ترامب لمح بانسحابه.. هل تخلف إسرائيل أمريكا في حماية أمن الخليج؟

شدوى الصلاح | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

بات من المُؤكَّد حرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الزَّج بتل أبيب في قلب المشهد الخليجي حين أدخلها على خط حماية الملاحة في مياه الخليج، وذلك بعد أن تكررت الدعوات الإسرائيلية الموجهة إلى دول المنطقة للوقوف في صف واحد خلف الولايات المتحدة ضد إيران.

واشنطن التي تُعدُّ حليفاً إستراتيجياً لدول الخليج، تدفع حلفائها دفعاً نحو إسرائيل كحليف إستراتيجي بديل لها.

صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية نقلت عن مسؤولين أنَّ "إسرائيل تقوم بدور نشط في تحالف حماية السفن في الخليج الذي تسعى واشنطن لتشكيله لضمان حرية الملاحة في مياه الخليج الإستراتيجية ومضيق هرمز، ما يضعها مباشرةً قُبالة شواطئ إيران".

وبعد أن وضع إسرائيل في الصدارة، أعلن ترامب تخلِّيه عن حماية دول الخليج والانسحاب، مبرراً موقفه بأنَّه "لن يقاتل في مضيق لا يستفيد منه" في إشارة لمضيق هرمز.

وكيلة واشنطن

حسب خبراء، فإنَّ عضويّة إسرائيل في التحالف مُقدّمة لتتويجها وكيلة لواشنطن ومسؤولة عن حماية أمن دول الخليج من "فزّاعة" الخطر الإيراني، الأمر الذي يعني عزل هذه الدول كُلِّيًّا عن مُحيطها العربي والإسلامي وربطها بالكامل بالأمن الإسرائيلي في منظومة أمنيّة وعسكريّة جديدة.

إسرائيل كاتس، وزير الخارجيّة الإسرائيلي، كان أوّل من كشف رسميًّا عن مُشاركة حُكومته في هذا التحالف، وتكهّن في تصريحات للإعلام الإسرائيلي بأنّ الخطوة المُقبلة ستتمثّل في توقيع اتّفاق تطبيع كامل مع الدول الخليجيّة، وقال: إنّ الدور الإسرائيلي سيكون في ميدان العمليّات الاستخباريّة، وهي التّجارة الرابحة لحُكومته.

وبدوره، صرَّح مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي، بأنَّ دولاً خليجية وإسرائيل يداً بيد لمواجهة إيران، معلناً عن بداية تشكُّل تحالف دولي من أجل بلورة أنظمة دفاعية لخفض التصعيد في منطقة الشرق الأوسط "بمشاركة دول عربية وإسرائيل". 

وأوضح المسؤول الأمريكي، في كلمة ألقاها بجامعة ولاية كنساس، الجمعة 6 سبتمبر/أيلول الجاري، أنَّ هذا التحالف يضمُّ دولاً خليجية وأوروبية وآسيوية إلى جانب إسرائيل، زاعماً أنَّ إيران هي "المشكلة المركزية" التي تُسبب حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

وقال الوزير الأمريكي، وفق ما نقله موقع الجزيرة، إنَّ الإدارة الأمريكية تعمل على إقامة تحالف يضمُّ دولاً خليجية وإسرائيل وشركاء أوروبيين ودولاً من آسيا لتخفيف التوتر وتقليل احتمالات حدوث صراع في المنطقة.

"واشنطن لا تملك قوة الردع ضد الهجمات التي تستهدف شركائها في المنطقة كالسعودية والإمارات"، تصريح له أكثر من دلالة قصدها الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية.

التصريح جاء بعد عمليات استنزاف متواصلة لأموال حلفاء أمريكا الخليجيين وخاصة السعودية، انتهجها ترامب منذ توليه منصبه في يناير/كانون الثاني 2017، إلى أن أعلن مؤخراً أنَّ بلاده لم تعُد بحاجة لنفط الخليج، وهو الإعلان الذي جاء بالتزامن مع تحذيرات مُحللين بركود الاقتصاد الخليجي.

تمهيد مسبق

تصريح دانفورد جاء متسقاً ومتناغماً مع ما مهَّد له ترامب على مدار الشهرين الماضيين، ففي يوليو/تموز الماضي وخلال خطاب متلفز خلال مشاركته في قمة طلابية تُعقد سنوياً بالعاصمة واشنطن، شكك في إمكانية أن تُؤدِّي بلاده دوراً في حماية ناقلات النفط بمضيق هرمز، قائلاً: إنَّ وجود بلاده هناك "يفيد الدول الغنية وإنَّ بلاده لم تعُد بحاجة للنفط".

عبر حسابه بتويتر، استبق ترامب هذه التصريحات بدعوة الدول المستوردة لنفط الخليج لحماية نفسها. مشيراً إلى أنَّ الولايات المتحدة لا تُبالي بإغلاق إيران للممرات البحرية المستخدمة لنقل نسبة كبيرة من صادرات النفط من الخليج.

ومضى بالقول: "لا ينبغي التعويل على القوات المسلحة الأمريكية لضمان حرية الملاحة في المياه المحاذية للسواحل الإيرانية". 

تصريحات الجانب الأمريكي جاءت على خلفية التوتر الذي تشهده الملاحة البحرية عقب أزمات احتجاز الناقلات المتصاعدة خلال الأشهر الماضية، والتي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ حديث ترامب عن حماية الخليج ومطالبته بثمن الحماية لم تكن إلا خدعة وألفاظ استخدمها تاجر لاستنزاف المزيد من أموال الخليج، وتمرير صفقات السلاح وتعزيز الوجود العسكري في المنطقة وتعظيم قوة إيران.

خدمة المصالح الإسرائيلية أيضاً كانت على الأجندة الأمريكية في تعاملها مع دول الخليج، حيث سعت لتشكيل تحالف لضمان حرية الملاحة في مياه الخليج الإستراتيجية ومضيق هرمز، وتُوِّج خلاله الاحتلال الإسرائيلي حامياً لدول الخليج، بإعلان ضمِّ تل أبيب إلى التحالف الذي دعا لتشكيله في تكريس علني للتطبيع الأمني والعسكري بين تل أبيب ودول الخليج.

 

نهج التنصل الأمريكي من المسؤولية المتبع في التعامل مع دول الخليج يحمل عِدَّة دلالات، منها أنَّه يدفعهم بقوة إلى اللجوء إلى إسرائيل لطلب الحماية ضد إيران بعدما أعلنت أمريكا التخلي عنهم، أو يفتح الطريق لإيران للعدوان على دول الخليج، أو أنَّه يرمي الكرة في مرمى الحلفاء الخليجيين، ويدفعهم للتفاوض مع طهران وحل الخلاف معها، مثل ما تسعى له واشنطن الآن.

وقد يحمل رسالة مباشرة لدول الخليج بأن يُدافعوا عن أنفسهم، وهو ما يستلزم مزيد من التسليح الذي يدفعهم للهرولة تجاه أمريكا لعقد المزيد من صفقات السلاح، ومن ثمَّ دفع مزيد من الأموال مرة أخرى لتبقى سلسلة الاستنزاف الأمريكي لأموال الخليج مستمرة.

 

فزاعة إيران

شغف "ترامب" بجمع المال من دول الخليج كانت أهم سمات سياسته في التعامل مع حلفائه، إذ وضع أموال الخليج نصب عينيه منذ اللحظات الأولى التي قرر فيها الوصول لرئاسة أمريكا، ولم يخجل من إعلان ذلك صراحة خلال حملته الانتخابية.

كما تباهى بتحقيق أهدافه عقِب كل صفقة يعقدها مع دول الخليج التي يعاني معظمها من أزمات اقتصادية ومالية في ظل تراجع إيرادات النفط وكلفة الاضطرابات والحروب التي تحيط بها من كل جانب، ما انعكس سلباً على حياة المواطنين.

وحسب مراقبين، فإنَّ ترامب يدعم في الخفاء ما تفعله إيران في المنطقة، ويتعامل مع الشرق الأوسط من منطلق رجل اقتصاد يبحث عن أموال وثروات ينمي بها بلاده، ووجد من إيران بنك حظ وفزاعة يجني من خلالها أموال الخليج.

استخدمت أمريكا إيران "فزاعة" لتمرير صفقات السلاح للخليج في التفاف معلن على قوانين البرلمان الأمريكي "الكونجرس"، علاوة على حجم المبالغ التي دفعتها دول الخليج وبالأخص السعودية للولايات المتحدة في مقابل تعهُّد أمريكي بحماية المنطقة من أي اعتداء.

لتُبَرِّي أمريكا نفسها من الالتزام بأيِّ تعهُّد تجاه دول الخليج وتعلن تخليها عن حلفائها وعدم قدراتها على حمايتهم من أيِّ عدوان إيراني.

 

بيع الخليج

ورغم العلاقات الاقتصادية والعسكرية الراسخة التي تجمع دول الخليج بواشنطن، إلا أنَّ تصريحات الجانب الأمريكي بالتزامن مع بزوغ العلاقات الأمريكية الإيرانية، يعني إلقاء واشنطن لكرة "حل التفاوض" مع إيران في مرمى الحلفاء، إذ تحمل رسالة أمريكية للخليجيين بأنَّ عليهم أن يفعلوا مثلها، ويستجيبوا لعرض طهران الذي قدمته في مايو/آيار الماضي، حين أعلنت استعدادها للتفاوض مع دول الخليج.

إلا أنَّ طهران لم تتلق رداً خليجياً، لأنَّ حلفاء أمريكا في الخليج ألقوا بثقلهم وراء ترامب الذي استخدم "إيران" فزاعة"، زاعماً أنَّه يتخذ موقفاً متشدداً منها لتحقيق مصالحه مع دول الخليج، لتُثبتِ الأيام أنَّ ترامب لا يُلقي بالاً للخليج ولا يلتفت لما يُهدد وجودهم وكياناتهم، وإنما يسير مع إيران في فلك واحد، حسب مراقبين.

رغم أنَّ السعودية ترى إيران عدواً تدعو المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات إزاء تجاوزاتها وخاصة النووية، إلا أنَّ ترامب يبقي الباب مفتوحاً أمام احتمال تخفيف الولايات المتحدة العقوبات على إيران، معرباً عن اعتقاده بأنّ طهران تريد إبرام اتفاق مع واشنطن بخصوص برنامجها النووي.

فيما تقوم فرنسا بوساطة لتهيئة الظروف لاجتماع بين ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني، نهاية سبتمبر/أيلول الجاري، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما أبدى ترامب انفتاحاً على خطة نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتقديم 15 مليار دولار خطوط ائتمان لإيران، مقابل عودتها إلى الالتزام بالاتفاق النووي، حسب صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية.

 

براغماتية ترامب

أثبتت سياسات ترامب أنَّه ليس لديه أصدقاء أو حلفاء، وإنما يتبع سياسة ‏‏"البراغماتية الأمريكية"، وهي سياسة لم يُخفها ترامب ‏منذ أن كان مرشحاً للرئاسة، حيث طالب النظام السعودي بدفع ثلاثة أرباع ثروته كبدل عن الحماية التي تقدمها القوات الأمريكية لآل سعود داخلياً وخارجياً.

الآن وبعد أن أصبحت تُعاني من انكماش اقتصادي واستنزاف ملياراتها في صفقات تسليح ضخمة، بدعوى مواجهة خطر إيران، أعلنت أمريكا تخلِّيها عن حماية دول الخليج حسب ما صرَّح به رئيس الأركان الأمريكي ليُعطي إشارة صريحة وضوء أخضر لإيران بأنَّ دول الخليج باتت بلا حماية وأنَّ الوقت حان لتحقيق أطماعكم وبسط نفوذكم في المنطقة.

سبق أن حذَّرت دراسة خليجية من أنَّ تحركات إيران تهدف في المقام الأول إلى تحجيم الدور السعودي في المنطقة، عبر توسيع النفوذ الإيراني في الدول المتاخمة للسعودية كاليمن والعراق واستخدام الخبرات المخابراتية لزعزعة الاستقرار فيها.

وفي فبراير/شباط الماضي، حاول الرئيس الإيراني حسن روحاني دغدغة المشاعر القومية الإيرانية بنبرة توسعية، عندما اعتبر الكثير من دول الجوار الإيراني أنها كانت "أراضي إيرانية تمَّ اقتطاعها من الوطن الأم"، حسب زعمه، بما فيها جميع بلدان الخليج وأجزاء من العراق وتركيا وكردستان وأفغانستان وجمهورية آذربيجان والقوقاز ودول آسيا الوسطى.

منْح الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لإيران جاء وسط تقديرات بتراجع اقتصاد دول الخليج، إذ يُقدِّر صندوق النقد الدولي أنَّ السعودية ستُسجل عجزاً مالياً بنسبة 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، بزيادة كبيرة عن تقدير الحكومة البالغ 4.2%، فيما يواجه اقتصاد الإمارات كومة تحديات ويُعاني من تراجع وركود، وسط توقعات  باستمرار التراجع خلال العام الجاري 2019 بنسبة حوالي 10 بالمائة.

 

عداء وهمي

الكاتب والإعلامي أحمد الهواس، قال: "أمريكا تحرص على إيران كما تحرص على إسرائيل، لأنها تحقق مصالح أمريكا في المنطقة، الخلاف الإيراني الأمريكي  المقصود به ابتزاز الخزينة الخليجية".

وبيَّن في حديثه لـِ "الاستقلال" أنَّ من بين المصالح التي تسعى أمريكا لتحقيقها هي تخويف دول وأنظمة المنطقة بهذا الصراع الوهمي مع طهران، كما أنها تعمل على تشويه الإسلام وتقضي على الكتلة الصلبة في المنطقة المتمثلة في "السنة".

فيما رأى الكاتب والباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية فهد صقر، أنَّ تصريح رئيس هيئة الأركان الأمريكية بأنَّ واشنطن لا تملك قوة ردع ضد الهجمات التي تستهدف شركائها في المنطقة تصريح غريب ولا يجب أن يصدُر عن مسؤول أمريكي بهذا المستوى حتى ولو كان صحيحاً.

واعتبر في حديثه لـِ "الاستقلال"، أنَّ التصريح بمثابة دليل آخر على ضلوع إيران مع أمريكا في سيناريو الفوضى الخلَّاقة وتقسيم المنطقة على أُسس عرقية وطائفيه، مُؤكِّداً أنَّ إيران تلعب دوراً وظيفياً مهماً في هذا السيناريو، ونطامها "عميل" يعمل ضد مصالح شعبه والأنظمة العربية تعمل ضد مصالح شعوبها. 

ولفت "صقر" إلى أنَّ تصريح المسؤول الأمريكي يُؤكِّد أيضاً أنَّ العداء الأمريكي الإسرائيلي لإيران عداء إعلامي وهمي يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليضحكوا على لحى الشعوب ويستنزفوا خيراتها، جازماً بوجود تفاهم إسرائيلي أمريكي إيراني غير مكتوب للعب إيران دور البعبع لإبتزاز الدول النفطية العربية الغنية التي هي أصلاً لا يوجد بين أنظمتها والنطام الإيراني أي عداء.

وتابع: "أمريكا تملك من أسباب القوة ما تستطيع به أن تمحي إيران عن الوجود وتحتلها أو تحاصرها وتمنع عنها أي تجارة مع العالم الخارجي مثل ما فعلت مع العراق في عهد صدام ولكنها لا تريد لأنَّ كل تدخُلات إيران في اليمن وسوريا ولبنان والعراق تتمُّ إما بالتنسيق مع أمريكا أو بضوء أخضر وتفاهمات غير مكتوبة لتنفيذ أجندات إسرائيل والغرب". 

صفعة أمريكية

الحقوقي والباحث السياسي المصري الدكتور أسامة رشدي، رأى أنَّ تصريحات رئيس الأركان الأمريكي هي ترجمة لسياسة رئيسه ترامب التي أعلن عنها مراراً من أن أمريكا لن تعمل كشرطي للحفاظ على أمن دول الخليج.

وأكَّد في حديثه لـِ "الاستقلال" إلى أنَّ هذا يعني أنَّ إيران وأذرعها ستظل هي البعبع الذي يتمُّ به تخويف هذه الأنظمة للاستمرار في ابتزازها، لافتاً إلى أنَّ أمريكا تتفاوض اليوم مع الحوثيين في اليمن الذين يقاتلون السعودية ويضربونها بالصواريخ والطائرات المسيرة، رغم ما يتهمونه بها من أنها أحد أذرع إيران في اليمن.

وأشار "رشدي" إلى أنَّ ترامب قال إنَّ أمريكا غير مهتمة بأمن الخليج وأنها دولة منتجة ومصدرة للطاقة ولا حاجة لها بأمن مصادر الطاقة، وأنَّ هذا واجب الدول التي تعتمد على استيراد البترول من دول الخليج.

وأضاف: أنَّ "كل هذه الرسائل الواضحة وصلت لهذه الأنظمة التي صفعتها هذه التصريحات ومع ذلك فهم يصمون الآذان عن الفهم لقلة حيلتهم وفساد أنظمتهم وصراعهم على السلطة".