صالح العاروري.. الرجل الثاني في حماس ومهندس عملياتها بالضفة المهدد بالاغتيال

حسن عبود | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

"رأس الأفعى" و"مُهندس العمليات" و"مُحرك إطلاق الصواريخ"، أوصاف عديدة باتت وسائل الإعلام العبرية تطلقها على صالح العاروري، الرجل الثاني في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعد تصاعد المقاومة العسكرية ضدها.

ومنذ سنوات، لم يغب اسم العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عن الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية، لكن الحديث عنه عاد بقوة أخيرا وسط تهديدات متصاعدة باغتياله.

ففي 27 أغسطس/آب 2023، تطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تصريحات للعاروري حذر فيها من أنه في حال عادت إسرائيل إلى سياسة اغتيال قادة الفصائل الفلسطينية فسوف "يؤدي ذلك إلى حرب إقليمية"، بحسب هيئة البث الإسرائيلية (رسمية).

وفي ظل تصاعد العمليات الفدائية أخيرا، هدد نتنياهو قادة حركة "حماس" بدفع "الثمن كاملا"، معتبرا أن إسرائيل تواجه "موجة من الإرهاب من الداخل والخارج"، وأن "العاروري يعرف جيدا سبب اختبائه هو وأصدقاؤه"، وفق وصفه.

وأضاف: "في حماس يدركون جيدا أننا سنقاتل بكل الوسائل ضد محاولاتهم لخلق الإرهاب ضدنا في يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة الغربية) في غزة وفي أي مكان آخر".

وقبلها بيومين، قال العاروري في مقابلة مع قناة "الميادين" المقربة من "حزب الله" اللبناني"، إنه في حال عادت إسرائيل إلى سياسة الاغتيالات فستقود الأوضاع "إلى حرب إقليمية".

وأضاف أن "التهديد الإسرائيلي لشخصي لن يغيّر قناعاتي (...) وتمدّد المقاومة إلى سائر مناطق الضفة الغربية يمثّل كابوسا للاحتلال".

وجاء ذلك بعد أن تبنت "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لـ"حماس" في نفس اليوم، عملية إطلاق نار وقعت في 19 أغسطس، وأدت إلى مقتل مستوطنين اثنين في بلدة حوارة شمالي الضفة الغربية، ردا على اعتداءات الاحتلال المتواصلة.

العمل السياسي

اسمه الحقيقي صالح محمد سليمان خصيب، وقد عُرف بـ "العاروري" نسبةً إلى بلدته عارورة، الواقعة إلى الشمال الغربيّ من مدينة رام الله.

وولد العاروري في تلك البلدة في 19 أغسطس 1966، وهو متزوج ولديه 3 أبناء.

تعلم ودرس في الضفة الغربية، وحصل على درجة البكالوريوس في "الشريعة الإسلامية" من جامعة الخليل (جنوب).

كما قاد العمل الطلابي الإسلامي في سن مبكرة بجامعة الخليل منذ عام 1985 وحتى 1992، وهو ما صقل شخصيته ودفعه للالتحاق بجماعة الإخوان المسلمين مبكرا.

والتحق العاروري بحركة حماس منذ تأسيسها نهاية عام 1987 من قبل قادة جماعة الإخوان المسلمين، وكان يشارك في مختلف أشكال مقاومة الاحتلال.

حتىإأنه اعتقل إداريا (دون محاكمة) لفترات محدودة ومقطعة خلال السنوات 1990 و1991 و1992 على خلفية نشاطه في "حماس".

ويعد العاروري من مؤسسي كتائب "عز الدين القسام"، إذ بدأ في الفترة الممتدة بين عامي (1991 ـ 1992) بتأسيس النواة الأولى للجهاز العسكري للحركة في الضفة الغربية.

وفي عام 1992، أعاد الجيش الإسرائيلي اعتقال العاروري، وحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاما بتهمة تشكيل الخلايا الأولى لكتائب القسام بالضفة الغربية ليفرج عنه في 2007.

ثم أعاد الاحتلال اعتقاله بعد ثلاثة أشهر من الإفراج عنه حتى عام 2010 حين قررت المحكمة العليا الإسرائيلية الإفراج عنه وإبعاده إلى خارج فلسطين.

وعمل الاحتلال وقتها على ترحيله إلى سوريا واستقر فيها ثلاث سنوات، قبل أن يغادرها بعد انطلاق الثورة السورية ويتجه إلى تركيا في فبراير/شباط 2012، لينتقل بعدها إلى عدة دول ويستقر الآن في لبنان.

وعقب الإفراج عنه عام 2010، جرى اختيار العاروري عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس.

وكان العاروري أحد أعضاء الفريق المفاوض من حركة "حماس" لإتمام صفقة تبادل الأسرى في أكتوبر/تشرين الأول 2011 مع إسرائيل بوساطة مصرية.

وهذه الصفقة أطلقت عليها حماس اسم "وفاء الأحرار"، وجرى بموجبها الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، مقابل 1027 أسيرا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية.

وفي 9 أكتوبر/تشرين الأول 2017، أعلنت "حماس" انتخاب "العاروري" نائبا لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية.

كما أعاد مجلس شورى "حماس" انتخابه بذات المنصب مطلع أغسطس 2021. وانتُخب أيضا في 4 يوليو/تموز 2021، رئيسا للحركة في إقليم الضفة الغربية، للدورة الحالية (2021-2025).

النشاط العسكري

بعد إبعاده بسنوات قليلة، بدأت قيادات الاحتلال تحذر من "خطورة" العاروري ومسؤوليته عن تصاعد العمل العسكري في الضفة الغربية.

وضمن ردودها على تحريكه الخلايات العسكرية هناك، هدمت قوات الاحتلال في 20 يونيو/حزيران 2014، منزله في منطقة عارورة برام الله.

وجاء ذلك ضمن سلسة عمليات هدم استهدفت خلالها منازل قيادات في حركة حماس بالضفة الغربية وذلك ردا على اختفاء 3 مستوطنين ومقتلهم في 12 يونيو من نفس العام.

وفي ذلك الوقت، قال مصدر عسكري إسرائيلي إن التقديرات الإستخبارية تشير إلى وقوف العاروري خلف عملية أسر ومقتل المستوطنين الثلاثة.

وبحسب المصدر الذي تحدث لموقع "واللا" العبري فإن العاروري دفع وبدون كلل أو ملل ناشطي حماس في الضفة لإقامة خلايا عسكرية و"تنفيذ عمليات خطف"، بحسب وصفه.

وفي العام التالي، وتحديدا في 10 سبتمبر/أيلول 2015، صنَّفت وزارة الخزانة الأميركية العاروري بشكل خاص كـ"إرهابي عالمي بموجب الأمر التنفيذي 13224 بصيغته المعدلة" وحظر جميع ممتلكاته وأي تعامل من الأميركيين معه.

وقالت الوزارة في هذا الإعلان إن "العاروري يتولى إدارة العمليات العسكرية لحماس وتمويلها في الضفة الغربية، وتبين ارتباطه بعدة هجمات إرهابية، وعمليات خطف واختطاف"، وفق وصفها.

وأردفت: "في عام 2014 أعلن العاروري مسؤولية حماس عن الهجوم الذي وقع يوم 12 يونيو وجرى فيه خطف ثلاثة مراهقين إسرائيليين وقتلهم بالضفة الغربية، ومن بينهم نفتالي فرينكل الذي كان حمل الجنسية الأميركية والإسرائيلية معا".

ولم تكتف الولايات المتحدة بذلك، بل أدرجت العاروري في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 ضمن قوائمها للإرهاب، وأعلنت رصد مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عنه.

وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي للأمن الدبلوماسي مايكل إيفانوف وقتها، إن العاروري "يعيش بحرية في لبنان، ويعمل أيضا مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ويجمع الأموال لتنفيذ عمليات لمصلحة حماس وقيادة عمليات أدت إلى مقتل إسرائيليين يحملون جنسية أميركية".

ويحظى العاروري بعلاقات قوية مع إيران وحزب الله، وقد كان آخر لقاء بينه وبين الأمين العام للحزب الأخير حسن نصر الله مطلع سبتمبر/أيلول 2023.

ووفق بيان صدر عن حزب الله، في 2 سبتمبر، فإن اللقاء استعرض آخر المستجدات ‏والتطورات السياسية خصوصا في فلسطين، "وجرى تقييم مشترك للوضع في الضفة ‏الغربية وتصاعد حركة المقاومة فيها، وكذلك التهديدات الإسرائيلية الأخيرة" (باغتيال العاروري وقادة الفصائل).

ولم يكترث العاروري لهذه التهديدات، بل نشرت له بعدها صورة جالسا في مكتب مرتديا زيا عسكريا وواضعا أمامه سلاحا، وبيده هاتف، في رسالة إلى استمراره بإعطاء التعليمات بتنفيذ العمليات في الضفة الغربية.

وأضاف البيان أنه "جرى ‏التأكيد على الموقف الثابت والراسخ لكلّ قوى محور المقاومة في مواجهة العدو ‏الصهيوني واحتلاله وغطرسته وأهمية التنسيق والتواصل اليومي والدائم بين حركات ‏المقاومة، خصوصا في فلسطين ولبنان لمتابعة كل المستجدات السياسية والأمنية ‏والعسكرية واتخاذ القرار المناسب".

"أخطر رجل"

بعد مقابلة العاروري على قناة الميادين وحتى قبل تهديدات نتنياهو، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت في 26 أغسطس، إن الرجل الثاني في حماس ضمن أبرز الشخصيات التي تسعى إسرائيل لاغتيالها.

وبينت الصحيفة أن العاروري "نائب رئيس المكتب السياسي للحركة ورئيس ذراعها العسكرية في الضفة الغربية، وهو الشخص الذي يمسك بالخيوط في كل ما يتعلق بنشاطات حماس المسلحة هناك".

وتابعت: "في ما يمكن تفسيره على أنه خوف من أن يكون هدفا للاغتيال، أجرى العاروري مقابلتين أخيرا، مرة على قناة الأقصى التابعة لحماس، وأخرى على قناة الميادين التابعة لحزب الله، وهدد برد قاس إذا حاول كيان العدو اغتيال قادة التنظيمات الفلسطينية المسلحة".

ونقلت يديعوت أحرونوت عن مصادر أمنية، أن إسرائيل مهتمة باغتيال العاروري بصفته “رأس الأفعى” الذي يقود انتفاضة عسكرية في الضفة الغربية.

وتابعت: "ساعدت أنشطة العاروري في إثارة موجة من الهجمات الشديدة قُتل فيها 35 إسرائيليا منذ بداية العام 2023، مع إحباط أكثر من 480 هجوما كبيرا، منها حوالي 400 عملية إطلاق نار".

وأردفت: "تتمحور إستراتيجية حماس في الآونة الأخيرة باستخدام الهجمات من الضفة الغربية مع الحفاظ على الهدوء في غزة ومراكمة القوة العسكرية، ويلعب العاروري هنا دورا مركزيا في ترجمة هذه الإستراتيجية إلى تكتيك".

وبينت أنه "يفعل ذلك من خلال أنظمة التحريض والتمجيد التي يمتلكها في القدس والضفة الغربية، وعبر نقل الأموال إلى المنطقة لتنفيذ هجمات مسلحة، وكذلك تجنيد السكان للقيام بأنشطة عسكرية، ويفعل كل ذلك عن بعد، من مقعده في بيروت".

كما تعتقد الأوساط العسكرية الإسرائيلية أن العاروري مسؤول عن محاولات إطلاق الصواريخ خلال الشهور الأخيرة من لبنان والضفة الغربية إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل.

ولطالما طالب مسؤولون في المنظومة الأمنية الإسرائيلية باغتيال العاروري منعا لسيناريو توحيد الساحات (الضفة الغربية، غزة، لبنان) ودول وأماكن أخرى لدى إيران نفوذ فيها.

الجنرال المتقاعد “إيتان دانغوت”، الذي كان السكرتير العسكري لثلاثة وزراء للجيش الإسرائيلي يرى أن العاروري "أخطر وأهم شخص لدى حماس اليوم".

ونقلت يديعوت أحرونوت عن “دانغوت” أن العاروري محكوم عليه بالموت، لأن هدفه قتل أكبر عدد ممكن من المستوطنين الإسرائيليين، وفق وصفه.

وزعمت الصحيفة أن العاروري عمل على تشكيل خلايا عسكرية لحماس في مخيمات لبنان، مشيرة إلى أنها "تضم المئات من العناصر الذين خضعوا لتدريبات عسكرية بالتعاون مع حزب الله وإيران ولديهم صواريخ وقدرات عملياتية".

أما القناة 12 العبرية فقد قالت في 12 أبريل/نيسان 2023 إن "العاروري انتصر في النشاطات المكثفة لحماس، والرامية لتطوير بنيتها، وهو يعمل اليوم كمحور رئيس يربط بين الحركة ومعسكر إيران، وهذا بسبب الحلبة التي يعمل منها– لبنان، وبسبب الأهمية الكبيرة للعمل العسكري".

ونقلت القناة عن “ميخائيل مليشتاين” وهو باحث مختص في السياسات والشؤون الإستراتيجية وجنرال سابق في الاستخبارات العسكرية قوله إن “العاروري يمثل نموذجا لقيادة حماس التي ظهرت منذ تأسيس الحركة وتميزت بمعرفة اللغة العبرية والمجتمع الإسرائيلي".

وذكر أنه "حاليا، قمة قيادة حماس وحزب الله توحدت في بيروت، ويبدو أن هذه فقط بداية استعداد محور إيران لرفع رأسه عبر التأكيد بأن مجال التصعيد متعدد الجبهات لا يزال مفتوحا".