صحيفة تركية تتنبأ بمستقبل المجلس العسكري في السودان

12

طباعة

مشاركة

فرص الوصول بالثورة السودانية إلى بر الأمان كبيرة جدًا، سيما في ظل وحدة الرأي والكلمة التي تتمتع بها المعارضة السودانية. بحسب الكاتب التركي إسماعيل ياشا، في مقاله الذي نشرته صحيفة "ديرليش بوسطاسي" التركية، حول الدروس المتعلقة بثورة السودان التي لا تزال تجري حتى الآن.

ومضى قائلا، بعد الإطاحة بعمر البشير، طالب الشعب السوداني بتشكيل حكومة مدنية ووضع حد لنظام الوصاية العسكرية، هذه المطالب قابلها المجلس العسكري في السودان بالرفض فأعلنت في المقابل قوى الحرية والتغيير إعلان العصيان المدني. 

واعتبر الكاتب، أنه يمكن القول إن المرحلة الأولى من العملية، التي أيدتها غالبية الناس، كانت مصممة على الاستمرار حتى نهاية الحكم العسكري قد نجحت، إذ تم بالفعل الإطاحة بعمر البشير وكذلك أثبتت المعارضة حتى اللحظة أنها ند للمجلس العسكري وخصم عنيد له. 

أما العصيان المدني والعمل السلمي، فقد حوّل العاصمة السودانية الخرطوم إلى مدينة أشباح، ما جعل عشرات الآلاف من الناس يختارون البقاء في منازلهم، كما توقفت خدمات الطائرات والحافلات، وكانت الشوارع فارغة والمحلات مغلقة. ولفت الكاتب إلى أن العطلة في السودان هي يومي الجمعة والسبت ويعني ذلك، أن يوم الأحد هو أول يوم عمل في الأسبوع وهو اليوم الذي شهد العصيان المدني في السودان.

العسكر يشعر بالخطر

وجاء العصيان والإضراب العام، بعد قرار المجلس العسكري فض الاعتصام الذي كان مستمرًا أمام مقر الجيش في العاصمة الخرطوم، وبعد تنفيذ قرار الفض على وجه الدقة، حيث سقط العشرات من السودانيين بين قتيل وجريح، بعد أن توقفت المفاوضات بين قوى إعلان الحرية والتغيير في السودان والمجلس العسكري من جهة أخرى.

وبعد الإطاحة بالرئيس عمر حسن البشير، أقام المحتجون اعتصاما منذ 6 أبريل/نيسان الماضي أمام مقر قيادة الجيش للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين. وبدأ الطرفان مباحثات حول الفترة الانتقالية دون التوصل إلى اتفاق على تركيبة الهيئة الحاكمة الجديدة.

تم تنفيذ هذه الجهود بنجاح، فالإطاحة بالنظام العسكري أمر لا مفر منه، بحسب الكاتب، وإدراكًا منه لهذه الحقيقة، يبحث المجلس العسكري عن طرق لكسر مقاومة الناس.

وتسببت إجراءات الجيش السوداني والمجلس العسكري، الذي تولى زمام الأمور في السودان عقب الإطاحة بنظام البشير، في سقوط العشرات بين قتيل وجريح، إلا أن بيان المجلس كان عاديا، وإن تم خروج العديد من الجنود عن السيطرة وفتح تحقيق بالحادث، مشددًا على أن العديد من الجنود المتورطين بإطلاق نار على المتظاهرين تم اعتقالهم.

جرائم حميدتي

وأوضح على أنه من المعروف أن أعمال العنف والمذابح التي استهدفت المتظاهرين في السودان نفذتها القوات بقيادة نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي".

ويقود حميدتي، قوات الدعم السريع في السودان المتهمة بالفض الدامي لاعتصام الخرطوم، وقد تحوّل خلال سنوات قليلة من قائد ميليشيا في دارفور غرب السودان، بداية النزاع فيها، إلى أحد كبار الفاعلين في البلاد. وتسلق سلّم السلطة أثناء هذه الحرب العرقية التي اندلعت في العام 2003.

وترأس دقلو مجموعات من "الجنجويد"، وهي ميليشيات سابقة من القبائل العربية التي انتهجت سياسة الأرض المحروقة في إقليم دارفور ومتهمة بارتكاب العديد من التجاوزات، ما دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرتي توقيف بحق الرئيس السابق عمر البشير بتهم ارتكاب "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" وبعدها جرائم "إبادة".

ويقود حميدتي حالياً مجموعة عسكرية هي الأوسع نفوذا في السودان وتعرف باسم "قوات الدعم السريع" المرهوبة الجانب، والمتهمة بممارسة أعمال قمع دامية بحق متظاهري حركة الاحتجاج السلمية التي تهزّ النظام منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018.

وواصل ياشا، قائلا: "لا يمكن إلقاء اللوم ومسؤولية المذابح على شخصين أو ثلاثة". إذ كان الناطق باسم المجلس العسكري الانتقالي، شمس الدين كباشي، أقر بما سماها "تجاوزات ارتكبها ضباط من القوات النظامية" في عملية فض الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم يوم 3 يونيو/حزيران الجاري.

وقال إن المجلس شكّل لجنة للتقصي في التجاوزات، وأن الضباط سيتم تقديمهم لمحاكمات خلال 72 ساعة، داعيا قوى الحرية والتغيير إلى وقف ما أسماها بـ"الأحاديث السالبة في الإعلام حول جثث فض الاعتصام".

وذكّر المقال بما ارتكبته هذه القوات في إقليم دارفور، من انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب من أجل تفريق المتظاهرين أمام مقر الجيش. مشيرا إلى الأنباء الخطيرة، التي تفيد بأنه تم في الفض الأخير، إلقاء أجساد القتلى في النيل واغتصاب النساء والأطفال، الذين كانوا يتلقون العلاج في العيادات الطارئة أثناء عمليات الجيش في الإقليم، وأوضح الكاتب بأن هذه الادعاءات جادة وعليها الكثير من الاثباتات.

أكاذيب السعودية والإمارات

الكاتب انتقل إلى نقطة أخرى؛ وهي أن الرياض وأبوظبي اللذين دعما الانقلاب في مصر، يدعمان ما وصفه بـ"الطغمة الحاكمة" في السودان بكل أنواع الدعم. إذ تلجأ وسائل الإعلام في السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى أكاذيب لا يمكن تصورها لتبرير مذابح قام بها الجنود السودانيون وتشويه سمعة المتظاهرين الذين يريدون وينادون بحكومة مدنية.

واستند ياشا إلى أحد الأمثلة الأكثر وضوحا على الدعاية السوداء، التي تقوم بها وسائل إعلام البلدين، وهي أن "صحيفة الاتحاد" التي تصدر في الإمارات، ادعت أن "أولئك الذين تدخلوا أمام مقر الجيش وفتحوا النار على السكان المدنيين كانوا أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين يرتدون ملابس عسكرية".

وقال الكاتب إن الجزائريين والسودانيين أعادوا الروح إلى الربيع العربي عبر تنفيذ اعتصاماتهم وتظاهراتهم بوعي ونجاح حتى الآن؛ ومع العصيان المدني، دخلت الثورة في السودان مرحلة جديدة. إذ أظهر أنه بالوحدة والنزاهة اللتين وضعهما ضد الطغمة العسكرية، ولن يقع في الخطأ الذي وقع به الشعب المصري.

وأضاف المقال أنه إذا لم تدخل الفتنة بين صفوف السودانيين ولم تضعف وحدتهم، وإذا تمكنوا من إدارة الجهود المقبلة بذات النجاح التي قادوه من قبل؛ فإن لديهم فرصة جيدة لتحقيق هدفهم النهائي وحظهم في الوصول إلى أهدافهم.

وخلص ياشا إلى أن تحالف قوى الحرية والتغيير في السودان تعيق العصيان المدني مؤقتا "لإعادة ترتيب الأوضاع بحيث تستمر المقاومة بشكل أقوى وأكبر"، ودعا إلى "الاستمرار في الاستعداد والتنظيم للجان الأحياء ولجان الإضراب في القطاعات المهنية والعمالية المختلفة"، في حين اعتبر المجلس العسكري الانتقالي أن تشغيل شبكة الإنترنت "يهدد الأمن القومي" للبلاد.