"إخوتنا في فلسطين، أنا آسفة لبعد المسافة، أرغب حقا بأن أكون معكم" بهذه الكلمات عبرت الطبيبة الكوبية أليدا ابنة المناضل العالمي إرنستو تشي جيفارا، عن تعاطفها مع أهالي قطاع غزة الذين يتعرضون لحملة إبادة إسرائيلية ممنهجة.
وخرجت أليدا ابنة أحد أهم وأشهر الوجوه الثورية والسياسية، الذي تحول إلى أيقونة للنضال السياسي والإنساني في القرن العشرين، في تسجيل مصور بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 موجهة رسالة للفلسطينيين والعرب.
وقالت أليدا البالغة من العمر (62) عاما: "أيها العرب ماذا تنتظرون؟ نحن بعيدون أميالا، لكن أنتم هناك. اليوم يحدث ما يحدث مع غزة وفلسطين، لكن غدا سيحدث ذلك معكم أنتم!".
وأضافت بالقول: "إذا سمحتم لإسرائيل مواصلة فعل ما تريد، إلى أين ستذهب؟ متى ستتوقف؟ أين سيتوقف هذا؟ هل تفكرون حقا؟ يجب عليكم الوحدة كشعب. أنتم تدافعون عن دمكم، ثقافتكم، حياتكم. لا يمكن أن تنسوا ذلك".
وشنت إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة المحاصر أساسا منذ 17 عاما، منذ السابع من أكتوبر 2023، ما أدى لاستشهاد أكثر من عشرة آلاف فلسطيني وجرح عشرات الآلاف ومسح أحياء سكنية بأكملها نتيجة القصف الإسرائيلي.
ووجهت "أليدا" المدافعة عن حقوق الإنسان، قولها للشعب الفلسطيني "أخوتنا في فلسطين، أنا آسفة لبعد المسافة، أرغب حقا بأن أكون معكم. أؤمن أن ذلك مكاني، لأن التضامن لا يكون بالكلمات. التضامن يكون بالأفعال".
ومضت تقول: "أنا طبيبة لذلك علي أن أكون هناك، عولوا علي في أي وقت تحتاجونني، سأكون بجانبكم جميعا. ما يهم أن نكون حازمين بالتضامن مع بعضنا البعض. لا يمكن أن أتكلم فقط عن الحب والاحترام. علي أن أتكلم عن القوة أيضا. لأنكم كشعب فلسطيني تطبقون ما يقوله شعبي: الموت أو الوطن".
وختمت رسالتها بالقول "كلمتنا الأخيرة هي أننا سنتغلب على ذلك، وآمل أن تتغلبوا أنتم أيضا، إلى الأمام يا أخوتي حتى النصر دائما".
ولدت "أليدا" إرنستو تشي جيفارا عام 1960 في العاصمة الكوبية هافانا، ودرست الطب، إلا أن طفولتها كانت قصيرة مع والدها.
إذ كانت أليدا في السابعة من العمر حينما أعدم جيفارا بعدما أصيب في 8 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1967 بينما كان يقاتل في بوليفيا. وتمكنت فرقة مدربة على يد القوات الأميركية من أسره وإعدامه في اليوم التالي.
أليدا هي طبيبة أطفال مختصة بأمراض الحساسية تزاول مهنتها وتعمل في مشفى هافانا وقد قامت بالعديد من المهام الإنسانية في أنغولا وفي الإكوادور وفي نيكاراغوا.
وتناضل كثيرا في سبيل حقوق الإنسان وتُدير مركزين لرعاية الأطفال المعاقين وضحايا الاعتداءات والتجاوزات.
ما تزال أليد الابنة الكبرى لتشي جيفارا تعيش وتعمل في العاصمة الكوبية هافانا كطبيب أطفال.
وقد حصلت أليدا مع شخصيات أخرى على وسام سفراء القضية الفلسطينية بهدف تعزيز الدفاع عن هذه القضية الفلسطينية.
تقول أليدا في مقابلة صحفية مع الغارديان البريطانية، في ديسمبر/كانون الأول 2017 إنه عقب إعدام والدها رفضت والدتها تلقي أي مساعدات من أصدقائه وقالت لنا: "عليكم أن تثبتوا أقدامكم على الأرض، وتتركوا كل ما لم تكسبوه بأنفسكم"، مشيرة إلى أن ذلك كان درسا مهما في الحياة.
إن تساؤلات أليدا جيفارا، عن سبب صمت الدكتاتوريين العرب وماذا ينتظرون للتحرك لإنقاذ الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية المحتلة، هو نابع من كون القضية الفلسطينية هي على رأسها حراكها الحقوقي عالميا.
وكثيرا ما كانت أليدا تعرج على فلسطين في محاضراتها والندوات التي تشارك فيها حول حقوق الإنسان، وتستشهد بنضال الشعب الفلسطيني أمام إسرائيل، وتؤكد على حقه في أرضه ونيله حريته.
خلال مشاركتها في فعالية سفراء العودة الفلسطينية في بيروت بتاريخ 29 مايو/أيار 2023 انتقدت صمت العالم أمام الجرائم الإنسانية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني.
وقالت: "كم من الصور تمر عبر ضمائرنا عندما نتحدث عن هذا الشعب، وكم من الإساءة، وكم من الظلم، وكم من العجز".
وأضافت: "كم سنة من الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت ضد شعب كانت جريمته الوحيدة هي إجباره على تقاسم جزء من أراضيه مع شعب آخر تم محوه عمليا من على وجه الأرض واستخدموا تدريجيا ثرواتهم ونفوذهم الدولي لتهجيرهم".
وتساءلت: "لماذا لا نزال نتحدث اليوم عن عودة فلسطين؟ لماذا لم نتمكن من دعم هذا الشعب الشقيق أكثر؟ لماذا يبدو العالم أصم وأعمى أمام مثل هذه الجريمة؟ ماذا ينقصنا؟ القوة نحن نفتقر إلى القوة، وللوصول إلى تلك القوة اللازمة، نحتاج إلى الوحدة".
وختمت بالقول: "من أجل فلسطين بكامل طاقتها شعبا حرا سيدا، من أجل فلسطين يكبر أبناؤها بالطمأنينة والفرح، من أجل فلسطين صاحبة أراضيها وحدودها، من أجل تلك فلسطين سنقاتل حتى النصر".
وفي كلمة لها أمام طلاب الكلية الآسيوية للصحافة في الهند بتاريخ 19 يناير/ 2023 تحدثت عن الوضع في فلسطين وأوكرانيا، قال أليدا إن الرجل العادي هو الذي سيخسر في أي حرب. وأوضحت: "لهذا السبب أدافع عن السلام. فالحرب يجب أن تكون الملاذ الأخير لأنها تقضي على كل شيء".
لقد تشربت أليدا من القيم التي كانت والدها تشي جيفارا، يتمتع بها باعتراف العالم.
وهنا تقول أليدا عن القيم التي تتمسك بها: "إن أول شيء هو احترام البشر، عبر الألوان والأيديولوجيات والمعتقدات".
وأضافت أن "التضامن يجب أن يكون مبدأ أساسيا في الحياة، لأنه بدونه لا يمكن أن تكون هناك أي تنمية بشرية".
وإرنستو جيفارا، المعروف عالميا باسم تشي جيفارا، كان ثوريا ماركسيا وطبيبا، وزعيم حرب العصابات، ومؤلفا، ومنظرا عسكريا، ولد في 14 يونيو 1928 لعائلة من الطبقة المتوسطة في روزاريو، شمال شرق الأرجنتين.
وقد استنتج جيفارا أن التفاوتات الاقتصادية متأصلة في أميركا اللاتينية، والتي كانت نتيجة الرأسمالية الاحتكارية والاستعمار الجديد والإمبريالية، وقد رأى جيفارا أن العلاج الوحيد هو الثورة العالمية. ويُعرف جيفارا بأنه وجه الثورة الكوبية عام 1959.
وفي كلمة لـ "أليدا" أمام طلاب الكلية الآسيوية للصحافة في الهند بتاريخ 19 يناير/ 2023، أجابت على سؤال حول كيف جعلت الرأسمالية "تشي" علامة تجارية، بقولها: "يمكن للنظام الرأسمالي أن يبيع أمه إذا استطاع. والدي شخص وسيم للغاية، ولهذا السبب يمكن بيع صورته بشكل جيد للغاية"، حيث تفاعل الحضور مع الإجابة بالتصفيق الحار الذي ترددت أصداؤه في القاعة.
ومع تفهمها لإعجاب الكثيرين بأبيها، فإنها تقول في تصريحات إعلامية، إنها لا تحب أن ترى صوره على منتجات كالحقائب والملصقات فضلا عن الأزياء إلا إذا كان من يحملون هذه الصور يحملون معها فكر جيفارا وتضحياته.
وبما أن ابنة جيفارا تهتم في القضية الفلسطينية وتعبر عن ذلك بشكل واضح، فقد استنكرت في مقابلة مع صحيفة "فلسطين كرونيكل" بتاريخ 9 أكتوبر 2020 تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل.
ووصفت أليدا التطبيع بأنه "أمر غريب وطامة كبرى". وقالت: "لا يمكن لأي شخص أن يفهم بشكل كامل السبب وراء ذلك، بأي شكل من الأشكال".
وذات مرة قالت أليدا إن كوبا جزيرة صغيرة معزولة قطعت علاقاتها مع إسرائيل احتراما للشعب الفلسطيني.
وراحت تقول: "لا يمكننا أبدا التنبؤ بالمستقبل ولكن لا ينبغي لنا أن نستسلم أبدا، ويجب أن نحمل دائما راية أي شعب يطمح إلى الحرية".
المتتبع لسيرة "أليدا" يجدها متمسكة بمفردات النضال والوعي والتضحية التي تستخدمها في كلماتها التلفزيونية وفي الندوات، وكأنها لم ترث عن والدها إلا متابعة سيرة النضال.
فقد وصفت أليدا في ندوة صحفية خلال مهرجان الجزيرة للأفلام الوثائقية بالعاصمة القطرية الدوحة في 23 إبريل 2010، الحرية بأنها "أجمل كلمة ينطقها كائن بشري على وجه الأرض".
وهناك من يرى أن شعاراتها عفا عليها الزمن، إلا أنها ترى أن هناك شعوبا بحاجة لها كونها ما تزال قابعة تحت سلطات الاحتلال كالشعب الفلسطيني، حسبما تقول في تصريحات إعلامية.
وتشارك أليدا بقوة في المناقشات السياسية في جميع أنحاء العالم، كونها كانت تعمل مع والدتها التي كانت تدير مركز دراسات تشي جيفارا، الذي يعتني بالأرشيف الذي يوثق تاريخ هذا المناضل الأرجنتيني.
وقد قامت بإعداد ونشر العديد من الوثائق ذات الأهمية التاريخية الكبيرة حول جيفارا.
وتقول عن نفسها: "إن العمل كطبيبة سمح لها بأن تكون مفيدة للبشر الآخرين. وأكثر ما تكرهه وترفضه هو أي شكل من أشكال الاستعمار وكل ما يتعلق بالعنصرية.. أنا لا أقبل حتى كلمة العنصرية".
كما أجرت أليدا غيفارا مقابلة مع الرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز من أجل كتاب تشافيز وفنزويلا وأمريكا اللاتينية الجديدة في فبراير 2004.
جرى تحويل الكتاب إلى فيلم وثائقي ويتضمن مقتطفات من المقابلة مع شافيز لمناقشة الثورة البوليفارية، ومقابلات مع أطباء كوبيين يعملون في المجال الإنساني.
في الموقف من الولايات المتحدة كثيرا ما تردد أليدا في الندوات والتصريحات الإعلامية جملة عن والدها التي يقول فيها: " كلامها باقتباس عن والدها، يقول "كل ما نفعله هو عبارة عن صرخة حرب ضد الإمبريالية وصرخة من أجل وحدة الشعوب ضد العدو الأكبر للبشرية: الولايات المتحدة الأميركية".
ورغم ذلك، سبق أن رحبت أليدا بالانفراج بالعلاقة بين الولايات المتحدة وكوبا، بعد 53 عاما من قطع واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة الشيوعية.
وقالت أليدا لإذاعة "سي بي سي" عام 2015: "إنه شيء كان يجب أن يحدث منذ وقت طويل.. إنها علاقة بين البلدين، وما يهمني هو أن تكون هناك مسارات من التضامن والصداقة والاحترام بين البلدين".