسكري الذي أطاح بهيبتها وسمعتها دون اعتبار".

يضيف رئيس هيئة "سيادة": "اليوم السعودية مستعدة للتعاطي مع الحوثيين، ومع إيران، والتضحية بالسلطة الشرعية المتحالفة معها، وإسقاط الجمهورية والوحدة ثمنا لمثل هذه الصفقة المتوقعة، والتي لن يقبلها اليمنيون - مجتمعيا - على أي حال".

الأزمة السورية

الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية قد تغير هو الآخر، حيث اتخذت الرياض منذ اندلاع الأزمة السورية موقفا واضحا من بشار الأسد، وطالبت برحيله، وصعدت من مطالبها حتى نهاية 2017.

كانت السعودية تطالب برحيل الأسد، وترى رحيله جزءا من حل النزاع في سوريا، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015 صرح وزير الخارجية السعودي حينها، عادل الجبير أن "الأسد يجب أن يرحل، وسوف يرحل عبر عملية سياسية أو يزاح بالقوة"، حد تعبيره.

وأضاف الجبير: "إيران يجب أن تتقبل رحيل الأسد، وأن تدرك أن رحيله جزء من حل أي نزاع في سوريا، وإن من الأهمية تغيير ميزان القوى على الأرض لضمان رحيل الأسد".

كان سقف السعودية عاليا في المطالبة برحيل الأسد، حيث طالبت برحيل جميع الفصائل المؤيدة له، وأعلنت استمرار دعمها للمعارضة السورية، رغم المساعي الدبلوماسية المكثفة حينها، كان أحدها لقاء جمع وزراء خارجية السعودية وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، حول الأزمة السورية ورحيل الأسد.

وفي مارس/آذار 2016 طالبت السعودية برحيل الأسد في بداية العملية الانتقالية، وقال الجبير: يجب أن يرحل الأسد بداية المرحلة الانتقالية، وأنه لن يتم الانتظار 18 شهرا حتى يرحل، وهي المدة الزمنية للعملية الانتقالية في سوريا، وأضاف الجبير: أن "مستقبل سوريا لا يتضمن بقاء الأسد، وأن عليه الاختيار بين الخروج بشكل سلمي أو عسكري".

استمرت المملكة في التصعيد إلى المستوى الذي دفع حكومة نظام الأسد للرد على السعودية بالقول: بأنها غير مؤهلة للاضطلاع بدور بناء في المحادثات، لأنها تسفك دماء اليمنيين في سوريا والعراق واليمن.

ذلك الموقف لم يدم حتى النهاية، فمنذ أوائل 2018 غيرت السعودية خطابها التصعيدي ضد بشار، وبدأت لغة النظام تأخذ منحى معاكسا، بشكل متدرج، حيث صرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مارس/آذار 2018 أن بشار يظل زعيما لسوريا.

وفي أغسطس/آب عام 2018، أخبر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لافروف أن السعودية ستتعاون مع روسيا في عملية السلام السورية.

أتت تلك التغيرات في ظل جهود تقوم بها موسكو لإقناع السعودية بالعمل على إعادة سوريا إلى عضوية جامعة الدول العربية، التي كانت مجمدة منذ العام 2012، وكانت البحرين والإمارات الدولتين الحليفتين للسعودية قد عملتا على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.

الكلمات المفتاحية