سعد الفقيه: هدفنا إزالة نظام بن سلمان من جذوره وهذه وسائلنا (حوار)

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الدكتور سعد الفقيه معارض سعودي بارز مقيم في لندن منذ 1994 وهو مؤسس الحركة الإسلامية للإصلاح ويعد أحد أبرز الناشطين الإسلاميين الإصلاحيين الموقّعين على بيان المطالب في أبريل/نيسان 1991 ومذكرة النصيحة في يوليو/تموز 1992.

بيان أبريل ومذكرة يوليو، خطابان تم تقديمهما للملك الراحل فهد بن عبد العزيز للمطالبة بالإصلاح السياسي بالمملكة ومحاربة الفساد حيث شارك الفقيه عام 1993 في تأسيس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية.

بعد تأسيس اللجنة اعتُقِل الفقيه لأربعة أسابيع في إطار سلسلة اعتقالات شملت بعض مؤسسي اللجنة وداعميها وتعذيب بعضهم وفصلهم جميعًا من وظائفهم بأمر ملكي، وإغلاق مكاتب محاماة بعضهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم والتشهير بهم إعلاميًا ومنعهم من السفر.

"الاستقلال" أجرت حوارا مع الفقيه تطرق فيه لواقع المملكة اقتصاديا وسياسيا وحقوقيا في ظل حكم الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده، والحرب التي يشنها الأخير على معارضيه، بخلاف الحديث عن مستقبل السعودية في ظل الأزمات التي تعيشها المملكة.

  • لوحظ في السنوات الأخيرة تزايد أعداد المعارضين.. لماذا خاصة في عهد سلمان وابنه؟

كل فئات الشعب صارت تعاني بشكل أو بآخر، وهناك من يغادر البلد من أجل أن يعارض سياسيا، وهناك من يغادر ناجيا بنفسه من ملاحقة شخصية من قبل السلطة وهناك من يغادر بعد تعرضه لأذى من متنفذين ولم تستطع السلطات حمايته، وهناك من يغادر لطلب الرزق بعد أن أقفلت أبواب طلب الرزق في وجهه.

أعداد المعارضين صارت بالآلاف وفي تقديري الرقم قد لا يقل عن 5 آلاف من الرجال والنساء، معظم اللاجئين هربوا لأسباب شخصية ولا يريدون أن يزداد عليهم الضرر بإعلان أنفسهم وخاصة النساء.

الرغبة في التصفية أو الخطف موجودة، ونفذت بالفعل مع معارضين، لكنها ليست للجميع بل لأهداف مختارة ممن يظن بن سلمان أنهم يمثلون خطرا حقيقيا على ملكه، مثل حادثة قتل جمال خاشقجي وخطف عدد من الأمراء في أوروبا.

في الفترة الأخيرة تتوالى شخصيات سعودية في إعلان معارضتها للنظام عبر تويتر من خلال مقاطع فيديو تظهر فيها بطاقتها الشخصية.. والمغزى هو إثبات الشخصية وتحمّل المسؤولية كاملة؛ لأن إعلام النظام والذباب الإلكتروني غالبا ما يشكك بحقيقة شخصيات المعارضين وجنسياتهم وحقيقة التفاصيل التي يذكرونها

  • ما الفرق بين المعارضة السعودية الآن والمعارضة في عهد الملك عبد الله؟

الفرق في الكم والنوع فقد ازدادت المعارضة عدديا وتميز فيها عدد من الشخصيات الثقيلة والمؤثرة. المعارضة في الجملة تسعى لتوعية الشعب في الداخل بحقوقه السياسية وحقه في المال العام وحقه في التمرد على الظلم والطغيان، وكان لها دور جيد في رفع مستوى الوعي، ويفترض أن يترجم هذا الوعي إلى عمل ميداني حقيقي يزيل النظام؛ فلعلنا قريبون من ذلك.

  • لماذا لا تتوحد المعارضة ويكون لها برنامج تطرح من خلاله مطالبها ورؤيتها وأهدافها؟

توجهات المعارضة ومناهجها ومرجعياتها متعددة، والتوحد صعب جدا بسبب ذلك، لكن لماذا لا نعتبر التعدد والتنوع والتكامل ميزة، لأن بعض التوجهات والتخصصات في المعارضة ليس من الحكمة أن تحسب على تيارات معارضة أخرى رغم أنها تكمّل بعضها بعضا، لكن لن تكون المعارضة في الخارج ذات قيمة ما لم تلمس هموم ومشاكل السعوديين بالداخل.

  • المعارضة بالخارج.. هل يمكن أن تتحول إلى قوة تبطش بالنظام وكيف؟

إن كان المقصود بالبطش هو إزالة النظام من جذوره فنعم هناك تيارات معارضة تريد ذلك تحديدا ونحن منهم ولا نقبل بأنصاف الحلول، وسائلنا لتحقيق ذلك حاليا تتمثل في الإعلام ووسائل التواصل والعلاقات التنظيمية مع المجتمع والقبائل واختراق الجيش والحرس والأمن والمؤسسات الحساسة في الداخل، مثلا انطلقت حملة النحل الإلكتروني التي كنا ننتظرها منذ زمن حتى تكافئ أو بالأحرى تتغلب على الذباب الإلكتروني لبن سلمان. نحن نتمنى أن يسقط النظام بثورة شعبية سلمية منضبطة، لكن قد تسبقنا تداعيات إقليمية مثل توغل الحوثي في الداخل أو حرب مع إيران أو مشاكل في العائلة الحاكمة أو عودة العمل المسلح ضد رموز السلطة. والمعارضة الخارجية لا تستطيع إسقاط النظام إلا باستجابة الشعب لها من الداخل.

  • هل يمكن أن يحدث انقلاب على بن سلمان من داخل العائلة المالكة؟

بالمعطيات الحالية لا يمكن، وتبيّن أن العائلة الحاكمة أجبن وأضعف من أن تبادر بعمل ضد بن سلمان، ولا يتوقع أن يحصل شيء من ذلك إلا إذا تغير رئيس أمريكا.‎

  • لكن هناك شخصيات كانت محسوبة على المعارضة والآن تغازل السلطة؟

هذه الشخصيات لم تتراجع فقط للمغازلة، بل صارت في حضن السلطة بالكامل، وهي ظاهرة ليست جديدة، فقد عاد معارضون سابقون للبلد وتحولوا إلى عملاء، وسبق أن أطلق سراح معارضين من السجون وتعاونوا مع السلطة ضد المعارضة بدرجات متفاوتة من التعاون.

  • أين المواطن السعودي في المعادلة؟

المواطن السعودي مغلوب على أمره لكن بإمكانه حاليا أن يقف مع دعاة الإصلاح بقلبه ولسانه ونفوذه وماله وأهله وعلاقاته وعمله وعلمه، ويسعى بما يستطيع لتحقيق التغيير، ويكون جاهزا للانخراط في أي عمل ميداني يؤدي للإطاحة بالنظام.

  • ما رؤيتكم للمرحلة المقبلة في المملكة؟

المرحلة القادمة تعتمد على ما ذكرت من سيناريوهات، حرب مع إيران، توغل الحوثي، انقلاب في العائلة الحاكمة، عمل مسلح، ثورة سلمية، أو بقاء بن سلمان في السلطة دون حدوث أي من هذه الاحتمالات.

السلطة المطلقة

  • ما الصعوبات الاقتصادية التي تواجه السعودية؟

البلد بها موارد اقتصادية ضخمة، والموارد تكفي 10 أضعاف سكان المملكة، لكن السلطة المطلقة للحاكم واعتقاده بأنه يملك الأرض ومواردها تجعل استفادة الشعب منها ضئيلة وتجعل احتمالية الانهيار الاقتصادي واردة. إذا كانت الموارد تصادَر من قبل الحاكم ولا يصل منها لمصلحة الوطن إلا أقل من الربع، وإذا كان قرار التنمية الاقتصادية استهلاكيا لحرق هذه الموارد فقط، فلا شك أن الاتجاه هو للانهيار.

  • ماذا حققت رؤية 2030 منذ إعلانها وحتى الآن؟

من قال أن هناك رؤية أصلا؟ الرؤية التي نشرت لم تكن إلا كلاما إنشائيا شعاراتيا لا يمثل برنامجا تطبيقيا واقعيا ولا أهدافا قابلة للقياس. لم يتغير جوهر التعامل مع الاقتصاد بالأسلوب الامتلاكي الذي كان سائدا قبل محمد بن سلمان. 

الذي أضافه بن سلمان هو مزيد من الاستحواذ على الدخل العام بسحب الاحتياطي واقتراض الدولة وإضافة مزيد من سرقة الدخل الخاص بفرض الضرائب ورفع أسعار الخدمات والوقود ومصادرة أملاك الأغنياء. 

كل هذه الأموال تنتهي لجيب المتنفذين ولا يعاد تدويرها في برنامج تنمية أو مشاريع فيها مصلحة للوطن أو ضمان اجتماعي أو تغذية لبرامج استثمار تحرّك المال. 

ولذلك ما حققته رؤية 2030 هو تلاشي الاحتياطي لأقل من ثلث ما كان عليه وارتفاع الدين العام أكثر من 10 أضعاف واختفاء أكثر من 2 تريليون ريال ولم يتحقق شيء في البنية التحتية ولا التنمية.

  • ما مصير المليارات التي دفعها بن سلمان مقابل شراء تلك الرؤية؟

إن كان المقصود ما دُفع لشركة ماكينزي فمشروع الرؤية كان فضيحة حيث دفع 4 مليارات ريال مقابل كتابات تافهة يكتبها طالب في سنة أولى اقتصاد، وهذا نتيجة طبيعية لغياب المشاركة السياسية والمحاسبة والشفافية.

  • هل يمكن محاسبة بن سلمان عن هذا الفشل؟

أفترض أن المقصود ليس محاسبته وهو في منصبه، لأنه سيكون سؤالا مضحكا، فكيف لشخص يملك السلطات الثلاث أن يُحاسب؟ لكن إن كان السؤال هل هناك فرصة لتغيير الموازين حتى يحاسب بن سلمان فلا يمكن تحقيق هذا الأمر إلا بإزاحته عن السلطة أولا بأي وسيلة كانت.

  • ماهي الفئات التي تضررت بشكل مباشر من خطط بن سلمان؟

تضرر الشعب بكامله في ارتفاع أسعار الوقود والخدمات وفرض الضرائب واستمرار مشاكل السكن دون أي تحسن في مستوى الدخل، كما تضرر الشعب كله بارتفاع نسبة الجريمة والمخدرات والتفكك الاجتماعي والتفسخ الأخلاقي.

وتضرر الشباب الباحث عن العمل بارتفاع نسبة البطالة، وتضرر دعاة الإصلاح من مثقفين وعلماء دين وإعلاميين وأكاديميين وشيوخ قبائل بالاعتقال والتعذيب والتغييب أو الإسكات، وتضرر الجيش والحرس من حرب اليمن حيث بلغ عدد القتلى والمصابين عشرات الألوف.

  • هل حملة اعتقالات الريتز كارلتون كانت تهدف فعليا لمحاربة الفساد؟

اعتقالات الريتز لها هدفان، الأول: إرغام أنف أبناء عمومة بن سلمان وإرهابهم حتى لا يفكروا بأي تمرد عليه وقد تحقق هذا الأمر، والثاني: استحواذ بن سلمان شخصيا على أموالهم باستخدام سلطته. أما زعم أنها تمت لمحاربة الفساد فهذا ليس إلا غطاء لتحقيق الهدفين المذكورين.

بن سلمان كان يهدف لجمع أكثر من 200 مليار وكان يظن أن البنوك والمؤسسات العالمية سوف تتعاون معه ضد المعتقلين لكن هذا لم يحدث ولذلك فالمعتقد أنه لم يجمع أكثر من 50 مليار ريال كلها انتهت لجيبه وليس لخزينة الدولة.

العلاقات مع واشنطن

  • إلى أين تتجه العلاقات الاقتصادية بين أمريكا والسعودية؟

العلاقات بين السعودية وأمريكا هي علاقات بين ترامب ومحمد بن سلمان فقط، حيث بنيت على علاقة مالية شخصية بينهما حين دفع بن سلمان لترامب شخصيا كمية كبيرة من المال واستمر يبتزه بها دائما. هذه العلاقة بالطبع لا تلغي الإستراتيجية الأمريكية التقليدية في المملكة والمنطقة لكن هذه الإستراتيجية صارت أمرا ثانويا على علاقة الرجلين. للأسف بن سلمان يقبل أن تهان المملكة مقابل أن يكسب ترامب المزيد من الأصوات حتى يبقى في السلطة.

  • كيف أثرت حرب اليمن على اقتصاد المملكة؟

تأثير الحرب هو في الاستهلاك الحربي للذخيرة غالية الثمن وخاصة صواريخ الطائرات والدعم اللوجستي وتعويض الآليات المدمرة وقد بلغت تقديرات مؤسسات مالية واستخباراتية عالمية أرقاما كبيرة. 

  • .. واغتيال خاشقجي؟

ليس لها تأثير مباشر حتى الآن، لكن إذا وصلت قضية خاشقجي إلى مستوى تحقيق دولي حقيقي وأجبرت الشركات العالمية بشيء من المقاطعة للمملكة فحينئذ سيكون لها دور وهذا أستبعده والله أعلم.

  • لو كان الأمر بيدكم.. ما هي الأولويات في التعامل مع الوضع الاقتصادي؟

المراجعة الفورية لكل موارد البلد وحمايتها، ومصادرة ما سرقه المتنفذون وإعادتها للخزينة، وتشكيل مجلس اقتصادي من المؤهلين اقتصاديا والموثوق بأمانتهم، أولا من أجل حل المشاكل الفورية في البطالة والسكن والفقر وتحسين الخدمات وتخفيض الأسعار وإلغاء الضرائب، وثانيا لوضع خطة اقتصادية تنموية بشريا وماديا وتنمية الدخل وحفظه للأجيال القادمة.

  • هل بالفعل الرياض بدأت مغازلة المستثمرين السعوديين بعد هروب الأجانب؟

المغازلة قديمة ولم تتوقف، لكن ليس لها قيمة إذا كان التطبيق مرعبا للمستثمرين. لا توجد أرقام عن حجم الاستثمارات الأجنبية التي هربت من المملكة في الفترة الأخيرة، لكن هناك حقيقة مهمة وهي أن هروب الأموال بدأ منذ تصاعد نفوذ بن سلمان ووصل ذروته بعد حملة الريتز كارلتون وليس بعد قتل خاشقجي. بن سلمان شدد بقوة على مراقبة ومنع خروج رؤوس الأموال وكان من الممكن أن تكون المبالغ المهربة أضعاف ما تم خروجه لولا هذا التشديد.

  • لكن المستثمرين السعوديين ما زال لديهم القدرة على النهوض بالاقتصاد

الاقتصاد في المملكة في آلياته الحالية لا يعتمد على المستثمرين بل على النفط بفكرة الاقتصاد الاستهلاكي أحادي الاتجاه، ولا يوجد أي استثمار تدويري للمال، بل إن ثقافة الاقتصاد الدارجة في المملكة لا تسمح لأحد بالتفكير بالاقتصاد المتكامل. لا يمكن أن تحقق المملكة أي تنمية متكاملة سواء في الصناعة أو الزراعة أو الخدمات أو الاقتصاد المتكامل قبل التخلص من سلطة الامتلاك.

  • يمكن للمملكة أن تؤسس مناطق خدمات لوجيستية في موانئها وعلى طول شواطئها الممتدة شرقا وغربا.

الحاكم يعتقد أن سلطته ونفوذه وامتيازاته ليست بحاجة لمثل هذه المناطق ولذلك لا يهمه حتى وإن كان فيها مصلحة للوطن.

حرب اليمن

  • ماذا يعني وقف أمريكا وبريطانيا توريد الأسلحة إلى المملكة؟

إن تم تنفيذ ذلك فعلا فستنهار المملكة عسكريا لأن 70 بالمئة من السلاح والذخيرة من أمريكا وبريطانيا، ولا تستطيع المملكة تغيير مصادر السلاح إلا بعد مدة طويلة. وعلى كل حال استبعد أن تمنع أمريكا تصدير السلاح لبن سلمان وسوف يستخدم ترامب الفيتو لإسقاط قرارات الكونغرس.

  • هل لذلك تأثير على حرب اليمن؟

حرب اليمن خسرها بن سلمان حتى بدون منع هذه الأسلحة.

  • سيطرة المملكة على المهرة اليمنية.. هل بسبب حماية الشرعية كما أعلنت أم أن هناك أهدافا أخرى؟

الهدف هو توفير شريط بري بعرض 10 كم يمدد من خلاله أنبوب نفط للبحر العربي حتى تستغنى المملكة عن التصدير في الخليج ومن ثم لا تكون الناقلات تحت رحمة القصف الإيراني، والمشروع هذا مبارك ومدعوم من أمريكا.

  • حال اندلاع حرب مع إيران.. ما الخسائر الاقتصادية المتوقعة للمملكة؟

يعتمد مستوى الخسارة على مدى انتشار الحرب وطول أمدها ولذلك من المتوقع أن يأخذ 3 مستويات. المستوى الأول دمار محدود في صناعة النفط، المستوى الثاني خسائر بشرية بين العسكريين والمدنين وخسائر مادية بسبب القصف الذي يصيب المنشآت الحيوية، المستوى الثالث دمار شامل لكامل البلد وسيطرة الحشد الشعبي العراقي على شمال المملكة والحوثيين على جنوب المملكة وشيعة الخليج على المنطقة الشرقية وسقوط النظام ومذابح وحالة من الفوضى الشاملة. وأخشى أن يكون الاحتمال الثالث هو الأرجح.