الأعياد في السجون المصرية.. معتقلون يتحدّون ظروفهم القاسية

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حملات عديدة أطلقها ناشطون مصريون على مواقع التواصل الاجتماعي بالتزامن مع احتفالات عيد الأضحى المبارك، وهي الحملات التي دعت لتذكّر المعتقلين السياسيين في السجون المصرية، الذي يحتفل بعضهم بهذا العيد للمرة السادسة داخل زنزانته.

ورغم أن الحملات، كان الهدف منها أن تظل قضية المعتقلين السياسيين في مصر، محل اهتمام، إلا أنها كشفت عن وجه آخر ومعاناة مختلفة يعيشها المعتقلون السياسيون في مثل هذه المناسبات، سواء من الناحية الاجتماعية والأسرية أو من الناحية المعيشية داخل السجن.

وبحسب شهادات لمعتقلين سابقين، فإن الجميع في السجن يكون حريصا على إدخال البهجة والسعادة على الآخرين، باستثناء سلطات السجون التي تتفنن من جانبها في تعكير مزاج المعتقلين، ورغم ذلك فإن للمعتقلين بالسجون طرقا مختلفة للاحتفال بالعيد.

السجون أنواع

وتشير شهادات المعتقلين السابقين إلى أن نوعية السجن إما أن تساعد في الاحتفال بالأعياد، أو أنها تقف عائقا أمام ذلك، وفي مقدمة هذه النوعية من السجون، يحتل سجن العقرب سيء السمعة مقدمة القائمة، حيث تم تصميم السجن بشكل يدعم الانعزالية، وهو التصميم المستوحى من نظام "القلاية" المنتشر في الأديرة الإيطالية، حيث صُممت زنازين السجن لتكون انفرادية، لا تسمح لوجود أي تواصل بين المعتقلين بعضهم البعض.

ويؤكد معتقلون سابقون بالعقرب أنه السجن عبارة عن 4 عنابر ويطلق على كل عنبر اسم "H"، وكل عنبر مكون من أربعة أجنحة معزولة عن بعضها البعض، وفي كل جناح 20 زنزانة انفرادية، لا تتصل بالعالم الخارجي إلا من خلال فتحة صغيرة، أطلق عليها المعتقلون لقب "النضارة"، باعتبارها وسيلتهم الوحيدة لمعرفة ما يدور حولهم في أضيق الحدود.

ويحكي معتقل سابق لـ"الاستقلال"، كيف كان يقضي العيد رغم كل هذه الإجراءات المشددة، موضحا أن سجن العقرب معزول عن العالم الخارجي، والزيارات ممنوعة عنه منذ أكثر من عامين متواصلين بشكل كامل، وبالتالي فإن مظاهر الاحتفال من زينة وغيرها ليست متوافرة، كما أن الأكل الخاص بعيد الأضحى والمشهور بالفتة واللحم، ليس لهما مكان لدى نزلاء العقرب، لأنهما من الممنوعات والمحظورات.

وبحسب المعتقل السابق الذي فضل أن نذكره بلقب "أبو مصعب"، نتيجة الظروف الأمنية بمصر، فإن غياب كل شيء عن نزلاء العقرب، جعلهم يتحدون الظروف ويصرون على الاحتفال بالأعياد على طريقتهم الخاصة، ووفقا لإمكانياتهم المتاحة، من خلال تنظيم حفلات يومية يستعرض فيها كل معتقل ما لديه من مواهب، سواء من حيث الإنشاد أو الفكاهة أو التمثيل والمسابقات والطرائف المختلفة.

ويضيف أبو مصعب، أن الكبير والصغير في العقرب يكون حريصا على المشاركة في هذه الاحتفالات، لما يساعده ذلك من إدخال البهجة في نفوس غيره من المعتقلين، كما أنها محاولة لمعالجة الأثر النفسي السيئ الذي يتركه السجن لدى المعتقل، في مثل هذه المناسبات، ولكن الصعوبة تكمن في أن التواصل بين المعتقلين لا يكون إلا من خلال "النضارة" الموجودة بباب الزنزانة، وهو ما لا يسمح بالتواصل المباشر فيما بينهم، كما أن كثيرا منهم وخاصة كبار السن لا يستطيعون الوقوف أمام "النضارة" فترات طويلة لظروفهم الصحية.

ويؤكد المعتقل السابق، أن بعض العنابر في العقرب ليست انفرادية وهو ما يساعد في تنوع المواهب في الجناح الواحد، بخلاف العنابر الانفرادية التي يكون العدد فيها أقل والمواهب كذلك.

وعن صلاة العيد، يقول أبو مصعب: "إنها غير مسموح بها بشكل جماعي، بمعنى أنه لا يتم فتح الزنازين عليهم لأداء صلاة العيد مثل صلاة الجمعة ببعض العنابر، وهو ما يجعل المعتقلين يصلونها بشكل جماعي ولكن كل واحد في زنزانته، كما أنهم حريصون على تكبيرات العيد من بعد صلاة الفجر، وخطبة العيد التي يؤديها أحد المشايخ أو الدعاة، وما أكثرهم في سجن العقرب".

إلا أن المشكلة التي تواجه بعض المعتقلين كما يراها أبو مصعب، فهي متعلقة بالاختلافات الإيديولوجية بين المعتقلين، خاصة في الأجنحة التي بها منتمون للإخوان وتنظيم الدولة، حيث يكفّر أنصار التنظيم، الإخوان، ويرفضون الصلاة أو الاحتفال بالعيد معهم باعتبارهم "كفارا"، وهو أمر في حد ذاته يجعل معاناة السجن مضاعفة.

وعن أبرز المواهب التي رآها أو سمع عنها، يقول أبو مصعب، إن هناك شخصيات سياسية شهيرة، لها وجه آخر في السجون، نتيجة حرصهم على إدخال البسمة والسعادة لدي زملائهم، كما أن بعضهم اكتشف نفسه مرة أخرى داخل السجن، ووجد أن لديه موهبة في تأليف الشعر أو الزجل، أو أنه يستطيع الإنشاد والتأليف.

العيد جانا

وفيما يتعلق بالسجون الأخرى غير الانفرادية، فإن الوضع فيها مختلف بالنسبة للمعتقلين، سواء من حيث السماح بالزيارة ومن بينها زيارة العيد الاستثنائية، أو من حيث توافر بعض الأشياء التي تساعد المعتقلين في الاحتفال بالعيد بشكل مختلف، كما أن تصميم هذه السجون التي تعتمد على الزنازين الكبيرة، يمنح المعتقلين فرصة الاحتفال الجماعي المباشر داخل نفس المكان، وليس من خلال "النضارة" كما هو الوضع في سجن العقرب.

ووفق الشهادات التي ذكرها معتقلون سابقون بسجون "الليمان" و"الاستقبال" و"برج العرب" و"جمصة" وغيرهم من السجون، فإن إدارة السجن ربما تسمح في بعض الأحيان بإدخال زينة العيد خلال الزيارات، كما أنها تسمح بإدخال الطعام غير المطبوخ، بما يساعد المعتقلين في طبخ طعامهم بأنفسهم نتيجة وجود أجهزة تساعد على ذلك داخل العنابر.

وتشير هذه الشهادات إلى أن اليوم داخل الزنازين الجماعية مكتظ بطبيعته، كما أن وجود ما لا يقل عن 70 شخص في زنزانة واحدة يسمح للمعتقلين بعمل العديد من البرامج الترفيهية في الأعياد بالإضافة للبرامج اليومية التي اعتادوا عليها في الأيام العادية.

وباستثناء منع التريض خلال أيام العيد في كل السجون، سواء كانت عادية أو مشددة، فإن الوضع بالسجون المفتوحة يعد أفضل حالا من غيرها من السجون، ولكن يظل السجن سجنا حتى لو كان داخل فندق كما يؤكد المعتقلون السابقون في هذه السجون.

مأساة العيد الأول

وتشير روايات تناولتها وسائل الإعلام لمعتقلين سابقين، إلى أن أول عيد للسجين، هو الأكثر قسوة عليه، حيث يتذكر أهله وأبناءه وأصدقاءه، وطقوسه الخاصة في الاحتفال بالعيد، وهي المعاناة التي تزيد بعد زيارة أهله له في العيد، والتي لا تستغرق سوى دقائق ويكون أبناؤه وأهله في حالة صعبة نفسيا وبدنيا نتيجة المعاناة التي تحدث معهم أثناء التجهيز للزيارة والسفر لمسافات وساعات طويلة.

ولا تقف المأساة عند المعتقل فقط، وإنما تمتد لأهله وذويه، خاصة مع العيد الأول له ولهم وهو في السجن، وحسب شهادة لزوجة أحد المعتقلين، فإن زوجها يجتهد في جمع البالونات ليقدمها لها ولأولادها في زيارة العيد، وما توفر لديه من الحلوى، لكي لا يشعر أبناؤه بافتقاده، وفي بعض الأحيان تحرص الأم على منح العيدية لأبنائها في حضور الأب بشكل أو بآخر، لتكتمل فرحة الصغار بأبيهم.

وبحسب نفس الزوجة، فإن العيد بالنسبة لها ولأبنائها هو زيارة زوجها، ولأنها تكون مختلفة عن الزيارات الأخرى، حيث يحرص المعتقلون على تزيين مكان الزيارة وتعليق البالونات وإعداد الهدايا البسيطة للأطفال، والتي يعطونها لهم بدلا من العيدية.