Sunday 10 December, 2023

صحيفة الاستقلال

شعار “من النهر إلى البحر”.. لماذا محرم على أصحاب الأرض وحلال للمغتصبين؟

منذ 2023/11/17 21:11:00 | تقارير
"العبارة هي رد على تجزئة الأرض والتمييز لصالح إسرائيل"
حجم الخط

عقب تصاعد الإبادة الصهيونية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023، بدأ سياسيون ونشطاء مظاهرات في الغرب ترفع شعار "من النهر إلى البحر"، الذي زعمت اسرائيل وأميركا أنه "معادٍ للسامية"، لأنه يعني عدم الاعتراف بإسرائيل وإزالتها من الخريطة وإبعاد اليهود من فلسطين.

وأصبح هذا الشعار هو أيقونة تهتف به حشود المتظاهرين والطلاب في الشوارع والجامعات الأميركية والأوروبية كنوع من الرد على العربدة والإبادة الصهيونية في غزة، وبات عنصرا أساسيا خلال الاحتجاجات في الولايات المتحدة.

هوس المنع

وهتف نشطاء مؤيدون للفلسطينيين من لندن إلى روما وواشنطن "من النهر إلى البحر.. فلسطين ستكون حرة"، خلال مظاهراتهم، ردا على الحرب الإسرائيلية الأكثر دموية على غزة، بحسب وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.

وقالت الوكالة الأميركية، إن عبارة "من النهر إلى البحر" تتردد أصداؤها في المسيرات المؤيدة للفلسطينيين عبر الجامعات والمدن، ويتبناها البعض كدعوة لإقامة دولة واحدة على الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط.

كما انتشر شعار "من النهر إلى البحر" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبدأ يظهر على مجموعة متنوعة من الملابس والبضائع والسترات الرياضية وغيرها.

بالمقابل، انتشرت حملة مطاردة غير عادية من القوى الصهيونية والغرب لكل من يرفع هذا الشعار، بدعوى أنه يدعو لـ"إبادة اليهود"، شملت فصل نشطاء من أعمالهم أو عقاب سياسيين وحتى نواب أميركيين وغربيين.

وامتد الهوس بمنع وتحريم قول هذه العبارة، من عقاب لاعبين وسياسيين لاعتزام مدن أوروبية، مثل ولايتي بافاريا وزارلاند الألمانيتين، تجريم استخدام شعار "من النهر إلى البحر" الذي يتم ترديده في المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، وفق موقع "إ24" الإسرائيلي في 9 نوفمبر 2023.

وأصدرت وزارة الداخلية الألمانية، حظرا على شعارات وشارات تشير إلى حركة حماس أو فلسطين مثل الأعلام وعصابات الرأس وشعار "من النهر إلى البحر".

وقال مدعي عام مدينة زاربروكن لوكالة الأنباء الألمانية في 13 نوفمبر 2023، إن "الشرطة فتحت بالفعل عدة تحقيقات تتعلق بهذا الأمر".

وفي أكتوبر 2023، منعت شرطة فيينا مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين، معللة ذلك بذكر عبارة "من النهر إلى البحر" في الدعوات، واصفة إياها بـ"الدعوة إلى العنف".

حلال وحرام

حينما نشرت النائبة الأميركية، رشيدة طليب، مقطع فيديو يحتوي عبارة "من النهر إلى البحر"، واجهت انتقادات قوية من البيت الأبيض والكونغرس، وانتهى الأمر بتوجيه الكونجرس "اللوم" لها بدعوى أنها بذلك تدعو لمحو وإبادة إسرائيل.

وقالت النائبة طليب في دفاعها عن استخدام العبارة، إنها "دعوة طموحة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي، وليس الموت والتدمير أو الكراهية".

لكن مجلس النواب الأميركي، صوت لصالح توجيه "اللوم" لها، بأغلبية 234 صوتا مقابل 188، كما ندد البيت الأبيض، باستخدام طليب للعبارة التي يعدها الكثير من اليهود "معادية للسامية، وتدعو للقضاء على إسرائيل".

وفي حوار مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية في 10 نوفمبر 2023 قال رئيس وزراء الكيان المحتل، بنيامين نتنياهو عن تصريحات طليب، إن "عبارة من النهر إلى البحر تعني أنه لا وجود لإسرائيل، لذلك ما تدعو إليه عضو الكونغرس هو إبادة جماعية وتدمير للدولة اليهودية، الدولة الوحيدة للشعب اليهودي"، وفق زعمه.

وحين ذكر نفس العبارة النائب بحزب العمال البريطاني، آندي ماكدونالد، ضمن مطالبته بتحقيق العدالة للفلسطينيين والإسرائيليين، تم تعليق عضويته بالحزب وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية في 31 أكتوبر 2023.

وقال ماكدونالد: "لن نستريح حتى تحقيق العدالة، وحتى يتمكن كل الناس الإسرائيليين والفلسطينيين، بين النهر والبحر، من الحياة في حرية وسلام".

رفع نفس الشعار لاعبون وطلاب تم عقابهم، فحين كتب نجم نادي ليستر لكرة القدم، حمزة شودري، وهو من أصول بنغالية على حسابه على منصة "إكس"، هذه العبارة، تدخل الاتحاد الإنجليزي للعبة لعقابه، وطالب كل الأندية بتحذير اللاعبين من استخدام هذاالشعار.

وأعلن نادي ماينز الألماني لكرة القدم، فسخ تعاقده مع اللاعب الهولندي من أصل مغربي، أنور الغازي، في أعقاب منشورات داعمة للفلسطينيين، ومن بينها منشور "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر"، رغم حذف اللاعب له لاحقا.

لكن المفارقة أن هذه العبارة يستخدمها السياسيون الإسرائيليون بصورة عادية ويضعونها في بيانات تأسيس أحزابهم، ولا يراجعهم أحد رغم أنها تعني أيضا إنكار حق الفلسطينيين في الوجود وتهجيرهم من أرضهم التاريخية بالكامل.

ويؤكد حزب "الليكود" بقيادة نتنياهو، في الميثاق التأسيسي على موقعه الرسمي في برنامجه الأصلي عام 1977 أن "ما بين البحر والأردن هناك سيادة إسرائيلية فقط"!!.

وذلك في إشارة إلى المساحة ما بين البحر المتوسط غربا ونهر الأردن شرقا، ولا يزال الشعار موجودا حتى الآن على موقع الحزب رغم "اتفاقيات أوسلو".

ومع هذا فالساسة والإعلام الغربي أصبح مقبولا لديهم أن يقول الإسرائيلي أن دولته "من النهر إلى البحر" و"غزة أرضنا" وأن يلغي نتنياهو فلسطين بالكامل في خارطة كان يعرضها أمام الأمم المتحدة.

لكن حين يقول الفلسطيني أو أي أحد يدعمه نفس العبارة يوصف بأنه "معادٍ للسامية وإرهابي" تلاحقه السلطات في أميركا وبلدان أوروبية.

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" في 9 نوفمبر 2023 عن الأستاذة في جامعة أريزونا، مها نصار، أن من يستخدمون هذه العبارة يقولون: "أنا أتعاطف مع موطن أجدادي في فلسطين، حتى لو لم تكن موجودة على الخريطة اليوم".

لكن رابطة "مكافحة التشهير اليهودية" تزعم أنها "تهمة معادية للسامية لأنها تنكر حق اليهود في تقرير المصير، وإبعادهم عن موطن أجدادهم، وهي دعوة من حماس لإبادة إسرائيل"، حسبما تقول عبر حسابها على "إكس".

وقالت رسالة مفتوحة موقعة من 30 وسيلة إعلام يهودية حول العالم إن "حماس تهتف بهتافات (من النهر إلى البحر)، ما يعني أن فلسطين بين النهر إلى البحر لن تترك شبرا واحدا لإسرائيل"، أي إزالة الكيان المحتل.

وشاركت وزيرة الداخلية البريطانية، سويلا برافرمان، التي تم طردها من منصبها، في انتقاد هذه العبارة، ووصفت عشرات الآلاف الذين تظاهروا في شوارع لندن بـ"غوغاء يريدون تدمير إسرائيل".

وكتبت عبر حسابها على "إكس"، أن الاحتجاجات الأخيرة في بريطانيا، شهدت هتاف الآلاف "فلسطين ستتحرر من النهر إلى البحر"، والذي يُعرف على نطاق واسع بأنه "دعوة لتدمير إسرائيل"، زاعمه أن "محاولات التظاهر بغير ذلك هي مجرد خداع".

تاريخ الشعار

عقب تأسيس "منظمة التحرير الفلسطينية" عام 1964 بدأت ترفع شعار "من النهر إلى البحر"، كشعار سياسي مرتبط بإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة منذ عام 1948، ما يعني إنكار حق إسرائيل في الوجود.

الشعار يشير إلى المنطقة الجغرافية التي تقع ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وهي المساحة التي يحتلها حاليا الكيان الإسرائيلي بجانب الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة.

وقد أصبح شعارا لكل حركات المقاومة الفلسطينية التي تطالب بدولة فلسطينية تضم الحدود الجغرافية لفلسطين منذ ما قبل 1948، ما يعني عدم اعترافها بـ"إسرائيل" ومطالبتها بإبعاد معظم السكان اليهود عن هذه الأرض.

وعقب توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل عام 1993، اختفى هذا الشعار من جانب السلطة الفلسطينية، ولم يعد يجرى الحديث عنه، بعدما اعترفت بوجود إسرائيل على هذه الأرض، لكن ظلت بقية الحركات الفلسطينية تطالب بإزالة الدولة الصهيونية.

ورغم اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات أوسلو بحق إسرائيل في الوجود، وتحديدها حدودا مختلفة لدولة فلسطين المستقبلية تضم الضفة وغزة والقدس الشرقية فقط، ظل غالبية الفلسطينيين يرددون الشعار لتحرير كل فلسطين التاريخية.

واستمروا بتبني هذا الشعار، لأنه يمثل حق عودة اللاجئين إلى بلداتهم وقراهم التي تم طردهم منها عام 1948، ويمثل الرغبة في تأسيس دولة فلسطينية مستقلة.

وما يقلق الصهاينة ويروجون له على نطاق واسع أن حركة "حماس" تستخدم عبارة "من النهر إلى البحر"، ويقولون إن المقصود بها لديها "القضاء على وجود إسرائيل"، وأن هجومها على مستوطنات الاحتلال في 7 أكتوبر 2023 جزء من ذلك.

وترصد صحف عبرية وأميركية تصريحات لقادة حماس للتدليل على ذلك مثل قول رئيس المكتب السياسي لحماس آنذاك، خالد مشعل، أمام آلاف الفلسطينيين في غزة خلال الذكرى الـ25 لانطلاقة حماس عام 2012 أنه "لا شرعية لإسرائيل".

وتأكيد مشعل: "فلسطين من بحرها لنهرها شمالها لجنوبها أرضنا ووطننا لا تنازل ولا تفريط بأي شبر أو جزء منها، لا يمكن أن نعترف بشرعية احتلال فلسطين، لا شرعية لإسرائيل مهما طال الزمن فلسطين لنا لا للصهاينة".

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، العبارة "تعود لعقود مضت، وتم تفسيرها بشكل متطرف من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وبواسطة الداعمين لهما".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا، دوف واكسمان: "السبب في وجود نزاع حول العبارة هو أنها تستخدم بمعان مختلفة من أشخاص مختلفين (الفلسطينيين والإسرائيليين)".

لكن رئيس "برنامج فلسطين/إسرائيل" في المركز العربي بواشنطن، يوسف منير، قال في مقال بموقع "جويش كارنتس" الأميركية في 11 يونيو/ حزيران 2021 إن ادعاءات أن هذا الشعار معادٍ للسامية أو حتى إبادة جماعية "ينم عن جهل شديد أو عن سوء نية".

وقال منير، إن من ينتقدون الشعار "يزعمون أنهم كانوا يدعون ضمنيا ليس فقط إلى تفكيك دولة إسرائيل، بل إلى تطهير المنطقة بأكملها (من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، أي إسرائيل والضفة الغربية وغزة) من سكانها اليهود".

وأوضح أن "هناك اتجاها إلى صحوة فكرية وأخلاقية عامة في وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية ومساحات الناشطين، وحتى بين بعض المسؤولين المنتخبين حول الحقائق المروعة بشكل متزايد على الأرض".

وشدد منير على أن "الجميع بات يدرك أن المشكلة أبعد من احتلال الضفة الغربية، وأن التمييز ضد الفلسطينيين يحدث حتى داخل إسرائيل ضد الفلسطينيين، أي أن القصة ليست إبادة إسرائيل ولكن إبادة الفلسطينيين".

وقال إن "عبارة من النهر إلى البحر هي رد على تجزئة الأرض والشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال والتمييز الإسرائيلي، فبعض الفلسطينيين محرومون من العودة لوطنهم وبعضهم يجرى قمعه داخلها وآخرون يعانون من التمييز ويعاملون كمواطنين درجة ثانية داخل إسرائيل".

وأضاف منير أن "سبب الحملة ضد هذا الشعار هو حملة إعلامية إسرائيلية في أعقاب حرب عام 1967 ادعت أن الفلسطينيين يرغبون في رمي اليهود في البحر".


تحميل

المصادر:

1

What Does “From the River to the Sea” Really Mean?

2

‘From the river to the sea’: Why these 6 words spark fury and passion over the Israel-Hamas war

3

In Congress and on Campuses, ‘From the River to the Sea’ Inflames Debate

4

‘From the river to the sea’: where does the slogan come from and what does it mean?

كلمات مفتاحية :

"من النهر إلى البحر" إسرائيل الأردن الغرب المظاهرات حركة حماس طوفان الأقصى فلسطين قطاع غزة