في وقت كان فيه الرئيس الأميركي جو بايدن، يكثف تحركاته لتلميع صورته قبل الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2024، جاءت عملية "طوفان الأقصى" لتخلط الأوراق عليه من جديد وتمرغ صورته في التراب.
ولم يكن بايدن ذو الـ 80 عاما الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي، ذا شعبية قوية فقد تراجع قبوله بين الأميركيين أخيرا بفعل عوامل اقتصادية ضربت البلاد.
لكن عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في عمق مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كبدت بايدن خسائر في توقيت حساس بمسيرته السياسية.
ويرجع ذلك إلى دعم بايدن غير المحدود لشن إسرائيل حرب إبادة شاملة على أهالي قطاع غزة المحاصر أساسا منذ 17 عاما، ما أدى لاستشهاد أكثر من 12 ألف فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء، وزاد الغضب الشعبي في أميركا والعالم ضد حكومته.
وقد تعالت الأصوات داخل الولايات المتحدة المنتقدة لبايدن في تعاطيه مع ما تتعرض له غزة من قتل لسكانها، بدل العمل على الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن شعبية بايدن تراجعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 إلى أدنى مستوياتها منذ أبريل/ نيسان من العام ذاته.
إذ ارتفعت نسبة المشاركين في الاستطلاع الذين قالوا إن "الحرب والصراعات الخارجية" هي المشكلة الأولى إلى 8 بالمئة في نوفمبر من 4 بالمئة في أكتوبر 2023، في إشارة إلى عدم الارتياح بشأن الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي على غزة.
ووفقا للاستطلاع، كان هذا أعلى معدل للقلق من الحرب منذ أبريل/ نيسان 2022 حين أشار 9 بالمئة من المشاركين إلى أنها مصدر قلقهم الأكبر خلال الأشهر الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية.
وقالت نسبة أعلى بلغت 20 بالمئة إن الاقتصاد مصدر القلق الأكبر. وفي المقابل، أشار 9 بالمئة إلى الجريمة وسبعة بالمئة إلى البيئة بوصفها مصدر قلقهم الأبرز.
وأثار دعم بايدن لإسرائيل، التي تتلقى بالفعل 3.8 مليارات دولار من المساعدات العسكرية الأميركية سنويا، انتقادات دولية عريضة وسط مناشدات لحماية المدنيين في غزة.
وهذه البيانات تثير مخاوف بايدن الذي يحاول الفوز في السباق الانتخابي حيث يتوقع على نطاق واسع أن ينافسه مرة أخرى في نوفمبر 2024، الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الأوفر حظا في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لرئاسيات الولايات المتحدة.
لا سيما أن استطلاعات رأي أخرى أجريت في الآونة الأخيرة، أشارت إلى احتمال وجود سباق متقارب بين بايدن وترامب.
ولا يزال الرأي العام الأميركي تجاه القضية الإسرائيلية الفلسطينية منقسما على أسس حزبية، وفق مراقبين، حيث ترغب أغلبية متزايدة من الجمهوريين في أن تميل واشنطن نحو إسرائيل، في حين تريد أغلبية متضائلة من الديمقراطيين ألا تميل أميركا نحو أي من الجانبين.
على أرض الواقع تجلت مظاهر الغضب ضد إدارة بايدن، حينما حضر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن جلسة استماع في لجنة بمجلس الشيوخ نهاية أكتوبر 2023 لمناقشة طلب مساعدة بـ106 مليارات دولار لأوكرانيا وإسرائيل.
إذ رفع صف من المشاركين في الجلسة أياديهم وهي ملطخة بلون أحمر على الهواء مباشرة، احتجاجا على الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي 18 من أكتوبر اقتحم عشرات المتظاهرين من حركة "اليهود من أجل السلام" مقر الكونغرس في مبنى الكابيتول، ورفعوا شعارات رافضة للعدوان على قطاع غزة.
ونددوا بسياسات إدارة بايدن الداعمة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، وطالبوا بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة ومنع سقوط المزيد من الضحايا.
كما وجه موظفون في وزارة الخارجية الأميركية انتقادات لاذعة لإدارة بايدن بشأن تعاملها مع الأزمة على نحو يُظهر انحيازا كاملا من بلادهم لإسرائيل.
وطالبوا في مذكرة مُسرّبة بدعم وقف إطلاق النار، والتوازن في توجيه الرسائل الخاصة والعامة لإسرائيل.
كما دعوا إلى انتقاد التكتيكات العسكرية الإسرائيلية في غزة، مؤكدين أن "حجم الخسائر البشرية في قطاع غزة غير مقبول".
كما وجه 26 سيناتورا أميركيًا ديمقراطيا رسالة إلى بايدن تطالبه بحماية المدنيين في غزة، وإلزام إسرائيل باحترام قواعد الحرب، مطالبين بتقديم ضمانات بشأن تنفيذ العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة وفق القانون الإنساني الدولي.
ويأتي هذا الضغط على بايدن بعدما عبرت إدارته عن دعم غير مشروط لإسرائيل منذ بداية حربها على قطاع غزة، إذ وافقت واشنطن على منحها مساعدات مالية بنحو 14 مليار دولار.
كما زوّدت الولايات المتحدة إسرائيل بكمية كبيرة من الأسلحة المتطورة، الأمر الذي دفع المسؤول عن نقل الأسلحة الأميركية إلى الخارج في وزارة الخارجية جوش بول إلى الاستقالة.
وخلال وقفة أمام مقر الأمم المتحدة، هاجم الفيلسوف والناشط الأميركي كورنيل ويست، المرشح المستقل المحتمل في انتخابات الرئاسة الأميركية، إدارة بايدن وندد باستخدامها الفيتو في مجلس الأمن وتعطيل الهدن حول غزة.
خلال وقفة أمام مقر الأمم المتحدة الفيلسوف والناشط الأميركي #كورنيل_ويست يهاجم الإدارة الأميركية ويندد باستخدامها الفيتو في مجلس الامن وتعطيل الهدن#فلسطين_تنتصر #أميركا#غزه_تنزف #الميادين_GO pic.twitter.com/BnQCWVppl5
— Almayadeen Go الميادين (@almayadeengo) November 13, 2023
لطالما كان بايدن مؤيدا بقوة لإسرائيل، ورد فعله حتى الآن يعكس ذلك، لكن المجموعات الأكثر تأييدا للقضية الفلسطينية ذات أهمية كبرى وخاصة أن بايدن ناضل أخيرا لتحفيزها على التصويت له وهم فئة الشباب والأميركيون من أصل إفريقي ولاتيني.
كما انخفض الدعم العربي الأميركي لبايدن إلى أدنى مستوى له على الإطلاق بنسبة 17 بالمئة مع استمراره في دعم الهجوم الإسرائيلي على غزة، وفقا لاستطلاع جديد أصدره المعهد العربي الأميركي (AAI) نهاية أكتوبر.
وقد تعهد العديد من الفلسطينيين والعرب والمسلمين الأميركيين بعدم التصويت لبايدن بعد التزامه بتقديم "دعم قوي لا يتزعزع" لإسرائيل ضد غزة.
ووصف جيمس زغبي، رئيس المعهد الأميركي للذكاء الاصطناعي، النتائج خلال مؤتمر صحفي افتراضي نهاية أكتوبر بأنها "مثيرة".
وقال زغبي إن "عدم الرضا عن الرئيس بايدن مهم للغاية حقا، فأعداد مؤيديه منخفضة بشكل خطير، أكثر مما رأيته من قبل بالنسبة لمرشح ديمقراطي للرئاسة".
من جانبه، أقر الكاتب الصحفي الأميركي كريس هيدجز بأن واشنطن تخشى تبعات ونتائج الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، مؤكدا أن الإدارة الأميركية "ليست لديها القدرة على التأثير على إسرائيل وردعها" بسبب قوة اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
ورغم حديثه عن شراكة واشنطن وتل أبيب في حرب الإبادة في غزة، فإن هيدجز أكد لقناة الجزيرة، في 10 نوفمبر، أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو "يقبل تماما بأن يصاب بايدن بضرر جانبي".
وأوضح أن بايدن لو تأثر سياسيا خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة فسيأتي ترامب، وهو ما يريده نتنياهو، وفق هيدجز.
صحيفة "بوليتكو" الأميركية، بدورها، قالت إن مواقف الأميركيين تتغير بسرعة بشأن الصراع بفلسطين، ومن الممكن أن يتغير الكثير من الآن وحتى موعد الانتخابات الرئاسية.
ومن المرجح أن تؤدي سلسلة من استطلاعات الرأي التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في 5 نوفمبر إلى زيادة المخاوف بين بعض الديمقراطيين بشأن التداعيات السياسية لتعامل بايدن مع الصراع.
وأظهرت تلك الاستطلاعات أن بايدن يتخلف عن ترامب في خمس من الولايات الست الحاسمة بين الناخبين المسجلين.
ووفقا للاستطلاعات، فإن الناخبين في الولايات المتأرجحة لديهم مخاوف جدية بشأن إدارة بايدن للاقتصاد - والتي عادة ما تكون أكثر أهمية بالنسبة للناخبين من الشؤون العالمية - فضلا عن عمره.
لكن السياسة الخارجية تمثل أيضا نقطة ضعف بالنسبة لبايدن، ويعتقد بعض الديمقراطيين أنها تؤدي إلى تفاقم نقاط الضعف الأخرى لدى بايدن، خاصة بين الناخبين الشباب وغير البيض.
اللافت أن بيل كريستول، وهو من الصقور البارزين في السياسة الخارجية، دعا بايدن إلى الإعلان عن أنه لن يترشح مرة أخرى في عام 2024. كما أشار ديفيد فروم، الذي سلك مسارا مشابها لكريستول، إلى أن الرئيس السابق باراك أوباما كان تحت الماء في عام 2011 قبل إعادة انتخابه.
وعلى الرغم من أنهم يشكلون جزءا صغيرا من الناخبين على المستوى الوطني، إلا أن الناخبين الأميركيين العرب يمكن أن يشكلوا كتلة تصويتية حاسمة في الانتخابات المتقاربة، خاصة في ولاية ميشيغان المتأرجحة.
وضمن هذا السياق، قالت سهيلة أمين وهي ناشطة عربية أميركية في ميشيغان، وهي ولاية تضم جالية عربية كبيرة، إن "الغضب المتزايد تجاه الرئيس بايدن من المرجح أن يكون محسوسا في صناديق الاقتراع في عام 2024".
وأضافت لقناة الجزيرة القطرية: "إننا نشهد مذبحة تحدث أمام أعيننا، دون أن تشعر القيادة الأميركية بأي ندم أو تعاطف أو إحساس مشترك بالإنسانية تجاه ما يحدث".
من جانبه، قال وليد شهيد، وهو ديمقراطي تقدمي انتقد بشدة نهج بايدن في الحرب على غزة إن "العديد من الناخبين لديهم بالفعل مخاوف بشأن عمر الرئيس بايدن وكانوا على استعداد لتنحيتها جانبا لأنهم دعموا إنجازاته التشريعية في معالجة تغير المناخ وتوفير الحماية من فيروس كورونا".
وأضاف لصحيفة "بوليتكو": "لكن تمويل بايدن لحملة القصف المتواصلة التي يشنها نتنياهو على غزة يزعج الناخبين الشباب والناخبين الملونين على مستوى القيم الأساسية".
وشدد على أن "الانتخابات تبدو أكثر فأكثر مثل عام 2016، حيث سيتعين على الديمقراطيين، بوصفهم الحزب الحاكم، العمل بجد لإقناع ناخبيهم بدلا من مجرد إخبارنا بمدى فظاعة الرجل الآخر" في إشارة إلى ترامب.
ويرى خبراء أميركيون تحدثوا لـ"بوليتكو" أن استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة نيويورك تايمز “يجب أن تكون بمثابة إنذار” لحملة بايدن.
وأضافوا أنهم أي الديمقراطيين لا يحتاجون فقط إلى كسب الناخبين الشباب، بل يحتاجون إلى إثارة حماستهم، فهؤلاء قلقون بشأن الحياة الفلسطينية والحرب المستمرة، والرد الحالي للإدارة لن يؤدي إلا إلى إبعادهم عن بايدن".
وبحسب جهاز المخابرات الخارجية الروسية، فإن الولايات المتحدة تستخدم قنوات خلفية لإقناع إسرائيل بتسريع العملية في قطاع غزة حتى لا تؤثر على معدلات تأييد الرئيس جو بايدن قبل الانتخابات.
وقالت وكالة تاس الروسية في 13 نوفمبر، إن واشنطن تعرب علانية عن قلقها المزعوم إزاء القصف العشوائي للمستشفيات ومخيمات اللاجئين في قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، يعلن العديد من الزوار من وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين رغبتهم في تحقيق السلام الفوري".
وتضيف: "لكن الحقيقة هي أنه خلف الأبواب المغلقة مع القيادة الإسرائيلية، يجري الأميركيون محادثات مختلفة تمامًا. ويتم حث الإسرائيليين على تسريع العملية لمنعها من الاستمرار، لأن ذلك سيكون له تأثير سلبي على مواقف بايدن الانتخابية”.