"نقش على الماء".. ما الذي قدمه السيسي خلال رئاسته للاتحاد الإفريقي؟

عبدالرحمن سليم | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد ستة أعوام من تعليق الاتحاد الإفريقي لعضويتها، تولت القاهرة لأول مرة في تاريخها رئاسة المنظمة القارية التي استحدثت عام 2002، حيث استلمها رئيس نظام الانقلاب العسكري في مصر عبدالفتاح السيسي من الرئيس الرواندي بول كاغامي في فبراير/ شباط 2019.

منذ ذلك الوقت أكد رئيس مركز القاهرة لتسوية النزاعات وحفظ السلام، أشرف سويلم أن "مهمة مصر سوف تركز على الأمن وحفظ السلام"، مرجحا تقليل السيسي من التركيز على الإصلاح المالي والإداري، خلافا لسلفه الرئيس الرواندي، رئيس الاتحاد الإفريقي السابق.

البحث عن النفوذ

حين تولى السيسي رئاسة الاتحاد الإفريقي في 10 فبراير/شباط 2019 كثرت التوقعات والتحليلات حول مدى استغلال السيسي هذا الأمر في البحث عن النفوذ داخل القارة الإفريقية، واستغلاله في تلميع صورته السيئة خلال السنوات الماضية.

حينذاك، توقعت إليسا جوبسون، المتخصصة في الدفاع عن إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، أن السيسي سيسعى إلى الاستفادة من رئاسة الاتحاد الإفريقي في تعزيز وضع بلاده بين الدول الإفريقية الأخرى، أسوة بالرئيس السابق كاغامي، الذي أخرج المنصب من كونه مجرد منصب فخري، إلى عامل مساعد في تعزيز المصالح الوطنية والمكانة الدولية لشخص الرئيس، حسب "فرانس 24".

وجاء بيان المتحدث الرسمي باسم رئاسة النظام في مصر، بسام راضي، مؤكدا أن "رئاسة السيسي للاتحاد تعد تتويجا لجهوده خلال السنوات الأخيرة لتعزيز العلاقات مع القارة الإفريقية، وتجسيدا لاستعادة الدور المحوري المصري كإحدى الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية الأم في ستينيات القرن الماضي"، حسب قوله.

غسيل صورة

منذ تسلم السيسي رئاسة الاتحاد، ما لبثت آلته الإعلامية تدور كل لحظة بالحديث عن دور الرئيس في إنجازاته في إفريقيا، وأن شعوب القارة السمراء تثق في قيادته لتحقيق الأمن والتنمية.

وقال ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة "أخبار اليوم" والمقرب من السيسي، إن الأخير أعاد مصر إلى وضعها الطبيعي على مستوى القارة الإفريقية. وأضاف خلال كلمته في اجتماع لجنة الشؤون الإفريقية بمجلس النواب (البرلمان)، أن السيسي كان صوت إفريقيا منذ توليه رئاسة الاتحاد، مؤكدا أنه استطاع تلافي الأخطاء التي ارتكبها رؤساء مصر السابقون، خصوصا الرئيس الراحل محمد مرسي.

وثمّن رزق استحداث لجنة برلمانية للشؤون الإفريقية، معتبرا ذلك دلالة هامة على اهتمام النظام ممثلا في البرلمان، بدعم العلاقات مع إفريقيا، مذكرا بحديثه الصحفي الذي أجراه مع رئيس النظام قبل توليه الرئاسة، والذي أكد فيه حرصه على إصلاح العلاقات مع الدول الإفريقية، وخصوصا إثيوبيا.

وتعقيبا على دعوة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، رئيس النظام في مصر، للمشاركة في قمة الاستثمار البريطانية الإفريقية، المقرر عقدها خلال يناير/ كانون الثاني 2020، قال مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للاتحاد الإفريقي: إن "الدعوة تأتي انطلاقا من رغبة بريطانيا في تعزيز التعاون مع القارة السمراء من خلال شخص السيسي.

وأشار غباشي، في تصريحات صحفية، إلى أن الوفود الشبابية الإفريقية التي شاركت بفعاليات منتدى شباب العالم، وجهت الشكر للسيسي، وتمنت أن "يكون لديهم رئيسا بفكر ورؤية السيسي"، حسب تعبيره.

نقش على الماء

في تقرير مصور رصده برنامج "صباح الخير يا مصر" الذي يبث على شاشة القناة الأولى بالتلفزيون المصري، عن جهود مصر تجاه دول القارة السمراء، كرس صانعه التأكيد على حدوث طفرة واضحة في العلاقات الإفريقية بالدول الكبرى على كافة المستويات.

وقال التقرير، إن السيسي لم يترك أيا من المحافل الدولية التي شارك فيها إلا وتحدث عن مشكلات القارة خصوصا على الصعيد الاقتصادي، وحقه في تحقيق التنمية المستدامة، وحياة كريمة وفرص عمل.

ونقل التقرير عن خبراء في الشؤون الإفريقية، أن السيسي تعامل مع مشكلات ومشروعات إفريقيا بالطريقة ذاتها التي تعامل فيها مع المشروعات المصرية، كما اهتم بإنشاء منطقة التجارة الحرة، وتحدث عن دول القارة التي تصدر مواردها وتعيد استيرادها مرة أخرى، كما استطاع التدخل بإيجابية لحل العديد من المشكلات بين الدول الإفريقية.

لوهلة يبدو التقرير موجها للحديث عن مصر نفسها وليس الدول الإفريقية الأخرى، إذ إن النظام الذي يحكمها كان يصدر مواردها والآن يعيد استيرادها، كالغاز الطبيعي، الذي أصبح يأتي من الكيان الصهيوني بعد أن كان يأخذه من النظام المصري بأبخس الأثمان.

حديث التقرير حول طريقة تعامل السيسي مع مشكلات إفريقيا بذات الطريقة على المستوى الداخلي، يفضح النهج الذي سار عليه رئيس الانقلاب منذ توليه الحكم، إذ اعتمد على الصور البراقة والمؤتمرات الحاشدة في إثبات إنجازاته، والتي لا يزال المصريون يعرفون منها وينكرون.

تنمية على الورق

على هامش الاحتفال بيوم إفريقيا في مايو/ أيار الماضي، أكد السيسي في كلمته على أن "القارة تخطو بثبات نحو تحقيق التنمية المستدامة من خلال تنفيذ خطة طموحة ممثلة في أجندة 2036، ولذا من المهم العمل على الاستفادة من قدرات القطاع الخاص إلى جانب جهود الحكومات الإفريقية، لبناء المشروعات القارية الرائدة.

وبالنظر إلى ما تم إنجازه خلال رئاسة مصر، فإن معظمه يتركز حول توقيع اتفاقيات ومناقشة مشروعات دون البدء في مشروع تنموي حقيقي يأخذ بيد القارة ويدفعها في طريق التطور والاستقلال.

وحسب صحيفة "الأهرام" المصرية، فإن الاتحاد الإفريقي تحت رئاسة مصر، تمكن من تحقيق التعاون مع الصين لإيصال الكهرباء لـ 600 مليون إفريقي، كما أن اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية دخلت حيز النفاذ بعد تصديق 24 دولة.

وبالنظر إلى بقية الإنجازات التي عددتها "الأهرام" فإنه يلاحظ ارتكازها على توقيع اتفاقيات تخص استضافة مراكز متخصصة داخل الاتحاد، ومناقشة مشروعات لجنة وزراء العدل بإثيوبيا، إلى جانب طلب المشورة من مؤسسات دولية.

وخلال فعاليات النسخة الأولى من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة، الذي انعقد في مدينة أسوان في 11 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تحدث السيسي عن الحاجة إلى مقاربة شاملة في معالجة التحديات التي تواجه القارة.

وأكد رئيس النظام في مصر أن "النمو تحقق في دول كثيرة في الدول الإفريقية"، وأن "إفريقيا ليس لها حل سوى التنمية المستدامة"، مضيفا "تغلبنا على بعض المعوقات ودفع التنمية في سبيل دفع السلام"، حسب تعبيره.

"بطلة مكافحة الهجرة"

في فبراير/ شباط الماضي، نقلت إذاعة صوت ألمانيا "دويتشه فيله" عن مسؤول بالاتحاد الإفريقي طلب عدم ذكر اسمه، أن الجلسة الأولى في عهد السيسي كرئيس للاتحاد، ستتركز حول "اللاجئين والعائدين والأشخاص المشردين محليا" على أن يتم تقديمه في سياق أمني، وأن "القاهرة تنصب نفسها (بطلة) في المعركة ضد الهجرة غير الشرعية، ونموذجا لاستضافة اللاجئين على أراضيها".

ففي لقائه بمجموعة من الشباب المشاركين في "منتدى شباب العالم" قال السيسي: إن من المقرر إطلاق مبادرة "إسكات البنادق" عام 2020، مشيرا إلى أن "دور مصر لن ينتهي بتسليم رئاسة الاتحاد الإفريقي لجنوب إفريقيا في فبراير المقبل، وسوف تستمر في مساعيها السلمية لمساعدة كل دول القارة"، حسب تعبيره.

وعلى هامش النقاش حول "سبل تعزيز التعاون بين دول المتوسط في مواجهة التحديات المشتركة"، أكد السيسي عدم تفضيله لوصف "لاجئين"، وأنه يفضل إطلاق لفظ "ضيوف"، مشيرا إلى أن "مصر استطاعت أن تتحكم في الهجرة غير الشرعية حينما استعادت حالة الاستقرار التي فقدتها بعد أحداث 2011"، حسب تعبيره.

تزامن ذلك مع اتصال هاتفي أجراه السيسي مع رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، أكد فيه تعاون مصر في جهود مكافحة غير الشرعية، في ضوء علاقات التعاون بين المجلس الأوروبي والاتحاد الإفريقي تحت الرئاسة المصرية.

فعاليات براقة

سيرا على طريقته في عقد المؤتمرات داخل مصر، التي يستثمرها في بث رسائله، عقد السيسي خلال فترة رئاسته للاتحاد الإفريقي عددا من المؤتمرات والمنتديات باسم رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي، إلى جانب مشاركته في قمم دولية متعددة.

ففي 2 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عقد المؤتمر الاقتصادي الإفريقي 2019 في شرم الشيخ، والذي يقام كل عام في دولة مختلفة، لكن هذه المرة تم اختيار مصر بحكم رئاسته للاتحاد.

الحدث الذي يذكر بالمؤتمرات الاقتصادية التي عقدها بعد الانقلاب العسكري والتي أعلن عن دخول المليارات خزينة مصر نتيجة اتفاقيات على هامش تلك المؤتمرات، الأمر الذي ثبت خلافه لاحقا.

وفي 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، انعقد منتدى إفريقيا للاستثمار في العاصمة الإدارية الجديدة، بمشاركة عدد من رؤساء وحكومات مختلف الدول الإفريقية.

كان آخر تلك المنتديات، منتدى أسوان للسلام والتنمية بإفريقيا، والذي أسفر عن العديد من التوصيات التي تتعلق بمشكلات النزوح القسري، ودعم السلام، وتمكين المرأة وتأمين حقوقها.

وخلال رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي حرص السيسي على المشاركة في جميع المحافل الدولية الممكنة، بحجة إيصال آمال شعوب القارة إلى كل العالم، ققد شارك في العديد من القمم الدولية باسم إفريقيا، في الصين، واليابان، وألمانيا، وروسيا، والنيجر.

لعبة الحبلين

على الرغم من حرص السيسي على إظهار إنجازاته خلال رئاسته للاتحاد الإفريقي، إلا أنه سار على طريقته المعتادة في لفت الأنظار عبر إقامة المؤتمرات والمنتديات الفخمة.

ففي أزمة جنوب السودان، تلك المعركة الطاحنة على المستوى الداخلي للدولة المنفصلة عن أمها، تفاخر نظام السيسي بدعم كافة الجهود الرامية لتحقيق التسوية السياسية النهائية في جوبا، حسب بيان المتحدث الرسمي باسم رئاسة النظام في مصر.

وأضاف البيان أنه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وخلال لقاء السيسي مع رئيس جنوب السودان سلفا كير، على هامش الفعاليات الروسية الإفريقية في مدينة سوتشي، "أعرب رئيس النظام عن حرص مصر على تطوير العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى جهود مصر التي تبذلها لاستقرار الأوضاع في المنطقة"، حسب تعبيره.

في المقابل، وجهت وزيرة الخارجية والتعاون الدولي في جنوب السودان، أووت أشويل، في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2019، السيسي بضرورة التدخل لتثبيت إجراءات السلام، بوصفه رئيس النظام هناك، رئيسا للاتحاد الإفريقي، حسب صحيفة "الوطن" المصرية.

وقالت أشويل: إن "مصر يجب عليها التدخل لوقف التوتر في جنوب السودان"، مشيرة إلى أن لدى بلادها فرصا استثمارية هائلة يمكن لمصر الاستفادة منها، الأمر الذي ينبى عن عدم صدق بيانات المتحدث الرسمي باسم رئاسة النظام في مصر، والتي تكرس أهمية الأدوار التي يقوم بها السيسي، والتي -في الحقيقة- لا يوجد لها أثر واقعي على الأرض.

الأمر اختلف قليلا في قضية السودان بعد عزل البشير، فقد رأى العالم كله جهود رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ورأى أيضا وقوف مصر بجانب السعودية والإمارات في دعم المجلس العسكري الذي كان يأبى تسليم السلطة للمدنيين، لكن في نهاية المطاف وبعد انفراج جزء من الأزمة، قام إعلام السيسي بالترويج لجهوده المزعومة في حل الأزمة السودانية.

قضايا مهمشة

هناك العديد من الأزمات التي تمر بالقارة السمراء، لكن لم يكن لها حظ من الحل سوى الخطابات والتوصيات. ففي اليوم نفسه الذي تولى فيه السيسي رئاسة الاتحاد الإفريقي، أشار إلى ضرورة الاهتمام بإعادة الإعمار والتنمية لضمان عودة النازحين إلى بلادهم، عبر العمل على تعزيز قدرات الدولة الوطنية وتهيئة الأوضاع في القارة، وفقا لصحيفة "اليوم السابع" المصرية.

مرت شهور عشرة على تلك التصريحات، حتى جاء منتدى "أسوان للسلام والتنمية"، ليشدد في توصياته على "ضرورة تسريع وتيرة التعامل مع مشكلة النزوح القسري، والتصديق على الأطر التنفيذية الوطنية في الدول الإفريقية، وتشجيع دول القارة على تناول المشكلة في الخطط التنموية الوطنية، والتشاور مع وأخذ مصالح المجتمعات المحلية المستضيفة للنازحين بعين الاعتبار".

ويثير الأمر تساؤلات عدة، أين كان السيسي خلال تلك المدة من هذه القضية التي تفاخر بالحديث عنها مرارا خلال معظم المناسبات القارية والدولية؟ ناهيك عن بقية القضايا التي لم يتطرق لها نهائيا مثل قضية جماعة بوكوحرام النيجيرية، وقضايا الصومال، والأزمة الجزائرية المغربية، ومسألة الأراضي التي تحتلها إسبانيا في شواطئ مملكة المغرب.