مجلة فرنسية: زعماء إفريقيا بقمة المناخ غاضبون من نفاق الدول الصناعية

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تستضيف مدينة شرم الشيخ المصرية مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب 27" بين 6 و18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بحضور دولي لافت، وتركز القمة على تخفيف آثار التغير المناخي على الدول الأكثر تضررا، وفي مقدمتها البلدان الإفريقية.

وأوضحت مجلة جون أفريك الفرنسية أن الدول الإفريقية الأكثر تأثرا بالتغير المناخي تعاني بصورة متصاعدة من كوارث الجفاف والفيضانات والتصحر، رغم أن الدول الصناعية هي المسؤولة عن نحو 80 بالمئة من انبعاثات الاحتباس الحراري.

إحباط عام

وأكدت المجلة الفرنسية أن الأفارقة سئموا من انتظار الوعود المالية التي لا تنفذ أبدا من قبل البلدان الصناعية. 

وبينما يتحمل الأفارقة وطأة عواقب تغير المناخ، فإن زعماء هذه الدول الإفريقية مصممون على إسماع صوتهم.

ومن المتوقع أن تكون المفاوضات خلال الدورة الـ27 من القمة، لأن الأفارقة مستاؤون، بل وغاضبون، مما يعدونه شكلا من أشكال النفاق من جانب البلدان الصناعية.   

وقد تجلى ذلك بشكل كامل في سبتمبر/ أيلول 2022 من خلال فشل قمة روتردام، وهو المؤتمر المعني بالتكيف مع تغير المناخ في إفريقيا.

وكان هذا المؤتمر، وهو مبادرة أطلقها الأفارقة في "كوب26"، من أجل تعبئة 25 مليار دولار لتمويل التكيف مع تغير المناخ في القارة الإفريقية.

لكن فشلت حملة التعبئة و كان إخفاقا حقيقيا، وانتهى بها المطاف بوعد تمويلي سخيف قيمته، 55 مليون دولار.

وفي أول تعليق له بعد بضعة أسابيع، خلال زيارته باريس، صرح الرئيس الغاني "نانا أكوفو-أدو" بالقول: "55 مليونا من أجل 54 دولة.. هذا ليس منطقا أو عدلا". 

وأضاف أن تطبيق مبدأ الإنصاف مع الدول الإفريقية لا يعني أن تقدم لها فقط ماتيسر من مستحقاتك، بل هو أن ترفض الاستفادة من فوائد (أموال) لا تخصك، مؤكدا "ما نطالب به من مستحقات لا علاقة له بالصدقة".

وأوضحت المجلة الفرنسية أن الدول الإفريقية فهمت بالفعل الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه.

وفي هولندا مثّل الرئيس الغاني القارة إلى جانب الرئيس السنيغالي "ماكي سال" ورئيس الكونغو الديمقراطية "فيليكس تشيسكيدي".

ولم يرق التزام القادة الغربيين (السياسيين والصناعيين) بتوقعات اجتماع هولندا فحسب، بل وقبل كل شيء، لم يتكيف هؤلاء القادة مع هذا الاجتماع الذي تمت دعوتهم إليه.  

وعن ذلك قال الرئيس السنغالي وهو أيضا الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي: "تترك تلك الممارسات طعما سيئا في أفواهنا"

وأضاف في كلمته التي ألقاها أمام المجموعات الصناعية الأوروبية الكبرى: "هؤلاء، هم الملوثون الرئيسون لهذا الكوكب، وهم من يجب أن يمولوا هذه التغييرات".

فاتورة باهظة

وفي غضون ذلك تستمر احتياجات البلدان النامية في الازدياد، إذ قدرتها مؤخرا اللجنة الدائمة المعنية بالتمويل التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ بما يتراوح بين 5000 و11000 مليار دولار.

وبالنسبة لممثلي القارة الإفريقية لم يعد الأمر يتعلق بمواصلة وضع قوائم لا نهاية لها من الملاحظات والوعود. 

خاصة مع حقيقة أن اقتصاداتهم هي تلك التي تساهم بأقل قدر في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. 

 ومن المعروف جيدا أن الدول الإفريقية هي الأكثر ضعفا من حيث الهيكلة، وهي في المقابل الأكثر تضررا من الجفاف والفيضانات وما شابه ذلك.

أخيرا، لا جدال في أن القارة هي الأفضل في تقديم الحلول للكوكب بسبب غطاء الغابات.

والحديث هنا خاصة عن حوض نهر الكونغو في وسط إفريقيا وهو ثاني أكبر مساحة خضراء في العالم، والمهمة في توفير مصادر الخلايا الكهروضوئية والمعدنية والهيدروليكية. 

وهناك سؤال ملح واحد فقط مهم الآن: متى ستأتي البلدان الصناعية، لا سيما دول مجموعة العشرين المسؤولة عن 80 بالمئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أخيرا بحلول مالية كبيرة للتعامل مع هذه القضايا؟ 

ويعتقد الفرنسي "باسكال لامي"، المدير العام السابق لمنظمة التجارة العالمية وعضو مجلس إدارة مؤسسة محمد إبراهيم (أسسها رجل الأعمال السوداني محمد إبراهيم عام 2006) أن البنك الدولي لديه أيضا مسؤولية مهمة يجب أن يتحملها.  

يقول لامي إنه "مؤسسة من المفترض أن تحارب الفقر، لكنه يتقاعس عن مشكلة المناخ التي تسبب الفقر في إفريقيا".

كما يلخص "آيف بازيبا"، وزير البيئة في الكونغو الديمقراطية، الأمر جيدا قائلا: تجد البلدان الإفريقية صعوبة متزايدة في الاختيار بين مكافحة "الفقر المدقع" وتمويل "الفاتورة الباهظة لدفع تكاليف التكيف لتغير المناخ ".  

ونتيجة لذلك قررت بلاده مؤخرا إطلاق عمليات التنقيب عن النفط واستغلاله في جزء من غاباتها وأراضي المستنقعات.

وفي مدينة شرم الشيخ الساحلية الشهيرة، يتمحور السؤال في الواقع حول مسألة آليات التمويل (الإعانات والاستثمارات طويلة الأجل) لمساعدة الاقتصادات الإفريقية على تكييف إستراتيجيات التنمية الخاصة بها مع تغير المناخ.  

وسيكون موضوع الانتقال الطاقي أيضا في قلب المناقشات، وهو موضوع قريب بشكل خاص من البلدان المنتجة للنفط والغاز.  

وهناك من يعتقد أنه بغض النظر عن المبالغ التي تم الإفراج عنها للتكيف مع المناخ، يجب أن يكون هذا الانتقال "عادلا ومتوازنا".

بعبارة أخرى، يجب أن تستمر الاقتصادات الإفريقية، خلافا للقرارات التي اتخذت في مؤتمر المناخ الأخير (كوب 26) لخفض الإعانات المالية وتمويل الوقود الأحفوري، لاستغلال الأخير لدعم تنميتها.  

وقد عبر الرئيس السنيغالي عن هذا الموقف بشكل خاص في يونيو/ حزيران 2022، قائلا: "من غير المعقول أن أولئك الذين استغلوا النفط والفحم وزيت الوقود لأكثر من قرن يمنعون البلدان الإفريقية من تنمية مواردها".

وكذلك الحال مع نائب الرئيس النيجيري، ييمي أوسينباجو، الذي أكد عند الإعلان عن خطة الانتقال الطاقي في بلاده هذا العام، والتي تقدر تكلفتها بـ 410 مليارات دولار، أنه: "بالنسبة لإفريقيا فإن مشكلة فقر الطاقة لا يقل أهمية عن طموحاتنا المناخية".   

وتم تعزيز وجهة نظر ماكي سال و يامي أوزينباجو إلى حد ما من قبل وكالة الطاقة الدولية، عندما أكدت أن البلدان الإفريقية التي تستخدم الوقود الأحفوري على المدى القصير، للاستخدام المحلي وليس للتصدير، سيكون لها تأثير ضئيل على الانبعاثات العالمية. 

ولكن هل يتوجه ذلك الإنتاج فقط للاستخدام المنزلي؟  

 يجيب باسكال لامي إن "الأمر متروك للأفارقة ليقرروا ما إذا كانوا ينتجون فقط من أجل استهلاكهم الخاص أو ما إذا كانوا يريدون التصدير".   

ويضيف الاقتصادي الفرنسي: "لديهم القدرة الكافية على تصدير واستهلاك تلك الثروات الطاقية الباطنية محليا لإنتاج الطاقة أو الأسمدة أو تحلية مياه البحر".

ويخاطب الدول الصناعية قائلا: "عليكم التعود على فكرة أن الانبعاثات الإفريقية لا بد أن تزداد نظرا للنمو الديموغرافي والمستوى العالي للاحتياجات".

التمويل الأخضر

وتتردد المؤسسات متعددة الأطراف، والبنوك الخاصة، وشركات التأمين، أو المستثمرون من جميع الأنواع، المقيدون بالأنظمة البيئية والاجتماعية والحوكمة، في أوغندا مثلا، في دعم تطوير حقول النفط.

 في هذا الصدد تميز بنك الاستثمار الأوروبي مؤخرا بالموقف القاطع لرئيسه فيرنر هوير، الذي يرغب في وضع حد لتمويل إنتاج الغاز في القارة الإفريقية، رغم اعتباره، شأن الطاقة النووية، كطاقة انتقالية من قبل الاتحاد الأوروبي.

ويقول باسكال لامي إن "هذه مواقف تعاقب الأفارقة بشكل خاص، لأن الاقتصادات المتقدمة يمكنها الاستغناء عن هذا النوع من المؤسسات".

لكن في القارة هناك أيضا العديد من الأصوات التي تدافع عن نموذج قائم على تعزيز الطاقات المتجددة.  

من بينهم "إيفانز أوسانو"، مدير " البحث عن أسواق لرؤوس الأموال" في منظمة "تعزيز القطاع المالي في إفريقيا" المتخصصة في التمويل الأخضر والتي تتخذ من العاصمة الكينية "نيروبي" مقرا لها. 

ويقول أوسانو إن القارة ليس لديها نفس البنية التحتية للطاقة مثل الغرب، لذلك يمكنها تجاوز مرحلة تطوير الوقود الأحفوري وإنشاء نظام جديد الآن.

ويعتقد أن تطبيق الممارسات الجيدة في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والمياه والطاقة والموارد المعدنية، وهي المحركات الرئيسة للنمو الاقتصادي في القارة، يمكن أن يساعد في توجيه البلدان نحو الطاقة المتجددة، مع خلق فرص العمل وتطوير محلي لقطاعات صناعية "خضراء".

وفقا لهذه المنظمة الكينية، يمكن أن تكون فرصة للبلدان الإفريقية لإعادة توازن القوى بين الشمال والجنوب من خلال القيام بالأشياء بشكل صحيح منذ البداية، أو بالتعلم من أخطاء الغرب.

ويعتقد "باتريك فيركوين"، المدير العام لـ "المركز العالمي للتكيف"، وهي منظمة دولية تعمل كوسيط في تنفيذ حلول التكيف مع المناخ، أن الطريقة الوحيدة لوقف حالة الطوارئ المناخية هي "التأكد من أن الأموال التي تتدفق إلى إفريقيا تتداول في إفريقيا فقط ".  

ويجادل بأن هذا التدفق يجب أن يحدث في الوقت الحاضر، الآن. 

لكن كما يقول "محمود محيي الدين" القيادي المصري رفيع المستوى في "كوب27" فإن "المال ليس كافيا".  

وتوضيحا لذلك، صرح لـ جون أفريك بقوله "يتعلق الأمر أيضا بالخبرة التقنية، وتبادل المعرفة والتقدم في البحث والتطوير". 

ويضيف "اليوم نشعر براحة أكبر عند الحديث عن مصادر الطاقة المتجددة، لأنه كان هناك انخفاض كبير في التكلفة بنسبة 95 بالمئة تقريبا، لا سيما في حالة الطاقة الشمسية خلال السنوات العشر الماضية". 

وعلى الرغم من إحجام العديد من الشركات عن الاستثمار في مشاريع الطاقة في إفريقيا، بدعوى أن المخاطر أعلى من أي مكان آخر، فمن الواضح أن الطاقة المتجددة في إفريقيا قد زادت بأكثر من 24 جيجاوات منذ عام 2013. 

وأجزاء كبيرة من هذا النمو مدفوعة بمشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في شمال وشرق إفريقيا، لا سيما في مصر والجزائر وتونس والمغرب وإثيوبيا.

وتظهر بعض الأمثلة الأخرى في أجزاء أخرى من القارة. ففي السنغال، على سبيل المثال، مكنت التكنولوجيا الكهروضوئية البلاد من بناء أرخص مصدر للطاقة.  

وبالمثل، تقوم جنوب إفريقيا حاليا بما سيكون أكبر استثمار لها في الطاقة المتجددة: مشروع ريدستون للطاقة الشمسية المركزة بقيمة إنتاجية ستبلغ 100 ميجاوات. 

وفي كينيا، ينتج مشروع طاقة الرياح في بحيرة توركانا 310 ميغاوات بالفعل، وهو ما يكفي لتزويد أكثر من مليون منزل بالطاقة.

وحتى لو تابعت إفريقيا جميع مشاريعها الخاصة بالتكيف مع المناخ، فإنها لن تحميها من تغير المناخ المتصاعد الناجم عن عدم قدرة الغرب على تحقيق أهدافه الخاصة.