"ثلاثة سيناريوهات".. لماذا ترفض إيران الكشف عن أسباب تسمم الفتيات في المدارس؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تقريرا مفصلا حول حوادث التسمم في مدارس البنات بإيران، استعرض فيه بداياتها وانتشارها وما يقال حول الجهة التي تقف وراءها.

وأشار الموقع بنسخته الفارسية، إلى أنه "بعد ثلاثة أشهر على بداية مسلسل حوادث التسمم في مدارس البنات، وبعد الطلبات العديدة والمنشادات المتتالية من جانب أولياء الأمور من أجل معرفة الحقيقة، لم يُحدَّد بعد السبب في هذه الحوادث، ومازال المسؤولون يخرجون بتصريحات متضاربة، يعارض بعضها بعضا".

وذكر التقرير أن "الأخبار الأولى حول هذه الحوادث قد انتشرت في ديسمبر/كانون الأول 2022، حينما تعرضت تلميذات مدرسة نور في مدينة قم بالتسمم، وأصيب بعضهن بشلل مؤقت، ثم تكرر الأمر في المدرسة نفسها بعد أسبوعين".

57 مدرسة

ونقل التقرير عن الصحفي، مهدي حسيني، أن "البداية كانت مع تسمم 18 فتاة في المرحلة الثانوية، وبعد أسبوعين، نقل 51 طالبة إلى المستشفى، ولم يكن هذا الأمر بالشيء الذي يمكن أن يخفى على وسائل الإعلام والمسؤولين، ولكنه لم يحظ باهتمام واسع في البداية".

ولكن مع منتصف فبراير/شباط 2023، تصدرت هذه القضية بشكل تدريجي الأخبار في وسائل الإعلام، وذلك بالتزامن مع انتقال حوادث التسمم من قم إلى مدينة بروجرد في إقليم لورستان، حيث تعرض طلاب مدرسة الأحمدية الثانوية للتسمم ثلاث مرات في ثلاثة أيام متتالية، ثم إلى مدن أخرى، بما فيها أردبيل، ثم طهران.

ونُقِل كثير من الفتيات إلى المستشفيات بعد إصابتهن بالغثيان وضيق التنفس وتنميل الأطراف في ساحات المدارس، ولم يعرف أولياء الأمور حقيقة ما حدث لهن.

وذكرت تقارير أن الفتيات عانين من مشاكل جسدية أخرى، منها العجز عن المشي.

وأوضحت بعض الفتيات اللاتي أصبن بالتسمم أنهن شممن رائحة تشبه رائحة "اليوسفي" الفاسد، وذكر البعض الآخر أن الرائحة كانت تشبه رائحة سوائل التلميع.

وقال البعض لأحد المراسلين إنهم رأوا "شيئا مثل قنبلة" برائحة النعناع ألقيت في المدرسة من الخارج.

ووفق التقرير، تم علاج بعض الطالبات بشكل فوري، ولكن نُقِل معظمهن إلى المستشفيات، وظللن فيها ما بين ساعات وعدة أيام، واضطر البعض إلى العودة للمستشفيات مرة ثانية بعد أن ظهرت عليه أعراض أخرى.

ونقلا عن إحصاء لصحيفة "اعتماد" الحزبية، ذكر التقرير أن 57 مدرسة على الأقل قد تعرضت لحوادث التسمم، منها 30 في قم، و9 في أردبيل، و8 في طهران، و5 في لورستان، وواحدة في كل من محافظات خراسان رضوي، وجهار محل، وبختياري، وكرمانشاه، ومازندران وسمنان

وأوردت وكالة الأنباء الرسمية لإيران أن أكثر من 1000 شخص واجهوا مشاكل، بما في ذلك المعلمون في المدارس.

تناقض السلطات

وأشارت التقارير إلى أن "السلطات تعمل على أخذ العينات من مواقع التسمم، وترسلها إلى المعامل في طهران لتحليلها، ولكن نتائج تلك التحاليل لم يتم الإعلان عنها رسميا، وما تقوله وزارة الصحة تنفيه جهات أخرى".

وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن "هناك أدلة على أن السلطات المحلية، ثم السلطات العليا، كانت على علم بالقضية منذ البداية، ولكنها حاولت السيطرة على الأخبار ومحاصرتها بقدر الإمكان، ورغم انتشار القصة في طهران، لا تزال التقارير الإخبارية مشوشة ومحدودة للغاية".

وفي الأيام التي أعقبت انتشار أنباء التسمم في قم، عُقد لقاء مع الأهالي، لم يُسمح للصحفيين بحضوره.

وقال مراسل قم نيوز، علي بور طباطبائي، على تويتر، إن "لقاء قد عُقِد في الأيام الأولى للأزمة، ولكن المسؤولين لم يبلغوا الناس بشيء".

وكتب الصحفي في صحيفة "إيران"، إحسان بداغي، على تويتر، إنه واجه مشكلة في إعداد "تقرير ميداني بسيط" عن تسمم الفتيات.

ومع تصاعد الأزمة، وتكرار حوادث التسمم، زادت تصريحات المسؤولين الإيرانيين، ومنهم الوزراء المختصون، ولكن هذه التصريحات كانت متناقضة، ولم يكن بينهم اتفاق إلا على "تعمد" الحادث، وذلك خلافا لما كان يقال في البداية.

ففي الأيام الأولى من حالات التسمم، أعلنت السلطات المحلية، بما في ذلك محافظ قم، أن سبب التسمم هو غاز أول أكسيد الكربون المنبعث من أنظمة التدفئة، وقال إنه يجب فحص غرف المحركات في المدارس، لكن في الوقت نفسه، قال نائب قم في البرلمان إن الموضوع "مريب".

ثم عقد وزير الصحة، بهرام عين اللهي، ووزير التربية والتعليم، يوسف نوري، لقاء عاما مع أعضاء البرلمان، ذكر فيه وزير الصحة، أن "جرعة منخفضة من السم" كانت سبب التسمم.

وبعد الاجتماع، أعلن رئيس لجنة التعليم في البرلمان، علي رضا منادي سفيدان، نقلا عن تقرير لوزارة الصحة، أن "غاز النيتروجين هو سبب التسمم".

لكن بعد ساعات قليلة، أعلن وزير الداخلية، أحمد وحيدي، أنه بحسب التحقيقات التي أجريت في أماكن التسمم، فإن المسؤولين لم يعثروا على عامل محدد للقول بأن مادة سامة كانت وراء تسمم الفتيات.

من وراء الأحداث؟

في بحثه عن أسباب هذا التسمم، ذكر التقرير أن "معرفة دوافع مرتكبي هذه الحوادث يتطلب معلومات دقيقة وموثوقة، وهي ممنوعة حاليا من النشر، وما تم نشره هو مجرد تكهنات وتخمينات".

ففي أحد ردود الفعل الأولى، نُقل عن أستاذ الحوزة العلمية في قم، فاضل ميبدي، قوله إن عالم اجتماع في المدينة توصل في بحثه إلى استنتاج مفاده أن هناك طائفة تقوم بهذه الأعمال، وأن هذه الحوادث ليست مصادفة.

وأفاد الأستاذ بأن "هذه الطائفة شبيهة بحركة طالبان التي لا تسمح للفتيات بالذهاب إلى المدارس، ولكن هؤلاء يقولون إن الفتاة يجب أن تدرس حتى الصف الثالث الابتدائي".

وتعجب ميبدي من عدم تتبع الحكومة والمؤسسات الأمنية لهذا الاتجاه وتوضيح الأمر للشعب.

فيما علق الموقع: "رغم تصحيحه لاحقا، وقوله إنه لم يقصد الأمر على هذا النحو، فإن بعض مستخدمي الشبكات الاجتماعية الإيرانيين قالوا إن هذا يذكر بحوادث الاعتداء بالحمض على النساء وتشويه وجوههن في أصفهان، وهي الحوادث التي لم يُدَن فيها أحد".

وقال نائب وزير الصحة للبحوث والتكنولوجيا، يونس بناهي، إن "تسميم طالبات قم كان متعمدا، لأن هناك من يريد إغلاق مدارس البنات كافة"، وهو التصريح الذي نفاه لاحقا.

كما كتبت باحثة الدكتوراه في علوم القرآن والحديث بجامعة الزهراء، نفيسة مرادي،  على موقع "قم" الإخباري، إن "تركيز هذه الأحداث على مدارس البنات يزيد من الشكوك حول التخريب النابع من وجهات نظر الفكر الطالباني"، وحذف هذا المقال أيضا من موقع "قم نيوز".

وفي هذا السياق، أزيل تحليل من على موقع "قم نيوز"، حول النهج "الطالباني" في تعليم الفتيات.

ويظهر حذف مثل هذه التصريحات ونفيها وتصحيحها مدى حساسية الأجهزة الأمنية والمخابراتية الإيرانية تجاه هذه القضية.

ولم ينج النظام الحاكم من الاتهام بالوقوف خلف حوادث التسمم، فبالإضافة إلى الاشتباه في المتطرفين الدينيين، يعتقد البعض أن حركة "المرأة. الحياة. الحرية"، وهو شعار المتظاهرين في الشوارع، والذي انبثق من داخل المجتمع الطلابي، لمساندة الفتيات، بعد موت الفتاة مهسا أميني، تسبب في هذا التعامل معهن.

ومن ناحية أخرى، فإن المسؤولين الإيرانيين، بعد عدة أسابيع من الصمت، ورغم وصولهم إلى المعلومات عن طريق الأجهزة الأمنية والاستخباراتية وكاميرات المراقبة المدرسية، يتحدثون عن احتمال تورط "أعداء خارجيين" يريدون إغلاق المدارس.

وطرحت وكالة أنباء الإيرانية الرسمية ثلاثة سيناريوهات، ركزت على المجموعات المتطرفة، والطلاب أنفسهم، وأجهزة الأمن الأجنبية.

وبمرور ثلاثة أشهر، لا يزال سبب تسمم ومرض الطلاب غير معروف رسميا، والمسؤولون يختلفون في أسبابه، ولا يعلنون بوضوح عمن يقف وراء ذلك، رغم تلميح بعضهم إلى وجود "معارضين ومخربين".

وختم موقع "بي بي سي" تقريره بالقول: "مهما كانت نتيجة البحث، وأيا ما يكون السبب وراء حوادث التسمم، فإن المحصلة الحالية هي حالة الخوف التي اجتاحت المجتمع الإيراني، وتزايد قلق الأسر على فتياتها".