أكاديمي مصري: السيسي الخاسر الأكبر من ظهور محمد علي (حوار)

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحولات هامة شهدتها مصر خلال الأسابيع القليلة الماضية، تحديدا منذ ظهور رجل الأعمال والفنان محمد على على الساحة، ونشره عددا من التسجيلات المصورة التي تناول فيها بعض مظاهر الفساد لمنظومة الحكم التي يرأسها عبد الفتاح السيسي.

كان لهذه التسجيلات تداعياتها التي لم تتوقف بعد، وجاءت وفق خطة محددة واضحة المعالم، دفعت السيسي لحشد كل قواه السياسية والأمنية والعسكرية والإعلامية بل والفنية لمواجهة هذه التسجيلات للدرجة التي دفعته لتنظيم مؤتمر خاص للرد على ما جاء في تسجيلات محمد على الذي دعا إلى حراك ثوري استجابت له أعداد ليست بالقليلة من الشعب.

ظاهرة محمد علي، والحراك الثوري في الداخل، وموقف المعارضة بالخارج، ودور المؤسسة العسكرية وعلاقتها بالمشهد الساخن، بالإضافة إلى مواقف الدول الخليجية والغربية التي دعمت انقلاب السيسي في 3 يوليو/تموز 2013، كانت محل حوار "الاستقلال" مع الدكتور عصام عبد الشافي أستاذ العلوم السياسية، رئيس أكاديمية العلاقات الدولية، فإلى نص الحوار.

محمد علي

  • بداية.. وصفت محمد علي بأنه ظاهرة شديدة الأهمية وطالبت المعارضة بدعمه من ‏بعيد وألا يحرقوه.. فماذا تعني بأنه ظاهرة؟‎

ظهور محمد على لم يكن عبثيا، لكنه جاء نتيجة طبيعية لتحالف العديد من القوى والمكونات الأساسية في الداخل المصري التي تضررت مصالحها وتعرضت للاستهداف المباشر من جانب السيسي والمنظومة الموالية له والتي عمل على صنعها خلال السنوات الثماني الماضية، بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

محمد على كان وما زال محرك ما حدث في مصر مؤخرا، والشرارة التي فتحت الباب نحو هذا الحراك ولا يجب مطالبته بأكثر من هذا بل تقديره على ما قام به حتى الآن.

  • ماذا تعني بتلك القوى المتضررة من السيسي؟

أولا: قطاع واسع من المؤسسة العسكرية، التي رغم تضخم شبكة نفوذها ومصالحها، إلا أن من تم العصف بهم من قادة المجلس العسكري بعد 2013، وحتى الآن تضرروا كثيرا في مكانتهم داخل المؤسسة وفي حجم المزايا التي كانوا يتمتعون بها.

ثانيا: عدد من الأجهزة الأمنية والعسكرية، التي تم تفكيك بنيتها، لصالح شخصيات تابعة للسيسي، فعملت على الرصد والتوثيق لكل الانتهاكات وقادت حركة التسريبات لضرب صورته الذهنية، التي لا تحتاج إلى تشويه، لأنها بالأساس مُشوهة، ولكن تحتاج إلى توثيق وترسيخ هذا التشويه.

ثالثا: أركان منظومة مبارك، التي ما زالت تتعامل مع الدولة على أنها جزء من ممتلكاتها، لأنها تحكمت في هذه الدولة وبنيتها لنحو 30 عاما، وأنشأت دولة عميقة من المنتفعين والفاسدين والمجرمين، الذي تم استهدافهم بعد انقلاب 2013.

رابعا: منظومة رجال الأعمال، الذين كان لاحتكار الجيش وتغلغله في كل النشاطات الاقتصادية تدمير لمقدراتهم ونشاطاتهم، وأصبح الكثيرون منهم تحت رحمة منظومة السيسي، وما يمنحونه وما يمنعونه، وخاصة أن هذه العصابة تتعامل مع كل النشاطات بالأمر المباشر دون رقابة أو سيطرة من أي مؤسسة.

  • لكن السيسي رد على تسريبات محمد علي في مؤتمر الشباب

المؤتمر كانت سلبياته وأضراره أكبر للسيسي ومنظومته، لأنها عززت من الاتهامات التي تضمنتها التسجيلات، وشكلت دافعا للعديد من الأفراد للدخول على خط محمد علي، ونشر ما لديهم من وثائق ومستندات تكشف عن العورات والاختلالات وبنية الفساد في منظومة السيسي، وتساعد في عمليات الحشد والتعبئة التي دعا إليها محمد علي، وتبنتها العديد من القوى والتيارات.

السيسي الخاسر الأكبر منذ ظهور محمد علي، لأنه تحول من الفعل ولأول مرة منذ سنوات إلى رد الفعل، وتم كشف صورته الحقيقية التي حاول تزييفها خلال السنوات الماضية، كشريف وصادق ومخلص، إلى النقيض بالمطلق.

المعارضة بالخارج

  • المعارضة بالخارج.. لماذا لم تتمكن من تحقيق ما نجح ‏محمد علي في تحقيقه؟

هذه القوى تعمل منذ 6 سنوات ضد السيسي ومنظومته، لكنها لم تُنتج فعليا ما يمكن اعتباره عوامل حاسمة لإسقاط النظام، فلم يكن لديها رؤية واضحة أو برنامج عمل محدد، وتشرذمت وتفككت أوصالها، حتى طال التشرذم أهم مكوناتها وهي جماعة الإخوان المسلمين.

اكتفت هذه القوى جميعها، بمكوناتها وشخصياتها، برد الفعل العشوائي وغير الممنهج، بل والمتراجع حتى أصبحت عاجزة عن الفعل بامتياز، وتنتظر من أي تحول من داخل النظام، أو تغير في توجهات داعميه الإقليميين والدوليين، أو حدوث تحول مؤثر في البيئة الإقليمية والدولية يكون له ارتداداته في الداخل المصري، سواء في ليبيا أو اليمن أو السودان أو غيرها من دول الإقليم المتفاعلة مع المشهد في مصر.

ورغم تعدد الفرص التي أُتيحت لقوى المعارضة، إلا أنها فشلت في الاستفادة منها بشكل مؤثر، حتى جاءت فرصة محمد على، فكان التعامل أيضا من باب رد الفعل، والتحرك مع المتحركين، من باب "عدو عدوي صديقي" ولكن أيضا مع غياب الرؤية والبديل القادر على إدارة الفرصة الراهنة.

  • لكن ما الذي يجب على المعارضة بالخارج فعله في ظل الوضع الراهن؟

منظومة المعارضة في الخارج، تنتظر مع المنتظرين ما سيتمخض عن صراع المنظومتين الفاسدتين، وترى في إسقاط السيسي مخرجا للتنفس والتهدئة، وحلحلة الأوضاع المأزومة، ولكن دون أن يكون لها دور في المشهد السياسي القادم، حال سقوط السيسي، لأن الأمر في نهايته سيكون انقلاب على الانقلاب.

وطبيعي سيخرج من بين صفوفها من يقدمون أنفسهم أبطالا قوميين، كانوا ركيزة الحراك لإسقاط السيسي، رغم محدودية إن لم يكن انعدام أي تأثير لهم جميعا في المشهد، ولكنها طبيعة مراحل التحولات، مع الانكسارات يختفي الكثيرون، ومع الانتصارات يحاولون القفز فوقها والتربح منها مع المنتفعين.

‏ ‏الحراك وتداعياته

  • ما تقييمك لحراك سبتمبر وخاصة حراك جمعة 27 سبتمبر؟

حراك سبتمبر/أيلول 2019، كشف بعمق عن الامتداد الشعبي وتجذر قيم الوعي في نفوس هذا الشعب، بدليل ملايين المتابعات والتعليقات لفيديوهات محمد على والتسريبات التي تمت من داخل قصور الطغاة والمجرمين.

وكذلك تفاعل الملايين من المواطنين ونشرهم كما هائلا من الأخبار والمعلومات والصور والفيديوهات الداعمة لمحمد على، والداعمة للمنصات الإعلامية للحراك الشعبي المصري.

الأمر الذي نقل المعركة من مواجهة بين الفنان الشاب ورجل الأعمال المصري محمد على ومنظومة فساد السيسي، إلى مواجهة حقيقية بين الشعب بكل مكوناته وتياراته ومحافظاته وهذه المنظومة. حراك جمعة 27 سبتمبر/أيلول شهد تطورين نوعيين مهمين وبارزين:

الأول: خروج أهلنا في الصعيد من اليوم الأول، وهذا ما ضرب مخططات السيسي القائمة على تأمين القاهرة والجيزة والإسكندرية، والتي يغطيها الإعلام الدولي، وخروج مظاهرات الصعيد نقل الرسالة للعالم، أن الكل في مصر مستهدف وأن الحراك كان الأسبوع الماضي في الشمال وهذا الأسبوع في الجنوب.

الثاني: ارتفاع سقف الخطاب من اليوم الأول للخروج، وهو استهداف رأس النظام وليس أحد رموزه أو مكوناته، وهذا دليل على أن الجميع يدرك أن السيسي هو رأس الفساد والاستبداد والتسلط، وأنه في وجوده وبقائه تدمير للجميع.

  • توقعاتك لما ستسفر عنه الأحداث

أكبر خطر يمكن أن يواجه أي ثورة ليس فقط ثورة مضادة، لكن ثورة التوقعات، وهي المبالغة في حجم التوقعات والرهانات والآمال والطموحات، مما قد يدفع لليأس والإحباط.

  • توصيفك للصراع الحاصل في مصر وإلى متى سيستمر؟

المعركة مستمرة وطويلة لأنك تتعامل مع منظومة فساد مترسخة وممتدة لأكثر من 65 عاما وتدافع بشراسة على بقائها وليس مصالحها فقط، فالصراع في مصر صراع بقاء وليس صراع مصالح فقط، صراع بين شعب وإرادته وحريته وكرامته ومن يدافع عنها، وبين منظومة خونة وعملاء وفاسدين ومجرمين وجبناء.

مواجهة السيسي

  • هل تشكل حالة الرعب التي تسيطر على نظام السيسي أرضية صلبة للإطاحة ‏بنظامه؟

الأزمة قوية بالفعل للسيسي ومنظومته، ويمكن أن تعصف بهذه المنظومة فعليا، إذا نجحت منظومة المتضررين في بناء الحشد الشعبي الضاغط والداعم لحركتها الراهنة، وهى حتى الآن تحقق نجاحا لافتا في هذا الإطار، على الأقل عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر عدد من الهاشتاجات الكاشفة للسيسي ومنظومته مثل #كفاية_بقى_ياسيسي و#استناني_ياسيسي، والدعوة للاحتشاد في الميادين نهاية هذا الأسبوع.

  • برأيك ما هي أنجح الوسائل التي يجب على المصريين استخدامها لمواجهة السيسي وأعوانه؟

التحرك في مواجهة السيسي يكون عبر سياسة شد الأطراف، من خلال الحراك الفاعل والنشط بكل صوره في المحافظات النائية والحدودية لأنه لن يستطيع مهما كانت قدراته تحويل كل مصر إلى ثكنة عسكرية كما فعل مؤخرا في ميدان التحرير وعبر منافذه الأساسية.

  • هل يمكن للسيسي شراء ولاء المؤسسة العسكرية كاملة؟

لو افترضنا أن عسكر مصر بينهم 10 آلاف قائد خائن، ولو افترضنا أن السيسي يمكن أن يشتري كل فاسد منهم ودفع له 10 ملايين جنيه، فنحن نتحدث عن ألف مليون جنيه أي مليار جنيه، ولو الدولار يعادل 17 جنيه يكون المطلوب نحو 60 مليون دولار، يمكن أن يحولها داعموه في الإمارات والسعودية وحتى إسرائيل اليوم لضمان الولاء والسيطرة.

ولكن في مقابل هؤلاء ستجد نحو 500 ألف آخر داخل الجيش بمستوياته ومؤسساته وقطاعاته، كم يستطيع أن يشتري منهم، وبينهم آلاف الشرفاء والوطنيين المخلصين الذين يمكن أن يصنعوا الفارق ويدافعوا عن كرامة وطنهم بل وعن كرامتهم أيضا.

  • هل يضع السيسي في اعتباره فرضية انقلاب المؤسسة العسكرية عليه؟

السيسي قام خلال السنوات الست الماضية ببناء منظومات حماية خارج منظومة الجيش تدين له بالولاء المطلق، مثل قوات الانتشار السريع، و777، و888 و999، وهي أقرب إلى عصابات المرتزقة وشركات الأمن الخاصة التي تديرها الإمارات في ليبيا واليمن والسودان والآن في مصر، وتتم إدارتها من داخل مؤسسة الرئاسة، ويجب العمل على كشفها وكشف صور فسادها.

ملفات خارجية

  • ترامب قال أين ديكتاتوري المفضل حين سأل عن السيسي، والوزير الإسرائيلي السابق ‏يوسي بيلين قال: أفضل ديكتاتورية السيسي على أي نظام ديمقراطي يمكن أن يحكم ‏مصر.. برأيك ماذا وجد الغرب وإسرائيل في السيسي ليدعموه؟

الغرب وجد في السيسي ورقة للتخلص من الإسلاميين وضرب الثورة المصرية، وإرادتها الشعبية، وهذا النهج ليس جديدا على القوى الاستعمارية المهيمنة التي تعتمد على مستبدين ومتسلطين، بل وفاسدين لضمان الهيمنة والسيطرة على الشعوب ومقدراتها.

  • إسرائيل ماذا تستفيد من النظام الحالي؟

إسرائيل أكبر مستفيد من بقاء السيسي، لأنه يعمل على تغيير عقيدة الجيش المصري تجاه إسرائيل، وعدم اعتبارها العدو الإستراتيجي للدولة المصرية، ويقوم بحصار وتشويه حركة المقاومة الفلسطينية حماس بما يخدم الأجندة الصهيونية، وقام بتجريف مساحات واسعة من شبه جزيرة سيناء وتهجير سكانها لصالح إسرائيل، بجانب أنه أهم رعاة خطط ترامب الخاصة بما يسمى صفقة القرن.

  • ربط سياسيون بين التصعيد الأخير لخارجية السيسي في ملف سد النهضة وبين فيديوهات ‏محمد علي وغيرها، فهل يبحث النظام عن مخرج؟

التصعيد في ملف سد النهضة ليس بعيدا عن الأحداث وسياقاتها، بطبيعة الحال، فكل النظم الاستبدادية والتسلطية عندما تواجه تهديدات داخلية يمكن أن تنال من شرعيتها وبقائها، تسعى لتصدير الأزمات للخارج عبر خلق صراع وهمي، لخلق نوع من الالتفاف الوطني الداخلي حول القضايا الخارجية.

  • ‏تقييمك لإدارة نظام السيسي لملف سد النهضة

إدارة الملف تشهد العديد من السلبيات بل والجرائم التي يجب أن يحاكم عليها النظام، لأنها كل كانت تصب في اتجاه التجاهل والتهاون وعدم التقدير الدقيق للموقف، بل وأحيانا المتاجرة بهذا الملف عام 2013 بعد الانقلاب العسكري، حتى يحظى برضا إثيوبيا في الاتحاد الإفريقي، ويتمتع بدعمها في ملف عدم تجميد عضوية مصر في الاتحاد على خلفية الانقلاب.

  • لكن يبدو أن السيسي وتصريحاته ‏ومؤتمراته أصبحت عبء على دول الخليج..

السيسي عبء على الجميع، وقناعاتي المطلقة أن شعوب كل دول الخليج ضد السيسي وسياساته بل وتتعامل معه بنوع من التحقير والاستخفاف، ولكن شعوب النظم التي تدعم السيسي (مثل السعودية والإمارات) للأسف ليس لها من أمرها شيء في ظل حالة القمع والقهر التي تتعرض لها من نظمها، وحالة الرقابة والتجسس الدائم والمستمر على الحسابات الشخصية لمواطنيها، ومطاردتهم داخل البلاد وخارجها.

  • الفترة القادمة هل تشهد تخلي أنظمة الخليج عن السيسي؟

الأمر ليس بيد هذه النظم، لأنها لا تتمتع باستقلالية في سياساتها الخارجية، وكل ما يعني النظم الداعمة للسيسي هو البقاء في الحكم وفقط، وبالتالي تخضع بالمطلق لتوجيهات إسرائيل وأمريكا.

محمد بن سلمان مثلا تابع وضعيف ونظامه هش، ولا يملك 1% من القدرة على اتخاذ القرار في أي ملف في ظل الفشل المتلاحق والانكسارات التي تتعرض لها السعودية في كل المواجهات التي تخوضها خلال السنوات الأربع الماضية بداية من حرب اليمن، وحصار قطر، واغتيال خاشقجي، ثم استهداف مطاراتها وموانيها بل وحقولها النفطية في بقيق وخريص مؤخرا.

  • تتوقع إعادة تيران وصنافير لمصر مرة أخرى..

يقينا ستعود عندما تعود للشعب المصري إرادته وكرامته، ويسترد ثورته ويتمتع نظامه السياسي بشرعيته، ليس من باب الأمنيات، ولكن وفق عشرات الأسانيد التاريخية والقانونية والإستراتيجية للدولة المصرية، ومن باب أن من تنازل عنها هو نظام فاقد الشرعية، جاء بانقلاب عسكري في 2013، وقام باغتيال الرئيس الشرعي للبلاد، الدكتور محمد مرسي في 2019.

  • لماذا تصر الإمارات على دعم السيسي؟

الإمارات كيان وظيفي، يخدم أجندة صهيونية أمريكية في المنطقة، ويقوم دورها الوظيفي على السيطرة على الموانئ الإستراتيجية العربية في اليمن والصومال وجيبوتي ومصر وليبيا وتونس والجزائر وغيرها، بجانب تدمير القدرات الإستراتيجية للقوى الإقليمية مثل مصر وتركيا وليبيا بل والسعودية حليفتها الإستراتيجية في دعم الانقلابات والثورات المضادة.