Sunday 10 December, 2023

صحيفة الاستقلال

سابقة قانونية.. ما تداعيات إصدار محكمة فرنسية مذكرة توقيف دولية بحق الأسد؟

منذ 2023/11/19 17:11:00 | تقارير
منذ عام 2018 أصدر القضاء الفرنسي مذكرات توقيف بحق 11 مسؤولا سوريا
حجم الخط

في "سابقة قانونية على مستوى القانون الوطني في كل دول العالم"، أصدرت محكمة فرنسية مذكرة توقيف دولية بحق رئيس النظام السوري بشار الأسد، لثبوت استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد السوريين.

وأصدر قضاة التحقيق الجنائي الفرنسيون مذكرات توقيف بحق رئيس النظام السوري وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة واثنين من معاونيه، بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة ضد المدنيين في مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية في 2013، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص.

الأسد مطارد

وصدرت مذكرات التوقيف في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 عن قضاة تحقيق من وحدة الجرائم ضد الإنسانية التابعة لمحكمة في باريس، والذين ينظرون في القضية منذ أبريل 2021، وفق ما أكد مقدمو الشكوى، وهم أربع منظمات غير حكومية، ومصدر قضائي لوكالة فرانس برس.

اتُهم النظام السوري بالمسؤولية عن هجمات بغاز السارين استهدفت في 21 أغسطس 2013 الغوطة الشرقية ومعضمية الشام (الغوطة الغربية) قرب دمشق، ما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص، وفق ما أحصت الولايات المتحدة وناشطون آنذاك.

ومساعدو ماهر الأسد هم العميد غسان عباس، مدير "الفرع 450" في "مركز الدراسات والبحوث العلمية" (الهيئة المسؤولة عن تطوير وإنتاج أسلحة غير تقليدية بما في ذلك الأسلحة الكيميائية).

والعميد بسام الحسن، "مستشار الرئيس للشؤون الاستراتيجية" وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي و"مركز البحوث العلمية".

وتتعلق التحقيقات، التي أجريت في إطار "الاختصاص العالمي" للقضاء الفرنسي، كذلك بهجوم وقع ليل 4- 5 أغسطس 2021 في مدينتي عدرا ودوما بريف دمشق، ما أسفر عن 450 مصابا.

وجاء الإجراء القضائي بناء على شكوى جنائية قدمها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير والأرشيف السوري ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح ومنظمة المدافعين عن الحقوق المدنية. واتخذت المنظمات صفة الادعاء الشخصي في القضية التي أُوكلت مهمة النظر فيها إلى المكتب المركزي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية.

وبحسب ما ذكر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في نهاية يونيو 2020 فإن 306 آلاف و887 مدنيا قتلوا في سوريا منذ بداية الثورة عام 2011.

بينما بعض المنظمات والمراصد الحقوقية تقدر عدد القتلى في سوريا -وسطيا- بنحو 600 ألف شخص حتى منتصف عام 2021.

ووصف مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مازن درويش، وفق بيان موقع من المنظمات المدعية، مذكرات التوقيف الفرنسية بأنها "سابقة قضائية تاريخية".

وقال في تصريحات لوكالة "فرانس برس" في 15 نوفمبر 2023 "إنها أول مذكرة توقيف تصدر بحق بشار الأسد (58 عاما)، كما أنها أول مذكرة توقيف تصدر من محكمة محلية بحق رئيس جمهورية على رأس عمله".

ورأى درويش أن "المذكرة إشارة مهمة للغاية أن تعترف محكمة مستقلة بأن الهجوم بسلاح كيميائي لم يكن ليتم من دون علم رأس النظام بشار الأسد، وأنه يتحمل المسؤولية وينبغي محاسبته"، وأردف قائلا: "إنها اعتراف بمعاناة الضحايا".

وينتظر مقدمو الشكوى الجنائية، وفق دوريش، "من المدعي العام الفرنسي القبول والإقرار بهذه القرارات وعدم اللجوء إلى الطعن فيها".

ومنذ عام 2023، بدأ الأسد يتنفس الصعداء بعد لعب دول عربية دورا فاعلا لإعادته إلى محيطه العربي من جديد بشروط منها الانخراط في الحل السياسي بسوريا المجمد من عقد من الزمن.

وضمن مبادرة عربية جرى إعادة نظام الأسد لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية خلال مايو/أيار 2023، ثم دعوتهمن قبل السعودية لحضور القمة العربية في جدة في الشهر المذكور. 

ومنذ ذلك الحين، بات ينظر الأسد إلى التحركات العربية تجاهه على أنه حقق مكاسب سياسية من التطبيع العربي، رغم إبقاء باب المكاسب الاقتصادية مغلقا بوجهه حتى الآن بسبب الضغوطات الأميركية والأوروبية.

ومع ذلك بقيت النتائج سلبية من جمع اجتماعات النظام السوري مع عدد من الدول العربية مثل الأردن والسعودية، وفق المراقبين.

ولهذا فإن توقيت إصدار مذكرة التوقيف الفرنسية بحق الأسد، تأتي وسط خفوت الأصوات الدولية الساعية لمحاسبته على الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين منذ قمع الثورة ضده عام 2011.

فقد علق مدير "الأبحاث والتحقيقات في منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان" الدولية (مقرها في الولايات المتحدة)، كريستيان دي فوس، في بيان على قرار القضاء الفرنسي بقوله: "هذه تمثل خطوة أولى حاسمة نحو تحقيق العدالة للعديد من ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري".

وتبع مجزرة الغوطة عام 2013 تحرك دولي أفضى إلى قرار تدمير مخزون النظام السوري لإنتاج السلاح الكيماوي.

إلا أن نظام الأسد عاود استخدم ذات السلاح في عدة هجمات ضد المدنيين عامي 2017 و2018 في اللطامنة بمحافظة حماة وخان شيخون في محافظة إدلب ودوما في محافظة ريف دمشق.

سابقة قانونية 

وفي هذا الإطار، أكد المحامي السوري عبد الناصر حوشان، أن "مذكرة التوقيف الدولية الفرنسية بحق بشار الأسد، هي سابقة قانونية على مستوى القانون الوطني في كل دول العالم، لأن هناك عرفا دوليا يمنع محاكمة المسؤولين الكبار للدول بجرائم أمام القضاء الوطني الأجنبي".

وأضاف حوشان لـ"الاستقلال" قائلا: "هناك مدخل قانوني يفسر حكم القضاء الفرنسي لإصدار مذكرة بحق الأسد وإسقاط حصانته".

سياسيا، رأى حوشان أن "القرار الدولي ما يزال متخاذلا وصامتا عن جرائم نظام الأسد، وخاصة في ظل عمليات التطبيع معه وإعادة إنتاجه والتي تطورت إلى دعوته إلى قمتين عربيتين في السعودية وهذا تطور سياسي لا يبشر عن وجود إرادة دولية بمحاكمة مجرم حرب".

 ولهذا وفق المحامي فإن "الحكم الفرنسي هو رد على هذه الإرادة الدولية بأن لا يمكن تعويم الأسد أو إعادة إنتاجه، وخاصة أنه أصبح مطلوبا بموجب مذكرة توقيف صادرة عن قضاء وطني تحت الولاية الشاملة".

وبالتالي "الحكم الفرنسي يدعو لوقف التطبيع مع الأسد وإعادته إلى وضعه الطبيعي كمجرم حرب قتل مئات الآلاف بهجمات بأسلحة محرمة وغير محرمة وانتهك كل مبادئ القانون الدولي بحق السوريين"، وفق حوشان.

وألمح إلى "أن تنفيذ المذكرة يقف أمامها عواقب قانونية كثيرة، وخاصة أنه في العرف القانوني فإن هناك طريقين لتنفيذ مثل هذه المذكرة تعمم وترسل للإنتربول الدولي (الشرطة الدولية) لإلقاء القبض عليه".

وثانيا "إرسال الملف مع مذكرة التوقيف إلى وزارة خارجية الدولة من أجل تسليم المطلوبين، لكن في الحالة السورية القانون السوري يمنع تسليم أي سوري، ولن يستجيب النظام كون المذكرة صادرة عن قضاء وطني وليس عن محكمة دولية"، بحسب حوشان.

وراح يقول: "لهذا المذكرة بحاجة لاتفاقيات خاصة بين فرنسا مع دول أخرى والتي يمر بها الأسد، لكي يتم تنفيذها".

وتستهدف دعاوى قضائية عدة أطلقت في أوروبا النظام السوري، خصوصا في ألمانيا.

حيث تمكنت بعض الدول الأوروبية بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، مثل ألمانيا وفرنسا من محاكمة ضباط في نظام الأسد، متورطين بدم السوريين وتعذيبهم عقب اندلاع الثورة، وأصدرت أحكاما بالسجن بحقهم ضمن ما يعرف بالمسؤولية الجنائية الفردية.

وفي باريس، تُعقد بين 21 و24 أيار/مايو 2024 أول جلسة محاكمة لثلاثة مسؤولين بارزين في النظام السوري، بعد أن صدرت مذكرات توقيف دولية بحقهم، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، عن مقتل سوريين يحملان الجنسية الفرنسية هما مازن دباغ وابنه باتريك اللذين اعتقلا عام 2013.

وسيحاكم غيابيا الضباط الثلاثة وهم علي مملوك رئيس "مكتب الأمن الوطني" الحالي، وجميل حسن مدير إدارة المخابرات الجوية حتى عام 2018، وعبد السلام محمود "رئيس فرع التحقيق في الاستخبارات الجوية" بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

وفي محاكمة أخرى، أصدر القضاء الفرنسي مذكرات توقيف دولية بحق أربعة مسؤولين كبار سابقين في الجيش السوري يشتبه بمسؤوليتهم في قصف درعا عام 2017 وأدّى إلى مقتل مدني فرنسي-سوري.

ومنذ عام 2018 أصدر القضاء الفرنسي مذكرات توقيف بحق 11 مسؤولا سوريا رفيعي المستوى، بينهم وزير الدفاع السابق حتى عام 2018 فهد جاسم الفريج، وخلفه علي عبد الله أيوب الذي أقيل عام 2022. 

الخطوة التالية

لقد قرأ الائتلاف الوطني السوري المعارض الإجراء القضائي الفرنسي بحق الأسد بأنه "يرسخ مبدأ عدم وجود حصانة لمرتكبي جرائم الحرب".

كما طالب الائتلاف في بيان له "بضرورة رفع هذه القضايا في المحكمة الجنائية الدولية بقرار من مجلس الأمن وفق الآليات التي يتيحها ميثاق الأمم المتحدة لمنع الدول ذات العلاقة بنزاع محدد من المشاركة في التصويت على مشاريع قرارات تخص ذلك النزاع، أو إن تعذر ذلك فبقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة وفق آلية الاتحاد من أجل السلام".

وسبق أن استمع قضاة المحكمة الدولية في لاهاي خلال أكتوبر 2023 إلى شهادات من معتقلين سوريين وصفوا فيها عمليات اغتصاب جماعي وتشويه وطريقة عقاب "موحّدة" تنطوي على وضع الأشخاص في إطار سيارة وضربهم بشكل "مبرح".

وكانت كندا وهولندا قد طلبتا من المحكمة الدولية اتخاذ "تدابير مؤقتة" من أجل وقف جميع أشكال التعذيب والاعتقال التعسفي في سوريا، وفتح السجون أمام مفتّشين من الخارج، وتبادل المعلومات مع العائلات بشأن مصير أقاربهم.

وأضافت الدولتان نقلا عن تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن "عشرات الآلاف ماتوا، أو يعتقد أنهم قضوا نتيجة التعذيب".

وكانت بعض الدول قد أدانت أفرادا أو لاحقتهم قضائيا، باسم "الولاية القضائية العالمية" لارتكابهم جرائم حرب في سوريا، لكن لطالما كان هناك استياء في العواصم الغربية بسبب عدم وجود خطة أوسع لتقديم هذه القضية أمام القضاء الدولي.

ومبدأ "الولاية القضائية العالمية" يسمح بمحاكمة منفذي أخطر الجرائم المرتكبة ضد رعايا أجانب خارج أراضي الدولة.

ومع ذلك فقد صدر حكم تاريخي بحق أحد أفراد نظام الأسد في يناير/كانون الثاني 2022، حيث حكم في مدينة كوبلنتس غرب ألمانيا، بالسجن المؤبد على العقيد السابق في استخبارات نظام الأسد، "أنور رسلان" بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إثر أول محاكمة في العالم على انتهاكات ارتكبها مسؤولون في النظام السوري منذ عام 2011.

ولجأ رسلان البالغ من العمر 59 عاما إلى ألمانيا بعد فراره عام 2012 من سوريا، وقد بدأت محاكمته في 23 أبريل/نيسان 2020 أمام محكمة كوبلنز بتهمة تعذيب معتقلين في مركز احتجاز سري تابع للنظام في العاصمة دمشق.

وهذا الضابط السابق في جهاز أمن الدولة متهم خصوصا بالضلوع في قتل 58 شخصا، واغتصاب آخرين وتعذيب نحو 4 آلاف معتقل في السجن التابع لقسم التحقيقات- الفرع 251 والمعروف باسم "أمن الدولة - فرع الخطيب".


تحميل

المصادر:

1

مذكرة توقيف فرنسية بحق الرئيس السوري بتهمة التواطؤ في هجمات كيميائية

2

11 مسؤولاً سورياً طالتهم مذكرات توقيف فرنسية.. تعرف عليهم

3

“أطباء من أجل حقوق الإنسان” ترحب بإصدار فرنسا مذكرة توقيف بحق بشار الأسد

4

حول إصدار القضاء الفرنسي مذكرة توقيف بحق مجرمي الحرب بشار الأسد وشقيقه ماهر

كلمات مفتاحية :

الكيماوي المحكمة الدولية النظام السوري بشار الأسد سوريا فرنسا